جريدة الرؤية العمانية:
2025-12-10@14:31:12 GMT

هدنة غزة.. وخلل المعادلة

تاريخ النشر: 15th, October 2025 GMT

هدنة غزة.. وخلل المعادلة

 

 

 

 

أحمد الفقيه العجيلي

 

من يُتابع تاريخ الصراعات والاتفاقات في المنطقة، يلحظ أنَّ معظم الهدن السابقة- حتى حين لم يكن هناك اعتراف مُتبادل- كانت تُوقّع أو تُعلن باسم الطرفين المتحاربين، أو تُنسب إليهما بوضوح.

فإما توقيع مباشر للطرفين كما في اتفاقات أوسلو وكامب ديفيد، وإما تفاهمات غير موقعة لكنها منسوبة صراحة للطرفين، كما في تهدئات 2014 و2018 و2021 بين المقاومة والاحتلال برعاية مصر وقطر.

لكن ما جرى في التوقيع على "وثيقة السلام" في شرم الشيخ المصرية، خرج عن هذا المألوف تمامًا: وقف إطلاق نار يُعلن، وتُوقّع بنوده، بينما يغيب عن مشهد التوقيع طرفا الصراع الحقيقيان! لا حماس على الطاولة، ولا الاحتلال الإسرائيلي يوقّع رسميًا… فقط الوسطاء هم من وقّعوا، وإن كان قد سبق ذلك الإعلان عن توقيع حماس وإسرائيل على الاتفاق في مرحلته الأولى التي تتضمن تبادل الأسرى أحياءً وأمواتًا.

هي سابقة في تاريخ الحروب الحديثة أن يتولى الرعاة توقيع "وثيقة سلام" نيابة عن طرفي الصراع، وكأن الكبار يتفاهمون بينما يُقصى أصحاب الأرض من المشهد. لكن هذا الغياب ليس تفصيلًا بروتوكوليًا بسيطًا؛ بل إشارة سياسية عميقة تحمل أكثر من معنى.

فمن جهة، يعكس هذا الموقف رفض الاحتلال الاعتراف بحماس كطرف سياسي شرعي رغم فشله في كسرها عسكريًا. ومن جهة أخرى، يظهر ثقة المقاومة بنفسها، إذ لم تعد بحاجة إلى توقيع رمزي بعدما فرضت شروطها على الأرض بدماء وصمود لا يُنكرهما أحد.

غير أنَّ أخطر ما في "وثيقة السلام" بشرم الشيخ ليس فقط غياب طرفي الصراع؛ بل ما يترتب على ذلك من هشاشة الالتزام؛ ففي غياب توقيع رسمي للطرفين، يظل الاتفاق أقرب إلى تفاهم ميداني مُؤقت منه إلى هدنة مُلزمة.

وهذا يمنح الاحتلال مساحة واسعة للمناورة أو التنصل متى شاء، مُتذرِّعًا بأنه لم يلتزم رسميًا بشيء من بنود هذه الوثيقة.

أما الوسطاء، رغم ثقلهم السياسي، فلا يملكون سوى أدوات الضغط الدبلوماسي والضمانات اللفظية، وهي أدوات محدودة أمام حكومةٍ يرأسها مجرم حرب مثل نتنياهو، يعيش تحت ضغط الملفات القضائية، ويستمد بقاءه من استمرار الحرب أكثر من إنهائها.

وحين يُعلن صراحةً أن "الحرب لم تنتهِ بعد"، فهو لا يرسل تصريحًا عابرًا؛ بل يمهّد لاحتمال العودة إلى الميدان متى احتاج إلى إنعاش صورته أو ترميم ائتلافه.

وعند النظر في تفاصيل الخطة التي رعتها واشنطن، يتضح أن مضمونها لا يقل خطورة عن طريقة توقيعها.

نصّ الخطة ومخرجاتها، يبدو واضحًا أن العديد من بنودها- بحسب ما ورد من البيت الأبيض- تُركّز على مطالب تُشير إلى تفكيك قدرات المقاومة وإجراءات داخلية في غزة، أكثر من بنودٍ تضع آليات رادعة ملزمة للجانب الإسرائيلي.

وهذا يُعيد إلى الواجهة اختلالًا جوهريًا وهو: كيف نتصوّر سلامًا دائمًا إذا كانت المعالجات العملية والالتزامات المكتوبة موجّهة في جانب واحد؟

الخطر هنا أن يظلّ الالتزام الإسرائيلي ذا طابعٍ ظرفيّ أو تفاوضيّ ما لم تُرفَق الخطة بضمانات قابلة للتنفيذ كتوقيع إسرائيلي ملزم، أو آليات عقابية أوتوماتيكية عند الخرق، أو إشراف دولي فعلي على المنافذ والحدود، وربط المساعدات الأمريكية والدولية بشرطية واضحة.

وعليه، فإنَّ أي مسعى حقيقي لمنع «عودة الحرب» يتطلب إعادة توازن بنود الخطة: لا تكفي آليات تقييد المقاومة وحدها؛ بل يجب إدراج فصول خاصة بالمساءلة والردع تجاه من يخرق الاتفاق بغضّ النظر عن هويته.

يزيد المشهد تعقيدًا أنَّ الولايات المتحدة، رغم كونها الراعي الأبرز للاتفاق، لم تُبدِ أي رغبة حقيقية في إعادة إحياء مسار حلّ الدولتين أو ممارسة ضغط فعليّ على الاحتلال لوقف عدوانه، الأمر الذي يجعلها أقرب إلى الوسيط غير النزيه الذي يُحقق رغبات العدو ويغضّ الطرف عن تجاوزاته، ما يضعف فرص أي سلامٍ عادلٍ أو هدنةٍ مستدامة.

