قال النائب في البرلمان اللبناني وعضو كتلة حركة أمل "التنمية والتحرير" قاسم هاشم، إنه "يستطيع أي أحد نزع سلاح المقاومة إلا برضا وموافقة المقاومة نفسها أولا، وبالتالي ما يجري بمثابة إضاعة للوقت أو إهدار للجهد"، مشيرا إلى أن "ما جرى جنوب نهر الليطاني لم يكن نجاحا منفردا للجيش اللبناني، بل ثمرة تعاون وثيق بين الجيش والمقاومة التي وافقت ونفذت وساعدت الجيش على الانتشار هناك".



وأشار، في مقابلة خاصة مع "عربي21"، إلى أن "الورقة الأمريكية سوف تواجه رفضا ومقاومة كبيرة. لا شك أن هناك خطوات قوية وآليات متاحة لمواجهة أي محاولة تهدف إلى تكريس منطق سياسي جديد لا يخدم مصلحة لبنان، بل يخدم أجندات إقليمية وخارجية خبيثة".

وأضاف هاشم: "لكل فريق دوره ووظيفته، ولا يستطيع أي طرف فرض إرادته بالقوة على الآخر. إذا كان هناك مَن يطمح لتسليم لبنان لتوجهات أجنبية، فلن يقبل الشعب اللبناني بذلك مهما كانت العواقب والتضحيات. هذا الموقف ثابت وراسخ للحفاظ على السيادة والكرامة الوطنية. ما حدث مؤخرا من مناقشة ورقة خارجية وكأننا جزء من ولايات أخرى، بعيد تماما عن منطق السيادة الوطنية، وهو أمر مرفوض جملة وتفصيلا".

وأوضح البرلماني اللبناني أن "ما حدث يثير القلق من أن يكون تمهيدا لخطوات أخطر في المستقبل"، مشبها الأمر بـ "أحداث عامي 1982 و1983 حين فرض المفاوض الأمريكي (اتفاق 17 أيار) الذي وُصف باتفاق الإذعان والمهانة، قبل أن تسقطه القوى السياسية، والتفاهم المطروح اليوم لا يختلف كثيرا عن ذلك الاتفاق المشؤوم".

وتاليا النص الكامل لمقابلة البرلماني قاسم هاشم مع "عربي21":

ما رؤيتكم للجدل الدائر في لبنان بشأن أزمة نزع سلاح حزب الله وما حدث في الجلسة الحكومية الأخيرة؟


للأسف، ما جرى كان خطوة متسرعة وفي غير توقيتها المناسب، خصوصا أن هناك توافقا مسبقا على البيان الوزاري بين جميع القوى السياسية المشاركة في الحكومة، وكذلك في خطاب القسم، فضلا عن أن موضوع السلاح وارد أصلا في وثيقة الوفاق الوطني. هذا الملف قابل للنقاش لكن في أوانه المناسب، ولن يبقى كما هو إلى الأبد، والخلاف ليس على المبدأ بقدر ما هو على التوقيت غير المناسب. الأولوية الآن يجب أن تكون لوقف العدوان، وتأمين الانسحاب الإسرائيلي من الأراضي اللبنانية، وإطلاق سراح الأسرى.

هذه الخطوة كان يفترض أن تنسجم مع مصلحة لبنان، وتحافظ على سيادته وكرامته ووحدته الوطنية، لا أن تفرض علينا إملاءات خارجية تراعي مصالح الخارج على حساب مصلحتنا الوطنية، لمجرد أن بعض الأطراف ارتأت ذلك؛ فملفات حساسة بهذا الحجم، وخاصة ما يتعلق بسلاح المقاومة، تحتاج إلى توافق وطني واسع، لا إلى فرض إرادة فريق على آخر.

وزراء "الثنائي الشيعي" قاموا بما يمليه عليهم موقعهم السياسي، وعبّروا عن إرادة واضحة برفض خطوة جرى اتخاذها استجابة لإرادة خارجية. والمفاوض الأمريكي، كما تبين، كان يتحدث وكأن لبنان إحدى ولاياته، يمنح ويمنع كما يشاء. وحتى الأهداف التي أُعلنت يوم الجمعة الماضي بدت أقرب إلى شروط خارجية منها إلى قرارات وطنية، وإذا صح ذلك، فلن يكون في مصلحة لبنان، والأيام المقبلة ستكشف ذلك.

