الموسيقى الكونغولية.. من نبض الأرض إلى التراث الإنساني
تاريخ النشر: 25th, August 2025 GMT
منذ مطلع القرن الـ20، شكّلت الموسيقى الكونغولية أحد أعمدة التعبير الفني في أفريقيا، ورافدا ثقافيا تجاوز حدود القارة ليؤثر في أنماط موسيقية عالمية مثل البينجا الكينية والشامبيتا الكولومبية.
وقد بلغ هذا التأثير ذروته حين أدرجت منظمة اليونسكو موسيقى الرومبا الكونغولية عام 2021 ضمن قائمة التراث الثقافي غير المادي للبشرية، اعترافا بدورها في تشكيل الهوية الفنية والاجتماعية لشعوب وسط أفريقيا.
قبل أن تتبلور الرومبا الكونغولية، كان المشهد الموسيقي المحلي يهيمن عليه الطابع الفولكلوري التقليدي، القائم على الإيقاعات المعقدة والغناء الجماعي والارتجال باستخدام آلات شعبية مثل التام تام، السانزا، والبالافون. ومع التوسع الحضري في ليوبولدفيل (كينشاسا حاليا) خلال الحقبة الاستعمارية، انفتح الكونغوليون على أنماط أجنبية مثل الرومبا الكوبية والجاز والهايلايف، وهذا أسهم في تطور موسيقاهم نحو أشكال أكثر حداثة.
وكانت رقصة "المارينغا" مثالا بارزا لهذا التحول، إذ جمعت بين الجذور المحلية والتأثيرات الوافدة، لتصبح جزءا من ثقافة الحانات الراقصة في برازافيل وليوبولدفيل.
صوت الحرية ومقاومة الاستعمارلم تكن الموسيقى الكونغولية مجرد وسيلة للترفيه، بل تحولت إلى أداة سياسية واجتماعية محورية خلال النصف الثاني من القرن الـ20. فقد مزجت الرومبا الكونغولية الإيقاعات الأفريقية بالعناصر الكوبية والغربية، لتصبح رمزا للثقافة الحديثة ووسيلة لإعادة الاعتزاز بالهوية المحلية.
ومع تصاعد الحركات القومية في خمسينيات القرن الماضي، استخدمت الأغاني كأداة للتعبئة السياسية، إذ حملت رسائل عن الحرية والوحدة ومقاومة الاضطهاد.
وكان الموسيقي جوزيف كاباسيلي، المعروف بـ"لو غراند كاليه"، نموذجا بارزا في هذا السياق، بأغنيته الشهيرة "Indépendance Cha Cha" أو "استقلال تشا تشا" التي تحولت إلى نشيد غير رسمي لحركات التحرر في الكونغو وعموم أفريقيا.
إعلان الرومبا الكونغولية.. هوية موسيقية مستقلةنشأت الرومبا الكونغولية في حوض نهر الكونغو، مستلهمة إيقاعاتها من المزج بين الموسيقى الأفريقية التقليدية والرومبا الكوبية. وتتميز بإيقاعاتها الراقصة وأدائها الثنائي بين الرجال والنساء، مع استخدام آلات موسيقية متنوعة أبرزها الجيتار والطبول والبيانو.
وقد أثرت لاحقا في أنماط موسيقية أخرى مثل السوكوس، لتصبح رمزا للوحدة والهوية الثقافية في وسط أفريقيا. واليوم، تجاوزت الرومبا الكونغولية حدود القارة لتجد جمهورا واسعا في أنحاء العالم، بفضل أسماء بارزة مثل بابا ويمبا، فرانكو "لوامبو مكيادي"، وبيبي كال.
على الرغم من تشابه الاسم، فإن الرومبا الكوبية والرومبا الكونغولية تمثلان مسارين موسيقيين متباينين يلتقيان في الإرث الأفريقي. فالرومبا الكوبية نشأت في القرن الـ18 من تمازج الإيقاعات الأفريقية التي حملها "العبيد" مع التأثيرات الإسبانية، لتصبح رمزا شعبيا في كوبا ومصدر إلهام لأنماط عالمية مثل السالسا والجاز اللاتيني.
