مقدونيا الشمالية.. هشاشة البلقان في مرمى الجغرافيا والسياسة
تاريخ النشر: 12th, August 2025 GMT
تعد مقدونيا الشمالية نموذجا للدولة الهشة ذات البنية المؤسسية الحديثة، لكنها مثقلة بانقسامات عرقية وإثنية تمنع تشكيل هوية وطنية جامعة. وقد أُجبرت هذه الدولة الصغيرة على التفاوض على أسس وجودها الرمزي والسياسي منذ ولادتها في أعقاب تفكك يوغوسلافيا سنة 1991، بدءا من أزمة اسمها مع اليونان، وصولا إلى اضطراباتها الداخلية مع المكوِّن الألباني، وانتهاءً بصراعات التأطير الجيوسياسي بين الغرب وروسيا.
ورغم انضمامها إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو) عام 2020، فإن هشاشتها الداخلية مستمرة، وتظل عرضة للتدخلات الخارجية، خاصة في ظل التحولات الجيوسياسية التي زادتها الحرب الروسية الأوكرانية تعقيدا.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2حزب الله والسلاح.. هل ينجو من ضغوط الخارج والداخل؟list 2 of 2نظام دولي يتداعى وآخر يتشكل.. هل نعيش “ظهور وحوش” ما بين النظامين؟end of listونشر مركز الجزيرة للدراسات ورقة تحليلية بعنوان "مقدونيا الشمالية الدولة والهوية وتوازنات النفوذ في بيئة جيوسياسية متحولة" للباحث المتخصص في شؤون البلقان وأوروبا الشرقية، كريم الماجري، سلطت الضوء على مقدونيا الشمالية كدولة صغيرة تتنازعها هويات متعددة ومتضادة، وتحاول فهم الكيفية التي تتفاعل بها مع الضغوط الجيوسياسية في سياق التحولات التي يشهدها النظام الدولي. كما تسعى لاستشراف السيناريوهات الممكنة لمستقبل هذه الدولة البلقانية، انطلاقا من التحديات التي تواجهها داخليا وخارجيا، وأثر ذلك على استقرارها وتماسكها الوطني.
أزمة الهوية الوطنية والتعايش العرقيمنذ نشأتها، افتقدت مقدونيا الشمالية إلى إجماع داخلي على هوية وطنية موحدة. فالمجتمع منقسم بين مقدونيين سلاف وألبان، إضافة إلى توتر مع اليونان استمر عقودا بسبب اسم "مقدونيا"، الذي اعتبرته أثينا جزءا من إرثها التاريخي.
تم حل الخلاف عبر "اتفاق بريسبا" عام 2018، الذي غيّر الاسم إلى "جمهورية مقدونيا الشمالية" مقابل فتح الطريق نحو الناتو والاتحاد الأوروبي. لكن الاتفاق أثار انقساما داخليا، حيث رآه البعض تنازلا عن الكرامة الوطنية.
إعلانوشهدت مقدونيا عام 2001 إحدى أخطر أزماتها الداخلية عندما اندلعت مواجهات مسلحة بين القوات الحكومية ومقاتلي "جيش التحرير الوطني" الألباني الذي طالب بمزيد من الحقوق السياسية والثقافية للألبان. وكشفت تلك الأزمة هشاشة الدولة، وأدت إلى "اتفاق أوهريد" الذي منح الألبان حقوقا سياسية ولغوية موسعة، واعتمد لغتهم لغة رسمية ثانية. ورغم ذلك، ظل الاندماج محدودا، والعلاقة بين المكونين تتأرجح بين التعاون التكتيكي والتباعد الهوياتي.
البنية السياسية والأمنية بعد اتفاق أوهريدأرسى اتفاق أوهريد نظاما توافقيا قائما على المحاصصة بين المكونات، غير أن هذا الاتفاق -وإن أرسى هدنة سياسية- خلق نظاما توافقيا هشا يقوم على المحاصصة، لا على الاندماج الحقيقي.
كما انقسمت الأحزاب السياسية إثنيا؛ فبعضها سلافية، والأخرى ألبانية. وغالبا ما تستثمر النخب الانقسام العرقي انتخابيا، وسط اتهامات بالفساد والمحسوبية.
ورغم الانضمام للناتو، ظلت البلاد مكشوفة أمام التأثير الروسي والصيني، وبقيت قدراتها العسكرية والأمنية محدودة. وفي مسار الاتحاد الأوروبي، تعرقل بلغاريا المفاوضات بذريعة خلافات تاريخية ولغوية، وهذا ولّد إحباطا شعبيا من "الخيار الأوروبي".
تداعيات الحرب الروسية الأوكرانيةأعادت الحرب تشكيل الاصطفافات في أوروبا، وانعكست أيضا على داخل مقدونيا:
انقسم الرأي العام بين موالين للغرب وآخرين متأثرين بالدعاية الروسية. رُصدت حملات تضليل سيبرانية تستهدف زعزعة الثقة بالمؤسسات، مع استغلال الانقسام الإثني. أزمة طاقة ناتجة عن الحرب، الأمر الذي ضاعف الأعباء الاقتصادية، ورفع التضخم والبطالة. ورغم تبني العقوبات الأوروبية على موسكو، أبدت شرائح سياسية واقتصادية تحفظات على هذا الموقف لما له من تبعات سلبية. البعد الإثني.. العلاقة بين المقدونيين والألبانيشكّل البعد الإثني أحد المفاتيح الجوهرية لفهم مأزق الدولة في مقدونيا الشمالية. فالتعايش بين المقدونيين السلاف والألبان مستمر ضمن إطار القانون، لكنه يعاني من غياب الثقة المتبادلة، وتفاوت في فرص النفاذ إلى السلطة والموارد؛ ما يُبقي وحدة الدولة في حالة تعليق دائم.
ويقوم التعايش السياسي على تفاهمات حزبية لا على اندماج مجتمعي، مع استمرار العزلة بين المكونات في التعليم والإعلام والسكن. ورغم أن الأحزاب الألبانية رسخت نفوذها، إلا أنها لم تحقق تحسينا جوهريا لأوضاع القاعدة الشعبية، ما أفسح المجال أمام تيارات شبابية أكثر راديكالية.
أزمة الثقة مستمرة، ويُنظر إلى ارتباط ألبان مقدونيا بألبانيا وكوسوفو كعامل حساس أمنيا، خصوصا عند تصاعد خطاب "ألبانيا الكبرى" في المنطقة.
تجاذبات النفوذ الإقليمي والدولي روسيا: تحافظ على نفوذ رمزي عبر الإعلام والأحزاب القومية والكنيسة الأرثوذكسية، مستفيدة من خطاب "القيم السلافية المسيحية" ومن أزمات الثقة مع الغرب. الاتحاد الأوروبي: رغم جهود مقدونيا للإصلاح، أضعفت النزاعات الثنائية (مع اليونان وبلغاريا) الثقة بالمسار الأوروبي، وأعطت انطباعا بازدواجية المعايير. الولايات المتحدة: داعم أمني رئيسي منذ الاستقلال، لعبت دورا في اتفاق أوهريد وانضمام الناتو، لكن حضورها الاقتصادي والثقافي محدود. تركيا: تركز على الروابط الدينية والثقافية في المناطق المسلمة، وتتبنى خطاب حماية المسلمين مع استثمارات في البنية والخدمات. الصين: دخلت عبر مشاريع بنية تحتية ضمن مبادرة "الحزام والطريق"، لكنها واجهت انتقادات بسبب قضايا فساد وضعف الشفافية. التحديات الداخلية الهوية الوطنية: غياب مشروع ثقافي جامع، واستمرار الخلافات حول التاريخ واللغة والانتماء. الاقتصاد: اعتماد على تحويلات المغتربين واستثمارات محدودة، مع بطالة وفقر مرتفعين وفجوة تنموية بين المناطق. الهجرة: نزيف الكفاءات نحو أوروبا الغربية، ما يهدد البنية الديمغرافية والاقتصادية. الفساد: عائق رئيسي أمام الانضمام الأوروبي، متجذر في القضاء والوظائف العمومية والعقود. السيناريوهات المستقبلية اندماج أوروبي كامل: يفترض هذا السيناريو تجاوز الخلاف مع بلغاريا، وإصلاحات جذرية، وبناء هوية وطنية جامعة. وهو سيناريو متفائل لكنه يواجه عقبات سياسية واقتصادية. استمرار الوضع الراهن: يمثل هذا السيناريو بقاء الدولة بين نفوذ الغرب وروسيا، مع استقطاب داخلي مزمن دون انهيار شامل. تفكك أو تدهور الاستقرار: يفترض هذا السيناريو الأسوأ أن تتفاقم الأزمات الداخلية والنزاعات الإثنية، بما قد يقود إلى نموذج شبيه بالبوسنة أو لبنان، مع بقاء الدولة شكلية. خاتمةمقدونيا الشمالية ليست مجرد دولة صغيرة في البلقان، بل ساحة اختبار لقدرة الكيانات ما بعد اليوغوسلافية على بناء دولة وطنية حديثة وسط انقسامات داخلية وتجاذبات دولية. مستقبلها يتوقف على قدرتها على إصلاح مؤسساتها، معالجة الانقسامات الإثنية، واستثمار موقعها الإستراتيجي ضمن بيئة أوروبية مضطربة.
إعلانالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات دراسات دراسات مقدونیا الشمالیة
إقرأ أيضاً:
تصريحات السفير البريطاني.. شرارة جديدة في صراع الأمن والسياسة
9 أغسطس، 2025
بغداد/المسلة: جدل متصاعد في العراق إثر تصريحات السفير البريطاني حول الحشد الشعبي، إذ شهدت الساعات الماضية تصعيدًا غير مسبوق في ردود الفعل السياسية والشعبية بعد أن دعا السفير البريطاني في بغداد، عرفان صديق، يوم الجمعة 8 أغسطس 2025، إلى ضرورة حل الحشد الشعبي أو دمجه تحت سلطة الدولة، معتبرًا ذلك خطوة ضرورية لإعادة بناء مؤسسات الدولة وتحقيق الاستقرار الأمني.
وقد أثارت هذه التصريحات، التي وصفها البعض بـ”التدخل في الشأن الداخلي”، نقاشًا ساخنًا حول مستقبل الحشد الشعبي، الذي يُعتبر ركيزة أساسية في المشهد الأمني والسياسي بالعراق.
وأشار السفير إلى أن الحشد الشعبي يُعد “غطاء للفصائل الولائية”، مؤكدًا أن حله هو “قرار دولي” يجب أن يتم تنفيذه.
وما أن خرج السفير بتصريحاته حتى اجتاحت موجة انتقادات حادة من الأحزاب والقوى السياسية العراقية، واعتبرها كثيرون تجاوزًا غير مقبول للسيادة الوطنية، فقد دعا الأمين العام لحركة عصائب أهل الحق، قيس الخزعلي، وزارة الخارجية العراقية إلى توجيه تنبيه رسمي للسفير البريطاني، معتبراً أن تصريحاته تمثل “تجاوزًا غير مقبولًا” للسيادة العراقية.
و دعا عضو مجلس النواب فالح الخزعلي، السبت، السفير البريطاني لدى العراق عرفان صديق، إلى “التزام حدوده”، و”عدم التدخّل في الشأن العراقي”، مهدّداً بـ”طرده من العراق”.
وقال الخزعلي في تدوينة إن “السفير البريطاني عرفان صديق، باكستاني الأصل، اختصاصه فتنة في كل الدول التي فيها”.
وأضاف: “كان سفيراً في أذربيجان 2015 – 2018، وحدثت نزاعات بين إيران وأذربيجان، وعمل سفيراً في إيران، حدثت تظاهرات واتهم فيها، وحالياً في العراق عليه أن يلتزم بحدوده ولا يتدخل في الشأن العراقي، وإلا نقدم طلباً لطرده من العراق”.
وعلى منصات التواصل الاجتماعي، شهدت منصة X نقاشات حامية حول التصريحات، حيث وصف المستخدم @dr_daark تصريحات السفير بأنها تندرج ضمن مسار بريطاني-أمريكي لتفكيك الحشد الشعبي.
و سخر حساب @sajjad8619 من صمت بعض السياسيين الذين يدّعون الدفاع عن السيادة، فيما رفض @Banjamiin منح السفير الحق في تحديد أولويات العراق.
وعلى الرغم من غياب رد رسمي من الحكومة العراقية حتى الآن، فإن هذه التصريحات أعادت إلى الواجهة التوترات المستمرة بين بغداد والدول الغربية بشأن دور الفصائل المسلحة.
وتشير مصادر إلى أن هذا الجدل قد يفتح الباب أمام تصعيد دبلوماسي، خاصة في ظل الدعوات المتكررة لإعادة هيكلة القوى الأمنية في العراق، وهو موضوع يظل محط خلاف سياسي حاد في الداخل.
المسلة – متابعة – وكالات
النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.
About Post AuthorSee author's posts