"واشنطن بوست": رصاص الجيش والنهب يُضاعفان أزمة التجويع بغزة
تاريخ النشر: 3rd, August 2025 GMT
غزة - ترجمة صفا
رصدت صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية ما قالت إنها مشاهد فوضوية تجسد حالة اليأس داخل قطاع غزة المحاصر جراء استمرار الجيش الإسرائيلي استهداف المجوعين في أماكن توزيع المساعدات.
وجاء في تقرير مطول للصحيفة اليوم الأحد أن تلك المشاهد يعززها أيضًا الفوضى والنهب للشاحنات التي يسمح جيش الاحتلال بدخولها إلى القطاع.
وقالت إنه وحتى مع ادعاء "إسرائيل" - تحت ضغط دولي متزايد- أمس السبت عن تخفيف القيود على دخول الغذاء إلى غزة؛ فإن النهب وإطلاق النار والعراقيل البيروقراطية ما زالت تعرقل إيصال المساعدات بشكل شبه يومي.
وعلى الرغم من وعود "إسرائيل" بإنشاء ممرات آمنة هذا الأسبوع، يقول مسؤولو الأمم المتحدة إن الواقع الميداني لم يتغير.
ووفقًا لمسؤولين إغاثيين، فإن النتيجة هي أن الأوضاع بالنسبة لأهالي غزة ما زالت كارثية، مع وصول جزء ضئيل فقط من المساعدات إلى من هم في أمسّ الحاجة إليها، بينما الإصابات والوفيات في ازدياد.
ونقلت الصحيفة عن منظمة اللاجئين الدولية – وهي أكبر هيئة دولية مختصة بأزمات الجوع هذا الأسبوع قولها إن "أسوأ سيناريو للمجاعة يحدث حاليًا" في غزة. وبحسب مسؤولين في وزارة الصحة في المدينة، استشهد ما لا يقل عن 154 شخصًا بسبب سوء التغذية منذ بداية العدوان، الغالبية العظمى منهم في يوليو.
وقال رئيس المنظمة جيريمي كونيانديك، ومسؤول سابق أشرف على جهود إنسانية في إدارتي بايدن وأوباما: "سيكون هناك فترة من هذه المشاهد الخاصة باقتحام قوافل المساعدات حتى يتدفق مستوى كافٍ ومتسق من المساعدات".
وأضاف: "هذا نتيجة حتمية ولا مفر منها لمستوى الحرمان الذي فرضته الحكومة الإسرائيلية على غزة من خلال الحصار هذا الربيع".
يوم الجمعة، زار السفير الأمريكي لدى إسرائيل مايك هوكابي والمبعوث الخاص للشرق الأوسط ستيف ويتكوف غزة لتقييم الوضع.
وبحسب الصحيفة، فإن 100 مليون وجبة قُدمت للمجوعين في غزة حتى الآن تعادل أقل من وجبة واحدة يوميًا لكل شخص هناك، كما أن العديد من المنتجات تحتاج إلى الطهي، وبالتالي تتطلب وقودًا ومياه، وهما غير متوفرين بسهولة.
مسؤول عسكري إسرائيلي سابق على دراية بالعمليات في غزة أقرّ بوجود "انهيار تام للنظام" سببه استمرار الحملة العسكرية. وقال إن العصابات تنهب بشكل واسع، والمدنيون العاديون يعتقدون أن كل شاحنة مساعدات يواجهونها قد تكون الأخيرة.
وقال مسؤولو الأمم المتحدة إن بعض النهب يتم على أيدي عصابات مسلحة، لكن الغالبية العظمى ممن يحملون الطعام من الشاحنات هم مدنيون جائعون يحاولون إطعام أسرهم.
وأضاف المسؤول الإسرائيلي السابق: "من دون وقف إطلاق النار، الناس تحت ضغط نفسي شديد يفكرون بعبارة: "قد ينتهي هذا قريبًا، وهذه فرصتي الوحيدة للحصول على ما أستطيع لعائلتي".
