وحش الفساد المالي والاداري في العراق
تاريخ النشر: 2nd, November 2025 GMT
آخر تحديث: 2 نونبر 2025 - 8:47 ص بقلم: الدكتور صبيح جبارة بعد أكثر من عقدين من الغزو عام 2003، يواجه العراق سرطاناً أثبت أنه مدمر بقدر أي صراع: الفساد المالي والإداري المنهجي. حجم النهب مذهل، حيث تصل تقديرات الخسائر المالية إلى أرقام فلكية. هذا الفساد المستوطن لم يبدد ثروة البلاد النفطية الهائلة فحسب، بل شل تنميتها أيضاً، وحطم الثقة العامة، وشوّه سمعتها على الساحة العالمية.
كما قال رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني بوضوح، فإن الفساد يمثل تهديداً “لا يقل خطورة عن تهديد الإرهاب”.
جذور العفن المنهجي
بينما كان الفساد موجوداً في ظل نظام صدام حسين، إلا أن الفوضى التي أعقبت عام 2003 هي التي سمحت له بالتحول إلى مشكلة منهجية. جهود إعادة الإعمار بقيادة الولايات المتحدة، والتي شهدت ضخ أكثر من 220 مليار دولار في البلاد، اتسمت بغياب الرقابة، مما مكّن ثقافة الفساد من الترسخ. يسلط تقرير من معهد بروكينغز الضوء على أن تدفق الأموال غير المنظمة “أطلق العنان لعطش الرشوة والمال السهل على كل مستوى من مستويات الحكومة تقريباً”.تعزز هذا الوضع بنظام المحاصصة، وهو ترتيب لتقاسم السلطة السياسية يقوم على الحصص الطائفية والعرقية. في الأصل، كان الهدف منه ضمان التمثيل، لكن النخب السياسية استغلته للسيطرة على مؤسسات الدولة، وتحويل الوزارات إلى إقطاعيات للمحسوبية والإثراء الشخصي. كما أوضحت مؤسسة القرن، فإن المحاصصة هي “الطريقة التي تحافظ بها النخبة السياسية على السلطة وتقسم غنائم الدولة، بغض النظر عن نتائج الانتخابات في معظم الأحيان”. هذا النظام ضمن مكافأة الولاء وليس الكفاءة، مما أدى إلى سوء إدارة الخدمات العامة وحماية المسؤولين الفاسدين من المساءلة. ثروة أمة مبددة، وشعب مخذول
التكلفة البشرية لهذا الفساد هائلة. على الرغم من توليد أكثر من 1.5 تريليون دولار من عائدات النفط منذ عام 2003، تم إنفاق أقل من 20% على الخدمات الأساسية مثل البنية التحتية والتعليم والرعاية الصحية. العواقب واضحة بشكل صارخ في الحياة اليومية للعراقيين: •استنزاف مالي مذهل:
تتراوح تقديرات إجمالي الخسائر الناجمة عن الفساد منذ عام 2003 من 300 مليار دولار إلى رقم مذهل يبلغ 776 مليار دولار. فضيحة “سرقة القرن” سيئة السمعة، حيث تم اختلاس 2.5 مليار دولار، هي مجرد واحدة من العديد من هذه القضايا.
•بنية تحتية متداعية: يعاني غالبية العراقيين من انقطاع التيار الكهربائي اليومي، بينما تبقى الطرق والمدارس والمستشفيات في حالة من التدهور. وجدت دراسة أن ثلث الوفيات الزائدة البالغة 405,000 بين عامي 2003 و2011 كانت بسبب فشل البنية التحتية.
•مستقبل ضائع:
الـ 600 مليار دولار المفقودة بين عامي 2003 و2020 كان يمكن أن تبني 10,000 مدرسة و1,000 مستشفى و5,000 مجمع سكني، مما يحول حياة الملايين . بدلاً من ذلك، 3.2 مليون طفل في سن المدرسة خارج المدرسة، وربع السكان يعيشون تحت خط الفقر. تآكل الثقة وسمعة مشوهة:
أدى الفساد المستشري بشكل متوقع إلى أزمة عميقة في الثقة بالنظام الحاكم. تفجر هذا الإحباط في أكتوبر 2019 مع حركة تشرين، وهي احتجاج ضخم بقيادة الشباب ضد الفساد والبطالة وتدهور الخدمات العامة. على الرغم من أن الاحتجاجات أدت إلى استقالة رئيس الوزراء، إلا أن النظام الأساسي ظل دون تغيير إلى حد كبير.
