جريدة الرؤية العمانية:
2025-10-15@17:33:31 GMT

هدنة غزة.. وخلل المعادلة

تاريخ النشر: 15th, October 2025 GMT

هدنة غزة.. وخلل المعادلة

 

 

 

 

أحمد الفقيه العجيلي

 

من يُتابع تاريخ الصراعات والاتفاقات في المنطقة، يلحظ أنَّ معظم الهدن السابقة- حتى حين لم يكن هناك اعتراف مُتبادل- كانت تُوقّع أو تُعلن باسم الطرفين المتحاربين، أو تُنسب إليهما بوضوح.

فإما توقيع مباشر للطرفين كما في اتفاقات أوسلو وكامب ديفيد، وإما تفاهمات غير موقعة لكنها منسوبة صراحة للطرفين، كما في تهدئات 2014 و2018 و2021 بين المقاومة والاحتلال برعاية مصر وقطر.

لكن ما جرى في التوقيع على "وثيقة السلام" في شرم الشيخ المصرية، خرج عن هذا المألوف تمامًا: وقف إطلاق نار يُعلن، وتُوقّع بنوده، بينما يغيب عن مشهد التوقيع طرفا الصراع الحقيقيان! لا حماس على الطاولة، ولا الاحتلال الإسرائيلي يوقّع رسميًا… فقط الوسطاء هم من وقّعوا، وإن كان قد سبق ذلك الإعلان عن توقيع حماس وإسرائيل على الاتفاق في مرحلته الأولى التي تتضمن تبادل الأسرى أحياءً وأمواتًا.

هي سابقة في تاريخ الحروب الحديثة أن يتولى الرعاة توقيع "وثيقة سلام" نيابة عن طرفي الصراع، وكأن الكبار يتفاهمون بينما يُقصى أصحاب الأرض من المشهد. لكن هذا الغياب ليس تفصيلًا بروتوكوليًا بسيطًا؛ بل إشارة سياسية عميقة تحمل أكثر من معنى.

فمن جهة، يعكس هذا الموقف رفض الاحتلال الاعتراف بحماس كطرف سياسي شرعي رغم فشله في كسرها عسكريًا. ومن جهة أخرى، يظهر ثقة المقاومة بنفسها، إذ لم تعد بحاجة إلى توقيع رمزي بعدما فرضت شروطها على الأرض بدماء وصمود لا يُنكرهما أحد.

غير أنَّ أخطر ما في "وثيقة السلام" بشرم الشيخ ليس فقط غياب طرفي الصراع؛ بل ما يترتب على ذلك من هشاشة الالتزام؛ ففي غياب توقيع رسمي للطرفين، يظل الاتفاق أقرب إلى تفاهم ميداني مُؤقت منه إلى هدنة مُلزمة.

وهذا يمنح الاحتلال مساحة واسعة للمناورة أو التنصل متى شاء، مُتذرِّعًا بأنه لم يلتزم رسميًا بشيء من بنود هذه الوثيقة.

أما الوسطاء، رغم ثقلهم السياسي، فلا يملكون سوى أدوات الضغط الدبلوماسي والضمانات اللفظية، وهي أدوات محدودة أمام حكومةٍ يرأسها مجرم حرب مثل نتنياهو، يعيش تحت ضغط الملفات القضائية، ويستمد بقاءه من استمرار الحرب أكثر من إنهائها.

وحين يُعلن صراحةً أن "الحرب لم تنتهِ بعد"، فهو لا يرسل تصريحًا عابرًا؛ بل يمهّد لاحتمال العودة إلى الميدان متى احتاج إلى إنعاش صورته أو ترميم ائتلافه.

وعند النظر في تفاصيل الخطة التي رعتها واشنطن، يتضح أن مضمونها لا يقل خطورة عن طريقة توقيعها.