ورغم أن دولاً عربية وأجنبية أخرى بدأت بإسقاط مساعدات جوًا يوم السبت، إلا أن هذه المهام الجوية لا توفر كميات تغير الوضع الإنساني بشكل ملموس، بحسب المسؤولين.
كما أن مراكز توزيع الغذاء في جنوب غزة شابتها الفوضى وإطلاق النار، حيث قُتل أكثر من ألف شخص من طالبي المساعدات، بينهم برصاص إسرائيلي، منذ بدء العمليات في مايو، وفق وزارة الصحة في غزة.
وتقول الأمم المتحدة إن أحد المشاكل في إيصال المساعدات هو رفض السلطات الإسرائيلية منحها الإذن باستخدام طرق أقل ازدحامًا؛ إذ أصدرت "إسرائيل" أوامر نزوح لنحو 80% من أراضي غزة واعتبرتها مناطق عسكرية مغلقة. ونتيجة لذلك، لا تستطيع القوافل الأممية الدخول إلا عبر مسارين — شمالي وجنوبي — يمران بمناطق مزدحمة.
ورغم أن السلطات الإسرائيلية وافقت منذ السبت على مزيد من الشاحنات، فإن القوافل غالبًا لا يُسمح لها بالتحرك إلا في وقت متأخر، بعد تجمع الحشود، مما يزيد احتمالات النهب.
وتقول "واشنطن بوست": لعدة أشهر، ضغطت الأمم المتحدة وشركاؤها الإنسانيون على السلطات الإسرائيلية لفتح مزيد من المعابر الحدودية. ومع تفاقم الأزمة، قدمت "إسرائيل" وعودًا خطية للأمم المتحدة بأنه بحلول نهاية يونيو سيتم فتح مزيد من المعابر، ودخول 100 شاحنة على الأقل يوميًا، وعدم وجود قوات إسرائيلية على طول طرق القوافل أو في المستودعات. لكن شيئًا من ذلك لم يتحقق مطلقًا.
ونقلت الصحيفة عن فق بلال أبو مغيصيب (35 عامًا)، الذي يعمل في شركة شاحنات وأمن عائلية أن السير على الطرق المعروفة شديد الخطورة، ما يجبرهم على القيادة بسرعة عالية وسط طرق مكتظة مليئة بالحفر وأحيانًا، يدهس السائقون أشخاصًا وهم يحاولون اجتياز حشود من الناهبين الذين يرمون الحجارة أو يطلقون النار.
المصدر: وكالة الصحافة الفلسطينية
كلمات دلالية: الجوع المجاعة الأمم المتحدة فی غزة
إقرأ أيضاً:
سوزانا تكاليك.. هل سهلت المسؤولة الأممية مهمة إسرائيل في تجويع غزة؟
نشر موقع "نيو هيومانتاريان" تقريرا للكاتبين رايلي سباركس وجاكوب غولدبرغ، كشفا فيه عن اتهامات خطيرة بحق سوزانا تكاليك، أعلى مسؤولة أممية في قطاع غزة، تتعلق بتواطئها مع السلطات الإسرائيلية في إدارة المساعدات الإنسانية، وسط أزمة إنسانية غير مسبوقة يعيشها القطاع.
وقال الكاتبان إن سوزانا تكاليك مكّنت إسرائيل من استخدام المساعدات سلاحا لتجويع سكان غزة، وأساءت إلى زملائها الفلسطينيين والدوليين، وساهمت في جهود إسرائيلية تهدف إلى زرع الانقسام بين العاملين في المجال الإنساني.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2الماء الملوث يفتك بأطفال غزة.. حملة صحية تحوّل التوعية إلى طوق نجاةlist 2 of 2قطر الخيرية تطلق استجابة عاجلة لإغاثة متضرري فيضانات السودانend of listوأوضح الكاتبان أن تكاليك عُيّنت مطلع عام 2025 في منصب نائب منسق الشؤون الإنسانية للأراضي الفلسطينية المحتلة، وهو أعلى منصب أممي ميداني في غزة، ويتضمن التفاوض مع السلطات الإسرائيلية نيابة عن وكالات الأمم المتحدة والمجتمع الإنساني الأوسع.