ما حدث يثير قلقا كبيرا من أن يكون تمهيدا لخطوات أخطر في المستقبل، ويعيد إلى الأذهان أحداث عامي 1982 و1983، حين فرض المفاوض الأمريكي، في أعقاب الاجتياح الإسرائيلي، تفاهما عُرف لاحقا بـ"اتفاق 17 أيار"، الذي وُصف باتفاق الإذعان والذل والمهانة، قبل أن تنجح القوى السياسية في إسقاطه. واليوم، يبدو أن التفاهم أو الرؤية المطروحة لا تختلف كثيرا عن ذلك الاتفاق المشؤوم.

في الواقع، لا نرى أي جدوى من إضاعة الوقت أو إهدار الحبر على أوراق تحمل خططا خارجية وأجندات مشبوهة، خصوصا مع استخدام مصطلح "نزع السلاح"؛ فلا أحد يستطيع نزع سلاح المقاومة إلا برضاها وموافقتها أولا. إسرائيل حاولت في عدوانها الأخير وفشلت، وما جرى جنوب نهر الليطاني لم يكن نجاحا منفردا للجيش اللبناني، بل ثمرة تعاون وثيق بين الجيش والمقاومة التي وافقت ونفذت وساعدت الجيش على الانتشار. أما كلمة "نزع" فلم تُطبّق سابقا، ولن تُطبّق لاحقا.

كيف تنظرون إلى طرح قضية نزع سلاح حزب الله في هذا التوقيت تحديدا؟

سلاح المقاومة ليس موضوعا جديدا ولا قضية طارئة، بل كان حاضرا في النقاشات اللبنانية منذ ما قبل اتفاق الطائف. لكن ما يجري اليوم استهداف مباشر وخطير، في ظل عدوان إسرائيلي متواصل وضغوط أمريكية وأوروبية وعربية تهدف إلى كسر معادلة القوة في لبنان وفرض توازنات تخدم العدو. المساس بسلاح المقاومة الآن مشروع لتجريد لبنان من عنصر الردع الوحيد المتبقي، وهو سلاح أثبت فعاليته في حماية البلد وردع الاحتلال. هذه المحاولة لا يمكن النظر اليها إلا كخدمة مجانية للعدو، وكمخطط يضع لبنان أمام فراغ أمني خطير ويضعف موقفه في أي مواجهة أو مفاوضات قادمة. لذلك، نؤكد أن أي محاولة لانتزاع هذا السلاح بهذا الشكل الحالي ستقابل برفض قاطع، لأن الأمر يمس حياة الناس وكرامة الوطن وسيادته.

ما طبيعة الخطوة التالية للثنائي الشيعي، وهل يمكن أن يصل الأمر إلى الانسحاب النهائي من الحكومة؟

حتى اللحظة، ما جرى هو رفض واضح لخطوة محددة تتعلق بجدول أعمال الجلسة الحكومية الأخيرة، وليس قرارا بالخروج الكلي من الحكومة. التعاطي في المرحلة المقبلة سيكون على قاعدة "خطوة مقابل خطوة"، أي التعامل مع كل جلسة على حدة وفقا لموضوعاتها وبنودها. الانسحاب النهائي من الحكومة غير مطروح حاليا، لأن الثنائي الشيعي ما زال يعتبر أن بقاءه داخل المؤسسات الرسمية يتيح الدفاع عن الموقف السياسي من موقع الشراكة، لا من خارج السلطة. لكن في المقابل، لا يمكن استبعاد أن تشهد المرحلة المقبلة تطورات سياسية أو ميدانية أو ضغوطا خارجية تدفع إلى خطوات أكثر حدة، إذا تم الإصرار على المضي في مسار نزع السلاح أو فرض أجندات تتعارض مع المصلحة الوطنية.

هل يعني ذلك أن الوزراء الشيعة قد يشاركون في الجلسة الحكومية المقبلة؟

المشاركة أو عدمها ستبقى مرتبطة ارتباطا وثيقا بجدول الأعمال، وبطبيعة البنود المطروحة للنقاش. إذا كانت هذه البنود لا تمس القضايا الجوهرية التي يعتبرها الثنائي الشيعي خطوطا حمراء، فقد يكون القرار الحضور، أما إذا تضمنت محاولة إعادة طرح مسألة نزع سلاح المقاومة أو تمرير قرارات تمس موقع لبنان في معادلة الردع مع العدو الإسرائيلي، فالأرجح أن يكون الموقف مقاطعة الجلسة. التجربة الأخيرة أظهرت أن الموقف يتحدد لحظة بلحظة وبحسب المعطيات المطروحة، وليس وفق التزامات مسبقة.