أما في أفريقيا، فقد عبرت الرومبا المحيط منتصف القرن الـ20 عبر الأسطوانات والإذاعات، لتجد صداها في الكونغو، إذ أعاد الموسيقيون صياغتها بالغيتارات الكهربائية وأضافوا إليها نصوصا باللينغالا ولغات محلية، فظهرت الرومبا الكونغولية كفن حضري راقص بطابع احتفالي، تطور لاحقا إلى أنماط جديدة مثل السوكوس.
الرومبا.. نبض الحرية عبر الأجيالمنذ أواخر الأربعينيات وحتى اليوم، شكلت الرومبا الكونغولية قلب المشهد الموسيقي في البلاد، وأداة فنية للتعبير عن الهوية الوطنية والتحرر. ومع تفكك فرقة "أفريكان جاز" في الستينيات، ظهر مجددون مثل بابا ويمبا وفرقة "تحيا الموسيقى"، الذين دمجوا الموسيقى بالموضة والثقافة، معبرين عن روح الشباب بعد الاستقلال.
وتواصل فرق مثل "زايكو لانجا لانجا"، "بوكوندجي"، و"بالوجي" إعادة إصدار إرث الرومبا، متناولين قضايا الاستقلال ونتائجه عبر أغانٍ سياسية نقدية ومعاصرة.
باتريس لومومبا.. الإلهام السياسي للموسيقىرغم أنه لم يكن موسيقيا، فإن الزعيم الوطني باتريس لومومبا (1925–1961) أول رئيس وزراء منتخب في تاريخ للكونغو الديمقراطية بعد استقلالها عن بلجيكا عام 1960، شكّل مصدر إلهام رمزي وسياسي للفنانين الكونغوليين.
فقد تحولت قصته إلى رمز للمقاومة، واستُحضرت في كلمات الأغاني التي تناولت الهوية الوطنية والكرامة والتحرر.
جوزيف كاباسيلي.. الأب الروحي للرومبا الكونغوليةوُلد كاباسيلي في مدينة ماتادي عام 1930، وأسّس عام 1953 فرقة "أفريكان جاز"، التي جمعت أسماء بارزة مثل الدكتور نيكو كاساندا ومانو ديبانغو. وكان رائدا في إدخال آلات مثل الساكسفون إلى الرومبا، مطورا أسلوبا موسيقيا ترك بصمته على أجيال لاحقة.
شارك في مؤتمر المائدة المستديرة حول استقلال الكونغو عام 1960، وخلّد المناسبة بأغنيته "Indépendance Cha Cha"، أو "استقلال تشا تشا"، ورغم الانقسامات التي شهدتها فرقته لاحقا، واصل التأثير عبر رعاية المواهب وتأسيس شركات إنتاج ساهمت في انتشار الموسيقى الكونغولية في السوق الفرانكوفونية.
توفي الفنان الكونغولي كاباسيلي، في العاصمة الفرنسية باريس عام 1983، ودُفن في كينشاسا، تاركًا وراءه إرثًا فنيًا جعل منه أحد أبرز رموز التحرر الثقافي والموسيقي في أفريقيا.
إعلانالمصدر: الجزيرة
إقرأ أيضاً:
إعلام فرنسي: فلسطينيون يرون أن حكم بلير لغزة سيكون نكتة القرن
اهتم موقع ميديا بارت وصحيفة لوموند الفرنسيين بالتطورات التي تلت الموافقة على خطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، فنقل الموقع رأي فلسطينيين بأن تنفيذ الخطة يمثل ارتياحا وتنازلا في آن واحد، ساخرين في حديثهم لصحيفة لوموند من حكم رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير لغزة.
وكتب المؤرخ الفرنسي جان بيير فيليو مقالا في صحيفة لوموند بعنوان "توني بلير وإنكار فلسطين"، أكد فيه أن الشعب الفلسطيني تعلم عبر تاريخه المؤلم، أن مصيره يمكن أن يناقش في أماكن بعيدة جدا عن أرضه، ومن دون مجرد التظاهر بأخذ رأيه.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2إسرائيل كسبت المعركة لكنها خسرت الحرب بحسب يديعوت أحرونوتlist 2 of 2إيكونوميست: جحيم أوكرانيا أضر بـ 50% من مصافي النفط الروسيةend of listولذلك دعا ترامب، لمناقشة مستقبل غزة صهره جاريد كوشنر وشريكه في رياضة الغولف والأعمال ستيف ويتكوف، إضافة إلى توني بلير، الذي تعمل شركته الاستشارية "معهد توني بلير للتغيير العالمي" منذ أشهر مع سابقيه على تقديم غلاف سياسي لمشروع تحويل غزة إلى "ريفييرا الشرق الأوسط".
وعندما كشف ترامب عن خطته لغزة، أعلن أن توني بلير سيكون إلى جانبه في لجنة "سلام" مكلفة بإدارة القطاع الفلسطيني، وهنا يشير الكاتب إلى أن انخراط توني بلير في خدمة هذا المشروع الأميركي يمثل امتدادا لعقود من العداء للقومية الفلسطينية.
ونبه جان بيير فيليو إلى أن بلير يمثل غطاء أوروبيا لخطة أميركية تنكر الحقوق الفلسطينية، لأنه بدلا من إحياء عملية السلام الفلسطينية الإسرائيلية، كان هدفه تمهيد الطريق لشراكة إستراتيجية بين إسرائيل والدول العربية، وهي الفكرة التي استعيدت لاحقا في "اتفاقيات أبراهام"، التي تجاوزت القضية الفلسطينية.
وعندما عين الرئيس الأميركي السابق جورج بوش الابن توني بلير مبعوثا خاصا للجنة الرباعية الدولية، استخدم بلير مهاراته الخطابية للترويج لبرنامج تنمية اقتصادية في الضفة الغربية، على أمل أن يقود "الازدهار النسبي" هناك إلى دفع سكان غزة للتخلص من حركة حماس، بحسب الكاتب.
إعلانوعندما عاد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى رئاسة الحكومة عام 2009، سر بأن بلير اكتفى "بتحسين" ظروف الاحتلال في الضفة الغربية، من خلال تقليل الحواجز العسكرية من دون إزالتها، وإنشاء بورصة في نابلس، وتشجيع السياحة في بيت لحم، وفق ما يوضح جان بيير فيليو.
وأضاف أنه خلال 8 سنوات من عمله كمبعوث خاص، لم ينتقد بلير قط سياسة الاستيطان في الضفة أو الحصار المفروض على غزة، ويبدو للكاتب أن هذه الانسجام العميق بين بلير ونتنياهو، هو ما يجعله اليوم المرشح المثالي لمرافقة ترامب في فرض وصاية على قطاع غزة.
ويبقى بلير -بحسب الكاتب- مستعدا لتقديم غطاء أوروبي لخطة أميركية تبناها نتنياهو بالفعل، مكررا الدور الذي لعبه عام 2003 في حرب العراق ولكن بطريقة أكثر تواضعا، وذلك في وقت اعترفت فيه المملكة المتحدة بدولة فلسطين، ليبقى رئيس وزراها الأسبق مستمرا في إنكار هذا الحق الأساسي للشعب الفلسطيني.
مشاعر متضاربة
وانطلق ميديا بارت -في تقرير بقلم جوزيف كونفافرو- من المظاهرة التي كانت مقررة أول أمس السبت في مقبرة سخنين، والمخصصة في الأصل لتكريم قبري اثنين من سكان المدينة قتلا على يد الجيش الإسرائيلي قبل 25 عاما في بداية الانتفاضة الثانية، لكنها أقيمت هذه المرة غداة قبول حماس بخطة ترامب أساسا يمكن أن يؤدي إلى وقف إطلاق نار سريع.
وقال رئيس بلدية سخنين مازن غنايم للموقع إن "هناك للمرة الأولى منذ عامين، بصيص أمل"، وعبر عن مشاعر متضاربة تجاه هذه المبادرة، قائلا "من جهة، نرى إمكانية أن تتوقف المجازر، وأن يحصل إخوتنا على المياه والأدوية ويستعيدوا كرامتهم، ولكن من جهة أخرى، ما زلنا ندافع عن حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني، وهو ما تستعد هذه الخطة للتخلي عنه".
أما عابد، من مدينة أم الفحم، فيقول إن "وحده من يملك قلبا من حجر لا يتمنى أن يتوقف نزيف الدم بأي ثمن، لكنني أخشى من مناورات جديدة لرئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو، لأن هدفه النهائي هو ترحيل سكان غزة".
