كيف سيتذكّر الأمريكيون حرب غزة؟
تاريخ النشر: 18th, October 2025 GMT
ترجمة: بدر بن خميس الظفري
منذ شهر، كتبت مقالًا عن فيديو اغتيال تشارلي كيرك. شعرت بالانزعاج عندما أدركت كم من الأطفال شاهدوا ذلك الفيديو؛ ثم، كلما فكرت أكثر في الأثر الذي قد يتركه، بدأت أتأمل كيف ستُشكّل مثل هذه المقاطع الفورية، المتوفرة بوفرة، وغير المُفلترة، نظرة الجيل القادم إلى التاريخ. إن الصور والفيديوهات الرقمية تُنتج سجلًا بصريًا مختلفًا تمامًا عن ذلك الذي شكّلته الصور الفوتوغرافية والعناوين الإخبارية والتلفزيون في العقود السابقة.
لكن، ماذا يحدث عندما يكون لدينا كم هائل من الصور المرئية، موزعة على نطاق أوسع، بينما نفقد في الوقت نفسه المؤسسات المركزية التي كانت تُرسّخ في الذاكرة العامة عددًا محدودًا من الصور، كما حدث في حرب فيتنام، مثلًا؟
عدت إلى التفكير في هذا السؤال الأسبوع الماضي، بينما بدا أن خطة سلام تلوح أخيرًا، لتضع حدًا لحرب غزة، صراعٌ أنتج على ما يبدو إمدادًا لا نهائيًا من بعض أكثر المشاهد عنفًا ورعبًا وإثارة للصدمات التي رآها العامة على الإطلاق. إذا كانت الحرب قد وصلت بالفعل إلى نهايتها، فكيف سيتذكّرها الشعب الأمريكي؟
الرد قد يكون ساخرا، وربما دقيق، وهو أنهم لن يتذكروها إطلاقًا، لأن قدراتنا على التركيز، خاصة في الشأن السياسي، قد تآكلت بشكل لا رجعة فيه بفعل الهواتف الذكية ووسائل التواصل الاجتماعي، إلى حدّ أن أي حدث، سواء داخلي أو خارجي، لم يعد قادرًا على أن يرسّخ نفسه في الذاكرة الحية للجمهور.
وفقًا لهذا الرأي، توجد علاقة عكسية بين كمية المشاهد المؤثرة التي نشاهدها وبين قدرتها على البقاء في وعينا. وللدلالة على ذلك، يمكن الإشارة إلى أنه، وبعد مرور عشرة أشهر على إدارة ترامب الثانية، يبدو أن معظم الأمريكيين قد نسوا تقريبًا احتجاجات جورج فلويد وأحداث اقتحام الكابيتول في 6 يناير 2021، وهما حدثان ولّدا بدورهما كمًا هائلًا من المشاهد المثيرة.
حتى محاولة اغتيال دونالد ترامب في بتلر، بنسلفانيا، ورغم أنها أسفرت عن صورة تاريخية، لم تستطع إبقاء القصة في دائرة اهتمام الإعلام أكثر من بضعة أسابيع. الصورة الشهيرة للمرشح وهو ينزف ورافعًا قبضته في الهواء، انتشرت على نطاق واسع، لكنها بدت وكأنها نوع من الحنين إلى الماضي، عندما كانت الصور الملتقطة بالأفلام الفوتوغرافية قادرة على توحيد الرأي العام.
حتى في وقتنا هذا، حيث لم يعد هناك ما يمكن وصفه بـ«الإجماع التقليدي». بل إن الجميع يتفق على شيء واحد، وهو أن انتباه الأمريكيين بات أقصر من أي وقت مضى.
لكنني لطالما كنتُ متشككًا تجاه هذا الادعاء، الذي يبدو وكأنه تبرير شامل يستخدمه الناس كلما أرادوا تفسير فشل ما في المجتمع.
لماذا نحن منقسمون للغاية؟ لأن لا أحد يملك صبرًا كافيًا ليُفكر بعمق ويبحث عن أرضية مشتركة.
