6 أغسطس، 2025
بغداد/المسلة:
ناجي الغزي
في لحظة حرجة من تاريخ العراق، يعود مشروع “قانون حماية المستثمر السعودي” إلى الواجهة، وسط أزمات مائية واقتصادية ومؤسساتية خانقة. ورغم ترويجه كفرصة لتنشيط الصحراء، إلا أن جوهره يعكس مشروعاً جيوسياسياً ناعماً، يمنح امتيازات استثنائية للمستثمر السعودي في مناطق حدودية، مقابل تهديدات سيادية وأمنية واقتصادية خطيرة، أبرزها استنزاف المياه، والتحكيم الدولي، وغياب العدالة بين المستثمرين، وتغييب البُعد البيئي والمائي للمشروع، إذ لا توجد ضمانات على عدم استنزاف المياه الجوفية العراقية.
وفي ظل هذه المخاطر، نجح عدد من البرلمانيين – وللمرة الثانية – في منع تمرير القانون عبر سحبه من جدول أعمال جلسة 5 آب 2025، في خطوة مهمة لحماية القرار الوطني. إلا أن المعركة لم تنتهِ بعد، إذ يمثل هذا القانون جزءاً من صراع أوسع حول سيادة العراق أمام الضغوط الإقليمية التي تتخذ من الاستثمار أداة للنفوذ.
أولاً: خلفية القرار السعودي وسياقه الاستراتيجي
قرار السلطات السعودية في 2015 بمنع زراعة الأعلاف داخل المملكة لم يكن مجرد خطوة بيئية، بل جزء من تحول استراتيجي طويل الأمد في إدارة الموارد. المملكة، بوصفها من أكثر دول العالم جفافاً، كانت تستهلك مواردها الجوفية بشكل غير مستدام، وخاصة في زراعة المحاصيل كثيفة المياه مثل البرسيم والجت. التقديرات السعودية تشير إلى أن وقف هذه الزراعة سيحافظ على 8 مليارات متر مكعب سنوياً من المياه، وهو ما يعادل تقريباً الحصة السنوية لنهر دجلة .
لكن هذه المعالجة الداخلية ولّدت أزمة علف للشركات الكبرى، على رأسها شركة المراعي، التي انتقلت من استيراد 52% من العلف في 2016 إلى 100% لاحقاً، ما كلفها 100 مليون دولار سنوياً.
وبدلاً من انتظار حل داخلي، اتجهت هذه الشركات إلى توسيع نفوذها الزراعي في الخارج، من خلال شراء الأراضي واستغلال المياه الرخيصة، في أماكن لا تعاني من القيود المائية أو البيئية.
ثانياً: التوسع الزراعي السعودي خارج الحدود
في إطار السعي الاستراتيجي لتأمين الأمن الغذائي للخليج، عمدت السعودية منذ بداية العقد الماضي إلى التوسّع في استثمارات زراعية ضخمة خارج حدودها، ليس فقط عبر شراء أراضٍ في الولايات المتحدة، بل أيضاً عبر اختراق القارة الإفريقية، مستهدفة دولاً ذات ضعف تنظيمي ووفرة مائية نسبية، مثل السودان وإثيوبيا وغانا ومصر وزامبيا. لماذا العراق؟ ولماذا الآن؟
العراق يعاني من هشاشة واضحة في البنية القانونية والمؤسساتية، إضافة إلى تفكك القرار السياسي وسيطرة المصالح الحزبية على مخرجات التشريع. هذا ما سمح بتمرير فكرة تشريع قانون خاص بالمستثمر السعودي، ما يثير تساؤلات خطيرة حول:
خصوصية هذا المستثمر مقارنة بغيره، والإعفاءات والتسهيلات غير المتكافئة، وغياب ضمانات السيادة على الأرض والمياه والمنتجات.
في ظل اعتماد العراق على النفط كمصدر شبه وحيد للدخل، وضغط النفقات العامة، يقدَّم الاستثمار السعودي بوصفه فرصة لإنعاش المناطق المهمشة (كالأنبار والمثنى)، وتحقيق تنمية زراعية – صناعية. لكن هذا الطرح يتجاهل أن: هذه الاستثمارات تستهدف زراعة الأعلاف، لا المحاصيل الغذائية. والمنتجات ستُصدر إلى الخارج، ما يعني عدم تغطية السوق العراقية. وكذلك الأراضي والمياه ستُستغل دون مردود سيادي حقيقي.
ثالثاً: شحة المياه في العراق
العراق يعاني من أزمة مائية مركّبة: انخفاض تدفق نهري دجلة والفرات نتيجة السدود التركية والإيرانية. وتراجع الأمطار والتغير المناخي. واستنزاف المياه الجوفية دون خطط تنظيمية. وضعف البنية التحتية للمياه والري.
في هذا السياق، تخصيص 2.5 مليون دونم من الأراضي العراقية – بما يعادل 5% من الأراضي الصالحة للزراعة – لشركات أجنبية، بهدف زراعة علف لتصديره إلى السعودية، هذا لا يبدو استثماراً، بل تنازلاً استراتيجياً عن أحد أهم أصول العراق المستقبلية: مياهه وأراضيه الزراعية.
