إدارة لعبة الكذب على الجماهير في العراق!
تاريخ النشر: 17th, October 2025 GMT
التلازم والترابط بين الحكومات والناس لا يُمكن الانفكاك منه منذ مراحل ما قبل الولادة، وحتّى مرحلة ما بعد الموت! والحكومات الناجحة تُهيئ الأجواء الصحّيّة والإنسانيّة للمواطنين، وبما يَضمن لهم حياة آمنة وكريمة!
والسياسة الرسميّة (المناصب) والشعبيّة (البرلمانيّة) ليست ميدانا لتجربة قدرات الأشخاص عبر "اللعب السياسيّ" بمناصب حسّاسة تُمنح لهم تبعا لروابطهم الحزبيّة والولائيّة والشخصيّة والعائليّة وبعيدا عن المهنيّة والقدرات المؤهّلة.
وقد ابتلينا في العراق منذ العام 2003 بالكثير من السياسيّين العاجزين، الذين لم يَفقهوا السياسة، وفنّ إدارة الدولة، والمناصب الحسّاسة والمهمّة!
والسياسة لم تَعُد لدى غالبيّة هؤلاء من أدعياء السياسة فنّ إدارة الدولة، وتنظيم شؤون الناس وخدمتهم، بل فنّ القدرة على إقناع الناخبين، وإدارة "لعبة الكذب" على الجماهير وصولا لقبة البرلمان، ومنها لعالم الرفاهية، والحسابات المصرفيّة، والسيّارات الفارهة، والقصور الفاخرة، والحشم والخدم وبقية النعم التي لم تَخطر ببالهم!
ومع هذا "التّزلّف المصلحيّ للناخبين" نجد أنّ أكثريّة الساسة يتجاهلون، وبسرعة غريبة، مَنْ أوصلوهم للبرلمان، ويتنكّرون للنعم التي وُهِبَت لهم عبر المناصب العامّة، وينشغلون بالتجارة، والترف الخرافيّ، بعيدا عن مهامهم الأصلية!
والسؤال هنا، ماذا يُريد هؤلاء الساسة وحاشيتهم من العراق والعراقيّين؟
والاجابة على هذا التساؤل مركّبة، وتحتاج لحقنة كبيرة من الحياديّة والموضوعيّة حتّى لا يَميل الكاتب لطرف على حساب الآخر!
بداية، وحينما نُراجع التاريخ "السياسيّ" لأكثريّة ساسة العراق سنقف عند عشرات التصريحات والمواقف القاتلة للقيم والأخلاق، والتي أنكروها لاحقا ونجحوا في حذفها من محرّكات البحث العالميّة!
هؤلاء الساسة، وكما قال رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي، "كلّهم يكذبون"، وحتّى ادّعاؤهم للديمقراطيّة فهو كذبة كبيرة وبدليل أنّ عباس الموسوي، المستشار المقرّب من نوري المالكي قال، يوم 8 تشرين الأول/ أكتوبر 2025، بأنّ أكثر من 200 صحفيّ وإعلاميّ استدعوا للقضاء بسبب شكاوى قُدّمت من رئيس الوزراء محمد شياع السوداني! وهذا الكلام يُدلّل على زيف الديمقراطيّة، وأنّ الإطار التنسيقيّ الذي رشّح السوداني يسعى لإزاحته بكافّة السبل!
وأيضا هنالك اليوم استخدام فاحش لأسلوب "الإعدام السياسيّ القانونيّ" للمنافسين الأقوياء في الانتخابات البرلمانيّة وبحجج هزيلة!
والتطوّر الجديد تمثّل باغتيال عضو مجلس محافظة بغداد، والمرشّح للانتخابات البرلمانيّة صفاء الحجازي ليلة الثلاثاء الماضي، بعبوة لاصقة في سيّارته! وهذا مؤشّر خطير على احتماليّة عودة التصفيات الجسديّة السياسيّة في قابل الأيّام!
وبهذا فإنّ أساس غالبيّة مشاكل العراق هي الإدارة السيّئة و"الهمجيّة السياسيّة الديمقراطيّة" التي تَهدف للبقاء في سدّة الحكم دون النظر للواقع السيئ!
وأدلة الخراب الإداريّ والماليّ يصعب حصرها، وقد حدّثني صديق من الأنبار بأنّه ذهب للهند لعلاج والدته من مرض ما، وهناك قال له المترجم بأنّ هذه الولاية تنقلب سنويّا لمدينة عراقيّة لكثرة الباحثين عن العلاج في الهند!
