يتساءل عدد كبير من المصلين عن مبطلات الصلاة حتى يتجنبوا الوقوع فيها، ومن ضمن أكثر الأسئلة التي تشغل بال كثيرين هو هل ابتلاع بقايا الطعام بين الأسنان يفسد الصلاة؟ وهو ما أجابت عنه دار الإفتاء المصرية وفي السطور التالية نتعرف على حكم الشرع في هذه المسألة الفقهية.

وفي هذا السياق، أكد الدكتور أحمد ممدوح، أمين الفتوى في دار الإفتاء المصرية، أن بقايا طعام في الفم تستلزم على المصلي أن يقوم بالمضمضة قبل أداء الفريضة لأن بلعها أثناء الصلاة يبطلها.

حكم ابتلاع بقايا الطعام بين الأسنان أثناء الصلاة 

وأشار أمين الفتوى في دار الإفتاء إلى أن من مبطلات الصلاة الأكل أو الشرب، وهذا محل إجماع بين أهل العلم، وقد نصوا على أن فضلات الطعام التي توجد بين ثنايا الأسنان معفو عنها، لخفة أمرها، ولأنها لا تسمى أكلًا.

وأشار أمين الفتوى في دار الإفتاء إلى أن من ابتلع بقايا الطعام المتبقية في الفم وبين أسنانه سهوًا فصلاته صحيحة، ويستحب المضمضة لمن أكل بعد الوضوء حتى لا تبقى آثار للأكل في فمه، وإن لم يتوضأ فلا شيء عليه.

مبطلات الصلاة

من مبطلات الصلاة أن يتعمد المصلي ترك ركنٍ أو واجبٍ من أركانها، أو أن يُخلّ بأحد شروطها الأساسية. 

كما تبطل الصلاة عند ارتكاب ما نُهي عنه فيها، مثل الأكل أو الشرب عمدًا، أما من فعل ذلك نسيانًا فلا تبطل صلاته، وكذلك الكلام عمدًا يُفسد الصلاة، إلا إذا كان المصلي جاهلًا بالحكم أو ناسيًا، فتظل صلاته صحيحة.

ومن مبطلات الصلاة أن الأفعال الخارجة عن جنس الصلاة إذا كانت كثيرة أبطلتها باتفاق العلماء، أما إن كانت قليلة فلا تبطلها، أما الحركات اليسيرة كتحريك الأصابع أو حكّ الجسد فلا تُبطل الصلاة، وإن كانت مكروهة إذا تكررت. 

كما أن الضحك أثناء الصلاة يُبطلها، في حين أن التبسّم فقط لا يفسدها باتفاق أكثر العلماء.

مكروهات الصلاة

1. العبث بالبدن: كتشبيك الأصابع وفرقعتها، يقول شُعبة مولى بن عباس: (صلَّيْتُ إلى جنبِ ابنِ عباسٍ ففقعتُ أصابعي فلمَّا قضيتُ الصلاةَ قال لا أُمَّ لكَ تفقعُ أصابعَكَ وأنتَ في الصلاةِ).

-‏فإن هذا مما قد يُفقد الخشوع المطلوب في الصلاة، ومن أمثلة ذلك أيضًا العبث باللحية أثناء الصلاة، ويُستثنَى من ذلك الحاجة إلى أمر من هذا مثل الحكة.صلاة الضحى.. موعدها وفضلها وعبادة تعادل ثوابهاهل يترك المسافر صلاة الجمعة ويؤديها ظهرا ؟ أمين الفتوى يجيبهل سماع الأذان شرط لحضور لصلاة الجماعة؟..الإفتاء تجيبكيفية أداء الصلاة بالنسبة لشخص مريض كبير في السن..الإفتاء توضح

2. ‏رفع البصر إلى السماء: وقد استثنى الحنابلة حال التَجشي لمن يُصلي جماعة، فيرفع بصره كي لا يؤذِهم في صلاته، وقد ورد النهي عن هذا الأمر في قوله -صلي الله عليه وسلم- (لينتهين أقوامٌ يرفعون أبصارهم إلى السّماء في الصّلاة، أو لا ترجع إليهم)

3. ‏تغميض العينين في الصلاة: حيث إن السُنة إبقاء العينين مفتوحتين؛ لأن إغماضهما مَظنة للنوم، والسُنة أن يُلقي المُصلي بهما إلى مَوضع سجوده، ولكن يَخرج من الكراهة حاجة المُصلي للإغماض خوفًا من عدم الخشوع لِما يُمكن أن يكون هناك من مُشتتات يَراها تخل بخشوعه فيُغمِض.