رابعاً: قراءة في قانون ” حماية المستثمر السعودي”
تشريع قانون خاص بالمستثمر السعودي، مع غياب قوانين تنظم استثمار الأراضي والمياه الجوفية لصالح المواطن العراقي، هو: خرق لمبدأ تكافؤ الفرص في الاستثمار،
وفتح الباب أمام استنزاف الموارد دون رقابة، ومنح امتيازات سيادية لجهات أجنبية، مما يهدد الأمن القومي الغذائي والمائي. هذا يطرح السؤال: من المستفيد من هذا القانون؟ المواطن العراقي؟ أم الجهات السياسية التي تسوّق للصفقة؟
إذا استمرت هذه السياسة: فان العراق سيتحوَّل إلى حديقة خلفية للمراعي السعودية، ومزارع العراقيين ستُهجر بسبب المنافسة غير المتكافئة، والمياه الجوفية ستُستنزف دون رقابة. وهنا العراق سيخسر فرصة تحقيق أمنه الغذائي والزراعي.
أما إذا أُعيد تقييم هذه الاستراتيجية: يمكن ربط أي استثمار زراعي بمتطلبات السيادة.
فرض نسبة إنتاج للسوق المحلية، مثلاً 50% من الإنتاج يذهب للعراق، كما هو معمول في قانون الاستثمار المصري. وإنشاء شراكات إنتاجية بدلاً من التملك الكامل، واعتماد نظام تعاقد زمني عقدي محدد مع مراقبة بيئية صارمة، وليس كما هو مبرم في الاتفاقية لاكثر من 50 عاماً.
وهنا نتساءل: هل الاستثمار الزراعي السعودي في العراق – فرصة أم استعمار مقنّع؟
الجواب: ما يجري ليس استثماراً بريئاً، بل امتداد لمعركة الموارد العالمية، حيث تشتري الدول الغنية – لا سيما الخليجية – أراضٍ ومياهاً في الدول الفقيرة لتعويض نقصها الداخلي.
والسؤال المحوري هو: هل يملك العراق ترف التنازل عن أرضه ومياهه لأجل عائد مالي مؤقت؟ إن لم تُبنَ السياسات العراقية على أساس الأمن المائي والسيادة الغذائية، فستكون هذه الصفقات بداية تفكيك حقيقي لمستقبل البلاد الزراعي والاقتصادي.
خامساً: التوصيات الاستراتيجية
1. تجميد مشروع القانون فوراً حتى إجراء مراجعة وطنية شاملة.
2. عرض المشروع على المحكمة الاتحادية لمخالفته مواد الدستور المتعلقة بملكية الموارد الطبيعية والسيادة.
3. سنّ قانون شامل لتنظيم الاستثمار الأجنبي يحدد: سقف الملكية، وحصة الدولة من الأرباح، ومنع التملك الدائم أو التوطين، وإنشاء هيئة وطنية رقابية للاستثمار.
4. إطلاق نقاش وطني عبر البرلمان، والنقابات، ومنظمات المجتمع المدني حول نماذج الاستثمار المقبولة في العراق.
5. التفاوض مع السعودية من موقع القوة لا التبعية، ووضع سقف لأي امتيازات تُمنح.
المسلة – متابعة – وكالات
النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.
About Post AuthorSee author's posts
المصدر: المسلة
كلمات دلالية: المستثمر السعودی المیاه الجوفیة
إقرأ أيضاً:
موانئ العراق: المياه الإقليمية العراقية تحت السيطرة بشكل كامل
5 أغسطس، 2025
بغداد/المسلة: أكد مدير شركة موانئ العراق فرحان الفرطوسي، اليوم الثلاثاء، أن المياه الإقليمية العراقية تحت السيطرة بشكل كامل، فيما أشار الى ضبط ناقلة مخالفة في المياه الإقليمية العراقية بعد تدقيق وثائقها.
وقال الفرطوسي في تصريح “أجرينا جولة أمنية في المياه الإقليمية العراقية، وانتقلنا من ميناء الفاو إلى المياه الإقليمية العراقية وشهدنا تواجد 5-6 قطع عسكرية عراقية و50 قطعة بحرية وهذا تأكيد على السيطرة والاستقرار”.
وأضاف، “تم ضبط ناقلة مخالفة في المياه الإقليمية العراقية بعد تدقيق وثائقها”.
وأكد الفرطوسي، أن “المياه الإقليمية العراقية تحت السيطرة بشكل كامل”، فيما أوضح أن “وزارة النقل هي صاحبة السلطة على المياه الإقليمية العراقية”.
وتابع أن “هذا الأمر والإجراءات المستمرة يوجه رسالة إيجابية للمجتمع الدولي والمستثمرين بأن العراق مسيطر على مياهه الإقليمية وهي آمنة”.
المسلة – متابعة – وكالات
النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.
About Post Author moh mohSee author's posts