لكن، هل هم أقرب حاليا إلى المشاركة أم إلى المقاطعة؟

الجواب هو أن كل الاحتمالات مفتوحة، ولا يوجد موقف نهائي معلن قبل الاطلاع على تفاصيل جدول الأعمال. الثابت حتى الآن أن ما جرى في الجلسة السابقة كان ردا على محاولة فرض أمر واقع، وبالتالي فإن أي جلسة مقبلة سيتم التعامل معها وفق معيار واضح: هل تتماشى مع التوافقات الوطنية والبيان الوزاري وخطاب القسم، أم أنها تتعارض مع هذه المرجعيات وتصب في خانة الإملاءات الخارجية؟

هل هناك جهود أو اتصالات لعودة الوزراء المنسحبين إلى الجلسات الحكومية؟

هناك بالفعل جهود محدودة تدور خلف الكواليس، سواء من أطراف سياسية محلية أو من وسطاء يسعون لتخفيف الاحتقان ومنع تفاقم الأزمة. هذه الجهود تهدف إلى "تصحيح الخطأ" الذي وقع في الجلسة الأخيرة، وإعادة إحياء التضامن اللبناني الذي كان سائدا في المراحل السابقة، لأن هذا التضامن هو الضمانة الحقيقية للاستقرار الداخلي. من بين الطروحات المتداولة، أن تتم إعادة طرح الملفات الخلافية في إطار حوار وطني شامل، بدلا من فرضها عبر قرارات حكومية متسرعة قد تؤدي إلى انقسام عمودي في البلاد.

المفترض أن الجلسة الحكومية المقبلة ستكون هذا الأسبوع، هل لديكم معلومات مؤكدة بشأن انعقادها؟

حتى اللحظة، لا توجد معالم نهائية واضحة لانعقاد الجلسة الحكومية أو لجدول أعمالها بشكل رسمي، وإن كانت المؤشرات تدل على أن الحكومة تسعى لعقدها بالفعل خلال الأسبوع الحالي. ولكن ما يثير القلق هو أن بعض القوى السياسية تحاول استغلال الظرف السياسي الدقيق والضغوط الإقليمية والدولية الراهنة لتمرير ملفات تخدم مصالحها الضيقة، حتى لو كان ذلك على حساب المصلحة الوطنية العليا.

هذا ليس جديدا، فقد شهدنا في جداول أعمال سابقة إدراج بنود أو تمرير قرارات تحقق مكاسب لفريق سياسي بعينه، من دون دراسة كافية لمدى انعكاسها على الوضع العام أو توافقها مع مصلحة لبنان ككل. في ظل الأزمة الحالية المرتبطة بمحاولة فرض "حصرية السلاح"، فإن أي جدول أعمال يُطرح على مجلس الوزراء سيخضع لتدقيق شديد من قِبلنا، لأننا نرفض أن تتحول الجلسات الحكومية إلى منصات لفرض أجندات خارجية أو تصفية حسابات سياسية تحت عنوان الإصلاح أو السيادة.

كيف تنظرون إلى موقف رئيس مجلس النواب نبيه بري من أزمة "نزع سلاح حزب الله"، وما الدور الذي يقوم به في هذا الصدد؟

موقف الرئيس نبيه بري ثابت وواضح، وهو يقوم على التمسك بالاستقرار والحفاظ على الأصول والميثاقية الوطنية التي عمل على ترسيخها طوال مسيرته السياسية. هدفه أن يبقى لبنان بكل مكوناته فاعلا وحاضرا في الحياة السياسية، وأن يتمتع بسيادته وأمنه. في هذه المرحلة الحساسة، يضع الرئيس بري أولوية قصوى لوقف العدوان الإسرائيلي على لبنان، باعتبار أن الخطر الحقيقي الذي يهدد البلاد اليوم هو الاحتلال والاعتداءات الإسرائيلية، وليس السلاح الذي يحمي لبنان. لذلك، يسعى إلى أن يكون الاستقرار مطلبا وطنيا جامعا، قائما على توافق اللبنانيين أنفسهم، بعيدا عن الإملاءات الخارجية، وأن يكون هذا المطلب واضحا لا لبس فيه.

ما مدى الإجماع داخل الثنائي الشيعي على توحيد الموقف بشكل واضح وقاطع في هذه الأزمة؟ وهل هناك أي اختلافات؟

في القضايا الأساسية والاستراتيجية والثوابت الوطنية لا يوجد أي اختلاف داخل الثنائي الشيعي؛ فالموقف موحد تماما. قد تختلف أساليب التعبير أو طريقة إدارة المواقف بين حزب الله وحركة أمل، لكن المضمون واحد والوجهة واحدة. نحن نواجه معا أي محاولة للمساس بحق لبنان في المقاومة أو أي خطأ سياسي يستهدف مصلحة البلاد، لأن أي خطأ يرتكبه فريق سياسي لا يصيب طرفا واحدا، بل يطال جميع اللبنانيين ويهدد توازن الدولة ومؤسساتها.

كيف يوظف الرئيس نبيه بري موقعه كرئيس للبرلمان في إدارة معركة "الورقة الأمريكية" على الصعيدين الداخلي والخارجي؟

الرئيس نبيه بري يستخدم موقعه وصلاحياته وخبرته السياسية العميقة لإدارة هذه المعركة على أكثر من جبهة. داخليا، يعمل على منع تمرير أي قرار أو إجراء من شأنه فرض نزع سلاح المقاومة تحت أي غطاء سياسي أو قانوني، من خلال التشديد على مبدأ الميثاقية والتوافق الوطني، ومواجهة أي محاولة لتجاوز الأصول الدستورية أو الالتفاف على التوازنات التي قام عليها اتفاق الطائف. هو يدرك تماما أن أي خرق لهذه التوازنات سيقود إلى انقسام داخلي خطير ويضع البلاد على حافة الفوضى والانهيار.

أما خارجيا، فيستفيد بري من شبكة علاقاته الإقليمية والدولية التي بناها على مدى عقود، ليؤكد للمجتمع الدولي أن المساس بسلاح المقاومة في ظل استمرار الاحتلال الإسرائيلي يشكل تهديدا مباشرا للأمن القومي اللبناني. كما ينقل رسالة واضحة إلى العواصم المؤثرة بأن لبنان ليس ساحة لتصفية الحسابات الإقليمية والدولية، وأن أي تفاوض أو تسوية يجب أن تكون من موقع قوة، لا من موقع استسلام. ومن خلال هذه المقاربة، يحاول الرئيس بري قطع الطريق على الضغوط الأمريكية والإسرائيلية وبعض العربية التي تحاول فرض شروطها على لبنان، ويضع خطوطا حمراء لا يسمح بتجاوزها، وفي مقدمتها حماية سلاح المقاومة باعتباره عنصر الردع الأساسي في وجه العدو.

البعض يرى أن وزير التنمية الإدارية فادي مكي، الذي يُعد الوزير الشيعي الخامس في الحكومة، يتخذ موقفا مختلفا عن باقي الوزراء الشيعة الأربعة الآخرين في الحكومة؛ فقد أعلن بشكل واضح أنه لا يعتبر نفسه جزءا من فريق سياسي معين يقف ضد فريق آخر.. كيف تُفسّر موقفه؟

في الواقع، يمكن فهم موقف الوزير فادي مكي باعتباره موقفا إيجابيا ومنفتحا، يرتكز على مبدأ تجاوز الانقسامات السياسية التقليدية التي غالبا ما تؤدي إلى تجزئة العمل الحكومي وإضعاف فاعلية المؤسسات. إذ أن ما قام به الوزير مكي في الجلسة الحكومية الأخيرة التي عقدت يوم الخميس، من موقف واعٍ ومحسوب، يمثل تصرفا ناضجا يمكن البناء عليه لتحسين بيئة العمل الحكومي، ويعكس حرصه على المصلحة الوطنية العامة بدلا من التمسك بالمواقف الانفعالية أو الانقسامات الطائفية والسياسية.

هذا الموقف لم يكن مرحبا به من قِبل بعض الأطراف، خاصة من الذين يفضلون استدامة التوتر والصراع السياسي لتحقيق مكاسب فئوية، أو من الذين يرون أن الانسحاب والاحتجاج هما الوسيلة الوحيدة للتعبير عن المواقف السياسية. ومع ذلك، فإن الوزير مكي أشار بشكل غير مباشر إلى أن موقفه القائم على الحوار وإيجاد حلول توافقية يمكن أن يدفع الفريق الآخر إلى مراجعة مواقفه وتصحيح الأخطاء التي ظهرت، وربما قد يجد نفسه في نهاية المطاف مضطرا إلى الانسحاب مجددا، وهو ما يشير إلى أهمية الانفتاح على الحوار وعدم الاستعجال في اتخاذ قرارات تصعيدية قد تضر بمصلحة البلاد.