وأفاد الكاتبان بأن 11 عاملًا في مجال الإغاثة، بينهم 5 في مناصب رفيعة، عبّروا عن قلقهم من أداء تكاليك، مشيرين إلى أنها سمحت للسلطات الإسرائيلية بالتلاعب في الاستجابة الإنسانية، ولم تواجه القيود المتزايدة، ورددت روايات إسرائيلية دون تمحيص، وأساءت إلى زملائها الفلسطينيين، بل لامتهم على نقص المساعدات.
وأشارا إلى أن معظم العاملين في مجال الإغاثة تحدّثوا عن تفاوض تكاليك مع السلطات الإسرائيلية لإدخال طعام للكلاب الضالة قرب مقر ضيافة أممي، في وقت كان فيه الفلسطينيون يموتون جوعًا بسبب منع دخول الغذاء إلى القطاع.
وأضافا أن العديد من العاملين أكدوا أن سوزانا تكاليك تغيّبت عن قطاع غزة بشكل متكرر أكثر بكثير من المسؤولين السابقين الذين كانوا نادرًا ما يغادرون القطاع، مما يفرض عبئًا إضافيا وغير ضروري على موارد الأمم المتحدة المحدودة، دون فائدة واضحة.
الصمت والانصياع
وذكر الكاتبان أن تكاليك همّشت بشكل متزايد وكالة الأونروا، التي طالما سعت إسرائيل منذ زمن إلى إنهائها. وقال أحد كبار العاملين "هم يحبونها لأنها لا تعارضهم بقوة، إن عارضتهم أصلًا.. إنها تنقل رسائلهم مباشرة إلى المجتمع الإنساني. لقد قدّمت لهم الحزمة الكاملة: الصمت والانصياع".
إعلانوأوضحا أن العاملين تحدثوا بشرط عدم الكشف عن هوياتهم خشية التعرض لعقوبات مهنية، وأكد بعضهم أن لديهم تحفظات على طرح هذه القضايا علنًا، لكن قلقهم من قيادة تكاليك للاستجابة الإنسانية بقطاع غزة في لحظة حرجة فاق تلك التحفظات.
ونقل الكاتبان عن تكاليك نفيها العديد من الاتهامات الموجهة إليها، وقالت "مواقفي هي مواقف الأمم المتحدة، ودوري هو الحفاظ على مبادئها. أولويتي الوحيدة هي إيصال المساعدات للفلسطينيين -الذين تجاوزت معاناتهم خلال العامين الماضيين حدود الوصف- بأكثر الطرق كفاءة وبراغماتية ومبدئية وأمانًا. وطالما أنا في هذا المنصب، فسيظل هذا هدفي الوحيد".
وقالا إن نائب منسق الشؤون الإنسانية يمثل الأمم المتحدة في غزة بصفته أعلى مسؤول هناك، ويتولى الإشراف على الجهود الإنسانية. وكان من سبقوا تكاليك في المنصب من كبار موظفي الأونروا، لكن بعد حظر إسرائيل الوكالة في يناير/كانون الأول الماضي ومنعها تأشيرات موظفيها الدوليين، تم تعيين تكاليك بدلًا منهم.
وأفاد الكاتبان بأن تكاليك عُيّنت رسميا في مايو/أيار الماضي، إلا أن علاقتها بوحدة "كوغات" الإسرائيلية، وهي الجهة المسؤولة عن التنسيق مع المنظمات الإنسانية، أثارت قلق العاملين في الإغاثة، حيث تتعرض تكاليك "باستمرار للتلاعب من قبل الوحدة"، وفق ما أكده مسؤول إغاثي رفيع المستوى.