ومنهم مَن باعوا بيوتهم وسيّارتهم وممتلكاتهم الأخرى لعلاج مريضهم، بينما تقف المستشفيات، الحكوميّة والخاصّة، عاجزة عن واجباتها؛ إما بسبب عدم الاختصاص وغياب الأجهزة المختصّة، أو الأجور الباهظة التي تطلبها المستشفيّات الخاصّة البعيدة عن أيّ رقابة حكوميّة لأنّ معظمها تعود لسياسيّين أو متنفّذين!
وأزمات العراق العامّة كثيرة، وأبرزها: السلاح خارج نطاق القوّات الحكوميّة، وارتفاع الدين الداخلي لأكثر من 65 مليار دولار، وتهالك القطاع الصحّيّ، وأزمة المياه، وهشاشة المنظومة الكهربائيّة، وعشوائيّة التوظيف، وغيرها من السلبيّات!
وخارجيّا، أدرجت الخزانة الأمريكيّة، في 9 تشرين الأول/ أكتوبر 2025، ثلاثة مسؤولين في بنوك عراقيّة على قائمة العقوبات لاستغلالهم مناصبهم لصالح فيلق القدس الإيرانيّ وكتائب حزب الله العراقيّ وعصائب أهل الحق! وشمل القرار رئيس اللجنة الأولمبيّة عقيل مفتن، وشركة "المهندس" التابعة للحشد الشعبيّ!
وأحدث صور الخراب، أكّدتها بيانات "IQ Air" في 10 تشرين الأول/ أكتوبر 2025، حيث احتلّت بغداد المرتبة الأولى كأكثر مدينة تلوّثا في العالم.
وأخيرا ننقل بعض كلام الرئيس الأمريكيّ دونالد ترامب عند تَطرّقه للعراق في كلمته بمؤتمر السلام بشرم الشيخ، الاثنين الماضي: "العراق يمتلك كمّيات هائلة من النفط، لكنّهم لا يعرفون كيف يتصرّفون بها"! وهذا الكلام يحمل الكثير من المعاني، ومنها سوء الإدارة، والفساد الماليّ والإداريّ المُتعاظِم والمتفلِّت!
هذا التخبّط، وهذه الفوضى، وضبابيّة المستقبل؛ تستدعي التزاحم الرسميّ لإعادة وصياغة الواقع بما يتلاءم وخيرات العراق وصبر الناس الذين لم يعرفوا السكون والراحة منذ نهاية العهد الملكيّ!
المعركة العراقيّة المرتقبة ستكون خلال التحضيرات للانتخابات البرلمانيّة، في 11 كانون الثاني/ نوفمبر المقبل وما بعدها، وستبرز في صراع القوى الشيعيّة على منصب رئاسة الوزراء!
إنّ الرعب والفوضى السياسيّة والشعبيّة والإرهاب يهدم الدولة، وعليه فإنّ تجديد إنسانيّة الإنسان ضرورة سياسيّة وأخلاقيّة، ويُفترض العمل بعزم شديد وهمّة مرتفعة للوصول إلى إعادة الأمل لحياة الناس، ورعايتهم وتطويرهم فكريّا ونفسيّا ومادّيّا!
وهكذا فإنّ الحكومة الصافية هي الملاذ الآمن لجميع المواطنين، وإلا فإنّها ستُشارك في الجريمة عبر سياسات التغليس عن واقعهم، واهتمامها بفُرَص الفوز برئاسة الحكومة مجدّدا!
ومع هذه المنافسات والفوضى لا ندري ما الذي جناه العراق والناس بعد أكثر من 20 عاما من الاحتلال والديمقراطيّة، ولا ندري إلى أين يقودون العراق والناس!
x.com/dr_jasemj67
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات قضايا وآراء كاريكاتير بورتريه قضايا وآراء العراق الانتخابات صراع العراق فساد انتخابات صراع قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء مقالات مقالات مقالات صحافة سياسة سياسة صحافة سياسة اقتصاد مقالات صحافة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة البرلمانی ة
إقرأ أيضاً:
الطفل بائع السمن والعسل
سالم بن نجيم البادي
الطفل يوسف يجلس في زاويةٍ على الشارع العام يبيع السمن والعسل واللومي اليابس.