لو انسحب الوزراء الشيعة الخمسة من الحكومة، هل يعني ذلك أن الحكومة فقدت شرعيتها أو دستورية وجودها؟

إن الأمر يحمل أبعادا سياسية وقانونية هامة للغاية؛ فالانسحاب الجماعي لخمسة وزراء يمثل أزمة حقيقية تمس جوهر الميثاقية الوطنية التي تقوم عليها الحكومة، وقد يؤدي إلى خلل عميق في توازن القوى داخلها. وفي السياق اللبناني تحديدا، حيث يتطلب النظام التوافق بين مختلف الطوائف لضمان استقرار مؤسسات الدولة، فإن فقدان أحد الأقطاب الطائفية في الحكومة يعرض شرعيتها ودستورية وجودها للخطر بشكل مباشر ومؤكد.

ما حدث يوم الخميس الماضي، وفقا لهذا المنظور، يعد خروجا عن الميثاقية التي كانت سائدة منذ تشكيل الحكومة، ويشكل انتهاكا للمبادئ التي تضمنت التزاما صريحا بالتوازن الطائفي والسياسي، وهو ما يستدعي إعادة تأكيد أهمية التمسك بالميثاق الوطني وبالمواقف الوطنية الجامعة التي تحمي الاستقرار وتضمن استمرار العمل المؤسساتي، لأن تجاهل هذا الخلل أو التساهل معه قد يؤدي إلى تفاقم الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي يعاني منها البلد.

بالتالي، لا يمكن لأي طرف سياسي أن يتجاهل حقيقة أن الحفاظ على الميثاقية والتوازن بين مكونات الحكومة هو الضمانة الحقيقية لاستمرار عملها وتحقيق الأهداف الوطنية، وأي انحراف عن هذه المبادئ من شأنه أن يعمق الأزمة ويهدد مستقبل الدولة بشكل عام.

لكن في نهاية المطاف، الحكومة أقرّت أهداف الورقة الأمريكية ويبدو أنها تمضي قدما في طريقها.. كيف تُفسّر ذلك؟

في الواقع، يبدو أن الحكومة اللبنانية قد اعتمدت أهداف الورقة الأمريكية وتعمل على تنفيذها بشكل تدريجي ومستمر. من الطبيعي في الحياة السياسية أن بعض القرارات تُتخذ ضمن توجهات معينة قد لا تحظى بتوافق كامل بين جميع الأطراف، وقد يجد البعض نفسه مضطرا للانسياق وراء هذه التوجهات نتيجة تفاهمات سياسية داخلية أو ضغوط خارجية.

مع ذلك، ما يثير الأسف الشديد هو وصول الأمور إلى هذا المستوى من التجاهل واللامبالاة، خصوصا في ظروف وطنية حساسة للغاية. على سبيل المثال، خلال جلسات مجلس الوزراء التي عُقدت يومي الثلاثاء والخميس الماضيين، كان لبنان يتعرض لعدوان إسرائيلي مباشر ينتهك سيادته الوطنية ويزهق أرواح مواطنين أبرياء. في هذه اللحظات، من المفترض أن تكون السيادة الوطنية والكرامة اللبنانية هي الأولى والأبرز على جدول الأعمال، لكن ما حصل كان صمتا مريبا، وعدم تحرك أو إدانة واضحة من قِبل الحكومة.

هذا الأمر يشير إلى أن إرضاء الأجندات الخارجية صار أكثر أهمية من الحفاظ على كرامة الوطن وسيادته، وهو مؤشر خطير يعكس مرحلة بالغة الخطورة في تاريخ لبنان المعاصر، حيث تتحول الأولويات من الدفاع عن الوطن إلى محاولة نيل رضا الخارج حتى وإن كان ذلك على حساب المصلحة الوطنية.

برأيك، هل تخشى الحكومة اللبنانية فقدان "الشرعية الأمريكية"؟

نحن لا ننخرط في فرضيات أو تكهنات، ولكن الحقيقة واضحة أمام الجميع: الحكومة الحالية تحظى برعاية ورضا الإدارة الأمريكية، وهذا الواقع لا يمكن تجاهله. وما يظهر من حرص الحكومة على الحفاظ على هذا الرضا، يؤكد أنها تعتبره ركيزة أساسية لاستمرارها سياسيا واقتصاديا. في ظل الضغوط الداخلية والخارجية، يشكل الدعم الأمريكي منطلقا رئيسيا للحكومة، سواء للاستمرار في الحكم أو لضمان الحصول على الدعم المالي والسياسي. وهذا الأمر يعكس بوضوح مدى التبعية وتأثير الضغوط الدولية على قراراتها، وهو ما يطرح تساؤلات جدية حول استقلالية القرار الوطني في لبنان.. فهل يمكن لحكومة تحكم لبنان أن تتخذ مواقفها بشكل حر ومستقل وهي مرتبطة ارتباطا وثيقا برضى وإرادة قوى خارجية؟، هذا هو جوهر المشكلة التي نواجهها اليوم.

يُقال إن "الميثاقية" ليست مذكورة لا في الدستور ولا في القانون اللبناني وإنما "اختراعها" بعد اتفاق الطائف لحماية الزعامات وتقاسم المحاصصة.. ما تعليقكم؟

هذا الرأي غير دقيق ولا يعكس الواقع السياسي اللبناني المعقد. "الميثاقية" ليست مجرد مصطلح ابتكاري أو أداة لحماية زعامات معينة أو تقاسم المحاصصة، بل هي تعبير دقيق عن واقع لبنان السياسي والاجتماعي المركب. لبنان هو دولة متعددة الطوائف والمذاهب تجمع بينها علاقات متشابكة من التوازنات السياسية والطائفية والمذهبية.

"الميثاقية" تُمثل هذا الإطار الذي يحمي التوازن بين هذه المكونات ويحول دون انهيار النظام الوطني بسبب الصراعات الداخلية. اتفاق الطائف كان بمثابة اتفاق تاريخي أعاد تنظيم هذه الميثاقية ووضع قواعد عمل جديدة تضمن التوازن وتفادي الانهيار بعد الحرب الأهلية الطويلة.

لذلك، فإن "الميثاقية" ليست فقط مسألة قانونية، بل هي واقع سياسي واجتماعي قائم على ضرورة الحفاظ على الاستقرار السياسي والتعايش بين مكونات المجتمع اللبناني المتنوعة. لا يعني ذلك أن هذا النظام مثالي أو خالٍ من العيوب، فهناك مطالب متزايدة ومشروعة لبناء دولة مدنية حقيقية تعتمد على المواطنة المتساوية وتفكيك الطائفية السياسية التي تكرس الانقسامات. وعندما يتم الانتقال إلى دولة مدنية أو علمانية حقيقية، فإن الميثاقية كما نعرفها ستتغير وستُعاد النظر في دورها وأُسسها. إلى حين ذلك، تظل الميثاقية الإطار السياسي العملي الذي يحمي لبنان من الفوضى والانهيار ويضمن استمرارية الدولة في ظل تعقيدات الواقع اللبناني.

هل تحظى الورقة الأمريكية بتأييد واسع بين اللبنانيين؟

هذا أمر معقد ولا يمكن الجزم به بسهولة. لا يعني وجود تحليلات تشير إلى وجود أكثرية داعمة، أن هذه الآراء تُمثل الإرادة الحقيقية للشعب اللبناني. في كثير من المراحل، كانت الأقلية هي التي تعبّر عن الإرادة الحقيقية، وهذا ما يجب أخذه بعين الاعتبار عند تقييم الدعم الشعبي لأي ورقة سياسية.

هل يمكن إقرار الورقة الأمريكية بشكل نهائي حتى في حال انسحاب "الثنائي الشيعي"؟

المناخ السائد يشير إلى توجه واضح نحو إقرارها، وهذا أمر ينطوي على خطورة كبيرة لا ينتبه إليها كثيرون. هناك مَن يسعى لتمريرها بأي ثمن وبأي تكلفة، وسط أجندة سياسية خبيثة تتسم بالضغط والهيمنة في المنطقة، وهو ما يراه الجميع بوضوح. ما يجري على الصعيد الأوسع يُشكّل نموذجا لما قد يكون عليه مستقبل الأمور السياسية في لبنان والمنطقة.

