معتز الشامي (أبوظبي)
يشهد مقعد المدير الفني للأندية دوري أدنوك للمحترفين في نسخته 2025-2026 سيطرة أوروبية شبه كاملة، وذلك بواقع 11 مدرباً أوروبياً يقودون أندية المسابقة، وتتقدمهم المدرسة الصربية بخمسة مقاعد كأكثر الجنسيات حضوراً هذا الموسم، ثم تأتي المدرسة البرتغالية بثلاثة مناصب، فيما يتقلص تمثيل المدارس العربية والآسيوية إلى مقاعد معدودة.


وتكشف اختيارات أنديتنا ميلاً واضحاً إلى المدارس التكتيكية الأوروبية بحثاً عن هوية لعب أكثر صرامة وتنظيماً، مع الإبقاء على لمسة محلية وعربية في مشروعين بارزين، بينما الصدارة العددية للصرب ليست رقماً فقط، بل اتجاهاً فنياً يعكس ثقة في صلابة تلك المدرسة، بينما يضمن الحضور البرتغالي جرعات من حلول الاستحواذ والبناء من الخلف، وبين هاتين المدرستين، يستعد دورينا لموسم تتقاطع فيه الأفكار الدفاعية الصارمة مع الفلسفات الهجومية المرنة حيث الملعب هو الفاصل.
خريطة المدربين في دورينا
• العين: الصربي فلاديمير إيفيتش 
• الجزيرة: المغربي الحسين عموتة 
• عجمان: الصربي جوران 
• خورفكان: الإماراتي عبدالمجيد النمر 
• اتحاد كلباء: الصربي فوك رازوفيتش 
• دبا: البرتغالي برونو بيريرا
• شباب الأهلي: البرتغالي باولو سوزا 
• البطائح: الإيراني فرهاد مجيدي
• الوحدة: البرتغالي خوسيه موريس
• النصر: الصربي سلافيا توكانوفيتش
• الشارقة: الصربي ميلوش إميلوييفيتش
• الوصل: البرتغالي لويس كاسترو 
• بني ياس: البلغاري إيفايلو بيتيف بوجدانوف

أخبار ذات صلة «محطات انتظار التتويج».. «روايات» طويلة وقصيرة لأبطال «دورينا» 10 هدافين في تاريخ «دورينا».. لابا يترقب «اللقب الخامس»

المصدر: صحيفة الاتحاد

كلمات دلالية: العين دوري أدنوك للمحترفين شباب الأهلي

إقرأ أيضاً:

الاستعدادُ النَّفسيُّ للعودةِ إلى المدرسة: رِحلةٌ تبدأ من الداخل

صراحة نيوز _ بقلم : سامي الكايد / أخصائي نفسي إكلينيكي

معَ اقترابِ بدايةِ العامِ الدراسيِّ، يمرُّ كثيرٌ من الأطفالِ بمرحلةٍ انتقاليةٍ دقيقة، يمكن تشبيهُها ووصفها بإعادةِ التكيُّف مع بيئةٍ تعليميةٍ واجتماعيةٍ تحملُ ملامحَ مألوفة، لكنَّها في الوقتِ ذاتهِ تُخفي تحدِّياتٍ جديدة. هذه المرحلةُ ليست مجرَّدَ استعدادٍ للحقائبِ والكُتُب، بل استعدادٌ للذاتِ من الداخل.

الأبحاثُ الحديثةُ تؤكِّدُ أنَّ العودةَ إلى المدرسةِ تمثِّلُ حدثًا ضاغطًا (Stressful Event) يختبرُ قدرةَ الطفلِ على ضبطِ انفعالاتِه، ومرونتِه في التكيُّف (Resilience)، وحماسَه نحوَ التعلُّمِ والإنجاز.

