تشهد ولايات دارفور غربي السودان وضعا صحيا وإنسانيا بالغ الخطورة، مع تفشي وباء الكوليرا على نحو متسارع، وسط غياب كامل لحملات التوعية الصحية، وانعدام وسائل الوقاية، في وقت ينهار فيه القطاع الصحي تحت وطأة الحرب الدائرة منذ أكثر من عامين بين الجيش وقوات "الدعم السريع".

وبحسب بيانات المنسقية العامة للاجئين والنازحين بدارفور، فقد بلغ عدد الإصابات بالكوليرا حتى يوم 27 آب/أغسطس الجاري نحو 8 آلاف و569 حالة مؤكدة، بينها 361 وفاة، غالبيتهم من النساء والأطفال.

وسجلت ولاية شمال دارفور، وتحديداً محلية طويلة، أعلى معدلات إصابة بأكثر من 4 آلاف و800 حالة.

وفي جبل مرة، تم تسجيل نحو 1290 إصابة، فيما انتشر الوباء بشكل واسع في مخيمات النزوح المكتظة، مثل مخيم "كلمة" الذي وثّق 435 إصابة بينها 64 حالة وفاة، إلى جانب مخيم عطاش الذي سجل 216 إصابة، بينها 55 وفاة.

ووفق آخر إحصائية حكومية، فقد وصل العدد الإجمالي للإصابات في السودان إلى 102 ألف و831 حالة، بينها أكثر من 2560 وفاة منذ بدء الوباء في آب/أغسطس الماضي، ما يعكس سرعة الانتشار وخطورة الوضع في بلد يعيش أصلاً واحدة من أسوأ الكوارث الإنسانية في تاريخه الحديث.

انتشار سريع داخل بيئة هشة
بدأ تفشي المرض على نطاق واسع في دارفور منذ 30 حزيران/يونيو الماضي، خاصة في مناطق النزوح ذات الكثافة السكانية العالية.

ووفق شهادات محلية، ساهمت المعارك المستمرة في مضاعفة الأزمة، إذ بات الوصول إلى المراكز الطبية شبه مستحيل، بينما يضطر بعض المرضى إلى السير لساعات طويلة على الأقدام للوصول إلى أقرب نقطة علاجية.

ويقول آدم رجال، المتحدث باسم المنسقية العامة للنازحين، في حديثه لوكالة الأناضول، إن "دارفور تعيش أسوأ أزماتها؛ الأوبئة تفتك بالناس، والجوع يحاصرهم، والحرب تحصد الأرواح في صمت". ويضيف: "إصابات الكوليرا تجاوزت ثمانية آلاف حالة، فيما يقارب عدد الوفيات 400، وهناك نقص حاد في الإمدادات الطبية، خاصة محاليل الإماهة الفموية والوريدية".


انهيار القطاع الصحي
وتواجه المستشفيات العاملة في دارفور وضعاً مأساوياً، إذ تعاني نقصاً حاداً في الأدوية والمستلزمات الأساسية، بينما لا تزال المساعدات الطبية عاجزة عن الوصول بسبب تعقيدات الحرب.

وفي مدينة الفاشر المحاصرة، كبرى مدن شمال دارفور، وصفت الصحفية نِعَمات الحاج الوضع الصحي بأنه "الأسوأ على الإطلاق"، مشيرة إلى أن المستشفى الجنوبي هو الوحيد الذي ما زال يعمل ولو بقدرة لا تتجاوز 20%، في حين توقفت بقية المستشفيات والمراكز الصحية. وتضيف: "الدواء والغذاء نفدا بالكامل، أدوية الأمراض المزمنة وسوء التغذية لم تعد متوفرة، والأطفال بلا لقاحات، فيما يواصل الوباء الانتشار داخل المدينة ومحيطها".

نداءات استغاثة منظمات دولية
وفي 14 آب/أغسطس الجاري، أعلنت منظمة أطباء بلا حدود وفاة 40 شخصاً بالكوليرا في دارفور خلال أسبوع واحد فقط، ووصفت الوضع بأنه "أكثر من طارئ"، مؤكدة أن الوباء تجاوز حدود المخيمات إلى مناطق متعددة في ولايات دارفور بل وامتد إلى ولايات أخرى.

وقالت المنظمة إن "النقص الحاد في المياه النظيفة وخدمات الصرف الصحي يجعل من المستحيل اتباع تدابير الوقاية الأساسية"، مشددة على ضرورة إطلاق آلية طوارئ دولية قادرة على توفير الرعاية الصحية العاجلة، وتحسين خدمات المياه والصرف الصحي، والشروع في حملات التطعيم بلقاح الكوليرا في المناطق المتضررة.

من جهتها، أكدت منظمة الصحة العالمية رصد إصابات بالكوليرا في جميع ولايات السودان الـ18، مشيرة إلى أن النزاع المستمر منذ نيسان/أبريل 2023 ساهم بشكل مباشر في الانهيار الكامل للبنية التحتية الصحية.


