شهد اليوم الثاني من فعاليات مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي، في دورته الثانية والثلاثين، إقامة جلسة نقاشية بعنوان " تجارب مسرحية معاصرة "، وذلك ضمن المحور الفكري للمهرجان المنعقد تحت شعار “المسرح وما بعد العولمة”.

 

شارك في الجلسة المسرحي والباحث د. صالح زمانان من (السعودية)، والباحثة والفنانة آن ماري سلامة من (لبنان)، فيما أدار الحوار د.

حاتم ربيع من (مصر).

 

وفي البداية قال الدكتور حاتم ربيع أستاذ الأدب بجامعة عين شمس: إنّ المسرح ما زال قادرًا على التطور ومواكبة العصر، رغم أننا نعيش اليوم في عالم متسارع تحكمه التحولات الكبرى، وسط هيمنة الوسائل الرقمية الحديثة التي أصبحت تسيطر على المشهد الثقافي والفني بسرعة غير مسبوقة.

 

وأضاف ربيع أنّ عصر ما بعد العولمة فرض واقعًا جديدًا، تتداخل فيه الحدود بين الفنون وتتقاطع فيه الثقافات، وتتنافس فيه وسائل الاتصال الحديثة على جذب الجمهور، ما جعل المسرح في مواجهة تحديات معقدة تتعلق بكيفية الحفاظ على حضوره وتأثيره، دون أن يفقد جوهره كفن حيّ يقوم على التفاعل المباشر مع المتلقي.

 

وتابع موضحًا: إن الحفاظ على المسرح العربي في هذا السياق يتطلب مقاربات جديدة توازن بين الأصالة والابتكار، وتدمج تقنيات العصر الرقمية والإبهار البصري بالصوت الحيّ والكلمة، بحيث يظل المسرح مساحةً للحوار الإنساني العميق، لا مجرد عرض يتأثر بزمن السرعة والاستهلاك.


صالح زمانان: عرض ترحال يُجسّد الهُويّة السعوديّة عبر مسرح العروض الغامرة في زمن العولمة

قال الكاتب المسرحي والباحث السعودي د. صالح زمانان: "يُجسّد عرض ترحال الذي أطلقته وزارة الثقافة السعوديّة في مارس 2023، وأعادت عروضه في أغسطس 2025، تجربة مسرحيّة أدائيّة ضخمة وفريدة من نوعها، تنتمي لما يمكن تسميته بالعرض الغامر Mega Show، حيث صُمم وفقًا لأعلى المعايير العالميّة ليكون تجربة حسيّة غامرة للجمهور، ويحتفي بالثقافة السعوديّة الغنية والمتنوّعة، ويُبرز دور التّراث الأصيل في تشكيل مستقبل المملكة ورؤيتها الطموحة (رؤية المملكة 2030). وقد بُني المسرح الخاص لعرض ترحال في حي الثليما بموقع الدرعية الأثريّ، مهد الدولة السعوديّة الأولى قبل 300 عام، ممّا يعزز من رمزيّة العرض وارتباطه الوثيق بتاريخ المملكة وتراثها العريق.

 

وأضاف زمانان: “هنالك علاقة بين الهُويّة والأداء تحدّثت عنها جودت باتلر؛ إذ أشارت إلى أن الهُويّة تتشكّل من خلال الأداء، وهذه النظريّة في الحقيقة تقترب مما نبّه إليه بول ريكور عندما أشار إلى دور السّرد في تشكيل الهُويّة متحدثًا عن الهُويّة السرديّة. ونحن في هذه الورقة سنسعى عبر منهج التّناص إلى تحليل كيف تتشكّل الهُويّة عن طريق الفعل المسرحي الغامر، وكيف يُعبّر ذلك عن هُويّاتنا بوصفها جدل يجمع بين ما نرثه من الجماعة التي ننتمي إليها، وما نقوم به من فعل خلال فترة وجودنا في هذا العالم، عالم “العولمة” الذي يتأثر مسرحه بالثقافات المختلفة، ويزدهر خطابه عبر التقنية الحديثة المُبهرة، ويُقيم أساليب جديدة ومبتكرة تخرج عن الأساليب المسرحيّة التقليديّة.

 

وتابع الباحث: “لقد استثمر عرض ترحال التّناص على نحو إبداعيّ جعل منه “عرضًا جامعًا” قياسًا على النصّ الجامع لجيرار جنيت. وصنع عبر مسرحه التفاعليّ الضخم، وعبر الإخراج الغامر والتقنيات البصريّة والضوئيّة الهائلة، وفنون السيرك والبلهلوانيّات الجديدة، والأدائيّات الضخمة، خطابًا كثيفًا يُعبّر عن الإرث السعوديّ المتنوّع في الأقاليم، ويحاول سبر العلاقة بين الشخصية السعوديّة المعاصرة وبين الإرث والتراث، وعلاقة ذلكم الإرث بمستقبل المملكة الموعود. ولم يتخذ التّناص في العرض شكلا أسلوبيًّا فقط، بل كان بنية وغاية جمالية حرص العرض على استثمارها لتمثيل الهُويّة الجامعة المنفتحة، فالانفتاح الجماليّ عبر التّناص هو انفتاح خطابيّ للهُويّة وترامز بينيّ يُعطي للهُويّة الشكل المتعدّد الذي يعكس التطور الذي عرفته الهُويّة في المجتمع السعوديّ الحديث والمعاصر.

 

وأشار زمانان إلى أن “التّناص في عرض ترحال يُظهر أنه ليس مجرد عمل فنيّ مستقلّ، بل هو نسيج مُعقّد ومتشابك من العلاقات مع نصوص متعددّة، أدبيّة وفنيّة وثقافيّة. وقد أسهم التّناص في تعزيز رؤية العرض ورسالته، وإثراء التجربة المسرحيّة، وتعزيز التواصل مع الجمهور. إنّه يُمثّل نموذجًا للتفاعل الإبداعيّ بين النصوص والثقافات، ويؤكد على أن الهُويّة الثقافيّة هي عمليّة ديناميكيّة تتشكّل من خلال الحوار والتفاعل مع الآخر.

 

وختم بقوله: “يتجلّى التّناص بالعرض في ثلاثة ملامح هي: التّناص مع المسرح العالميّ، والتّناص مع الفنون الأدائيّة، والتّناص مع التّراث العربيّ والسعوديّ. وسوف تتوسّع هذه الدراسة -بإذن الله- في تحليل تلك الملامح، لتحاول فهم تجليّات الهُويّة العربيّة عمومًا، والسعوديّة خصوصًا، عبر واحدة من نماذج مسرح ما بعد العولمة، وهو مسرح العروض الغامرة Mega Shows.


آن ماري سلامة: زياد الرحباني كسر مثالية الأخوين رحباني وواجه الواقع اللبناني بمسرح ساخر وواقع

قدّمت الباحثة آن ماري سلامة ورقة بحثية بعنوان “تحوّلات المسرح الرحباني بين المثالية والواقعية وتأثير البيئة الحاضنة”، حيث تناولت بالدراسة والتحليل مسيرة المسرح اللبناني وتحولاته الكبرى عبر نموذجَي مسرح الأخوين رحباني ومسرح زياد الرحباني.

 

وقالت الباحثة آن ماري سلامة في مستهل مداخلتها: “المسرح هو انعكاس لقضايا البيئة، وفي لبنان، بلد التعدد الثقافي والطائفي والسياسي والاجتماعي، كان المسرح مرآة لهذه التداخلات المعقدة، وجاءت تجارب المسرحيين فيه لتجسد هذا الواقع المتغيّر. والمثال الأبرز على ذلك هو العلاقة الجدلية بين مسرح الأخوين رحباني ومسرح زياد الرحباني".