4. التَخصر في الصلاة: مَنهي عنه بالاتفاق لقوله -صلى الله عليه وسلم: (أن النبي - صلى الله علية جد وسلَّمَ نَهى أن يُصلِّي الرجلُ مُتخَصرًا).

والتخصر هو أن يضع الرجل يده على خاصرته، وقال الشافعية بجوازه لحاجة أو ضرورة.

5. يكره أن يُصلي المُسلم وهو يُدافع الأخبثين، والأخبثان: هما البول والغائط، حيث قال -صلى الله عليه وسلم- : (لا صلاة بحضرة طعام، ولا وهو يدافعه الأخبثان).

-و يُستَنبط من هذا الحديث كراهة الصلاة في حضور الطعام، وقاس الشافعية والحنابلة عليه من اشتهى طعامًا أو شرابًا لأنه في بابه، ومما يدل أيضًا على كراهة الصلاة في حضور الطعام قوله -صلى الله عليه وسلم- : (إذا وُضعَ العَشاءُ وأقيمتِ الصلاةُ فابدءوا بالعَشاءِ).

6. ‏كراهة استقبال النار أو شيء منها في الصلاة: لأن في هذا شيء من التشبه بعُباد النيران، وهذا القول عند المالكية والحنابلة.

7. ‏ ذهب جمهور الفقهاء من المالكية والحنفية والحنابلة إلى كراهة تنكيس السور: والتنكيس يعني أن تقرأ في الركعة الثانية سورة أعلى مما قرأته في الركعة الأولى.

8. ‏تُكره الصلاة عند النعس ومُغالبة النوم: ودليل هذا قوله -صلى الله عليه وسلم-: (أن رسولَ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم قال: إذا نَعَسَ أحدُكم وهو يُصلّي فلْيرقُدْ، حتى يذهبَ عنه النّومُ، فإنّ أحدَكم إذا صلّى وهو ناعِسٌ لا يدري لعلَّه يَستغفِرُ فيسُبَّ نفسَه).

9. يرى فُقهاء الشافعية والحنفية والحنابلة كراهة التثاؤب في الصلاة: لقوله -صلى الله عليه وسلم-: (...وأمَّا التّثاؤبُ فإنَّما هوَ مِن الشّيطانِ، فإذا تثاءَب أحدُكم فليرُدَّه ما استطاع...).

10. ‏يُكرَه أن يبسط المُصلي ذراعيه في السجود: بل ينبغي له أن يرفعهما عن الأرض، وأن يُجافي ويُباعد بينهما، حيث قال صلّى الله عليه وسلّم: (اعتدلوا في السجود، ولا يبسط أحدكم ذراعيه انبساط الكلب).

11. ‏ويُكره التلثم في الصلاة: قال الشافعية: أنّه تغطية الفم، وقال المالكيّة: أنّه تغطية الفم مع الأنف، والمرأة كالرجل في هذا.

12. كراهة تكرير السور في الركعتين: عند المالكية.

13. يُكره النظر إلى ما يلهي عن الصلاة.