لماذا أطفالنا يعانون من السمنة والاكتئاب؟ لأن وسائل التواصل الاجتماعي دمّرت قدرتهم على التركيز، ولم يعودوا يرون أي قيمة في نزهة طويلة ومريحة.
بالطبع، أثيرت مثل هذه المخاوف خلال فترات التحول التكنولوجي السابقة. ففي إنجلترا القرن الثامن عشر، كان صمويل جونسون قلقًا من انفجار عدد الكتب المطبوعة، قائلًا إنها «تُشتّت الاختيار» و«تجعل الباحث محبطا». كما قيل نفس الشيء عن الراديو والتلفزيون، حيث اعتُبر أن لهما آثارًا سلبية على صبر المستمعين والمشاهدين، مما دفع المعلمين للقول إن طلابهم لم يعودوا قادرين على الجلوس خلال المحاضرات.
قد تكون هذه التحذيرات صحيحة، ربما كان الطفل في القرن السادس عشر يستطيع أن يجلس قرب مجرى مائي طوال اليوم، يراقب بسلام تموّجات المياه فوق الحجارة الملساء، ومنذ ذلك الحين ونحن نُقحم على هذه الحالة التأملية تشويشًا دائمًا.
لكنني أميل إلى الاعتقاد بأن الأطفال اليوم لا يختلفون كثيرًا في مدى تركيزهم عن آبائهم الذين أدمنوا التلفاز وألعاب الفيديو في طفولتهم. ربما يقرؤون روايات أقل، لكنهم يشاهدون مقاطع على يوتيوب تمتد لثلاث ساعات كاملة.
هناك أيضًا بُعد أخلاقي في كل هذا التهويل بشأن «قِصر الانتباه». إلى متى نستطيع، كشعب، أن نهتم فعليًا بفظاعة ما؟ إلى أي مدى يُعكس طول الفترة التي تطاردنا فيها المأساة مدى قوتنا أو ضعفنا الأخلاقي كمجتمع؟
في مقال سابق عن كيرك، طرحت سؤالًا: ماذا لو حدثت مذبحة كينت ستيت في عام 2025؟ صورة واحدة فقط من ذلك اليوم عام 1970، عندما قُتل أربعة طلاب على يد الحرس الوطني في أوهايو، كانت قوية لدرجة أنه، في كل مرة أسمع فيها اسم «كينت ستيت»، سواء في سياق فريقها الرياضي أو قسم الهندسة فيها، تتوهج تلك الصورة في ذهني مباشرة. وأنا واثق من أنني لست الوحيد.
هل لا يزال بمقدور الرأي العام اليوم أن يتوحد حول صورة واحدة لكارثة؟ أم أننا اليوم سنشاهد مئات الصور الفوضوية، التي التقطتها كاميرات الهواتف المحمولة من قبل أشخاص عاديين، ورفعوها مباشرة على حساباتهم؟
لقد تحوّلت كينت ستيت إلى صورة واحدة فقط لأن الإعلام حينها كان أكثر مركزية، وكان يمتلك القوة والنفوذ لانتقاء وترويج رواية معينة للحدث.
الإعلام لا يزال يحاول توجيه انتباهنا بهذا الشكل. عندما وصلت حرب غزة إلى عامها الأول، نشرت عدة مؤسسات إخبارية كبرى مجموعات من الصور التي عدّتها «مُمثلة للمأساة حتى ذلك الحين». ونشر المزيد عند بلوغ العاميـْن. وأراهن أنك لم تلاحظ هذه المجموعات، وأنا شبه متأكد من أنك لا تعرف أي صور تحديدًا كانت ضمنها.