 

وأضافت موضحة: المسرح يرتبط ارتباطًا وثيقًا بالبيئة الحاضنة له، فهو يتأثر بالهوية الثقافية وبالواقع السياسي والاجتماعي والاقتصادي، فضلًا عن طبيعة الجمهور الذي يتلقى هذا الفن ويتفاعل معه. ففي لبنان، أثرت التقاليد العربية، والبيئة المتوسطية، والتنوع الطائفي والديني، على شكل ومضمون المسرح. كما لعبت الأوضاع السياسية والاجتماعية دورًا مهمًا في تحويل المسرح إلى ساحة مقاومة أو فضاء للتنفيس، خاصة خلال الحرب الأهلية وبعدها.

 

وتابعت: الجمهور اللبناني المتنوع أتاح بدوره مساحة لظهور أنواع مختلفة من المسرحيات، من المسرح الغنائي الشعبي إلى المسرح السياسي النقدي، إلى المسرح الكوميدي، وصولًا إلى مسرح الشانسونيه الذي برع فيه زياد الرحباني.

 

وأشارت سلامة إلى أن التنوع الثقافي والطائفي في لبنان انعكس بقوة على الإنتاج المسرحي، حيث عالجت الكثير من الأعمال مسألة الانقسامات والهويات المتعددة. كما تركت الحرب الأهلية اللبنانية (1975-1990) أثرًا عميقًا على المسرح، فبينما قدّم الأخوان رحباني مسرحًا مثاليًا حالِمًا يرفع قيمة الوطن، جاء مسرح زياد الرحباني ليقدّم خطابًا جديدًا، واقعيًا وصادمًا وساخرًا، يعكس الانهيار الداخلي للمجتمع اللبناني وتناقضاته.

 

وأوضحت الباحثة أن المسرح اللبناني تميز بهامش من الحرية لا يتوفر في العديد من الدول العربية، وهو ما سمح بظهور خطاب نقدي سياسي واجتماعي قوي، كما أتاح المجال لظهور فرق مسرحية تجريبية مثل محترف بيروت للمسرح (1968)، وفرقة الحكواتي (1978)، وفرق حديثة مثل زقاق وأشكال ألوان وكهربا ومحترف لبن، وكلها مبادرات حاولت كسر القوالب التقليدية، وتجديد العلاقة مع الجمهور، وتقديم أشكال مسرحية بديلة.

 

وفي حديثها عن تحوّلات المسرح الرحباني قالت: “قدّم الأخوان رحباني رؤية مثالية للبنان، رؤية شاعرية، تحتفي بالوطن والإنسان بوصفهما مقدّسين، فيما قدّم زياد الرحباني رؤية واقعية، بل ساخره أحيانًا، ترى الوطن منهكًا والإنسان هشًّا، لا بطلًا أسطوريًا. كما استخدم الأخوان رحباني لغة شعرية فصحى تقترب من الأسطورة، بينما اعتمد زياد على لغة محكية يومية قريبة من الناس، ما جعل مسرحه أكثر التصاقًا بالواقع السياسي والاجتماعي.

 

واستطردت سلامة قائلة: هذا التحول من المثالية إلى الواقعية لم يكن مجرد انتقال في الأسلوب، بل كان انعكاسًا لتحولات المجتمع اللبناني نفسه، الذي انتقل من حلم الدولة المثالية إلى صدمة الحرب الأهلية والانقسامات الداخلية.

 

واختتمت الباحثة مداخلتها بالتأكيد على أن المسرح في لبنان كان دائمًا فعل حياة، لا ترفًا ثقافيًا، فهو مرآة لبيئته، يعكس تناقضاتها وتحولاتها، ويؤثر فيها بقدر ما يتأثر بها. ومن خلال المقارنة بين مسرح الأخوين رحباني وزياد الرحباني، يمكننا أن نرى كيف أصبح المسرح اللبناني مساحة للتعبير عن الأزمات والهويات المتعددة، وفضاءً مفتوحًا للتجريب والتجديد.

