انقسام داخل صفوف المