أحاديث الخميس وقطوف «الحديثي»
تاريخ النشر: 6th, August 2025 GMT
بعض الأحاديث تبقى ضمن حدود الشفاهية، وتظلّ تدور في فلكها، ولا تتجاوز ذلك، ولا تغادر تلك الحدود الضيقة، التي سرعان ما يطويها النسيان، وهنا تبرز أهمّيّة التدوين الذي حفظ تلك الأحاديث، مثلما حفظت كتب الأمالي الدروس التي كان يلقيها الأساتذة في مجالس العلم، فيكتبها الطلاب، وتتحوّل تلك المحاضرات إلى كتب، تحتلّ حيّزا من المكتبات، وأشهرها (الأمالي) لأبي علي القالي الذي ضمّ محاضراته في الأدب، واللغة، وكان يلقيها في قرطبة والمسجد الجامع بالزهراء، ويعدُّ اليوم من أشهر كتب الأدب العربي، حتى أن أبا عبيد البكري وضع كتابا في شرح هذه الأمالي عنوانه (سمط اللآلي في شرح أمالي القالي).
وقبل سنوات، كنت أتابع في مساء كلّ خميس فقرة أحاديث تأتي بوقت محدّد، بصفحة الناقد (حسّان الحديثي) بالفيسبوك، وكانت تعليقات المتابعين تثري تلك الأحاديث، واستمرّت الفقرة الأدبية الممتعة لأسابيع طويلة، قبل أن تتوقّف، وتعميما للفائدة، قام الناقد حسّان الحديثي بتدوين تلك الأحاديث على الورق، وأصدرها في كتاب حمل عنوان (أحاديث الخميس- قطوف أدبيّة) عن دار (المؤلّف للنشر والطباعة والتوزيع) ببيروت، وجاء في (295) صفحة من القطع الكبير، مع إشارة إلى أن الكتاب هو جزء أول، ليفتح الباب لأجزاء أخرى .
الكتاب هو قراءات في كتب التراث الأدبي العربي، شعرا ونثرا، وتاريخا، ومن خلاله قدّم خلاصات في اللغة، والشعر، والعنوان الثانوي (قطوف أدبية) يأتي شارحا لذلك، من حيث إن المعنى اللغوي للقطوف هو ما يُجنى من الثمار، ومنها قوله تعالى في سورة (الحاقة) «قطوفها دانية (23)»، واسم الفاعل من قطف هو (قاطف) يقول ابن الرومي في قصيدته التي مطلعها:
طَربتُ إلى رَيْحانةِ الأنفِ والقلبِ
وأعمالها بين العوازف والشَّرْبِ
تأتَّتْ أكفُّ القاطفين قِطافَها
فسالت بلا عَصْرٍ ودَرَّت بلا عَصْبِ
فأراد أن يعرض علينا ثمار قراءته، ليس بوصفه ناقدا متخصّصا، بل بصفته قارئا نهما لهذا التراث، علما بأن مجال عمله الأساسي هو مزاولة الأعمال التجاريّة الحرّة، في لندن ودبي وبغداد، لكنّه يمتلك شغفا بقراءة كتب الأدب، منذ طفولته ونشأته في (حديثة) مدينة النواعير والمساجد القديمة الواقعة على ضفاف الفرات والمكتبات الزاخرة بكتب الأدب والتاريخ والفقه، وتشتهر بكونها حاضرة ثقافية ومن كثرة قراءاته خرج بانطباعات تمثّل آراء شخصيّة وجدت لها صدى طيّبا لدى المهتمّين.
قسّم الحديثي كتابه إلى ثمانية أبواب جعل الأول للمناسبات، فقد كان يخصّص فقرات برنامجه للمناسبات، فلم ينفصل عن الأحداث اليومية، والثاني لقضايا بلاغية والثالث للشعر والرابع للشعراء، وخص الشاعر بدر شاكر السياب بباب لوحده هو الخامس، أما السادس فقد قدّم به تحليلات أدبية، والسابع للمدن والبلدان، وخصّص الثامن لأربع قصص قصيرة، كشف من خلالها مهارته بكتابة القصّة، فضلا عن معرفتنا به شاعرا، فجاء كتابه خليطا من قضايا أدبيّة عامّة ولغويّة، وبلاغيّة، ونصوص إبداعية، ومن بينها النصّ الذي اختاره للغلاف الأخير، وفيه يقول» لست انتقائيا في ميولي إلا لثلاثة: الأصدقاء واللغة والموسيقى، لأجل ذلك تجدني، والكلام للحديثي، أحبّ كل الناس وأحبّ أصدقائي أكثر، وأحبّ كل اللغة وأحب الشعر أكثر، وأحبّ كل الموسيقى وأحبّ الرست أكثر، غير أني أحبّ وطني أكثر من الأصدقاء، والشعر، والموسيقى»
وكان توقّعي أن يفرد فصلا عن الشاعر سعدي يوسف الذي ربطته به علاقة شخصيّة في أيّامه الأخيرة، لكنّه لم يفعل، ربّما، لأنّ الأحاديث قدّمها في السنوات السابقة للقائه به، ومن المرجّح أنه يريد أن يفرد له كتابا خاصّا به، يضمّ الأحاديث التي كانت تدور بينه وسعدي يوسف، خلال لقاءاته به في منزل الشاعر والمشفى الذي رقد به، وهي أحاديث طويلة في آليّات الكتابة الشعريّة، وأسرارها الخفيّة، وكان آخر من اجتمع به من أصدقاء الشاعر ظلّت الشاعر الذي توفّي في لندن يوم 12 يونيو2021م.
يقول د. وليد الصرّاف في المقدمة: «إن حديث الخميس كان صادقا منبثقا من بيئة عربية تسمع فيها اصطفاق فناجين القهوة وتشم منها رائحة الهال وتجالس سراة القوم من أدباء العربية وينفتح باب لحظتك على ماض تليد وينفتح أيضا على غدٍ بعيد تكون فيه اللحظة ملتقى أجداد وأحفاد على قهوة يبقى طعمها المرّ عذبا في فم الذاكرة».
وإذا كان الصرّاف قد أخذ على النقّاد توجّههم صوب المناهج النقدية الغربية، فإن الحديثي حاول «أن ينصب علامات ليستوقف السابحين في هذا الأثير ويعيدهم إلى الصحراء التي تدفقت شعرا وأطلالا»، ويكون بذلك قد خطا خطوة «رائدة لآراء نقدية منبثقة من ثقافتنا نحن» كما وصفها.
وبشكل عام، جاءت أحاديث (الحديثي) شيّقة، قريبة من الأفهام، كونها موجّهة للعامّة، لكنّها في مواضع عديدة تخاطب الخاصّة من المهتمّين باللغة، والمتذوّقين للأدب، فما ألذّها من قطوف !.
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
تصل إلى 44 درجة ..موجه حر شديدة غدا الخميس
أصدرت مصلحة الأرصاد الجوية تنبيها باللون البرتقالي من المستوى الثاني خاص بتسجيل درجات حرارة ، مرتفعة جدا على .ولايتي شلف وغيليزان بداية من الغد الخميس.
وحسب النشرية الخاصة فستصل درجة الحرارة إلى 44 درجة مئوية تحت الظل.
وتمتد صلحية النشرية من الخميس 7 أوت 2025. إلى غاية يوم الجمعة 8 أوت 2025