ومن المثير للاهتمام أن استطلاعات الرأي الأخيرة من غالوب الدولية تشير إلى صورة معقدة. بينما يظل الفساد مصدر قلق رئيسي، فإن غالبية العراقيين (55%) يعبرون الآن عن ثقتهم في الحكومة، وهو رقم أعلى من المتوسط في العديد من الدول المتقدمة.. قد يعكس هذا سكاناً متعبين من عدم الاستقرار، متمسكين بفترة من الهدوء النسبي وتحسن الأمن. ومع ذلك، فإن هذه الثقة الهشة سهلة الكسر، ويظل الغضب العميق من الفساد قوة فاعلة. على الساحة الدولية، تضررت سمعة العراق بشدة. تصنف منظمة الشفافية الدولية باستمرار العراق بين الدول الأكثر فساداً في العالم، حيث وضعته في المرتبة 140 من أصل 180 في مؤشر مدركات الفساد لعام 2024. كان لهذا تأثير مثبط على الاستثمار الأجنبي. يحذر بيان مناخ الاستثمار لعام 2025 الصادر عن وزارة الخارجية الأمريكية بوضوح من أن “الفساد على جميع المستويات” يمثل عقبة كبيرة أمام الشركات الأجنبية، حيث تعتبر الرشوة والابتزاز والمحسوبية أمراً شائعاً. لماذا تحارب الدول الفساد: ضرورة عالمية
تسلط حالة العراق الضوء على سبب قيام الدول المحترمة والهيئات الدولية بصب الموارد في مكافحة الفساد. إنه ليس مجرد مسألة أخلاقية، بل شرط أساسي للاستقرار والتنمية والأمن. يصف البنك الدولي الفساد بأنه “قوة تآكلية تضرب الفقراء والضعفاء بشدة” ومحرك رئيسي للفقر.“الفساد يقوض المؤسسات الديمقراطية، ويبطئ التنمية الاقتصادية ويساهم في عدم الاستقرار الحكومي.” -عن الأمم المتحدة. مكافحة الفساد ضرورية من أجل: •النمو الاقتصادي: يوفر تكافؤ الفرص للشركات، ويشجع الاستثمار، ويضمن استخدام الأموال العامة للغرض المقصود منها.
•سيادة القانون: يعزز استقلال القضاء ويضمن أن جميع المواطنين متساوون أمام القانون.
•حقوق الإنسان: يمنع تحويل الموارد عن الخدمات الأساسية مثل الرعاية الصحية والتعليم.
•الأمن الدولي: كما تشير وزارة الخارجية الأمريكية، فإن الفساد “يغذي الجريمة عبر الوطنية، ويهدر الموارد العامة، ويزعزع استقرار البلدان، ويعيق الحكم الرشيد”. بالنسبة للعراق، فإن طريق التعافي شاق. يتطلب الأمر ليس فقط مقاضاة الأفراد الفاسدين، بل تفكيك جذري للهياكل السياسية والاقتصادية التي سمحت للفساد بالازدهار. للمجتمع الدولي دور يلعبه، خاصة في منع حركة الأموال غير المشروعة ومحاسبة الكليبتوقراطيين، حيث يدعو البعض إلى إنشاء محكمة دولية لمكافحة الفساد. في نهاية المطاف، يجب أن يأتي الدافع للتغيير من الداخل. إن صمود الشعب العراقي، الذي يواصل المطالبة بمستقبل أفضل، يقدم بصيص أمل في أن هذه الأمة، الغنية جداً بالتاريخ والموارد، يمكنها يوماً ما التحرر من قبضة الفساد.
المصدر: شبكة اخبار العراق
كلمات دلالية: ملیار دولار عام 2003
إقرأ أيضاً:
ألتمان: أوبن إيه آي تحقق 13 مليار دولار سنوياً وتستهدف 100 مليار في 2027
صراحة نيوز -أعلن الرئيس التنفيذي لشركة “أوبن إيه آي” سام ألتمان أن الشركة تحقق إيرادات سنوية تتجاوز 13 مليار دولار، مؤكداً أن نموها المالي يسير بوتيرة قوية رغم ارتفاع تكاليف التشغيل الضخمة.
وخلال مقابلة جمعته بالرئيس التنفيذي لشركة “مايكروسوفت” ساتيا ناديلا في بودكاست “Bg2″، أشار ألتمان إلى أن الشركة تواجه التزامات مالية ضخمة تتجاوز تريليون دولار خلال العقد المقبل لتطوير البنية التحتية للحوسبة، لكنه أكد أن الإيرادات الحالية تفوق التوقعات بكثير.
وأضاف مازحاً: “إذا أراد أحد بيع أسهمه، سأجد له مشترياً فوراً”، في إشارة إلى الثقة الكبيرة بإقبال المستثمرين على الشركة.
وأكد ألتمان أن “أوبن إيه آي” تراهن على استمرار النمو من خلال توسّع خدمات “شات جي بي تي” ومشاريعها المستقبلية في الأجهزة والذكاء الاصطناعي العلمي، فيما أوضح ناديلا أن أداء الشركة تجاوز كل الخطط المالية الموضوعة من قبل “مايكروسوفت”.
وعندما طُرحت فرضية وصول إيرادات الشركة إلى 100 مليار دولار بحلول عام 2028 أو 2029، رد ألتمان مبتسماً: “ما رأيك بعام 2027؟”، نافياً في الوقت نفسه نية الشركة طرح أسهمها للاكتتاب العام في الوقت الحالي.