وعلى المستوى العصبيِّ، تُشيرُ الدراساتُ إلى أنَّ مناطقَ الدماغِ المرتبطةَ بالتوتُّر مثل اللَّوزةِ الدماغيَّة (Amygdala) تنشَطُ بصورةٍ أكبرَ في مثلِ هذه التحوُّلات، ممَّا يُضاعفُ من شِدَّةِ الاستجابةِ الانفعالية. هنا يُصبحُ دورُ الأسرةِ محوريًّا في احتواءِ مشاعرِ الطفل من القلقِ إلى الحماس ومنحِه استراتيجياتٍ عمليةً للتعامُلِ مع التوتُّر، وهو ما ينعكسُ لاحقًا على تحصيلِه الدراسيِّ، وتكوينِ صداقاتِه، وحتَّى ثقتِه بنفسِه، ولعلَّ ما أشارَ إليهِ بياجيه في نظريَّتِه عن النُّموِّ المعرفيِّ يُدعِّمُ هذا الطَّرح، حيثُ أوضحَ أنَّ الطفلَ يبني معرفتَه عبرَ التفاعلِ النَّشطِ مع بيئتِه. كذلك، فإنَّ مفهومَ التَّنظيمِ الذَّاتي(Self-Regulation) يُعَدُّ مهارةً محوريَّةً في مساعدةِ الطفلِ على إدارةِ عواطفِه وسلوكِه داخلَ البيئةِ المدرسيَّة.

فالاستعدادُ النَّفسيُّ للعودةِ إلى المدرسةِ هو، في جوهرِه، عمليَّةٌ وقائيَّةٌ وعلاجيَّةٌ تدمجُ بين الفهمِ العاطفيِّ، والدَّعمِ الأسريِّ، والتَّدريبِ السلوكيِّ، ليبدأَ الطفلُ عامَه بقدرةٍ أكبرَ على مواجهةِ الضُّغوطِ والتَّعلُّمِ بمرونةٍ وطمأنينة.

البدايةُ من الداخل: فَهمُ مَشاعِرِ الطِّفل

إنَّ أهمَّ ما يحتاجُه الطِّفلُ في هذه المرحلةِ هو أن يتعرَّفَ على مشاعِرِه ويُعبِّرَ عنها بصدق. قد يبدو قلقُه من أوَّلِ يومٍ دراسيٍّ أمرًا بسيطًا للكبار، لكنَّهُ بالنسبةِ له شعورٌ كبيرٌ يضغطُ على نفسِه، حينَ يجلسُ الأهلُ مع أطفالِهم ليستمعوا لهم بصدق، ويؤكِّدوا لهم أنَّ الخوفَ والفضولَ والحماسَ كلَّها مشاعرُ طبيعيَّة، فإنَّهم يمنحونَهم راحةً وطمأنينةً تُشبه سندًا داخليًّا يُرافِقُهم إلى المدرسة، ويُصبِحونَ لهم مُرشِدينَ في فَهمِ أنفُسِهم.

من النَّاحيةِ النَّفسيَّة، السَّماحُ للطِّفلِ بالتعبيرِ عن انفعالاتِه بوعيٍّ يُعَدُّ خطوةً أساسيَّةً في تنميةِ الذَّكاءِ العاطفيِّ، الذي يُساعدُه لاحقًا على التكيُّفِ مع الضُّغوطِ وإدارةِ المواقفِ الاجتماعيَّة. الإصغاءُ الفعّالُ من الأهلِ ليسَ مجرَّدَ تعاطُف، بل هو تدخُّلٌ وقائيٌّ يُقلِّلُ من احتماليَّةِ تراكمِ القلقِ ليظهرَ فيما بعدُ على شكلِ مشكلاتٍ سلوكيَّةٍ أو أعراضٍ جسديَّة. وعندما يشعرُ الطِّفلُ أنَّ مشاعِرَه مُعترَفٌ بها وغيرُ مُستهانٍ بها، فإنَّ ذلك يُعزِّزُ داخِلَه الإحساسَ بالأمانِ والقُدرةَ على مواجهةِ المجهولِ بروحٍ أكثرَ ثباتًا.

غيرَ أنَّ الاطمئنانَ وحدَه لا يكفي؛ فالطِّفلُ بحاجةٍ إلى اختبارِ شعورِ الكفاءةِ والسَّيطرةِ على بعضِ جوانبِ حياتِه. السَّماحُ له باتخاذِ قراراتٍ صغيرة، مثل اختيارِ حقيبتِه، أو ترتيبِ أدواتِه، أو تنظيمِ غرفتِه، ليست تفاصيلَ عابرة، بل محطَّاتٌ تدريبيَّة تُنمِّي الاستقلاليَّةَ وتُغذِّي شعورَه بالقُدرة.