طباعة شارك مبطلات الصلاة الصلاة ابتلاع بقايا الطعام بين الأسنان يفسد الصلاة حكم ابتلاع بقايا الطعام بين الأسنان أثناء الصلاة مكروهات الصلاة دار الإفتاء الإفتاء

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: مبطلات الصلاة الصلاة دار الإفتاء الإفتاء صلى الله علیه وسلم مبطلات الصلاة أثناء الصلاة أمین الفتوى دار الإفتاء فی الصلاة ی الصلاة

إقرأ أيضاً:

معنى الصلاة الواردة في قوله تعالى صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا وبيان شبهة في ذلك

أجابت دار الإفتاء المصرية، عن سؤال ورد اليها مضمونة:" سائل يقول: شاهدتُ فيديو لأحد المتصدرين على وسائل التواصل الاجتماعي يستشكل على معنى وكيفية الصلاة على النبي بقولنا: "اللهم صل على محمد أو على النبي" أن هذا طلبٌ من الله للصلاة على النبي، فكيف يطلب المسلم من الله أن يصلي على النبي وهو سبحانه يصلي عليه بالفعل؟ واعتبر أن ذلك من باب رد الأمر على الآمر، وقال: كأننا نقول لربنا: "صل أنت"! وذهب إلى أن المراد من الصلاة على النبي هو الدعاء بقولنا: "اللهم آت محمدًا الوسيلة والفضيلة.." ونحو ذلك من الدعاء لشخص النبي وبذلك نكون صلينا على النبي محمد، فنرجو التوضيح والإفادة.

لترد دار الإفتاء موضحة: أن المراد بقول الله تعالى ﴿صَلُّوا عَلَيْهِ﴾ ليس مطلق الدعاء للنبي صلى الله عليه وآله وسلم بأي دعاء، وإنما هو معنًى مخصوصٌ يظهر في السؤال والطلب من الله تعالى أن يتولى الصلاة عليه صلى الله عليه وآله وسلم، كـقولنا: "اللهم صلِّ على سيدنا محمد" أو صلَّى الله على سيدنا محمد" أو ما يُشبه ذلك؛ تعظيمًا لشأنه وقضاء لحقه ووفاء بمكافأته وزيادة في صلاة المولى الكريم عليه فهي دائمة بدوام مُلك الله.

دعاء ينجيك من حوادث الطرق والمصائب المفاجئة.. ردده يوميا وأنت ذاهب لعملكماذا تقول في دعاء الشكر لله؟.. كلمات من هدي النبي تمنحك البركةبيان معنى الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم

تقع "الصلاة" على معانٍ متعددة، فهي من قبيل المشترك، ولقد نقل الاصطلاح الشرعي لكلمة "الصلاة" من معناها اللغوي وهو الدعاء، وجُعلت بمعنًى لم يكن الاسم موضوعا له في اللغة، وهو معنى الصلاة المعروفة لنا، وهي "أقوال وأفعال مخصوصة مفتتحة بالتكبير ومنتهية بالتسليم".

قال الإمام العمراني في "البيان" (2/ 7، ط. دار المنهاج): [الصلاة في اللغة: عبارة عن الدعاء، قال الله تعالى لنبيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ: ﴿وَصَلِّ عَلَيْهِمْ﴾ [التوبة: 103]؛ أي: ادع لهم.. وأما في الشرع: فقد نُقل هذا الاسم إلى أقوال وأفعال مخصوصة، وهي: التكبير، والقراءة، والركوع، والسجود، والتشهد، وغير ذلك. فإذا وردت الصلاة في الشرع فإنما تنصرف إلى الصلاة الشرعية دون اللغوية] اهـ.

وقد نُقل هذا الاسم في "الصلاة على النبي" -وهي مسألتنا- فصار لها معنى غير هذا وذاك، وهو المراد شرعًا في كيفية الصلاة على النبي المتعلق بها الحكم في قوله: ﴿صَلُّوا عَلَيْهِ﴾ المنزَّل في الآية الكريمة التي قال الله تعالى فيها: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [الأحزاب: 56].

ولما نزلت هذه الآية الكريمة توقف الصحابة رضي الله عنهم في فهم المراد من الأمر الإلهي بالصلاة على النبي؛ لأنه صار بمنزلة المجمل الذي يحتاج إلى بيان، كَهَلْ لذلك صفة تختص به؟ وما الصيغة التي تليق؟ وذلك لأن الدعاء يكون بألفاظ متعددة وعلى كيفيات مختلفة وصفات متنوعة.