كارثة مركبة.. حرب وأوبئة ونزوح
لا يقف خطر الكوليرا وحده أمام سكان دارفور، بل يتداخل مع أزمات إنسانية أخرى ناجمة عن الحرب. فالأمم المتحدة أعلنت أن الحرب بين الجيش و"الدعم السريع" خلّفت أكثر من 20 ألف قتيل ونحو 15 مليون نازح ولاجئ، فيما قدّرت دراسات أكاديمية أمريكية أن أعداد القتلى ربما تجاوزت 130 ألفاً.

وبحسب شهادات محلية، فإن النازحين في مخيمات دارفور يواجهون شحاً شديداً في المياه، وانعداماً شبه كامل للخدمات العلاجية، ما جعل الوباء يتفشى بوتيرة أسرع. وفي مناطق شرق جبل مرة، يُنقل المرضى على الأكتاف أو يسيرون لساعات طويلة للوصول إلى مراكز العلاج، في مشهد يصفه الأهالي بأنه "يتجاوز حدود الكارثة الإنسانية".

ويشير آدم رجال إلى أن بعض المرضى يصابون بأكثر من مرض في الوقت ذاته، قائلاً: "نجد حالات يكون فيها المريض مصاباً بالملاريا والكوليرا معاً، أو طفلاً يعاني سوء التغذية والكوليرا في وقت واحد، وهو ما يرفع معدلات الوفيات بشكل مخيف".

تحذيرات من تفاقم الوضع
وتؤكد تقارير الأمم المتحدة أن الوضع الصحي في شمال دارفور يتدهور بسرعة، مع تزايد الإصابات بالكوليرا والحصبة والملاريا، خاصة في مدينة الفاشر ومناطق طويلة وكبكابية. وتخشى المنظمات الإنسانية من أن يؤدي الحصار المستمر وغياب الاستجابة الدولية الفعالة إلى ارتفاع غير مسبوق في أعداد الوفيات.

ويرى مراقبون أن أزمة الكوليرا في دارفور تكشف عن عمق الانهيار الإنساني في السودان، إذ تتزامن الأوبئة مع مجاعة تلوح في الأفق، ونزوح جماعي لملايين المدنيين، في وقت يبدو فيه الحل السياسي بعيد المنال.

وفي ظل الحرب المدمرة التي تعصف بالسودان، لم تعد الكوليرا مجرد أزمة صحية، بل تحولت إلى مؤشر على انهيار الدولة ومؤسساتها الخدمية. وبينما تحصد الأرواح بصمت في دارفور، تبدو استجابة المجتمع الدولي متأخرة وبعيدة عن مستوى الكارثة. 

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة سياسة عربية مقابلات حقوق وحريات سياسة دولية سياسة عربية دارفور السودان الكوليرا الدعم السريع السودان دارفور الملاريا الكوليرا الدعم السريع المزيد في سياسة سياسة عربية سياسة عربية سياسة عربية سياسة عربية سياسة عربية سياسة عربية سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الکولیرا فی فی دارفور أکثر من

إقرأ أيضاً:

محافظ الغربية يبحث مع نائب وزير الصحة سبل تطوير المنظومة الصحية وتذليل المعوقات

استقبل اللواء أشرف الجندي، محافظ الغربية، مساء اليوم، الدكتور محمد الطيب، نائب وزير الصحة والسكان، وذلك بمكتبه بديوان عام المحافظة، حيث تناول اللقاء مناقشة سبل دعم وتطوير المنظومة الصحية على أرض المحافظة، وبحث الموقف التنفيذي لمشروعات التطوير الجارية في المستشفيات والوحدات الصحية.

جاء ذلك بحضور الدكتور محمود عيسى نائب المحافظ، اللواء أحمد أنور السكرتير العام للمحافظة، الدكتور أسامة بلبل وكيل وزارة الصحة بالغربية، الدكتور كريم بركات مدير فرع التأمين الصحي بالغربية.

وأكد محافظ الغربية أن اللقاء يكتسب طابعًا خاصًا في يوم العيد القومي للمحافظة، لما يعكسه من حرص الدولة على الارتقاء بخدمات الرعاية الصحية المقدمة لأبناء الغربية، مشيرًا إلى أن القطاع الصحي بالمحافظة يشهد طفرة حقيقية بفضل الدعم الكامل من القيادة السياسية، والتعاون الوثيق مع وزارة الصحة بقيادة الدكتور خالد عبد الغفار، نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الصحة والسكان.

