تراجع مستوى المياه في سدود إسطنبول يثير قلق الأتراك
تاريخ النشر: 2nd, September 2023 GMT
ينظر إسماعيل آيدين، إلى شاشات مركز التحكم بالمياه في مدينة إسطنبول التركية، مركّزا على مؤشر مثير للقلق: كمية المياه في خزانات السدود تراجعت إلى 29.7% فقط من سعتها الإجمالية.
وتسجّل هذه المستويات في أواخر موسم صيف شديد الحرارة، عرفته كبرى مدن تركيا، ما وضعها على شفا كارثة محتملة على صعيد نقص المياه.
وعلى رغم ذلك، يسعى آيدين، وهو مسؤول دائرة المياه والصرف الصحي، إلى الطمأنة، فموسم المطر اقترب ومن يُتوقع أن يسهم في إعادة ملء البحيرات.
وقال: "لقد عرفنا موسما (صيفيا) جافا.. مستويات المياه كانت عند 60% في الفترة نفسها من العام الماضي".
وأضاف: "في العام 2014، تراجعت (مستويات المياه) إلى 14% فقط.. لذا فإن النسبة الحالية هي ثاني أدنى مستوى خلال الأعوام العشرة الأخيرة".
ويحيط بإسطنبول التي يقطنها 16 مليون نسمة بحسب التعداد الرسمي (و20 مليونا وفق تقديرات غير رسمية)، 11 سدا تمتلئ بشكل كامل خلال نوفمبر/تشرين الثاني وديسمبر/كانون الأول، حين تبلغ المتساقطات ذروتها.
اقرأ أيضاً
إسطنبول.. شح مياه غير مسبوق في السدود يهدد بالجفاف (فيديو/ صور)
لكن التغير المناخي العائد بالدرجة الأولى إلى انبعاثات غازات الدفيئة التي يتسبب بها النشاط البشري، يؤدي إلى تبدّل الأنماط المناخية، ويصبح مصدر قلق دائم لمسؤولين مثل آيدين.
وشهدت إسطنبول خلال هذا الصيف هطول كميات محدودة من المطر، في حين أدى ارتفاع درجات الحرارة إلى زيادة استهلاك المياه بشكل مطرد.
ولم يكن هذا النسق مختلفا عما شهدته عموم البلاد، إذ عرفت تركيا في 2023 فصل الصيف الأكثر حرا منذ بدء تسجيل البيانات، وتجاوزت درجة الحرارة عتبة 50 مئوية في 14 أغسطس/آب، وذلك للمرة الأولى في التاريخ الحديث للبلاد.
وفي حال جفاف خزانات السدود بالكامل، يمكن للمدينة استقدام كميات أخرى عن طريق البرّ أو البحر، على رغم أن السلطات لم تضع إلى الآن أي خطط للتعامل مع هذا الاحتمال القاتم.
وما يزيد الطين بلة بالنسبة إلى إسطنبول، هو أن مشكلة المياه يفاقمها النمو الهائل والمتسارع للمدينة.
فعدد السدود التي تغذي إسطنبول بالمياه بقي على حاله منذ نحو 30 عاما، يوم كان عدد سكانها يناهز 5 ملايين نسمة فقط، وقبل أن يصبح استهلاك المياه مسألة حيوية في الحياة اليومية للناس وعبر وسائل الإعلام.
اقرأ أيضاً
سدود إسطنبول تسجل أدني مستوى للمياه خلال 15 عاما
لكن المسؤولين الأتراك باتوا يطلّون بشكل متكرر عبر الإعلام لحضّ السكان على توفير استهلاك المياه بأي طريقة ممكنة.
وبعثت الدائرة التي يشرف عليها آيدين خلال موجة الحرّ في الفترة الماضية، رسالة نصّيّة إلى سكان إسطنبول تحذّرهم فيها من أن الوضع يتجه نحو أن يصير غير مستدام.
وقال المسؤول إن "طاقة التخزين في سدود إسطنبول هي تقريبا 868 مليون متر مكعب.. لكن الاستهلاك السنوي للمدينة هو 1,1 مليار متر".
وشدد على أن السدود لا يمكنها أن توفر "كمية المياه التي تكفي لعام كامل.. إسطنبول مدينة تحتاج إلى هطول متواصل للمطر.. مياهنا الجوفية لا تكفي".
وتبدو ندرة الأمطار جلية في العديد من بحيرات السدود عند أطراف إسطنبول، إذ حوّل الجفاف عند ضفافها أجزاء منها إلى مروج ترعى فيها الأغنام والماعز.
بدوره، اعتاد المتقاعد نشأت كاراكاس الذي أمضى طفولته قرب المياه، أن يزور البحيرات لتمضية الوقت والترفيه، لكنه بات الآن يفكّر أكثر بأسباب انحسار مستوى المياه.
اقرأ أيضاً
قبل شهور المطر.. مياه سدود إسطنبول تكفي 100 يوم
وقال وهو يتأمل الأرض المتشققة جراء الجفاف ومركبا ملقى على جانبه، إن المشهد "يسبّب لي الحزن.. لم نعتد رؤية البحيرة هكذا".
وأضاف المتقاعد الذي بلغ الثامنة والستين من العمر: "ما لم تهطل الأمطار من الآن وحتى أكتوبر/تشرين الأول، ستكون اسطنبول في مواجهة أيام صعبة".
ويبدو أن الجهود التي يبذلها آيدين لتغيير عادات سكان إسطنبول في استهلاك المياه، بدأت تؤتي ثمارها.
وقال السائق حسن صادق أوغلو، إنه قام بوضع قارورة من البلاستيك في خزان المرحاض لتوفير ليتر مع كل تدفق للمياه.
وأضاف: "عندما يقوم الأطفال بتنظيف أسنانهم، يفتحون الصنبور مرة واحدة فقط".
اقرأ أيضاً
بلدية إسطنبول تتجه لتخفيض أسعار المياه والمواصلات
كما أعلنت دائرة المياه في إسطنبول عزمها على تركيب معدات خاصة على الصنابير المنزلية التي تستهلك شهريا كمية من المياه تفوق تلك المحددة.
وستقوم تلك المعدات بخفض ضغط المياه في حال تخطى السكان سقف الاستهلاك.
وشدد آيدين على وجوب اتخاذ "خطوات شديدة الفاعلية، خصوصا في إدارة المياه"، معتبرا أن "التوفير هو أولوية، وإعادة التدوير هي أولوية".
وأكدت الطالبة مينا ألطنطاش، أنها تحاول توفير المياه أثناء غسل الصحون وتنظيف الملابس، لكنها قلقة من أن هذا المجهود الشخصي لن يكون كافيا.
وقالت: "القلق يساورنا جميعنا، كل البلاد، كل العالم".
وأضافت ابنة الثامنة عشرة: "لا أعرف ما سيحصل خلال 10 أعوام.. ما زلت شابة، ولا أعرف مقدار المياه التي ستتوفر لنا لاحقا".
اقرأ أيضاً
بالفيديو: إسطنبول تغرق بمياه الأمطار وتوقف جزئي لحركة المرور
المصدر | فرانس برسالمصدر: الخليج الجديد
كلمات دلالية: تركيا نقص المياه أمطار إسطنبول استهلاک المیاه سدود إسطنبول المیاه فی اقرأ أیضا
إقرأ أيضاً:
خيارات إيران أمام هجمات إسرائيل.. ردّ استراتيجي نعم لكنه أيضا صراعٌ من أجل البقاء
لا يمكن قراءة ردّ إيران في سياق عسكري محدود. فالمعادلة أوسع من صاروخ هنا أو ضربة هناك، إنها معركة بقاء سياسية واستراتيجية، داخلياً وخارجياً. اعلان
لم تكن إيران تملك ترف انتقاء شكل الردّ أو حجمه بعد الضربات الإسرائيلية فجر الجمعة، والتي استهدفت مواقع شديدة الحساسية في عمق أراضيها، من منشآت نووية إلى مقار عسكرية واغتيالات طالت كوادر علمية وأمنية من الصف الأول. فالهجوم لم يكن مجرد ضربة عسكرية، بل تحدٍ مباشر لهيبة النظام الإيراني في لحظة إقليمية ودولية فارقة، وضعت طهران أمام مفترق وجودي: إما أن ترد، وإما أن تخسر موقعها كقوة إقليمية صاعدة.