من منظورٍ علاجيٍّ، تُسهِمُ هذه الممارساتُ في بناءِ تقديرِ الذات، وهو حجرُ الأساسِ لمواجهةِ التحدِّياتِ المستقبليَّة. كلُّ تجربةٍ صغيرةٍ بالنجاح، وكلُّ قرارٍ بسيطٍ يُحترَمُ من المحيطينَ به، كغرسِ بذرةٍ صغيرةٍ تنمو داخلَ الطِّفلِ لتُصبِحَ شجرةَ الثِّقةِ بالنَّفس. ويُصبِحُ استعدادُ الطِّفلِ النَّفسيُّ عاملًا فاعلًا في تعامُلِه لاحقًا مع المدرسةِ وزُملائِه ومعلِّميه، ويُمَهِّدُ الطَّريقَ لتجربةٍ تعليميَّةٍ متكاملةٍ ومتوازنة.

من التوتُّرِ إلى الطُّمأنينة: أدواتُ الطِّفلِ لمواجهةِ اليومِ الدراسيِّ

ومعَ مواجهةِ التحدِّياتِ اليوميَّة، سواءٌ كانت امتحانًا مُفاجئًا، أو صعوبةً في مادَّةٍ معيَّنةٍ، أو حتَّى موقفًا اجتماعيًّا مُربِكًا، يحتاجُ الطِّفلُ إلى إعادةِ تشكيلِ إدراكِه لهذه المواقف، دورُ الأهلِ والمعلِّمينَ هنا لا يقتصرُ على تقديمِ الحلولِ الجاهزة، بل على مساعدتِه في رؤيةِ العقباتِ كفرصٍ للتعلُّمِ والنموِّ. استخدامُ قصصٍ مُلهِمةٍ عن شخصيَّاتٍ تجاوزت صعوبات، أو الاحتفالُ بإنجازاتٍ صغيرةٍ يُحقِّقها، يُعزِّزُ لديه ما يُعرَفُ في العلاجِ المعرفيِّ السلوكيِّ بـ “إعادةِ البناءِ المعرفيِّ”، حيثُ تتحوَّلُ النَّظرةُ للمشكلةِ من تهديدٍ إلى تحدٍّ قابلٍ للتجاوز.

المدرسةُ بدورِها تُعَدُّ مختبرًا اجتماعيًّا، يواجهُ فيه الطِّفلُ مواقفَ حياتيَّةً تُشكِّلُ جزءًا من هويَّتِه المستقبليَّة. انتظارُ دورِه، الإصغاءُ لزميلِه، أو طلبُ المساعدةِ من المعلِّم، كلُّها ممارساتٌ تبدو عاديَّة، لكنَّها في جوهرِها دروسٌ في التَّنظيمِ الاجتماعيِّ والانفعاليِّ. الطِّفلُ الذي يتعلَّمُ التَّعبيرَ عن حاجاتِه بوضوح، أو يجرؤُ على بدءِ حوارٍ مع صديقٍ جديد، يُنمِّي لديه مهارةَ التَّواصُلِ الفعَّال، والتي تُعَدُّ من أهمِّ عواملِ الصِّحَّةِ النَّفسيَّةِ على المدى الطَّويل. فالجملةُ البسيطةُ: “أحتاجُ المساعدة” قد تكونُ مدخلًا إلى شبكةِ دعمٍ قويَّة، وكلمةُ: “هل نلعَبْ معًا؟” قد تُرسي أُسُسَ علاقةِ صداقةٍ طويلةِ الأمد.

ومعَ كلِّ ذلك، فإنَّ الضُّغوطَ ستظلُّ جزءًا من البيئةِ المدرسيَّة. الامتحاناتُ، تراكمُ الواجبات، أو حتَّى الخِلافاتُ البسيطةُ مع الأصدقاء، قد تُثيرُ لدى الطِّفلِ استجاباتٍ انفعاليَّةً حادَّة. من هنا تأتي أهميَّةُ تدريبِه على استراتيجيَّاتِ ضبطِ الانفعال التَّنفُّسِ العميق، العدِّ حتَّى العَشرة، أو الكتابةِ التَّعبيريَّة، وهي أدواتٌ فعَّالةٌ أثبتت الدِّراساتُ الإكلينيكيَّةُ في العلاجِ السلوكيِّ المعرفيِّ أنَّها تُقلِّلُ من التوتُّرِ وتزيدُ من كفاءةِ التَّفكيرِ العقلانيِّ في مواجهةِ المواقفِ الضَّاغطة.