نصّ الخطة ومخرجاتها، يبدو واضحًا أن العديد من بنودها- بحسب ما ورد من البيت الأبيض- تُركّز على مطالب تُشير إلى تفكيك قدرات المقاومة وإجراءات داخلية في غزة، أكثر من بنودٍ تضع آليات رادعة ملزمة للجانب الإسرائيلي.

وهذا يُعيد إلى الواجهة اختلالًا جوهريًا وهو: كيف نتصوّر سلامًا دائمًا إذا كانت المعالجات العملية والالتزامات المكتوبة موجّهة في جانب واحد؟

الخطر هنا أن يظلّ الالتزام الإسرائيلي ذا طابعٍ ظرفيّ أو تفاوضيّ ما لم تُرفَق الخطة بضمانات قابلة للتنفيذ كتوقيع إسرائيلي ملزم، أو آليات عقابية أوتوماتيكية عند الخرق، أو إشراف دولي فعلي على المنافذ والحدود، وربط المساعدات الأمريكية والدولية بشرطية واضحة.

وعليه، فإنَّ أي مسعى حقيقي لمنع «عودة الحرب» يتطلب إعادة توازن بنود الخطة: لا تكفي آليات تقييد المقاومة وحدها؛ بل يجب إدراج فصول خاصة بالمساءلة والردع تجاه من يخرق الاتفاق بغضّ النظر عن هويته.

يزيد المشهد تعقيدًا أنَّ الولايات المتحدة، رغم كونها الراعي الأبرز للاتفاق، لم تُبدِ أي رغبة حقيقية في إعادة إحياء مسار حلّ الدولتين أو ممارسة ضغط فعليّ على الاحتلال لوقف عدوانه، الأمر الذي يجعلها أقرب إلى الوسيط غير النزيه الذي يُحقق رغبات العدو ويغضّ الطرف عن تجاوزاته، ما يضعف فرص أي سلامٍ عادلٍ أو هدنةٍ مستدامة.

هدنة بلا توقيع، وبلا ضمانات حقيقية، لكنها في جوهرها تكشف من جديد أن الاحتلال لا يملك إرادة سلام، وأن المقاومة وحدها من فرضت الهدوء بشروط الصمود لا بشروط الورق.

إنها هدنة تُكتب بالحبر، لكنها تُحفظ بالدم والصمود.

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

اتفاق ينهي إضراب الأفران في تعز برفع سعر الخبز.. والمواطنون: القرار أرهقنا أكثر

في مشهد يعكس عمق الأزمة المعيشية التي تخنق المواطنين في مدينة تعز، أفضى إضراب الأفران الأخير إلى اتفاق جديد بين السلطة المحلية وجمعية المخابز، يقضي برفع سعر الكيلو الواحد من الخبز والروتي إلى 1400 ريال يمني بدلاً من التسعيرة السابقة البالغة 1200 ريال. خطوةٌ أنهت أزمة التوقف التي شلّت المدينة يومين، لكنها فتحت في المقابل باباً واسعاً من السخط الشعبي وسط أوضاع اقتصادية متدهورة وفقر متصاعد.

وجاء الاتفاق الذي أُبرم، بمشاركة ممثلين عن مكتب الصناعة والتجارة والغرفة التجارية وهيئة المقاييس، بعد سلسلة اجتماعات ناقشت شكاوى ملاك الأفران من ارتفاع تكاليف التشغيل وأسعار المواد الأساسية، لا سيما الدقيق والوقود، مؤكدين أن التسعيرة السابقة لا تغطي النفقات الفعلية.

وبحسب الاتفاق، التزمت المخابز ببيع الخبز وفق الميزان بالسعر الجديد، فيما تعهدت السلطة المحلية بعدم تنفيذ أي إغلاقات أو إجراءات عقابية غير مبررة، لضمان استمرار التموين وتوافر الخبز في الأسواق.