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: جامعة عين شمس القاهرة الدولي للمسرح فعاليات مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي مسرح العرب الثقافات المختلفة القاهرة الدولي العصر الرقمي مهرجان القاهرة مهرجان القاهرة الدولي مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي المسرح العربى مهرجان القاهرة الدولى للمسرح فعاليات مهرجان القاهرة الأخوین رحبانی ما بعد العولمة زیاد الرحبانی ة السعودی ة عرض ترحال فی لبنان مسرح ا

إقرأ أيضاً:

«كان يا ما كان في غزة» يفوز بجائزة أفضل فيلم عربي في القاهرة السينمائي

أعلن مهرجان القاهرة السينمائي الدولي، خلال حفل ختام دورته الـ46، فوز فيلم «كان يا ما كان في غزة»، للمخرجين طرزان وعرب ناصر، بجائزة «أفضل فيلم عربي طويل»، التي تمنح للمنتج وتُقدر قيمتها بـ10، 000 دولار مقدمة من Watch It.

وضمت لجنة تحكيم الجائزة كل من المخرج المصري كريم الشناوي، والمخرج السعودي وائل أبو منصور، والمنتجة الأردنية رولا ناصر.

«كان ياما كان في غزة» فيلم روائي طويل من إنتاج فرنسا، فلسطين، ألمانيا، البرتغال، قطر، والأردن، وتبلغ مدته 87 دقيقة، وتدور أحداثه في غزة عام 2007، حيث يصحبنا إلى عالم يحيى، الطالب الذي تنشأ بينه وبين أسامة، تاجر المخدرات الطيب القلب، صداقة غير متوقعة.

ينطلق الاثنان معًا في بيع المخدرات من مطعم فلافل، لكنهما يواجهان ضغوطًا متصاعدة بعد مواجهة شرطي فاسد ومتغطرس، لتتشابك الأحداث في سرد يكشف هشاشة العلاقات وقسوة الظروف في مجتمع مثقل بالأزمات.

وأعطت اللجنة تنويهًا خاصًا لفيلم "فلانة" من إخراج زهراء غندور.

مهرجان القاهرة السينمائي الدولي

يُعد مهرجان القاهرة السينمائي الدولي أحد أعرق المهرجانات في العالم العربي وأفريقيا، وأحد أبرز المهرجانات الدولية المعتمدة من الاتحاد الدولي للمنتجين (FIAPF). تأسس عام 1976، ويقام سنويًا تحت رعاية وزارة الثقافة. يحرص المهرجان في كل دورة على الجمع بين البعد الفني والبعد المهني، ما يجعله منصة رئيسية للحوار بين الثقافات وتعزيز حضور السينما العربية على الساحة الدولية.

اقرأ أيضاًليلى عبد اللطيف تكشف حقيقة توقعها المثير للجدل.. «من 2006 لـ 2009 هيختفوا»

الدكتور عمرو الليثي: التليفزيون له دور محوري في تشكيل الثقافة والوعي داخل المجتمع

مقالات مشابهة

  • المسرح الجامعي وأهميته وسبل تطويره في العدد الجديد من مسرحنا
  • احتفالا بيوم الطفولة.. «مروان وحبة الرمان» يجمع أطفال المناطق الحدودية بمسرح العرائس
  • ماجدة خير الله : القاهرة السينمائي اعتمد على الأفلام المتاحة له
  • فيلم «اليعسوب» يحصد جائزة الهرم الذهبي في ختام مهرجان القاهرة السينمائي
  • «كان يا ما كان في غزة» يفوز بجائزة أفضل فيلم عربي في القاهرة السينمائي
  • مصر.. الأفلام الفائزة بجوائز مهرجان القاهرة السينمائي الـ46
  • ضايِل عنا عرض يفوز بجائزة يوسف شريف رزق الله في مهرجان القاهرة السينمائي
  • عرض مقطع من صوت هند رجب في بداية حفل ختام مهرجان القاهرة السينمائي
  • المنظمة الكشفية العربية تُقلّد القائد السعودي علي الحفاشي قلادة الكشاف العربي
  • السبت.. عرض «الملك لير» في افتتاح مهرجان أيام قرطاج المسرحية في دورته الـ 26