هدنة بلا توقيع، وبلا ضمانات حقيقية، لكنها في جوهرها تكشف من جديد أن الاحتلال لا يملك إرادة سلام، وأن المقاومة وحدها من فرضت الهدوء بشروط الصمود لا بشروط الورق.

إنها هدنة تُكتب بالحبر، لكنها تُحفظ بالدم والصمود.

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

300 شخصية تُوقع وثيقة تُؤكد الهوية العربية للقدس وحق المقاومة

إسطنبول - صفا اختُتمت في مدينة إسطنبول أعمال مؤتمر العهد للقدس بإعلان وثيقةٍ تاريخية جامعة حملت عنوان "عهد القدس: تمسّك بالحق حتى التحرير في مواجهة الإبادة والتصفية"، بمشاركة واسعة ضمّت أكثر من 300 شخصية عربية وإسلامية ونخبة من العلماء والمفكرين والهيئات العاملة للقضية الفلسطينية من أكثر من ثلاثين دولة. وجاءت الوثيقة تتويجًا لفعاليات المؤتمر الذي حمل شعار "العهد للقدس: تجديد إرادة الأمة في مواجهة الإبادة والتصفية". واستندت الوثيقة إلى مسار تاريخي من اللقاءات الجامعة التي جسدت مثل هذا الاصطفاف أمام محطات العدوان الاستعماري المتتالية، بدءًا من المؤتمر العام لبيت المقدس عام 1931 عقب ثورة البراق وصولًا إلى ملتقى إسطنبول الدولي 2007 عقب انتفاضة الأقصى والعدوات الإسرائيلي على لبنان. وأكدت أن القدس عربية الهوية بمقدساتها الإسلامية والمسيحية هي حق خالص للشعب الفلسطيني والأمة الإسلامية. وشددت على أن المسجد الأقصى بكامل مساحته البالغة 144 ألف متر مربع حق خالص للمسلمين غير قابل للقسمة والاشتراك، وأن حماية كنائسها وحرية العبادة فيها أمانة عربية إسلامية ممتدة من جيل إلى جيل. وأكدت أن ما يشهده قطاع غزة من قتل وتدمير وحصار وتجويع وتعطيش ومنعٍ للعلاج، يمثل جريمة مكتملة الأركان تستوجب وقفها فورًا ومحاسبة مرتكبيها أمام المحاكم الدولية. وأشارت إلى عهد تجريم الإبادة الذي تبناه المشاركون ونص على تفعيل الدور الشعبي في وقف الإبادة وكسر الحصار، وفي جهود توثيقها والعمل على مجابهة نزعة إنكارها، وتصعيد جهود المقاطعة والعزل لكيان الاحتلال الإسرائيلي وتعزيز الجهود القانونية والشعبية لجلب مرتكبي الإبادة من قادة الاحتلال السياسيين والعسكريين ومن تواطأ معهم من الدول والكيانات إلى العدالة. وأكد “عهد القدس” رفضه الكامل لكل أشكال التطبيع مع الاحتلال، واصفًا إياه بأنه خيانة للثوابت الوطنية والأخلاقية. وحذر من أن الاتفاقيات الإبراهيمية تُعدّ غطاءً لدمج الاحتلال في المنطقة رغم جرائمه. ودعت الوثيقة الجهات الرسمية والشعبية إلى مقاطعة الاحتلال، معتبرة التطبيع بكل صوره مسارًا خطيرًا يسهم في تصفية القضية الفلسطينية. وأكدت وثيقة "عهد القدس" أن الأسرى هم طليعة الأمة، وأن الممارسات الإسرائيلية بحقهم جريمة موصوفة توجب تعزيز الجهود الشعبية لتحريرهم ووقف الجرائم الوحشية بحقهم. وأعادت التأكيد على حق الشعب الفلسطيني والشعوب العربية التي تتعرض للعدوان الإسرائيلي في المقاومة بكل أشكالها، وأن هذه المقاومة تمثل قيمة أخلاقية عليا، وأن المبادرين لها يجسدون أسمى ما في الإنسانية من قيَم. وختمت وثيقة "عهد القدس" بأن القدس ستبقى بوصلة الأمة وجوهر صراعها مع الاحتلال، مع توجيه التحية للشهداء والجرحى والأسرى، وأنها ستبقى محل إجماع القلوب والعقول والجهود حتى تحرير فلسطين وزوال الاستعمار عن كل ترابها.

مقالات مشابهة

  • أمن المقاومة يحذّر من منشورات دعائية ألقتها مسيّرات الاحتلال وسط النصيرات
  • غزة: الاحتلال يخرق وقف النار 738 مرة خلال 60 يوماً
  • خالد مشعل يكشف موقف حماس من حكم غزة وقضية نزع السلاح
  • سرايا القدس: تم إغلاق ملف أسرى العدو!
  • سرايا القدس: أغلقنا ملف أسرى الاحتلال لدينا بعد أن سلمنا آخر جثة
  • 38 عامًا على "انتفاضة الحجارة".. وما زالت شرارة المقاومة مشتعلة
  • ماذا تملك المقاومة في غزة اليوم لردع الاحتلال؟
  • 300 شخصية تُوقع وثيقة تُؤكد الهوية العربية للقدس وحق المقاومة
  • لبنان: كيف نمارس المقاومة الدبلوماسية بموازاة المقاومة الميدانية؟
  • الوزن العربي في التأثير على قرارات ترامب