الدعم السريع و4 سيناريوهات متوقعة في السودان
تاريخ النشر: 9th, September 2025 GMT
لا يمكن بأي حال تقليل خطورة الخطوة التي أقدمت عليها مليشيا الدعم السريع وحلفاؤها في تحالف "تأسيس" بتكوين حكومة موازية في دارفور وبعض مناطق إقليم كردفان، على مستقبل وحدة السودان واستقراره، إذ تُحيي هذه الخطوة مخاوف قديمة من إمكانية انفصال جديد في هذا البلد الذي مزقته الحروب والنزاعات، وشهد انفصال جنوب السودان عام 2011 بعد حرب استمرت عقودا متطاولة.
كما أن هذه الخطوة تأتي في سياق ضعف عام يعتري الدولة السودانية برمتها، فقد وصلت كل الأحزاب نتيجة الصراعات والانقسامات الداخلية إلى مرحلة من الضعف والعجز تمنعها من قيادة أي مبادرة ذات تأثير على المسار المخيف الذي تنزلق إليه البلاد.
أما الجيش كأقوى مؤسسة يُناط بها الحفاظ على التراب الوطني كاملا، فقد ظل في حالة حرب منذ استقلال السودان قبل سبعين عاما، ويخشى أن تؤثر المؤامرات الداخلية والخارجية في قدرته على تحمل هذه الأثقال التي تنوء بحملها الجبال الراسيات.
حين اندلعت الحرب الحالية قبل ما يقارب ثلاث سنوات، كان هدف المليشيا والمتحالفين معها سرّا وعلانية، هو تنفيذ انقلاب خاطف تسيطر به على السلطة المركزية، ومن ثم تباشر التغييرات الاجتماعية التي حملتها مشاريع قوى الحرية والتغيير من تفكيك للجيش الوطني، وتغيير في ثقافة أهل السودان عبر التشريعات والمناهج الدراسية وغيرها.
ولكن وبما أن ذلك المشروع قد سقط تحت صمود أبطال القوات المسلحة والتفاف المواطنين خلف جيشهم الوطني، فإن المليشيا لجأت إلى خطة ماكرة وشيطانية، وهي احتلال منازل المواطنين ونهب ممتلكاتهم عبر مخطط مدروس للإفقار الشامل.
وطورت مع ذلك خطابا عنصريا مفاده أنها تستهدف إنهاء دولة 56، وهو تاريخ إعلان استقلال السودان، حيث تزعم أن قوى اجتماعية محددة ظلت تسيطر على السلطة والثروة، وهو ادعاء تكذبه حقائق الواقع، حيث كان حميدتي نفسه يوم اندلاع الحرب نائبا لرئيس مجلس السيادة، ومن أغنى أغنياء السودان.
إعلانوكان الهدف السياسي من احتلال منازل المواطنين، هو إرغام الجيش على القبول بشروط المليشيا والإذعان لإملاءاتها، ولما لم يتحقق لها شيء من ذلك، وشرع الجيش، مدعوما بالشعب، في قيادة أكبر ملحمة للتحرير وطرد المليشيا، واستعاد ولاية الجزيرة وقبلها سنار وسط السودان، استيقنت قيادة المليشيا أنها مهزومة، وأن مشروعها إلى بوار، يومها خرج قائدها حميدتي في تسجيل مصوّر ليقول إنهم سيلجؤُون إلى الخطة (ب).
وبما أنه لم يشرح ما يعنيه بالخطة (ب) فقد تعددت الاجتهادات لتفسير مقصده، واتضح لاحقا أن ما يعنيه حميدتي هو التخلي عن حلم السيطرة على كل السودان والتركيز على إقليم دارفور، ولسان حاله يقول؛ (إذا فشلنا في حكم السودان فيجب ألا نقنع من الغنيمة بالإياب).
ومنذ ذلك الوقت صعّدت المليشيا من هجماتها على الفاشر العاصمة التاريخية للإقليم، وفرضت عليها حصارا مطبقا تجاوز 500 يوم حاليا، ورفضت الانصياع لقرار مجلس الأمن رقم 2736 بفك الحصار عن الفاشر، هذه الخطوة ذكّرت السودانيين بما أقدمت عليه الحركة الشعبية لتحرير السودان التي كانت تسعى لحكم كل السودان، وبعد وفاة مؤسسها جون قرنق في حادث طائرة انكفأت الحركة جنوبا، وركزت على العمل من أجل انفصال جنوب السودان.