هل حزب الله عاجز عن القيام بأي تحرك على الساحة اللبنانية، كما يقول البعض؟

هذا تحليل بعيد عن الدقة تماما؛ فالإرادة موجودة وبقوة. نذكر عام 1982، حينما احتل العدو الإسرائيلي أغلب الأراضي اللبنانية ووصل إلى بيروت، كانت المقاومة هي السلاح الوحيد للشعب اللبناني. تطورت حركة المقاومة تدريجيا وأجبرت الاحتلال على الانسحاب من مساحات واسعة، رغم بقاء بعض المناطق تحت الاحتلال. اليوم، المقاومة تعبر عن إرادة شعبية حقيقية نجحت في تحقيق انتصارات مهمة على مدى سنوات.

ماذا ستكون تداعيات تمرير هذه الورقة الأمريكية رغم معارضة "الثنائي الشيعي"؟

سوف تواجه الورقة بكل تأكيد رفضا ومقاومة كبيرة؛ فهي ليست المرة الأولى التي يُحاول فيها فرض توجهات سياسية غير وطنية. ونذكّر مرة أخرى باتفاق 17 أيار عام 1983 مع العدو الإسرائيلي، الذي قوبل برفض شعبي وطني حقيقي آنذاك. لا شك أن هناك خطوات قوية وآليات متاحة لمواجهة أي محاولة تهدف إلى تكريس منطق سياسي جديد لا يخدم مصلحة لبنان، بل يخدم أجندات إقليمية خارجية.

ما طبيعة هذه الخطوات؟

الخطوات متنوعة وكثيرة، وتعتمد بشكل كبير على الظروف والتطورات السياسية والميدانية التي يمر بها المشهد اللبناني والإقليمي. هذه الإجراءات ستُتخذ بما يحقق حماية السيادة الوطنية والمصالح الوطنية العليا، ولكل حادث حديث.

ما السيناريوهات المحتملة في الفترة المقبلة؟

لكل فريق دوره ووظيفته، ولا يستطيع أي طرف فرض إرادته بالقوة على الآخر. إذا كان هناك من يطمح لتسليم لبنان لتوجهات أجنبية، فلن يقبل الشعب اللبناني بذلك مهما كانت العواقب والتضحيات. هذا الموقف ثابت وراسخ للحفاظ على السيادة والكرامة الوطنية. ما حدث مؤخرا من مناقشة ورقة خارجية وكأننا جزء من ولايات أخرى، بعيد تماما عن منطق السيادة الوطنية، وهو أمر مرفوض جملة وتفصيلا.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة سياسة عربية مقابلات حقوق وحريات سياسة دولية مقابلات اللبناني حركة أمل قاسم هاشم سلاح حزب الله الحكومة اللبنانية لبنان الحكومة اللبنانية حركة أمل سلاح حزب الله قاسم هاشم المزيد في سياسة مقابلات مقابلات مقابلات مقابلات مقابلات مقابلات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة نزع سلاح المقاومة الورقة الأمریکیة الجلسة الحکومیة السیادة الوطنیة المصلحة الوطنیة الثنائی الشیعی القوى السیاسیة اتفاق الطائف مصلحة لبنان من الحکومة الحفاظ على فی الحکومة أی محاولة فی الجلسة نبیه بری حزب الله فی لبنان تهدف إلى أن یکون لا یمکن التی ی ما جرى إلى أن وهو ما الذی ی ما حدث

إقرأ أيضاً:

خط الدفاع الأخير

 

 