وفي قلبِ هذا كلِّه يقفُ الرُّوتينُ اليوميُّ باعتبارِه أداةً تنظيميَّةً نفسيَّة، حينَ يلتزمُ الطِّفلُ بمواعيدَ نومٍ منتظمة، ويُقسِّمُ يومَه بين الدِّراسةِ واللَّعبِ والرَّاحة، فإنَّهُ يبني لنفسِه إحساسًا بالاستقرارِ الدَّاخليِّ. الرُّوتينُ ليسَ تقييدًا لحُرِّيَّتِه كما قد يُفهَم، بل هو إطارٌ يُوفِّرُ له القدرةَ على التنبؤِ والتَّحكُّمِ في يومِه، الأمرُ الذي يُعزِّزُ إحساسَه بالأمانِ النَّفسيِّ ويُخفِّفُ من فوضى الأفكارِ والمشاعر.

الجسدُ والعقلُ والرُّوح: معادلةُ نُموِّ الطِّفلِ المتوازن

ولا يمكنُ فصلُ الجانبِ النَّفسيِّ عن الجسديِّ؛ بالإضافةِ إلى ضبطِ الانفعالاتِ، يحتاجُ الطِّفلُ إلى جسدٍ متوازنٍ ليُكمِلَ نُموَّه النَّفسيَّ والمعرفيَّ. النَّومُ الكافي، والتَّغذيةُ السَّليمة، والأنشطةُ البدنيَّة، ليست مجرَّدَ توصياتٍ صحِّيَّةٍ عامَّة، بل هي مُكوِّناتٌ علاجيَّةٌ وقائيَّةٌ تُدعِّمُ التَّنظيمَ الانفعاليَّ والمعرفيَّ، وجبةُ إفطارٍ متوازنة، الابتعادُ عن السُّكَّريات، ممارسةُ الرياضة، وحتَّى الالتزامُ بالنَّظافةِ الشخصيَّة، جميعُها عناصرُ تُسهِمُ في تحسينِ المزاجِ وزيادةِ القدرةِ على التَّركيزِ والتَّعلُّم.

كما أنَّ القراءةَ المشتركةَ مع الأهل، مراجعةً بسيطةً للدروسِ السَّابقة، أو ممارسةَ ألعابٍ تعليميَّة، تُساعدُ الطِّفلَ على استعادةِ إيقاعِه الدِّراسيِّ تدريجيًّا بعد عطلةٍ طويلة. هذه الأنشطةُ تُنشِّطُ الذَّاكرةَ العاملةَ وتُعزِّزُ مهاراتِ الانتباه، ممَّا يجعلُه يدخلُ العامَ الدِّراسيَّ بخُطواتٍ أكثرَ ثقةً واستعدادًا.

وأخيرًا، فإنَّ الأهلَ ليسوا مجرَّدَ داعمينَ من الخارج، بل هم شركاءُ فِعليُّون في بناءِ التَّجربةِ المدرسيَّة، إشراكُ الطِّفلِ في اختيارِ مُستلزماتِه، الحديثُ الإيجابيُّ عن المدرسة، وتقديمُ مكافآتٍ رمزيَّةٍ على جهودِه، كلُّها رسائلُ تُؤكِّدُ له أنَّه ليسَ وحيدًا في هذه الرِّحلة. الصَّداقاتُ التي يُكوِّنُها، والخِلافاتُ التي يُواجِهُها، كلُّها دروسٌ حياتيَّة تُرسِّخُ قيمَ التَّعاونِ والحوارِ والتَّسامح. وهُنا تبرُزُ أهميَّةُ نظريَّةِ التَّعلُّق (Attachment Theory) التي توضِّحُ أنَّ وجودَ روابطَ آمنةٍ مع الأهلِ والمعلِّمينَ يمدُّ الطِّفلَ بقاعدةٍ صُلبةٍ تمنحُه الطُّمأنينةَ لاستكشافِ العالمِ وتكوينِ علاقاتٍ صحِّيَّة. وعندما يُقدَّمُ له التَّعلُّمُ في صورةٍ ممتعةٍ ومتصلةٍ بحياتِه اليوميَّة، فإنَّ المدرسةَ تتحوَّلُ من عبءٍ إلى مساحةٍ للنُّموِّ والإبداع.

أهميَّةُ التَّواصُلِ بينَ البيتِ والمدرسة

التَّواصُلُ الفعَّالُ بينَ البيتِ والمدرسةِ هو العمودُ الفقريُّ لنجاحِ تجربةِ الطِّفلِ الدراسيَّةِ والنَّفسيَّة. فعندما يتبادَلُ الأهلُ والمعلِّمونَ المعلوماتَ بشكلٍ مستمرٍّ حولَ احتياجاتِ الطِّفلِ، مشاعِرِه، وسلوكياتِه، يُصبِحُ من السَّهلِ التَّدخُّلُ المبكِّرُ ومعالجةُ أيِّ صعوباتٍ قد تطرأ، هذا التَّواصُلُ لا يقتصرُ على الاجتماعاتِ الرَّسميَّة، بل يشملُ الرَّسائلَ اليوميَّة، والملاحظاتِ السَّريعة، وحتَّى اللِّقاءاتِ غيرَ الرَّسميَّةِ التي تزرعُ الثِّقةَ المتبادَلة. إنَّ وجودَ قناةٍ مفتوحةٍ للحوارِ بينَ الطَّرفَين يمنحُ الطِّفلَ شعورًا بالأمان، لأنَّهُ يُدرِكُ أنَّ عالمَه المنزليَّ والمدرسيَّ يُشكِّلانِ شبكةً واحدةً متماسكةً تعملُ لصالحِه.

ومن منظورٍ نفسيٍّ إكلينيكيٍّ، فإنَّ هذا التَّكامُلَ يُقلِّلُ من التَّناقُضاتِ التي قد تُربِكُ الطِّفلَ، ويُعزِّزُ لديهِ الإحساسَ بالاستقرارِ والاتِّساقِ الدَّاخليِّ، ممَّا ينعكسُ إيجابًا على تحصيلِه الأكاديميِّ وتوازُنِه الانفعاليِّ.

المدرسةُ كمنصَّةٍ للحياة: إعدادُ الطِّفلِ للنَّجاحِ والتَّوازن

وهكذا يُصبِحُ الاستعدادُ النَّفسيُّ، والاجتماعيُّ، والجسديُّ عمليَّةً متكاملةً، لا يقتصرُ هدفُها على تمكينِ الطِّفلِ من الجلوسِ في صفٍّ دراسيٍّ أو اجتيازِ امتحان، بل يتعدَّاهُ إلى بناءِ شخصيَّةٍ مرِنةٍ وقادرةٍ على مواجهةِ تحدِّياتِ الحياةِ بثقةٍ وتوازن. إنَّ إعدادَ الطِّفلِ للمدرسةِ هو في جوهرِه إعدادٌ للحياةِ نفسها، بما تحمِلُه من مواقفَ متغيِّرةٍ وفُرَصٍ لا تُحصى، وكلُّ دعمٍ نقدِّمُه له اليومَ هو استثمارٌ في مستقبلِه كفردٍ ناضجٍ وفاعلٍ في مجتمعِه.

فالاستعدادُ النَّفسيُّ للعودةِ إلى المدرسةِ ليسَ إجراءً عابرًا، بل هو عمليَّةٌ إكلينيكيَّةٌ متكاملةٌ تمسُّ أعماقَ نُموِّ الطِّفلِ الانفعاليِّ والمعرفيِّ والاجتماعيِّ. نحنُ لا نُعِدُّه فقط ليجلسَ في مقعدِه الدراسيِّ أو ليُجيبَ عن أسئلةِ الامتحان، بل نُؤهِّلُه ليكونَ أكثرَ وعيًا بذاتِه، أقدرَ على ضبطِ انفعالاتِه، وأقوى في مواجهةِ الضُّغوطِ اليوميَّة. وبإتاحةِ بيئةٍ آمنةٍ، وزرعِ الثِّقةِ فيه، وتزويدِه بأدواتٍ للتنظيمِ الذَّاتيِّ، نمنحُه ما هو أبعدُ من النَّجاحِ الأكاديميِّ: القدرةَ على بناءِ هويَّتِه النَّفسيَّةِ والاجتماعيَّةِ بثبات.

ومن منظورٍ وقائي- علاجيٍّ، فإنَّ الإعدادَ النَّفسيَّ المبكِّرَ يُقلِّلُ من احتماليَّةِ ظهورِ أعراضِ قلقِ الانفصالِ أو السُّلوكيَّاتِ السَّلبيَّةِ التي قد تُرافِقُ الأسابيعَ الأولى من العامِ الدراسيِّ. بل إنَّهُ يعملُ كعاملِ حمايةٍ يُسهِمُ في تعزيزِ الصِّحَّةِ النَّفسيَّةِ على المدى الطَّويل، ويُهيِّئُ الطِّفلَ ليُواجِهَ المواقفَ الصَّعبةَ بمرونةٍ أكبر.