وقد توجهوا بالسؤال إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فأعلمهم أن المشروع في ذلك صفة مخصوصة، وهي أن يطلب العبد من مولاه عزَّ وجلَّ أن يتولى الصلاة على نبيه ومصطفاه محمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله وسلم.

فعن أبي حميد الساعدي رضي الله عنه أَنَّ الصحابة رضي الله عنهم قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْكَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ: «قُولُوا: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَأَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَأَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ» متفقٌ عليه، والحديث أخرجته كتب السُّنَّة المشرفة عن عدد من الصحابة كأبي سعيد الخدري، وأبي هريرة، وكعب بن أبي عجرة، وأبي مسعود الأنصاري، وطلحة، وبريدة الخزاعي رضي الله عنهم أجمعين، ووقع بعض طرقه عند الإمام البيهقي في "الدعوات الكبير"، و"المعرفة" رواية الإمام الشافعي عن الإمام مالك رحمهما الله تعالى.

قال الحافظ ابن حجر العسقلاني في "فتح الباري" (11/ 155، ط. دار المعرفة): [واخْتُلف في المراد بقولهم "كيف"، فقيل: المراد السؤال عن معنى الصلاة المأمور بها بأيِّ لفظٍ يؤدى، وقيل: عن صفتها، قال عياض: لما كان لفظ الصلاة المأمور بها في قوله تعالى: ﴿صَلُّوا عَلَيْهِ﴾ يحتمل الرحمة والدعاء والتعظيم سألوا بأي لفظ تؤدى هكذا؟ قال بعض المشايخ: ورجح الباجي أن السؤال إنما وقع عن صفتها لا عن جنسها، وهو أظهر؛ لأن لفظ "كيف" ظاهر في الصفة. وأما الجنس فيسأل عنه بلفظ ما، وبه جزم القرطبي، فقال: هذا سؤال من أشكلتْ عليه كيفية ما فهم أصله وذلك أنهم عرفوا المراد بالصلاة فسألوا عن الصفة التي تليق بها ليستعملوها] اهـ.

فظهر بذلك صراحة أن الصلاة على النبي المأمور بها المسلم المراد بها أن يسأل الله تعالى ويطلب منه أن يُصلي عليه، ومعنى قول المسلم "اللهم صلِّ على محمد" هو: [اللهم عظم محمدًا في الدنيا بإعلاء ذكره وإظهار دعوته وإيتاء شريعته. وفي الآخرة بتشفيعه في أمته وإجراء أجره ومثوبته وإبداء فضله للأولين والآخرين بالمقام المحمود، وتقديمه على كلمة النبيين في اليوم المشهود" كما قال الإمام الحليمي في "المنهاج في شعب الإيمان" (2/ 134، ط. دار الفكر).

أقوال العلماء في المراد بصفة الصلاة على النبي المأمور بها
على إثبات أن صفة الصلاة على النبي المأمور بها ما هي إلا الطلب والسؤال تواردت نصوص الصحابة والعلماء بيانًا وتعليمًا وتلقينًا.

فعن الأسود بن يزيد عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، قال: إذا صليتم على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فأحسنوا الصلاة عليه، فإنكم لا تدرون، لعل ذلك يُعرض عليه، قال -أي: الأسود-: فقالوا له: فعلمنا، قال: قولوا: «اللَّهُمَّ اجْعَلْ صَلَاتَكَ، وَرَحْمَتَكَ، وَبَرَكَاتِكَ عَلَى سَيِّدِ الْمُرْسَلِينَ، وَإِمَامِ الْمُتَّقِينَ، وَخَاتَمِ النَّبِيِّينَ، مُحَمَّدٍ عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ، إِمَامِ الْخَيْرِ، وَقَائِدِ الْخَيْرِ، وَرَسُولِ الرَّحْمَةِ، اللَّهُمَّ ابْعَثْهُ مَقَامًا مَحْمُودًا، يَغْبِطُهُ بِهِ الْأَوَّلُونَ وَالْآخِرُونَ، اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، اللَّهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ» أخرجه ابن ماجه، والطبراني في "المعجم الكبير"، والبيهقي في "شُعَب الإيمان".

وقال الشيخ ابن القيم في "جلاء الأفهام" (ص: 162، ط. دار العروبة، الكويت): [الصلاة المأمور بها فيها هي الطلب من الله ما أخبر به عن صلاته.. فهي تتضمن الخبر والطلب] اهـ.

وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني في "فتح الباري" (11/ 156): [وأولى الأقوال ما تقدم عن أبي العالية أن معنى صلاة الله على نبيه ثناؤه عليه وتعظيمه، وصلاة الملائكة وغيرهم عليه طلب ذلك له من الله تعالى، والمراد طلب الزيادة لا طلب أصل الصلاة] اهـ.

ثم نقل بعده قول الإمام الحليمي: [المراد بقوله تعالى ﴿صَلُّوا عَلَيْهِ﴾: ادعوا ربكم بالصلاة عليه] اهـ، وهو ما اعتمده جماعة من شراح الحديث، كالإمام شهاب الدين القسطلاني في "المواهب اللدنية" (2/ 650، ط. المكتبة التوفيقية)، والعلامة محمد الأمير الصنعاني في "التحبير" (4/ 301، ط. مكتبة الرشد).

سبب إطلاق "الصلاة" على سؤال الله تعالى أن يصلي عليه
سبب إطلاق "الصلاة" على هذا السؤال والدعاء يظهر من وجهين:

"أحدهما: أنه يتضمن ثناء المصلي عليه والإشادة بذكر شرفه وفضله والإرادة والمحبة لذلك من الله تعالى فقد تضمنت الخبر والطلب.

والوجه الثاني: أن ذلك سمي منا صلاة لسؤالنا من الله أن يصلي عليه، فصلاة الله عليه ثناؤه وإرادته لرفع ذكره وتقريبه، وصلاتنا نحن عليه سؤالنا الله تعالى أن يفعل ذلك به" كما قال الشيخ ابن القيم في "جلاء الأفهام" (ص: 162).

ما في طلب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم من معان وحكم
بالإضافة إلى أن قول المسلم حين الصلاة على النبي "اللهم صل على سيدنا محمد" أو "صلى الله على سيدنا محمد" ما هو إلا الإتيان بالصفة المخصوصة بالأمر الإلهي الوارد، والتعبد بها؛ فإن هناك حِكَمًا جليلة ومعانيَ دقيقة ينبغي على المسلم أن يعيها ويلتفت إليها، ومن ذلك:

1- تحقق الفعل الإلهي وأثره على النبي صلى الله عليه وآله وسلم بحصول العناية والإحسان والمغفرة به بصلاة الله عليه؛ فهو القادر على إنفاذ أمره وقدره، بخلاف العبد فهو مخلوق عاجز ليس بيديه شيء.

2- تعظيم المكافأة وديمومتها بتفويض العبد مولاه عزَّ وجلَّ بإنزال رحمته ومغفرته المقرونة بالتعظيم الدائم واللائق به صلى الله عليه وآله وسلم؛ لأنه العالم بقدر عبده سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم.

قال العلامة أحمد بن محمد الصاوي المالكي الخلوتي في "حاشيته على تفسير الجلالين" (3/ 269، ط. دار الجيل): [إن قلتَ: إن صلاتهم طلب من الله أن يصلي عليه وهو مصلٍّ عليه مطلقًا طلبوا أو لَا. أجيب بأن الخلق لما كانوا عاجزين عن مكافأته صلى الله عليه وآله وسلم طلبوا من القادر المالك أن يكافئه؛ ولا شك أن الصلاة الواصلة للنبي صلى الله عليه وآله وسلم مِن الله لا تقف عند حد؛ فكلما طُلبتْ من الله زادت على نبيه، فهي دائمة بدوام الله] اهـ.

3- أن الدعاء من العبد -وهو ما نادى به صاحب المقطع- عمل تحت القبول والرد؛ إلا الصلاة على النبي فإنها عمل مقبول غير مردود؛ لما فيها من مشاهدة معنى الاستمرار التجددي في أن الله تعالى لا يزال مصليًا على النبي.