وتظهر على وجهه علامات العوز والفاقَة، وهو ضئيل الجسد قصير القامة. وكلما شاهد سيارة قادمة هبَّ واقفًا، ونظر ذات اليمين وذات الشمال نظراتٍ فيها توسّل ورجاء، ولسان حاله يقول: توقّفوا… اشتروا بضاعتي… أريد أن أعود إلى البيت مُبكرًا وأخبر أهلي بأنني بعت كل شيء، وها هي النقود التي عدت بها… وسيقول ذلك بفرح ظاهر مُترقبًا كلمات الثناء.
يوسف يتواجد كل يوم في ذلك المكان من الساعة الثالثة بعد الظهر وحتى المغرب. وهو يدرس في الصف السادس، وينتهي دوامه المدرسي عند الساعة الواحدة وأربعين دقيقة ظهراً.
متى يرتاح يوسف ومتى يذاكر دروسه؟
سألته، فأجاب بخجل: في الليل.
صوّرت يوسف بعد أن سمح لي بتصويره.
وقد تواصل معي بعض متابعي حسابي في تطبيق «إنستغرام» وطلبوا رقم هاتف والد الطفل، ووعدوا بمساعدته ماديًا. كما تواصل معي أحد محلات بيع الملابس لتوفير ملابس شتوية له، وتبرّعت حملة البادي للحج والعمرة بعمرة مجانية ليوسف.
إنَّ يوسف وأقرانه الذين يقفون على قارعة الطريق للبيع لا يفعلون ذلك رغبةً في كسب المزيد من المال، كما يعتقد بعض النَّاس.
وحين نصوّرهم أو نكتب عنهم تنهال علينا سهام اللوم، ويُقال إن هؤلاء الأطفال لديهم ما يكفيهم من المال، وإنهم يشوّهون صورة البلد، وإن القانون يمنع عمل الأطفال قبل بلوغ سن الخامسة عشرة، وإن وقوفهم على الشارع للبيع يمكن اعتباره نوعًا من أنواع العمل، وهذا قد يثير انتباه المنظمات الدولية.
ويُقال أيضًا إنَّ هؤلاء الأطفال تشملهم مظلة صندوق الحماية الاجتماعية، وأي حمايةٍ هذه التي تمنحهم 10 ريالات فقط لا تكفيهم حتى للشراء من مقصف المدرسة، وقد صار سعر علبة العصير الصغيرة 200 بيسة، والغلاء اكتسح كل شيء.
ولنا أن نسأل أنفسنا: ما الذي يجعل هؤلاء الأطفال أمثال يوسف يقفون على قارعة الطريق لساعات طويلة بعد عناء يومٍ دراسي طويل ومرهق؟
في الوقت الذي ينعم فيه أقرانهم الميسورون بالراحة والنوم واللعب واستخدام هواتفهم، وحضور المناسبات والرحلات والسفر والترفيه.
لقد آن الأوان للبحث بعمق في قضية الأطفال الذين يبيعون في الطرقات والشوارع، وإجراء الدراسات العلمية المحكمة للوصول إلى حل جذري ودائم يحفظ كرامة هؤلاء الأطفال، ويتركهم يعيشون سنوات طفولتهم بسعادة وأمان واستقرار، حتى ينطلقوا نحو مستقبلٍ مشرق لهم ولأسرهم ولوطنهم.
ولا تحدّثونا عن 10 ريالات منفعة الصغار، ولا عن 115 ريالًا منفعة كبار السن، ولا عن راتبٍ تقاعدي زهيد، ولا عن راتب قدره 325 ريالًا وهو الحد الأدنى للأجور في القطاع الخاص.
لن أقترح حلولًا، فلدَى الجهات المختصة خبراء في الاقتصاد والمال وعلم الاجتماع، ولديهم الإحصاءات والمعلومات عن المواطنين وأعدادهم وأحوالهم الاقتصادية ومتوسط دخل الأفراد، وكل المعلومات متاحة الآن بضغطة زر. ولدينا مجلس شورى منتخب يمثل الشعب، ومجلس الدولة، ومجلس الوزراء.
كفّوا عن لوم هؤلاء الأطفال. وحسّنوا أوضاعهم وأوضاع أسرهم… أغنوهم، ثم امنعوهم من البيع على الشوارع إن شئتم.
وإن كنتم لا تعلمون عدد الأطفال المعسرين في الأسر المعسرة، فاذهبوا فقط إلى الفرق الخيرية ولجان الزكاة في الولايات.
إنَّ يوسف وأمثاله كثيرون، ويحتاجون لمن ينقذهم من براثن ذلّ الحاجة!
رابط مختصر