ولإعطاءِ هذا الاستعدادِ بُعدًا عمليًّا، يمكنُ للأهلِ أن يتبنَّوا خطواتٍ بسيطةً لكنَّها عميقةُ الأثر: تخصيصَ عشرِ دقائقَ يوميًّا للاستماعِ إلى الطِّفلِ بصدق، تعزيزَ لحظةِ الدُّخولِ الأولى للمدرسةِ بالطُّمأنينةِ والابتسامة، والإبقاءَ على حوارٍ مفتوحٍ مع المعلِّمِ حولَ تقدُّمِ الطِّفلِ وتحدِّياتِه. هذه الممارساتُ الصَّغيرةُ تمنحُ الطِّفلَ شعورًا بالانتماءِ والأمان.

فالمدرسةُ في جوهرِها مختبرٌ للنُّموِّ الإنسانيِّ وصورةٌ مُصغَّرةٌ للحياةِ نفسها، وكلُّ طفلٍ يدخلُها مُزوَّدًا بالاستعدادِ النَّفسيِّ السَّليمِ هو مشروعُ قائدٍ صغيرٍ يتعلَّمُ اليومَ كيف يُواجِهُ التحدِّيات، ليُصبِحَ غدًا شخصًا قادرًا على صناعةِ أثرٍ حقيقيٍّ في مجتمعِه.

وفي الختام، اجعلوا من العودةِ إلى المدرسةِ رحلةً مشتركةً بين البيتِ والطفلِ والمدرسة؛ استمعوا لمشاعرِه، عزِّزوا ثقته، وامنحوه بيئةً آمنةً وداعمة، فكلُّ كلمةِ طمأنينةٍ، وكلُّ لحظةِ اهتمامٍ، هي لبنةٌ تُضافُ في بناءِ مستقبلِه النَّاجح والمتوازن، وإذا واجهتم أيَّ صعوبةٍ أو لاحظتم مشكلاتٍ انفعاليَّةً أو سلوكيَّةً لدى أطفالِكم، فاستشارةُ مختصٍّ نفسيٍّ تُعدُّ خطوةً أساسيَّةً لضمان دعمِهم بالطريقةِ الأمثل.

المادة مستندة إلى مفاهيم من علم النفس الإكلينيكي وأبحاث حديثة في مجال الصحة النفسية للأطفال.

المراجع:

Li, J., & Chen, M. (2025). Evaluating the outcomes of resilient left-behind children: A social-emotional learning and mindfulness group counseling program. Frontiers in Psychology, 16, 1498961. https://doi.org/10.3389/fpsyg.2025.1498961

Martinez, R., & Green, P. (2025). Environmental stability and self-regulation development in children: Evidence from longitudinal neurobehavioral data. Frontiers in Psychology, 16, 1498961. https://doi.org/10.3389/fpsyg.2025.1498961

Wang, Y., Liu, H., & Li, X. (2024). Association between sleep, physical activity, and working memory in young children. BMC Pediatrics, 24(1), 5186. https://doi.org/10.1186/s12887-024-05186-z

Zhou, L., & Zhang, H. (2024). Self-regulation and classroom adjustment in early childhood education: A longitudinal study. Early Childhood Research Quarterly, 67, 45–58. https://doi.org/10.1016/j.ecresq.2024.03.005

Kim, S., & Kochanska, G. (2022). Secure attachment and children’s emotion regulation: A developmental perspective. Journal of Experimental Child Psychology, 221, 105459. https://doi.org/10.1016/j.jecp.2022.105459

مقالات مشابهة

  • الاستعدادُ النَّفسيُّ للعودةِ إلى المدرسة: رِحلةٌ تبدأ من الداخل
  • لحم لحم بينما أطفال غـزة يصرخون خبز خبز!!!
  • المقاعد قليلة... والخلافات واضحة
  • الزمالك ينهى أزمة مستحقات البرتغالي جوزيه جوميز
  • زوجة رئيس الشؤون الدينية تحج للمرة السابعة بينما ينتظر الملايين دورهم
  • عمر فايد ينتقل للدوري البرتغالي رسميًا
  • 10 مرشحين يتنافسون في جولة الإعادة بانتخابات الشيوخ .. وهذه شروط فوزهم
  • برلماني: خضنا انتخابات مجلس الشيوخ بشعار المشاركة لا المغالبة
  • قرارات غريبة في المدارس الخاصة.. والاهالي يرفعون الصوت