القمم لا تُمنح.. بل تُنتزع
تاريخ النشر: 6th, August 2025 GMT
بلقيس الشريقية
قبل أيام قرأت مقالا بديعا للدكتور محمد الخالدي، مدرب ومستشار في تطوير المهارات، بعنوان "عظمة القمم وثقل الوصول"، تناول فيه بحكمة عميقة كيف أن بلوغ القمم ليس هو التحدي الأعظم، بل الحفاظ على مكانك فيها، وسط رياح التقلبات ومزالق الغفلة. كان المقال أشبه بمرآة صادقة، عكست لي الكثير من التجارب التي مررت بها، لأدرك أن النجاح الحقيقي لا يقاس بلحظة الوصول، وإنما بالقدرة على الاستمرار، والثبات في وجه العواصف، والبقاء واقفا حين يتهاوى من حولك الكثير.
فكم من شخص أخذه الحماس للصعود بسرعة، لكنه لم يمكث في البقاء هناك طويلًا لفقدانه السيطرة، وكم من آخر سعى لبناء نفسه بهدوء واتخذ خطوات تناسبه، ووصل متأخرًا، لكنه حين بلغ القمة، رسّخ جذوره فيها. لذلك القمم لا تحتمل المترددين والمتخاذلين، ولا تكافئ المتراخي، وهي ليست محطة استراحة، بل هي نقطة انطلاقة لبداية أفضل بمسؤوليات أعظم ومواقف تحتاج منك لبذل المزيد والتحلي بالصبر، والاتزان والثبات.
إن النجاح -كما تعلّمت- لا يأتي دفعة واحدة؛ بل هو ثمرة لمجموعة قرارات صغيرة اتخذت لتُبنى على مدار أيام طويلة. وهو نتاج محاولات عدة، وساعات من التعب، ولحظات من الانكسار والتراجع، ثم الرجوع مجددًا بروح أقوى وأيضا يتطلب مثابرة والتزام بالمبدأ. فمن يعتقد أن وصوله للقمة يأتي بالتمني دون تعب فإنه لم يعرف حقيقة أن الدرب الذي يسلكه الناجحون لم يكون مفروشا بالورد، وإنما كان مليئا بالأشواك والعقبات.
نعم، الوصول للقمة مجد، لكنه مجدٌ ثقيل. فكلّ خطوة فيها تعني ترك راحة، وتحمّل مسؤولية، وتجاوز فتنة من فتن الدنيا، سواء كانت فتنة شهرة، أو مال، أو غرور، أو حتى فتور داخلي ينتاب الشخص لا يراه أحد. لهذا، فإن الأصعب من الوصول هو البقاء والصمود، فمهمة الوصول تكون سهلة مقابل الحفاظ على المستوى. لأنك حين تصعد، تصبح العيون عليك، ويصبح الزلل أكثر خطرًا عليك.
لذلك، من أراد العلياء، عليه أن يُعدّ نفسه نفسيًا وروحيًا وعقليًا. عليه أن يضبط بوصلته يوميًا، ويسأل نفسه باستمرار: لماذا أصعد؟ ولأجل من؟ ما الهدف وما الغاية من صعودي؟ وإلى أين أريد أن أصل؟ هذه الأسئلة ليست ترفًا فكريًا، بل ضرورة وجودية تحفظك من الضياع.
وعلينا أن ندرك تماما أن النجاح الحقيقي لا يكمن إلا بتقوى الله والعمل الحسن والإخلاص في السعي. فلا جدوى من منصب عالٍ دون أخلاق، ولا قيمة للمنصب إذا لم يكن فيه نفعا للناس، والقيمة الحقيقية أن تصعد بروح تمتلك النقاء، وتبقى بضمير حي.
ختاما، أقول لنفسي أولا ولكل من يسعى ويجاهد نفسه: لا تتعلق بالقمة كمكان، بل تعلّق بها كرحلة تعلمك الصبر، والصدق، والنية الخالصة. وأن تكون على يقين أن الله لا يُضيع سعيًا ما دمت فيه صادقًا، ولا جهدًا نقيًا، ولو تأخّر ظهوره للناس.
فلتكن قممنا أخلاقًا، وثباتًا، ونفعًا، لا فقط أرقامًا وإنجازات ظاهرية نسعى لها لتكون هباء. ولنمضِ بثقة، ولنبقَ بوعي، ولنعلم أن القمة هي ليست النهاية، بل هي البداية الحقيقية للمسار.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً: