دمشق – تستعيد بعض الأنشطة التجارية والصناعية والحرفية في العاصمة دمشق عافيتها تدريجيا منذ نهاية حكم بشار الأسد في 8 ديسمبر/كانون الأول الماضي، وذلك بعد أن تضررت بشدة خلال سنوات الحرب والعزلة والانهيار الاقتصادي، نتيجة ارتباطها الوثيق بازدهار السياحة في البلاد.

وتُعد صناعة وتجارة الشرقيات، بما تشتمل عليه من تحف ونحاسيات وموزاييك وفنون حرفية تقليدية تشتهر بها دمشق، من أبرز القطاعات التي شهدت تحسنا جزئيا في المدة الأخيرة، مع تزايد أعداد الزوّار من المغتربين السوريين والسياح العرب، وحتى بعض السياح الأجانب.

ويُعتبر سوقا باب شرقي ومدحت باشا من أبرز أسواق الشرقيات في دمشق القديمة، حيث يمكن للزائر أن يكتشف هناك أجمل ما أبدعته اليد الحرفية الدمشقية من تحف وفنون تقليدية، مثل الموزاييك، والزجاج المعشّق، والخشب المحفور، والنحاس المطروق، والبروكار، وغيرها من تلك الفنون المرتبطة بهوية المكان وسكانه منذ آلاف السنين.

تحولات إيجابية

يقول مؤمن الحمصي، صاحب محل لبيع التحف الشرقية في سوق باب شرقي، إن تغيرات إيجابية عديدة طرأت على تجارتهم منذ مطلع العام الجاري.

ومن أبرز هذه التغيرات -وفقا لمؤمن- السماح بالتعامل بالعملات الأجنبية، وهو ما لم يكن ممكنا في السابق. ونظرا لاعتماد هذه الحرفة أساسا على الزبائن الأجانب، فقد أسهم هذا التغيير في إنعاش السوق نسبيا.

محل شرقيات في باب شرقي بدمشق القديمة (الجزيرة)

كما أصبحت زيارات الزبائن من الخارج، سواء كانوا سياحا أو مغتربين، أكثر تواترا، فأدى ذلك إلى زيادة المبيعات.

ويتابع مؤمن في حديثه للجزيرة نت: "بالإضافة إلى ذلك، أصبح من الممكن أيضا استيراد المواد الأولية التي كانت شبه محظورة في السابق، الأمر الذي ساعد في تطوير الإنتاج".

ورغم هذه التطورات، يطالب مؤمن الجهات الرسمية بتقديم تسهيلات مالية، خاصة أن الأسواق لم تتعافَ بالكامل بعد، مما يصعّب على تجار الشرقيات الوفاء بالتزاماتهم المالية.

انخفاض أسعار المواد الأولية

من جهته، يشير أحمد طبيخ، الحرفي في مجال صناعة التحف الشرقية، إلى أن أسعار المواد الأولية، ولا سيما الصدف، شهدت انخفاضا ملحوظا وصل إلى قرابة الثلثين مع تراجع الرسوم الجمركية منذ مطلع العام الحالي.

إعلان

ويضيف في حديثه للجزيرة نت أن هذا الانخفاض "ترافق مع ارتفاع في حجم الطلب، إذ بدأ بعض الزبائن من الخارج يطلبون قطعا خاصة، وهو ما كان محدودا جدا في عهد النظام السابق".

ولكن هذا التطور ترافق، وفق أحمد، مع تراجع في الإقبال داخل السوق المحلية، نتيجة توسّع الاعتماد على الإنترنت، إذ باتت كثير من الطلبات تُجرى إلكترونيا، فقلل ذلك من الطلب على التحف الأصلية في الأسواق التقليدية، باستثناء المشاريع الكبيرة، مثل غرف النوم والأثاث المنزلي، التي أصبحت بطبيعة الحال نادرة.

ورغم ذلك، يرى أحمد أن فك الحصار عن سوريا، وعودة حركة الاستيراد والتصدير، وتخفيض الرسوم الجمركية، وتمكين المواطنين من التعامل بالعملات الأجنبية، إلى جانب توفر بعض المواد الأولية المنتجة محليا بأسعار مناسبة، كلها عوامل تُسهم في مصلحة مهنتهم التي تراجعت كثيرا خلال الفترة السابقة.

أمل بعد سنوات من الركود

يقول معتز عميش، صاحب معمل لصناعة الأثاث الشرقي في منطقة حرستا وصاحب محل لبيع الشرقيات في باب شرقي، إن "الشحن في عهد النظام السابق كان يواجه صعوبات كبيرة، وكانت البضائع التي نُصدرها قديمة الطراز. أما المواد الأولية، فكانت تدخل البلاد بكميات محدودة عبر سيارات صغيرة بسبب العقوبات، فحال ذلك دون استيراد المواد الخام، حتى الخشب -رغم توفره محليا- أصبح من الصعب تأمينه، خصوصا خلال فترة الحرب في منطقة غوطة دمشق الشرقية".

تحف موزاييك شطرنج وطاولة (الجزيرة)

ويضيف معتز في حديثه للجزيرة نت: "اليوم، وبعد أن وضعت الحرب أوزارها، ما تزال العجلة الاقتصادية بطيئة. وحاليا، يتركز الطلب على القطع السياحية الصغيرة فقط، في حين أن المشاريع الكبيرة مثل القصور والقاعات الدمشقية، بمختلف أنماط الحفر (النور ديني، العباسي، الأموي، القيصري، رسومات الخط العربي)، لم تعد تُنفذ بالشكل الذي كانت عليه، إذ لا تزال البلاد تمر بمرحلة تعاف".

ويأمل معتز، إلى جانب عشرات العاملين في مجال صناعة التحف الشرقية الدمشقية، أن تكون مرحلة التعافي سريعة وذات أثر مباشر على صناعتهم التي تؤمّن مئات فرص العمل سنويا، وتلعب دورا كبيرا في إبراز أصالة العاصمة وعراقتها وهويتها المتنوّعة ثقافيا.

وكانت هذه الحرف والفنون والصناعات التقليدية الدمشقية قد عانت من تحديات كبيرة خلال عهد النظام السوري السابق، من أجل الاستمرار والحفاظ على هذا الإرث الدمشقي المتوارث من جيل إلى آخر منذ مئات السنين.

فمع انكماش حركة السياحة، واشتعال الصراع في المناطق الغنية بالمواد الأولية لهذه الصناعة، وتزايد الضغوط المالية التي مارستها حكومات النظام السابق على تجار هذه التحف، شهدت هذه الصناعة تراجعا كبيرا، واضطرت عشرات الورش الحرفية إلى إقفال أبوابها، كما اضطر العديد من أصحاب محال بيع الشرقيات إلى تغيير نشاطهم التجاري.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات دراسات المواد الأولیة باب شرقی

إقرأ أيضاً:

مدينة القصير في ريف حمص تستعيد نبض الحياة بعودة خمسين عائلة بعد سنوات من التهجير

حمص-سانا

بدأت مدينة القصير الواقعة في ريف حمص، تستعيد عافيتها تدريجياً بعودة خمسين عائلة كانت قد نزحت منذ سنوات طويلة؛ نتيجة التهجير القسري جراء إجرام النظام البائد.

العودة تمت بجهود مديرية الشؤون الاجتماعية والعمل في إدلب، التي سعت لمنح العائلات فرصة لاستئناف حياتها الطبيعية ولترك سنوات المعاناة خلفها.

وأوضح مدير مكتب المنتدى السوري في المنطقة الوسطى ومحافظة إدلب محمد عقيل قناص لمراسل سانا، أن عملية إعادة نحو خمسين عائلة من أبناء مدينة القصير الذين نزحوا إلى الشمال السوري قبل أربعة عشر عاماً، تُعد إنجازاً كبيراً، وذلك بعد تأمين عودة آمنة وكريمة، حيث تولى المنتدى تمويل هذا المشروع، مع العمل على برامج مشابهة مستقبلاً لدعم المزيد من العائلات.

عمر مطاوع، أحد العائدين إلى المدينة، عبّر عن مشاعره قائلاً: إن العودة إلى ديارهم وأرضهم تمثّل لحظة لا تُقدّر بثمن، فالغربة والنزوح كانا تجربة مُرّة، دائمًا كانوا يتوقون لإنهائها، وبيّن أن عودتهم تمنحهم الأمل مجددًا لاستصلاح أراضيهم وترميم بيوتهم، والعيش إلى جانب أهاليهم وجيرانهم.