وفي الأيام التي سبقت الهجوم على مدينة غزة في أواخر أغسطس/آب الماضي، والذي أدى إلى نزوح حوالي 780 ألف شخص، تفاوضت تكاليك مع السلطات الإسرائيلية على اتفاق يسمح بتوزيع الخيام في جنوب قطاع غزة على بعد عشرات الكيلومترات من مدينة غزة، وفقًا لما ذكره ثلاثة من العاملين في الإغاثة. وقد اعتُبر هذا الاتفاق داخل المجتمع الإنساني بمثابة قبول بتهجير جماعي لما يُقدّر بمليون شخص يسكنون المدينة.
وقال أحد موظفي الأمم المتحدة للموقع إن زميلًا له خاطب تكاليك قائلًا "لن أكون جزءًا من التطهير العرقي لهؤلاء الناس. نحن نضع خططًا لدعم المتضررين من العمليات العسكرية، لا خططًا تخدم تلك العمليات".
وقال الكاتبان إن أحد مسؤولي الأمم المتحدة عبّر عن صدمته من بقاء تكاليك في منصبها، رغم ما وصفه بسوء إدارتها للوضع الإنساني في غزة.
واعتبرا أن تكاليك دافعت عن خطتها للاستعداد والاستجابة في مدينة غزة، مؤكدة أنها تهدف إلى حماية المدنيين وضمان وصول المساعدات إليهم بالتشاور مع القيادات المحلية والصحية والمجتمع المدني، وأكدت أن الادعاءات حول قبولها أو تسهيلها التهجير القسري "غير دقيقة وتتناقض مع مواقف الأمم المتحدة".
أزمة الدقيق
وأضاف الكاتبان أن أربعة من عمال الإغاثة أشاروا إلى أن تكاليك تفاوضت في مايو/أيار الماضي على إدخال شحنة دقيق هي الأولى منذ فرض الحصار الكامل على غزة في مارس/آذار السابق، لكنها سمحت بتوزيعها على المخابز فقط، خلافًا للآلية السابقة التي كانت تعتمد التوزيع المباشر للأسر.
وأوضحا أن النموذج المركزي منح إسرائيل مزيدًا من السيطرة بعد إغلاق جميع المخابز تقريبًا باستثناء أربعة في دير البلح، مما ترك شمال غزة بلا خبز وسط قيود إسرائيلية متواصلة على الغذاء.
إعلانوقالا إن الشاحنات وصلت لمدة يومين فقط، وكان أفراد من المجتمع الفلسطيني يحمون القوافل من النهب. لكن عندما علم المجوّعون أنهم لن يتسلموا الطحين مباشرة، وأن عليهم "القتال للحصول على الخبز"، انهارت الثقة وبدأت أعمال النهب.
وأشارا إلى أن قادة المجتمع لم يعودوا قادرين على حث الناس على حماية الشحنات بعد أن أدركوا أن فرص حصولهم على الطعام ضئيلة. وسرعان ما تحولت طوابير الانتظار أمام المخابز إلى فوضى، إذ أُغلقت المخابز التي تلقت طحين برنامج الأغذية العالمي خلال أيام قليلة.
وأضاف الكاتبان أن الأوضاع ازدادت سوءًا بعد ذلك، إذ داهمت حشود جائعة مستودعًا تابعا للبرنامج في دير البلح يوم 28 مايو/أيار الماضي، مما أدى إلى مقتل 4 أشخاص وتدمير معدات الأمم المتحدة.
وتابعا أن معظم كميات الطحين اللاحقة تعرضت للسطو قبل وصولها للمستودعات، وأن القوات الإسرائيلية شنت غارات على مخابز وأفراد شرطة يرافقون القوافل، مما أسفر عن مقتل أو إصابة نحو مئة شخص، في إطار سياسة إسرائيلية تهدف إلى تهجير السكان وتحقيق أهداف عسكرية.
وقال الكاتبان إن تكاليك ألقت باللوم على قادة المجتمع الفلسطيني بعد تسليم الطحين في مايو/أيار الماضي، متهمة إياهم بالفشل في منع النهب ومنح إسرائيل ذريعة لرفض التوزيع المنزلي. إلا أن موظفًا أمميا أوضح أن تكاليك "حمّلت الناس المسؤولية رغم أن الإسرائيليين هم من حظروا التوزيع من البداية".