وهو ما يُفهم من قول العلامة ابن عابدين الحنفي في "رد المحتار" (1/ 520-521، ط. دار الفكر): [إن الله تعالى قال: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ﴾ [الأحزاب: 56] بلفظ المضارع المفيد للاستمرار التجددي مع الافتتاح بالجملة الاسمية المفيدة للتوكيد وابتدائها بإن لزيادة التوكيد، وهذا دليل على أنه سبحانه لا يزال مصليًا على رسوله صلى الله عليه وآله وسلم، ثم امتن سبحانه على عباده المؤمنين حيث أمرهم بالصلاة أيضًا ليحصل لهم بذلك زيادة فضلٍ وشرفٍ، وإلا فالنبي صلى الله عليه وآله وسلم مُسْتغنٍ بصلاة ربه سبحانه وتعالى عليه، فيكون دعاء المؤمن بطلب الصلاة من ربه تعالى مقبولا قطعا أي مجابًا لإخباره سبحانه وتعالى بأنه يصلي عليه، بخلاف سائر أنواع الدعاء وغيره من العبادات] اهـ.

4- قصد الإيفاء بحقه صلى الله عليه وآله وسلم.

قال الإمام الحليمي في "المنهاج في شعب الإيمان" (2/ 134): [الصلاة عليه مما يقصد به قضاء حقه ويتقرب بإكبارها إلى الله عزَّ وجلَّ، فيدل على أن قولنا: اللهم صلِّ على محمد صلاة منا عليه أنا لا نملك اتصال ما يعظم به أمره، ويعلو به قدره إليه. وإنما ذلك على الله تعالى، فيصح أن صلاتنا عليه الدعاء له بذلك، وابتغاؤه من الله عز وجل، ويبين بذلك أن الله عزَّ وجلَّ قال لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم: ﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ﴾ فجاءه ابن أبي أوفى بصدقة قال: "اللهم صل على ابن أبي أوفى" فكانت عليه دعاؤه به أن يصلي عليه إن كان ذلك أكثر مما ملكه، والله أعلم] اهـ.

الخلاصة
بناءً على ذلك وفي السؤال: فإن المراد بقول الله تعالى ﴿صَلُّوا عَلَيْهِ﴾ ليس مطلق الدعاء للنبي صلى الله عليه وآله وسلم بأي دعاء، وإنما هو معنًى مخصوصٌ يظهر في السؤال والطلب من الله تعالى أن يتولى الصلاة عليه صلى الله عليه وآله وسلم، كـقولنا: "اللهم صلِّ على سيدنا محمد" أو صلَّى الله على سيدنا محمد" أو ما يُشبه ذلك؛ تعظيمًا لشأنه وقضاء لحقه ووفاء بمكافأته وزيادة في صلاة المولى الكريم عليه فهي دائمة بدوام مُلك الله.

طباعة شارك المراد بصفة الصلاة على النبي المأمور بها ما هى الصلاة الواردة فى قوله صلوا عليه وسلموا تسليما الصلاة على النبي

مقالات مشابهة

  • 7 فضائل لإطعام الطَّعام.. الأزهر للفتوى يوضحها
  • ما حكم رد السلام بالإشارة أثناء الصلاة؟.. الإفتاء تجيب
  • لماذا نقرأ آية الكرسي بعد الصلاة؟.. الرسول أوصى بها لـ 10 أسباب
  • إحسان الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم اليوم الجمعة
  • الصلاة الكاملة على رسول الله ﷺ اليوم الجمعة
  • حكم صلاة المرأة بالنقاب .. الإفتاء ترد
  • معنى الصلاة الواردة في قوله تعالى صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا وبيان شبهة في ذلك
  • حكم الصلاة على النبي ﷺ لتذكر شئ منسي
  • أشعر بفتور وتكاسل عن الصلاة أحيانا فماذ أفعل؟.. الإفتاء تضع روشتة شرعية