لكنّ القرار أثار موجة من الاستهجان الشعبي، إذ عبّر المواطنون عن استيائهم من تحميلهم مجدداً تبعات الأزمات الاقتصادية. وقال المواطن واصل أريج: "الكيلو الدقيق يُباع بنحو ألف ريال فقط، ومع ذلك تُرفع الأسعار لصالح أصحاب الأفران. السلطة المحلية منحتهم ما يريدون، والمواطن هو من يتحمل الفاتورة.

وقال: "صاحب الفرن يكسب أضعافاً من كيس الدقيق سعة 50 كيلو، ولا يريد أن يخسر ريالاً واحداً، فيُخرج الإيجار والحطب والجهد من جيوبنا نحن. هم أضربوا يومين فاستجبتم لهم، ونحن المعلمين والموظفين أضربنا شهوراً ولم تحركوا ساكناً... هذا هو حكمكم، الله يزيلكم جميعاً".

من جانبه، علّق المواطن إبراهيم ناجي قائلاً: "ما الفائدة من ضمان استقرار الأسعار إذا كانت السلع الأساسية كلها غالية؟ الحكومة غير موجودة، والنفط والغاز أسعارها مرتفعة، بينما تُنهب ثروات البلاد بلا محاسبة. الحرب وسعر الصرف في السماء، والناس على حافة الهاوية. نحن اليمنيين الوحيدين في هذا الكون الذين لم يذوقوا طعم العيش الكريم كما تفعل الشعوب الأخرى".

وكانت معظم الأفران في مدينة تعز قد نفّذت خلال الأيام الماضية إضراباً شاملاً احتجاجاً على قرار السلطة المحلية القاضي بفرض البيع بالميزان وتسعيرة 1200 ريال للكيلو، معتبرة أن القرار "مجحف" ولا يغطي كلفة الإنتاج. وترافق الإضراب مع حملة إغلاق نفذها مكتب الصناعة ضد الأفران المخالفة، ما فاقم أزمة الخبز في المدينة.

وأوضحت جمعية الأفران والمخابز أن الإجراءات السابقة كانت "تعسفية" وتمت دون إشراك الجهات المنصوص عليها في التعميم الوزاري المنظم للتسعير، مشيرة إلى فرض غرامات مالية واحتجاز عمال وملاك أفران، وهو ما زاد من حدة التوتر بين الطرفين قبل التوصل إلى التسوية الأخيرة.

وجاء الاتفاق الجديد في ظل تحسن نسبي في سعر صرف الريال اليمني أمام العملات الأجنبية، حيث استقر الدولار عند نحو 1617 ريالاً بعد أن كان تجاوز 2900 ريال، إلا أن أسعار المواد الغذائية لم تنخفض بالمقدار ذاته، مما جعل المواطنين يرون أن الحلول المتخذة تبقى شكلية أمام واقع اقتصادي يزداد قسوة يوماً بعد آخر.

مقالات مشابهة

  • اتفاق ينهي إضراب الأفران في تعز برفع سعر الخبز.. والمواطنون: القرار أرهقنا أكثر
  • ترامب يشارك في مراسم توقيع اتفاق سلام بين كمبوديا وتايلند
  • ترامب يزور ماليزيا لحضور توقيع اتفاق سلام تاريخي بين تايلاند وكمبوديا
  • قادة العالم يشهدون توقيع الوثيقة الشاملة لاتفاق غزة.. والرئيس الأمريكي يتحدث عن "فجر تاريخي للشرق الأوسط"
  • قمة شرم الشيخ واتفاق غزة.. بين الأمل والريبة
  • أحمد موسى يشكر الرئيس على توقيع الاتفاق التاريخي لوقف حرب غزة
  • تهدئة بين سلام وحزب الله...هدنة الضرورة
  • القسام: الاتفاق ثمرة لصمود شعبنا وثبات مقاومته وملتزمون به ما التزم الاحتلال
  • القسام: الاتفاق ثمرة لصمود شعبنا وثبات مقاومته وملتزمون ما التزم الاحتلال