دارفور.. مقومات الدولة ومخاوف الانفصالتقع دارفور غربي السودان، وتساوي مساحتها ربع مساحة السودان بحجم يساوي مساحة دولة فرنسا، ويبلغ سكانها 6 ملايين نسمة، وقد تم تقسيمها إلى خمس ولايات، تسيطر مليشيا الدعم السريع حاليا على أربع ولايات بالكامل، بينما تتقاسم السيطرة مع الحكومة في ولاية شمال دارفور، وتفرض حصارا خانقا على عاصمتها الفاشر.
وتمتلك دارفور أراضي زراعية تتميز بالخصوبة العالية وإنتاج المحاصيل المختلفة، بما فيها الموالح والفواكه المتعددة، كما أنها تمتلك ثروة حيوانية ضخمة بجانب اختزانها 6 بحيرات من المياه الجوفية، ومعادن مهمة لم يتم استخراجها، مثل الحديد، والنحاس، واليورانيوم، والكروم، والغرانيت.
وفي السنوات القليلة الماضية تم اكتشاف الذهب بكميات كبيرة، وخاصة في منطقة جبل عامر الذي سيطرت عليه مليشيا الدعم السريع، وجنت منه أموالا طائلة كانت الأساس في إمبراطوريتها المالية منذ عهد النظام السابق.
ويُعزى كثير من أسباب النزاعات إلى الصراع على الموارد، حيث قامت شركات أميركية وفرنسية بإجراء أعمال المسح الجيولوجي في الإقليم، وكانت نتائجها توفّر كميات كبيرة من النفط في الإقليم.
وفي 2003 اندلعت الحرب في الإقليم بين الحكومة السودانية، وحركات من دارفور، هي: حركة تحرير السودان التي انقسمت لاحقا بنفس الاسم، حركة برئاسة عبدالواحد محمد نور المنحدر من قبيلة الفور، وحركة أخرى برئاسة مني أركو مناوي رئيس إقليم دارفور حاليا والمتحالف مع الحكومة ضد مليشيا الدعم السريع، حيث تتشكل قواته من أغلبية من قبيلة الزغاوة مثلها مثل حركة العدل والمساواة التي يقودها وزير المالية الحالي الدكتور جبريل إبراهيم، وتقاتل هي أيضا مع الجيش.
وحين تم تأسيس قوات الدعم السريع على أنقاض مليشيا قبلية تعود أصولها للقبائل العربية من إقليم دارفور، بدا الاصطفاف وكأنه حرب بين مجموعات عربية تقودها مليشيا الدعم السريع، ومجموعات من القبائل ذات الأصول المحلية الأفريقية، وارتكبت المليشيات التي تقودها مليشيا الدعم السريع جرائم في الإقليم كانت سببا في إحالة ملف السودان إلى المحكمة الجنائية الدولية.
إعلانومع نشوب الحرب الحالية تجددت أفعال المليشيا ضد القبائل الأفريقية، حيث بدأت حربها في دارفور باغتيال والي غرب دارفور خميس أبكر المنحدر من قبيلة المساليت، وارتكاب مجازر على أساس إثني وجرائم ترتقي إلى الإبادة الجماعية، كما وثقتها التقارير الدولية.
هل سيعترف المجتمع الدولي بحكومة المليشيا؟منذ أن أعلنت المليشيا نيتها تكوين حكومة في الإقليم وبعض أجزاء جنوب كردفان بعد تحالفها مع حركة عبدالعزيز الحلو، توالت البيانات التي تدين تلك الخطوة، وتؤكد على عدم اعترافها بأي حكومة موازية في السودان، وفي مقدمة تلك المواقف بيان مجلس الأمن في أغسطس/آب الماضي، برفض تشكيل المليشيا حكومة موازية، وكان الاتحاد الأفريقي قد سبق ذلك الموقف ببيان مماثل، كما أن الخارجية السعودية والخارجية المصرية أكدتا على دعم الحكومة الشرعية، ورفضهما أي محاولات لتهديد وحدة السودان.