اجتهد الأمين العام لحزب الله، الشيخ نعيم قاسم، كثيراً في خطابه الأخير وهو يشرح ويوضح مخاطر نزع سلاح المقاومة على لبنان بأكمله، وكأنه يخاطب أطفالاً، أو أناساً قدموا من كوكب آخر، لا يعرفون شيئاً عن نوايا إسرائيل، ولا عن تاريخها الأسود في نقض الاتفاقيات، ولا عن غياب أي ضامن دولي يحمي لبنان من عدوانها سوى سلاح المقاومة.
هل يوجد لبناني عاقل يُصدّق وعد إسرائيل وتعهدات الولايات المتحدة، لا يُعقل أن يكون في لبنان من لا يزال يغترّ بالوعود الزائفة التي تروجها إسرائيل وأمريكا وأدواتها في المنطقة، فالتاريخ يشهد أن الكيان العبري لم يلتزم بأي اتفاقية دون أن ينقضها متى سنحت له الفرصة، بدءاً من اتفاقية الهدنة عام 1949، مروراً باتفاقية كامب ديفيد، ووصولاً إلى خروقاته المتكررة للقوانين الدولية في فلسطين وجنوب لبنان.
فهل يعتقد أحد أن إسرائيل ستتوقف عند نزع سلاح المقاومة، ثم تترك لبنان دولةً ذات سيادة؟ الأكيد أن الأمر لن يتجاوز كونه خطوة أولى نحو فرض هيمنة كاملة، تماماً كما حدث في الضفة الغربية وغزة، حيث تحولت المناطق المُسلَّمة إلى سجون مفتوحة تحت الاحتلال.
المقاومة.. سلاحٌ موجّه للعدو لا للداخل، ولا توجد مشكلة حقيقية لدى اللبنانيين مع سلاح المقاومة، لأنه لم يُوجَّه يوماً ضدهم، بل كان درعاً يحمي الأرض من العدوان الإسرائيلي، لكن بعض الحمقى، الذين يرفضون قراءة التاريخ أو استيعاب دروسه، ما زالوا يعتقدون أن نزع هذا السلاح سيجلب عليهم “بركات العالم” .
لكن أي عالم هذا الذي يتحدثون عنه.. هل هو العالم الذي وقف عاجزاً يشاهد دماء الغزاويين تُسفك ولم يفعل سوى الإعراب عن قلقه، ثم أي النماذج مطمئنة بالنسبة للداخل اللبناني، والجارة السورية ونظامها الجديد والمدعوم غربيا الذي جاء على ضهر الدبابات الغربية، ومع ذلك تعرّض للإذلال واحتلال المزيد من الأراضي السورية، لم تشفع له تطميناته المتكررة بأن لا عداوات مستقبلية مع الكيان، ولم يشفع له المضي في خطوات التطبيع، باختصار لأن الاستسلام لا يجلب إلا المزيد من الابتزاز والهوان.
المثير للاشمئزاز أن بعض الدول العربية – التي تصمت صمت القبور على جرائم الإبادة الجماعية في غزة – هي نفسها التي ترفع صوتها مطالبةً بنزع سلاح المقاومة في لبنان! فبينما يذبح أطفال فلسطين تحت القصف الصهيوني، وتُهدم المنازل على رؤوس أصحابها، نجد هذه الأنظمة تتماهى مع المشروع الصهيو-أمريكي في المنطقة، وكأنها تتناسى أن أمنها نفسه مُهدّد ما دامت إسرائيل تتحكّم بمصير الأمّة.
أليست هذه الأنظمة هي ذاتها العاجزة عن حماية حدودها، والتابعة لقرارات الغرب، والتي فشلت حتى في الدفاع عن قضاياها المصيرية، فكيف تُصرّ على نزع سلاح المقاومة، وهو آخر ما تبقى من رادعٍ يحفظ كرامة الأمة ويحمي الأرض من التقسيم والاحتلال.
الخلاصة ان المقاومة لن تتخلى عن مصدر عزتها وكرامتها وجاهزة لكل الخيارات، والواقع يقول إن لبنان لن يحفظ سيادته إلا بقوة ردعه، ففي عالم لا يحترم إلا الأقوياء، يصبح السلاح هو اللغة الوحيدة التي يفهمها العدو، ومن يظن أن التخلي عن المقاومة سيفتح أبواب السلام، عليه أن يعيد النظر في أوهامه قبل فوات الأوان.

مقالات مشابهة

  • إيران تعلن معارضتها قرار نزع سلاح حزب الله اللبناني
  • قرار لبناني بنزع سلاح حزب الله.. ترحيب يمني عربي ورعب حوثي
  • البخيتي :قرار نزع سلاح المقاومة في لبنان قرار أمريكي إسرائيلي
  • الرئيس اللبناني السابق يؤكد أن سحب سلاح المقاومة في خضم المعركة خيانة
  • قيادي بالجماعة الإسلامية لـعربي21: لبنان أمام 3 سيناريوهات.. ونحذر من اللعب بالنار
  • أنصار حزب الله وأمل يتظاهرون رفضا لقرار الحكومة حول سلاح المقاومة (شاهد)
  • حردان: طرح نزع سلاح المقاومة يُضعف لبنان
  • سلاحُ المقاومة ليس ترفًا بل ضرورةٌ وجودية
  • خط الدفاع الأخير