أما أحمد السماعيل، أحد وجهاء مدينة القصير، فقد عبّر عن تفاؤله الكبير بعودة العائلات، معتبرًا ذلك خطوة مهمة في إعادة إعمار المدينة بعد سنوات طويلة من الدمار والنزوح، وشدد على أهمية هذه الخطوة في تعزيز الروابط الاجتماعية واستعادة النسيج الحضاري للمدينة، بما يساهم في إحيائها وازدهارها على مختلف الصعد.

يوسف فخر الدين شهاب، من أهالي القصير، أعاد سرد معاناته قائلاً: إنهم اضطروا للنزوح إلى مدينة إدلب في ظل ظروف عصيبة فرضتها سياسات النظام البائد، ورغم التحديات التي واجهوها هناك ، إلا أنهم اليوم عادوا إلى القصير بقافلة وصفها بأنها “قافلة عز وكرامة”، معرباً عن شكره للجهات التي أسهمت في تنظيم هذه العودة، ومنها إدارة المنطقة ووجهاء إدلب ومؤسسة إحسان، التي لعبت دورًا كبيرًا في إعادة لمّ شمل الأهالي.

مدينة القصير 2025-08-11Ali Ghaddarسابق محافظة حمص تعقد مؤتمراً صحفياً حول مشروع بوليفارد النصر والرد على التساؤلات حوله انظر ايضاًمجلس أعيان مدينة القصير بحمص يبحث سبل إعمار المدينة

حمص-سانا بحث مجلس أعيان مدينة القصير اليوم في لقاء تعارفي اجتماعي، ضم وجهاء المدينة وريفها، …

آخر الأخبار 2025-08-11عواصف قوية وفيضانات تجتاح ولاية ويسكونسن الأمريكية 2025-08-11التعليم العالي تناقش مع جامعة قرطبة تحدياتها وسبل دعمها 2025-08-11الهيئة العامة للتدريب السياحي تطلق أول دورة للأدلاء عن بعد 2025-08-11مدير الشؤون الآفروآسيوية والأوقيانوسية بالخارجية السورية يلتقي مساعد وزير الخارجية الياباني 2025-08-11سوريا والجزائر تبحثان التعاون المشترك في إطار الاستجابة للكوارث 2025-08-11صحفيون وإعلاميون سوريون ينظمون وقفات تضامنية مع صحفيي غزة وأهلها- فيديو 2025-08-11وزير الطاقة السوري يصل إلى بغداد لبحث التعاون الثنائي 2025-08-11وزير التعليم العالي يبحث مع خبراء سوريين في اليابان مجالات التعاون 2025-08-11وزير الطوارئ السوري يبحث مع القائم بأعمال السفارة اليونانية التعاون عند وقوع أي كارثة 2025-08-11وزير الطوارئ والكوارث يزور عائلة حمزة العمارين في نوى بريف درعا

صور من سورية منوعات تحطم نيزك في الولايات المتحدة أقدم من الأرض ب 20 مليون سنة 2025-08-11 فريق صيني ينجح برقمنة نقوش عظام الأوراكل القديمة في أوروبا 2025-08-11
مواقع صديقة أسعار العملات رسائل سانا هيئة التحرير اتصل بنا للإعلان على موقعنا
Powered by sana | Designed by team to develop the softwarethemetf © Copyright 2025, All Rights Reserved

مقالات مشابهة

  • مصافي عدن تستعيد عافيتها.. بدء تشغيل وحدة إنتاج الأسفلت
  • الشيباني: سوريا تمر بوقت دقيق بعد سنوات الحرب التي أثرت على كل بيت في البلاد ولا يمكننا الحديث عن المستقبل دون الحديث عما جرى في عهد النظام البائد والدمار والمعاناة التي لحقت بملايين السوريين
  • صور وفيديوهات وهتك عرض .. اعترافات سارة خليفة أمام النيابة في قضية المخدرات
  • انخفاض نسبة الأملاح.. البصرة تستعيد مستويات المياه بمشروع البدعة
  • رئيس الأركان السابق: كل الإسرائيليين يعارضون الحرب بغزة
  • قتل الشاهد.. الجريمة التي تُضاعف جريمة الحرب
  • جنرال إسرائيلي: لماذا لم تُهزم “حماس” بعد كل الضربات التي تلقتها؟
  • مدينة القصير في ريف حمص تستعيد نبض الحياة بعودة خمسين عائلة بعد سنوات من التهجير
  • جنرال إسرائيلي: لماذا لم تُهزم حماس بعد كل الضربات التي تلقتها؟