وأعرب اللواء أشرف الجندي عن خالص شكره وتقديره للدكتور خالد عبد الغفار، ولجميع قيادات الوزارة وكوادرها، مثمنًا ما يقدمه أفراد المنظومة الطبية في عروس الدلتا من جهد وعطاء متواصل لخدمة المرضى، مؤكدًا أن محافظة الغربية حريصة على توفير كل سبل الدعم الممكنة لضمان تقديم خدمات طبية تليق بالمواطن وتحقق أعلى معايير الجودة الإنسانية والمهنية.

وخلال الاجتماع، جرى استعراض الخطط التنفيذية لتطوير عدد من المستشفيات العامة والمركزية وتذليل المعوقات التي تواجه تنفيذ المشروعات الصحية الجارية، خاصة ما يتعلق بالمرافق والخدمات الأساسية، إلى جانب بحث آليات دعم المستشفيات بالكوادر والتجهيزات المطلوبة، ومناقشة إعادة توزيع الخدمات الطبية بين المنشآت لتحقيق التكامل والاستفادة القصوى من الموارد المتاحة، كما وجه المحافظ بسرعة تذليل المعوقات أمام جميع المشروعات الصحية بالمحافظة.

كما ناقش اللواء أشرف الجندي، محافظ الغربية، مع الدكتور محمد الطيب، نائب وزير الصحة والسكان، سبل تسريع وتيرة العمل في تنفيذ مبادرة “توصيل الأدوية للمنازل” التي تستهدف مرضى الأمراض المزمنة وكبار السن وذوي الهمم وغير القادرين على الوصول إلى المنشآت الصحية بسهولة، مشيرًا إلى أن المبادرة تُعد خطوة إنسانية هامة ضمن جهود الدولة للارتقاء بجودة الخدمات الصحية المقدمة للمواطنين، تهدف لتخفيف العبء عن المرضى وأسرهم وضمان وصول العلاج إليهم في منازلهم بسهولة ويسر.

كما شدد اللواء أشرف الجندي على أهمية الزيارات الميدانية الدورية للقيادات التنفيذية والصحية لرصد الاحتياجات الفعلية للمستشفيات والوحدات الصحية ومعالجة أي تحديات ميدانية بشكل فوري، مؤكدًا أن صحة المواطن تأتي في مقدمة أولويات العمل التنفيذي بالمحافظة، وأن هناك متابعة مستمرة لمعدلات الأداء في جميع المنشآت الصحية لضمان تحسين تجربة المريض واستدامة الخدمة الطبية.

من جانبه، نقل الدكتور محمد الطيب، نائب وزير الصحة والسكان، تهنئة الدكتور خالد عبد الغفار، نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الصحة والسكان، لأبناء محافظة الغربية بمناسبة العيد القومي، مؤكدًا أن هذه المناسبة تعكس روح العطاء والانتماء التي تميز أبناء المحافظة في مختلف المجالات، وعلى رأسها القطاع الصحي.

وأشاد نائب الوزير بما تشهده محافظة الغربية من تطور ملموس في مستوى الخدمات الطبية والمشروعات الصحية الجارية، مؤكدًا أن الوزارة حريصة على دعم جهود المحافظة في تطوير القطاع الصحي وتذليل أي معوقات تواجه تنفيذ خطط التطوير، تنفيذًا لتكليفات القيادة السياسية برفع كفاءة المنظومة الصحية وتوفير خدمات طبية متكاملة في جميع المحافظات.

واختتم اللقاء بالتأكيد على استمرار التنسيق والتعاون الكامل بين أجهزة المحافظة ووزارة الصحة، لضمان سرعة الاستجابة ورفع كفاءة الأداء وتقديم خدمة طبية تليق بمواطني الغربية، في ظل ما تشهده المحافظة من جهود متواصلة للارتقاء بجودة الحياة وتحسين مستوى الخدمات في مختلف القطاعات.

مقالات مشابهة

  • رضيعة في غزة تصارع الموت وسط عجز المنظومة الصحية وانتظار فتح المعابر
  • آيت مسعودان يبحث مع لجنة الصحة بالبرلمان آفاق تطوير المنظومة الصحية
  • محافظ الغربية يبحث مع نائب وزير الصحة سبل تطوير المنظومة الصحية وتذليل المعوقات
  • الدقران لـ"صفا": المنظومة الصحية بغزة على حافة الانهيار وحالات سوء التغذية تتفاقم
  • عامان على «الإبادة».. غزة تستغيث وسط انهيار شامل للقطاع الصحي
  • جدل حقوقي بالسودان بعد إدانة الجنائية الدولية لقائد الجنجويد
  • بعد عامين من حرب الإبادة.. الصحة توجه نداءً عاجلًا لإنقاذ المنظومة الصحية بغزة
  • الجنائية الدولية تدين زعيم مليشيا في دارفور بالسودان بجرائم حرب
  • انهيار كهربائي يهدد المهرة بكارثة إنسانية وصحية وسط تجاهل حكومي
  • التأمين الصحي.. تجاوزات واستقطاعات حاضرة ورعاية صحية غائبة