الردّ خيار استراتيجي لا رفاهية سياسيةالرد لم يكن خياراً سيادياً فقط، بل ضرورة استراتيجية. نظريا، لا يمكن لأي نظام أن يصمت أمام استهداف مباشر بهذا الحجم دون أن يدفع ثمناً سياسياً باهظاً. الشارع الإيراني، الذي يعيش أصلاً تحت وطأة العقوبات، والتدهور الاقتصادي، وفقدان الثقة بمخرجات السياسات الخارجية، كان سينفجر لو لم تأتِ طهران برد يوازي حجم الضربة. فالمعادلة هذه المرة لم تكن مع إسرائيل وحدها، بل مع الرأي العام الداخلي أيضاً، وهو ما دفع النظام إلى التعامل مع التصعيد على أنه معركة بقاء، لا مجرد أزمة عابرة.
في المقابل، يعلم صانع القرار الإيراني أن أيّ تهاون في الرد سيُفسَّر على أنه تراجع استراتيجي، وسيقوّض عقوداً من استثمار النفوذ في ساحات مثل العراق وسوريا ولبنان واليمن. ولعل الأهم، أن الصمت كان سيُعطي انطباعاً بأن تل أبيب نجحت في تحجيم طهران دون أن تدفع الثمن، ما كان ليشكّل للنظام سابقة خطيرة في ميزان الردع الإقليمي.
Relatedالملاجئ الإسرائيلية في مواجهة الصواريخ الإيرانية: قصورٌ في العدد وأسئلة حول الفعاليةكيف تضبط الرقابة العسكرية الإسرائيلية مشهد الإعلام في أوقات الأزمات؟حاملة الطائرات الأميركية "نيميتز" نحو الشرق الأوسط: هل تلوّح واشنطن بالقوة تجاه إيران؟غياب الدور العربي: فراغ تملؤه طهرانالرد الإيراني، وإن بدا منضبطاً ضمن حسابات عدم الانزلاق إلى حرب شاملة، إلا أنه حمل رسالة مزدوجة: نحن حاضرون للمواجهة إذا فُرضت، ولسنا بصدد استيعاب الإهانة. لقد اختارت طهران أن تردّ عبر عشرات الصواريخ والمسيّرات على العمق الإسرائيلي، ليس فقط لإثبات قدرتها، بل لتقول لكل من يراهن على إضعافها في لحظة ارتباك، إنها لا تزال لاعباً حاضراً في معادلة الردع.
لكن المشهد أعقد من مجرد تبادل ضربات. فإيران تخوض، بحسب مقاربتها، صراعاً من أجل تثبيت شرعيتها الداخلية والإقليمية، في ظل تراجع واضح للدور العربي الرسمي، وانكفاء كثير من العواصم عن مواجهة إسرائيل أو حتى مجاراتها دبلوماسياً. وهذا ما يجعل طهران ترى في هذه المعركة فرصة لإعادة تصدير نفسها كقوة طليعية في مواجهة تل أبيب، خاصة بعد ما جرى في غزة، وما أثاره من رد فعل شعبي في العالم العربي لأي طرف يرفع راية المواجهة مع إسرائيل.
هكذا، فإن إيران اليوم لا تحارب فقط من أجل رد الاعتبار بعد الهجمات، بل من أجل استمرار مشروعها. هي تدافع عن منظومة سياسية وأمنية واقتصادية تعاني داخلياً وتخسر تدريجياً عمقها الشعبي. وتقاتل لتحمي موقعها من الانهيار تحت ضغط العزلة الدولية، وتقاتل ليثبت بأنها ما زالت قادرة على فرض المعادلات، لا مجرد التفاعل معها.
معركة بقاء لا مواجهة عابرةختاماً، لا يمكن قراءة ردّ إيران في سياق عسكري محدود. فالمعادلة أوسع من صاروخ هنا أو ضربة هناك. إنها معركة بقاء سياسية واستراتيجية، داخلياً وخارجياً، يخوضها النظام في طهران تحت عنوان: لا عودة إلى الوراء، ولا خيار سوى المواجهة.
انتقل إلى اختصارات الوصولشارك هذا المقالمحادثة