هذه المواقف الداعمة للحكومة السودانية، أكدت أن حكومة المليشيا لن تنال اعترافا شرعيا من المؤسسات الدولية والإقليمية، ولكنها ستراهن على فرض الأمر الواقع عبر القوة الجبرية، وذلك بإقرار أوضاع جديدة في المناطق التي تسيطر عليها، ومحاولة خلق مؤسسات موازية لتقدم نفسها وكأنها سلطة شرعية.
كما أنها ستحاول استنساخ النموذج الليبي، وتستفيد من تلك التجربة، خاصة أنها على علاقة جيدة مع خليفة حفتر، وكانت المليشيا قد استماتت في السيطرة على نقاط مهمة على الأرض في كرب التوم ومنطقة المثلث الحدودي ذات الأهمية الاستثنائية، وذلك لفتح خط الإمداد مع الخارج عبر ليبيا.
وإذا نجحت المليشيا في تثبيت وجودها الميداني لفترة زمنية طويلة، فإنها ستحاول تعزيز سيطرتها عبر إجراءات قسرية على المواطنين، مما يمهد لانقسام جديد في السودان، خاصة أن هناك تعبئة سلبية تتبناها أبواق إعلامية تابعة لهذه المليشيا تعمل على إنتاج خطاب عنصري يصب مزيدا من زيت الفتنة الاجتماعية على نار الحرب المشتعلة، ويعمل على تعميق الانقسام الاجتماعي.
السيناريوهات المتوقعةإزاء هذا الوضع المتأزم تثور أسئلة حيرى حول مستقبل السودان، وهناك عدد من السيناريوهات يمكن تصورها بناء على الأوضاع القائمة على الأرض، وهي على النحو التالي:
أولا: أن تتكلل مساعي الجيش والقوات المشتركة والمستنفرين الذين يقاتلون مع الجيش في استعادة الأراضي التي سيطرت عليها مليشيا الدعم السريع في ولايات دارفور، فتقطع دابر الفتنة من جذوره.ولكن هذا السيناريو بحاجة إلى عوامل شتى، وفي مقدمتها استعادة روح المعارك التي جرت في الجزيرة والخرطوم، والتي تم على إثرها طرد وهزيمة المليشيا، وكان حاكم إقليم دارفور مني مناوي قد انتقد تلميحا تراجع الروح المعنوية والدفع الكبير لملاحم حرب الكرامة.
ولا تنقص الجيش تلك الروح ولا المعدات اللازمة، على أنه يجب الأخذ في البال أن حلفاء المليشيا وداعميها الإقليميين لن يدخروا جهدا في هزيمة أي مسعى وطني لدحرها.
ثانيا: أن تتجه الأوضاع إلى تسوية سياسية بين الأطراف تنطلق من التحركات الأميركية الأخيرة التي كان آخرها لقاء رئيس مجلس السيادة عبدالفتاح البرهان مع مستشار ترامب في جنيف.ومع أن البرهان وقيادات عسكرية عليا ظلوا يؤكدون أنه لا مفاوضات مع المليشيا إلا على استسلامها، فإن تقاطعات المصالح الإقليمية والدولية قد تنتج نوعا من مساومة تحاول مخاطبة انشغال كل الأطراف الداخلية والخارجية.
ثالثا: أن يستمر الوضع على ما هو عليه وفقا لتوازنات القوة والضعف، بما يشبه النموذج الليبي فتكون هناك حكومتان، واحدة شرعية وأخرى حكومة أمر واقع، وخطورة هذا السيناريو أنه سيعمل على إبقاء حالة اللاسلم واللاحرب في البلاد مما يؤثر على تماسك المؤسسات الاجتماعية والسياسية، وينتهي إلى الإنهاك الشامل للقوى الوطنية. رابعا: أن تنجح المليشيا في تثبيت سلطتها، وتكون بيدقا للقوى التي تسعى لفصل إقليم دارفور، وهي قوى معلومة ومخططاتها منشورة ومبذولة للعامة، والدعم السريع نفسها على تواصل وتنسيق مع الإسرائيليين الذين أعلنوا مرارا أن إستراتيجيتهم في السودان تقوم على قاعدة: (سودان مجزأ وهش خير من سودان قوي وموحد). إعلانعلى كل فإن السودان اليوم على مفترق طرق حقيقي، والمحافظة على وحدته تتطلب المزيد من الحكمة الوطنية، وتوظيف عناصر القوة المادية والمعنوية، ومن بعد ذلك التحرك مع الأصدقاء الحقيقيين للسودان؛ من أجل الانتصاف لشعبه، وتحقيق التطلعات المشروعة لأهله.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logo إعلان من نحنمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطبيان إمكانية الوصولخريطة الموقعتواصل معناتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتناشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتناقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: غوث حريات دراسات ملیشیا الدعم السریع إقلیم دارفور فی الإقلیم فی السودان کما أن
إقرأ أيضاً:
WP: الفاشر تعيش كارثة إنسانية وصمت العالم يفتح الباب لأسوأ مأساة في السودان
نشرت صحيفة "واشنطن بوست" مقالاً قالت فيه إن العالم يتعرّف على أهوال مدينة الفاشر من خلال الصمت والغياب، لا من خلال أدلة ملموسة، إذ لم تتمكن أي وسيلة إعلامية مستقلة من الوصول إلى المدينة السودانية الواقعة في ولاية شمال دارفور، والتي سقطت في أواخر تشرين الأول/أكتوبر بعد أكثر من 500 يوم من الحصار.
