التحول الأميركي في إدارة ترامب الثانية.. من التدخل العسكري المباشر إلى الاستراتيجية الذكية
تاريخ النشر: 3rd, November 2025 GMT
قالت مديرة الاستخبارات الوطنية الأميركية تولسي غابارد: “انتهت الاستراتيجية الأمريكية السابقة المتمثلة في إسقاط الأنظمة، ومحاولة فرض نظام حكمنا على الآخرين، والتدخل في نزاعات لم نفهمها بالكاد، ثم الانسحاب تاركين وراءنا مزيدًا من الأعداء بدل الحلفاء”.
يمكن قراءة هذا التصريح كإشارة إلى تحول ملموس في السياسة الأميركية تجاه التدخل في الدول الأجنبية، سواء عبر دعم الانقلابات العسكرية، الاغتيالات المباشرة، أو استخدام الحصار الاقتصادي والعقوبات كأدوات للضغط.
منذ الخمسينيات، اعتمدت الولايات المتحدة أساليب مباشرة للسيطرة على السلطة في دول أخرى. في إيران (1953) أطاحوا برئيس الوزراء محمد مصدق وأعادوا الشاه للحكم، وفي الكونغو (1961) اغتيل باتريس لومومبا بدعم استخباراتي، وفي تشيلي (1973) أُطيح بالرئيس المنتخب سلفادور أليندي ودُعم الجنرال أوغستو بينوشيه، وفي بنما (1989) تدخلت واشنطن عسكريًا لإسقاط الجنرال مانويل نورييغا، وأخيرًا في العراق (2003) أزالت الغزو الأميركي نظام صدام حسين. هذه الأمثلة توضح أن القوة المباشرة والانقلابات كانت أدوات رئيسية للهيمنة الأميركية.
ومع مرور الوقت، لجأت الولايات المتحدة إلى أدوات ضغط غير مباشرة للحد من الخسائر، أبرزها الحصار الاقتصادي والعقوبات، كما في كوبا وإيران، وفي العراق بين 1990 و2003، وأيضًا فنزويلا منذ 2017، إضافة إلى كوريا الشمالية. هذه الأدوات شكلت بديلًا أقل تكلفة وأكثر استراتيجية عن التدخل العسكري المباشر، لكنها تهدف لنفس الغرض: فرض النفوذ والسيطرة على مجريات الأحداث.
في سياق السياسة الأميركية القديمة، شمل التدخل العسكري أيضًا القصف المباشر لبعض الدول لتحقيق أهداف استراتيجية أو الرد على تهديدات مباشرة. فقد شنت الولايات المتحدة عمليات عسكرية في اليمن ضد الحوثيين، وفي إيران عبر ضربات محدودة أو تهديدات عسكرية للضغط على برامجها النووية والصاروخية.
ومع ذلك، لا يمكن تجاهل استمرار التهديدات الأميركية بالتدخل في دول أخرى تحت ذرائع مختلفة، كما حدث في فنزويلا حين لوّحت واشنطن بالتدخل العسكري لإسقاط نظام مادورو، أو كما يتكرر مؤخرًا في نيجيريا عبر تهديدات بالقصف بحجة حماية المسيحيين من الاعتداءات الطائفية. أليس في ذلك تناقض واضح مع التوجه الأميركي الجديد القائم على تقليص التدخلات؟ ألا يعكس ذلك ازدواجية في المعايير بين الخطاب الدبلوماسي الهادئ والممارسات الواقعية التي لا تزال تستند إلى منطق القوة؟
لكن مع تصريح تولسي غابارد، أصبح أي تدخل عسكري مباشر يُنظر إليه الآن كاستثناء ضمن استراتيجية جديدة، تركز على الضغط الاقتصادي والتحالفات الإقليمية والدبلوماسية القسرية، مع الحد من الحروب المباشرة والتدخلات المكلفة، وهو ما يوضح التحول التكتيكي في السياسة الأميركية الحديثة تحت إدارة ترامب الثانية 2025.
شكل الربيع العربي (2011) نقطة تحول تكتيكية، إذ استغلت الولايات المتحدة الحراك الشعبي في ليبيا وسوريا لدعم فصائل معارضة وإجراء تدخلات محدودة، مما يعكس تعديلًا في أسلوب إسقاط الأنظمة مع الحفاظ على الهدف الاستراتيجي ذاته: النفوذ والسيطرة على مجريات الأحداث في المنطقة.
في إدارة ترامب الثانية (2025)، يبرز الرئيس نفسه كـ “حمامة سلام استراتيجية”، من خلال التركيز على الانسحاب من الحروب الطويلة، تقليل التدخلات العسكرية المباشرة، الاعتماد على الضغط الاقتصادي والتحالفات الإقليمية والدبلوماسية القسرية. هذا التوجه لا يعني التخلي عن النفوذ، بل يعكس تحولًا تكتيكيًا في الوسائل مع الحفاظ على الهدف الاستراتيجي نفسه، أي السيطرة على مجريات الأحداث العالمية والإقليمية بأقل تكلفة وأكثر مرونة.
رغم اختلاف الأساليب بين الإدارات، يظل الحفاظ على القيادة العالمية ومنع ظهور منافسين الهدف الأساسي. يظهر التاريخ أن السياسة الأميركية لم تتخلَّ عن الهيمنة، بل غيّرت أدواتها عبر العقود، من الانقلابات العسكرية المباشرة إلى الحروب المحدودة، الحصار الاقتصادي، ودعم الحركات الشعبية، وصولًا إلى الاستراتيجيات الذكية في إدارة ترامب الثانية 2025، مع التمييز الواضح بين السياسة القديمة المباشرة والسياسة الجديدة الانتقائية، ووضوح الفرق بين التدخل المباشر مثل القصف في اليمن وإيران، وأدوات الضغط الحديثة التي تعتمد على الاقتصاد والدبلوماسية والتحالفات الإقليمية.
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.
المصدر: عين ليبيا
كلمات دلالية: إدارة ترامب الثانیة السیاسة الأمیرکیة الولایات المتحدة التدخل العسکری الحفاظ على
إقرأ أيضاً:
العالم يترقب قرار المحكمة العليا الأميركية بشأن الرسوم الجمركية
تنظر المحكمة العليا الأميركية، بعد غد الأربعاء، في قانونية بعض الرسوم الجمركية التي فرضها الرئيس الأميركي دونالد ترامب بعد عودته إلى البيت الأبيض مطلع العام الحالي.
وأعلن ترامب سلسلة من الرسوم الجمركية الجديدة على السلع الواردة إلى الولايات المتحدة من دول عدة، بهدف تعزيز الصناعة في بلاده وخفض العجز التجاري الأميركي.
وتتراوح هذه الرسوم بين 10 و50 في المئة، بحسب الظروف والدول.
وستنظر المحكمة العليا في هذه الرسوم التي تختلف عن تلك التي تستهدف قطاعات محددة (مثل السيارات أو الصلب).
وتشكك شركات وعدد من الولايات ذات الأغلبية الديموقراطية في قانونية إجراءات ترامب المفروضة من دون العودة إلى الكونغرس.
وقضت محاكم فدرالية عدة بعدم قانونية الرسوم الجمركية، لكن على الرغم من ذلك بقيت سارية في انتظار صدور الحكم النهائي من المحكمة العليا.
وإذا قضت المحكمة ببطلان هذه الرسوم، فقد تُجبر إدارة ترامب على إعادة عشرات المليارات من الدولارات التي جمعتها.