ما الصور التي لن تنساها من حرب غزة؟ صورة لستة أطفال موتى ملفوفين تحت غطاء؟ لقطة فيديو لأب يتخبّط وهو يحمل، على ما يبدو، جثة طفله مقطوعة الرأس؟ صور الدماء المبعثرة في مطابخ الكيبوتسات «كيبوتس: تجمعات سكنية تعاونية يهودية في إسرائيل»؟
هل تعرف الصور التي أتحدث عنها؟ هل لديك قائمة خاصة بك من الصور التي سأضطر للبحث عنها بنفسي؟
وحتى لو كنا متفقين على الفظاعة، فهل حقيقة أن لكلٍ منّا «مشهد رعب شخصي» مختلف، تعني أننا سننسى كل ذلك بشكل أسرع؟ لأننا لا نُعيد مشاهدة صورة واحدة، مشتركة، تثبّت ذاكرتنا كل مرة؟
بل أكثر من ذلك: هل سنفقد الثقة بذاكرتنا، لأننا لم نعد واثقين بأن الصور، أو حتى الفيديوهات، التي رأيناها كانت حقيقية أصلًا؟
أنا لا أقلق بشأن تركيز أطفالي. لكنني أُبدي قلقًا بشأن ما يحدث عندما تصبح كل صورة ساحة للجدال؛ عندما تتلاشى المشاهد النادرة التي نشاهدها معًا، سواء كانت مفرحة أو مأساوية، إلى آلاف، بل ملايين الخيوط، لكل منها واقعه الخاص.
عندما ينظر المؤرخون إلى عصرنا هذا، سيجدون فظائع موثّقة بتفصيل لم يسبق له مثيل؛ سيشاهدون آلاف الجثث؛ وسيجدون ملايين الساعات من التعليق. لكنهم لن يجدوا سردًا موحدًا يصف تلك الصور حين وقعت. صحيح أن «الإجماع على السرد» يمكن استخدامه لفرض إرادة قمعية، وربما يمكن أن يكون في هذا الفوضى شيء من الخير، لكن كيف تبني مجتمعًا عندما لا يستطيع أحد أن يتمسك بصورة واحدة، أو حتى تفسير مشترك، لما حدث؟
إذا أردنا إكمال الفكرة: لولا تلك الصورة الوحيدة، ربما لم نكن لنتذكّر كينت ستيت. وحين نقول إن «الشعب لم يعد يتذكّر شيئًا بسبب قصر انتباهه» أو لأي سبب آخر، فنحن في الواقع نصف افتقارنا للذاكرة الجمعية، التي كانت ترتبط بصور أيقونية تُوحّدنا.
إنها شكوى من الوحدة، شكوى من أولئك الذين يدركون أن وعيًا جديدًا، متملقًا وربما مخيفًا، آخذ في التكوّن، وعيٌ يُشكّل الطريقة التي يرى بها أطفالهم العالم المتألم، لكنهم لا يستطيعون رؤية ملامحه بعد.
جاي كاسبيان كانغ، كاتب في مجلة ذَا نيويوركر ومؤلف كتاب «الأمريكيون الأكثر وحدة».
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الصور التی صورة واحدة من الصور حرب غزة ا کانت
إقرأ أيضاً:
مايكروسوفت تطلق نموذجها الجديد لتوليد الصور بالذكاء الاصطناعي MAI-Image-1
صراحة نيوز- أعلنت شركة مايكروسوفت عن إطلاق نموذجها الأول لتوليد الصور بالذكاء الاصطناعي، المسمى MAI-Image-1، لتعزيز حضورها في مجال الذكاء الاصطناعي التوليدي.
ويتميز النموذج بسرعة إنتاج صور فوتوغرافية عالية الجودة في مشاهد متنوعة، بما في ذلك الإضاءة المعقدة والمشاهد الطبيعية، وسيُدمج قريبًا في أدوات مثل Copilot وBing Image Creator.
ويأتي هذا الإطلاق في إطار سعي مايكروسوفت لمنافسة نماذج أخرى رائدة مثل Google Gemini Nano Banana، مع التركيز على تجربة مستخدم سهلة وغامرة.
يُذكر أن MAI-Image-1 ظهر مؤخرًا ضمن أفضل 10 نماذج لتحويل النص إلى صورة حسب تصنيف LMArena، ما يعكس جدية مايكروسوفت في تطوير هذا المجال.