وأظهرت صور الأقمار الصناعية أحياء مدمرة، وأراضي ملطخة بالدماء، وآثار مقابر جماعية.
واختفى المرضى الذين كانوا يعالجون في المستشفيات والعيادات التي استهدفها المقاتلون، فيما وصل الأطفال الفارون من الفاشر إلى مخيمات النازحين من دون آبائهم أو ذويهم.
وروى عمال الإغاثة ومسؤولو الأمم المتحدة شهادات عن مجازر وعمليات اغتصاب واسعة النطاق ارتكبتها ميليشيات قوات الدعم السريع، إحدى الفصيلين الرئيسيين في الحرب الأهلية المدمرة في السودان.
ومنذ اندلاع الصراع في نيسان/أبريل 2023، عززت قوات الدعم السريع سيطرتها على إقليم دارفور الشاسع غرب البلاد، وجسد استيلاؤها على الفاشر عملية تقسيم فعلي بين الشرق والغرب، في حين استعادت القوات المسلحة السودانية العاصمة الخرطوم في وسط البلاد.
وأدت الحرب الأهلية إلى أسوأ كارثة إنسانية في العالم، بعدما نزح نحو 14 مليون شخص، نصفهم من الأطفال، وتفشت المجاعة والأمراض، ومنها الكوليرا، في مناطق واسعة، خصوصا الفاشر ومحيطها، حيث وصف شهود عيان كيف عاش السكان المحاصرون على علف الحيوانات والأعشاب الضارة.
كما ترافقت الأزمة مع العنف الممنهج الذي تمارسه قوات الدعم السريع ضد جماعات عرقية وقبلية غير عربية في دارفور، ويقدر عدد المفقودين من الفاشر بنحو 150,000 شخص، فيما يشير باحثون إلى أنّ نحو 60,000 منهم قتلوا على يد قوات الدعم السريع وحلفائها خلال الشهر الماضي فقط.
وفي أعقاب سقوط الفاشر، قال ناثانيال ريموند، المدير التنفيذي لمختبر ييل للأبحاث الإنسانية، لشبكة "سي إن إن" الشهر الماضي: "نشهد وتيرة قتل لا يضاهيها إلا الإبادة الجماعية في رواندا".
ويتابع المختبر تداعيات ما يجري، مضيفا: "نحن بصدد كارثة بشرية قد تتجاوز في غضون أسبوع عدد ضحايا غزة خلال عامين. هذه هي سرعة القتل التي نشهدها بناء على ما نراه من أكوام الجثث على الأرض".
وقالت الصحيفة إن المنطقة لا تزال تعاني أيضا من صدمات سابقة، ففي لاهاي، أصدر قضاة المحكمة الجنائية الدولية الثلاثاء حكماً بالسجن 20 عاما على علي محمد علي عبد الرحمن، قائد ميليشيا الجنجويد السودانية سيئة السمعة، بعد إدانته بجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية ارتُكبت تحت إشرافه قبل أكثر من عقدين خلال حملة مكافحة التمرد في دارفور.
وتعد الجنجويد النواة الأولى لقوات الدعم السريع، لكنها كانت آنذاك تنفذ أوامر الحكومة المركزية في الخرطوم بقيادة الرئيس عمر البشير.