ويعرج الموقع على مظاهرة أخرى حاشدة وأمل في تل أبيب، إذ اجتمع عشرات الآلاف مساء السبت أمام متحف المدينة للمطالبة بإطلاق سراح المحتجزين والتوصل إلى اتفاق ينهي الحرب، وأطلقوا هتافات جماعية، وحملوا أعلاما إسرائيلية وأميركية متشابكة، وبأيديهم لافتات تقول "أعيدوهم إلى البيت فورا"، "ترامب، شعب إسرائيل معك"، بل وحتى شعارات ضد الحرب.
تقول كاتيا (65 عاما): "كنت آتي هنا كل سبت منذ عامين لكن اليوم، نحن أكثر بـ10 مرات من أي سبت سابق، هناك أمل حقيقي، آمل أن يكون هذا آخر سبت أضطر فيه للمجيء".
تنصيب رجال أعمال لحكم الأراضي الفلسطينية بحجة أننا غير قادرين على حكم أنفسنا وصفة للاستعمار.
بواسطة محمود منى
وصفة للاستعمارأما في القدس الشرقية فالأمل مشوب بالحذر، وتبدو مشاعر الفلسطينيين الذين يملكون بطاقة إقامة، من دون الجنسية الإسرائيلية، متشابهة، إذ يقول محمود منى، صاحب 3 مكتبات بشارع صلاح الدين، "أنا مستعد لدعم أي مبادرة توقف المجازر، فهذا واجب أخلاقي أولا"، وفق ما يوضح الكاتب.
إعلانويتابع أن محمود منى يرى أن الخطة، "حتى إن نجحت في إسكات البنادق، فإنها تخلق نظاما جديدا من القمع، يشبه ما تسبب في سفك الدماء من قبل، مؤكدا أن تنصيب رجال أعمال لحكم الأراضي الفلسطينية بحجة أننا غير قادرين على حكم أنفسنا هو وصفة للاستعمار".
ويقول ابن أخيه أحمد مع ابتسامة ساخرة، عندما سئل عن خطة ترامب: "توني بلير لحكم غزة؟ ستكون نكتة القرن. لقد أثبت فشله من قبل في القضية الفلسطينية، وهو مسؤول عن مقتل عشرات الآلاف من العراقيين إنه وجه إرث استعماري سبب مأساتنا".
ويضيف أحمد أن الخطة "صيغت في البيت الأبيض على يد رجال بيض يعتقدون أنهم يعرفون حلولا أفضل منا لأرض لا يعرفونها، دون أن يسألونا عن رأينا، في أفضل الأحوال، ستكون اتفاقا لوقف الحرب، لكنها بعيدة عن أي خطة سلام".
وفي الحديث عن اعتراف دول كفرنسا مؤخرا بدولة فلسطين، يقول محمود منى إن الاعتراف يحمل وزنا حتى ولو كان رمزيا، موضحا "يجب ألا ننسى أن إسرائيل تأسست عام 1948 بفضل اعتراف دولي من القوى الكبرى"، بحسب ما أورد ميديا بارت.
ويصيف محمود محذرا "يجب ألا يكون هذا الاعتراف ذريعة لإعادة طرح حل الدولتين الذي أصبح اليوم أكثر استحالة من أي وقت مضى أنا أؤمن بفكرة الدولة الواحدة، رغم الدم والكراهية".
"أما ابن أخي محمود الذي نشأ بعد فشل اتفاق أوسلو، فيقول "الاعتراف بدولة فلسطين لا يغير شيئا على الأرض. الحقائق هي التي تحكم الواقع. والحقائق اليوم هي الاستيطان، وسرقة الأراضي، وتغيير القوانين، وبناء طرق جديدة للمستوطنين"، وفقا للموقع.
وصرح الشاب لميديا بارت قائلا: "من الصعب إقناع شباب فلسطين بحل الدولتين. يجب أن يكون الطرفان راغبين. هل يمكن تصور أن إسرائيل ستفكك كل المستوطنات في الضفة الغربية؟ أما الدولة الواحدة رغم صعوبتها، فهي حلم أجمل وأقل ذكرا".