وذكر الكاتب إشارات متكررة إلى العنف الإبادي الحالي، قائلاً إن مواقع التواصل الاجتماعي امتلأت بمقاطع مصورة لمقاتلين وقادة في قوات الدعم السريع وهم يتباهون بجرائمهم ويتفاخرون بقتل واغتصاب المدنيين من مختلف القبائل.
وسابقةً لسقوط الفاشر، شهدت مدينة الجنينة في غرب دارفور أيضا مجزرة واسعة، حيث قتلت قوات الدعم السريع وحلفاؤها نحو 15,000 شخص، وارتكبت عملية تطهير عرقي بحق شعب المساليت من أصول أفريقية سوداء.
وأشار المقال إلى أنّ الفاشر تحتل مكانة محورية في سجل الإبادة الجماعية في دارفور قبل عقدين، إذ سبق أن شنّت قوات المتمردين في نيسان/أبريل 2003 غارة على منشأة عسكرية رئيسية في المدينة، ما مهّد لحملة القمع الوحشية التي دعمتها الحكومة وما تلاها من فظائع.
وأكد الكاتب أن أوجه التشابه واضحة، فنقل عن توم فليتشر، كبير مسؤولي الإغاثة في الأمم المتحدة، قوله في إحاطة لسفراء الأمم المتحدة نهاية تشرين الأول/أكتوبر: "إن ما يحدث في الفاشر يُذكّرنا بالأهوال التي عانت منها دارفور قبل عشرين عاماً. لكننا نشهد اليوم رد فعل عالمي مختلفا تماما، رد فعل استسلام. إنها أيضاً أزمة لامبالاة".
وأضاف أن محللين شددوا مراراً على أنّ المأساة الحالية كانت متوقعة، ففي بيان صدر عام 2023 عند اندلاع الحرب الأهلية، قال تيغيري شاغوتا، المدير الإقليمي لمنظمة العفو الدولية لشرق وجنوب أفريقيا: "لا يزال المدنيون في دارفور اليوم تحت رحمة قوات الأمن نفسها التي ارتكبت جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب في دارفور ومناطق أخرى من السودان، من المخزي أن يعيش الناس في السودان في خوف كل يوم".
ولفت إلى أن الجيش السوداني أيضاً متهم بارتكاب فظائع، لا سيما بالقصف العشوائي للمناطق المدنية التي تسيطر عليها قوات الدعم السريع، كما يُزعم أنّ قوات الدعم السريع قتلت عشرات المدنيين بطائرات مسيرة في منطقة كردفان جنوب وسط البلاد، التي أصبحت أحدث بؤرة توتر في حرب فشلت القوى الخارجية في كبحها.
وأضافت مجموعة الأزمات الدولية في موجزها السياسي أن السودان يقف اليوم أمام مأزق سياسي لا يستطيع أي من الطرفين كسره عسكريا، في ظل تزايد جرأة قوات الدعم السريع وترسخ وجود الجيش، وبعد أن اشترط الجيش وحلفاؤه انسحاب قوات الدعم السريع من الفاشر كشرط مسبق للمفاوضات، بات أقل استعداداً للدخول في محادثات بعد الهزيمة.
وشددت المجموعة على أنّ تجنب تقسيم دائم بين الشرق والغرب يتطلب دبلوماسية عاجلة ومبتكرة من جانب "الرباعية" بقيادة الولايات المتحدة، والتي تضم مصر والسعودية والإمارات.
وختم المقال بالإشارة إلى أن المسار الدبلوماسي لا يزال ضعيفاً رغم تدخل الرئيس دونالد ترامب مؤخرا، في ظل اعتقاد العديد من الدول بأن لها نفوذا ومصالح مهمة في الصراع، وأشار إلى أنّ الإمارات، على سبيل المثال، يُعتقد أنها دعمت ومكّنت قوات الدعم السريع عبر قنوات مختلفة، رغم نفي المسؤولين الإماراتيين بشدة.
واختتم بما كتبه جاويد عبد المنعم، الرئيس الدولي لمنظمة أطباء بلا حدود: "يتم تمكين الموت والدمار بسبب امتناع العديد من الحكومات عن استخدام نفوذها للضغط على الأطراف المتحاربة لوقف قتل الناس أو منع وصول المساعدات الإنسانية، إذ تكتفي بإصدار بيانات قلق سلبية، بينما تقدم هي وحلفاؤها الدعم المالي والسياسي، والأسلحة التي تدمر وتشوه وتقتل".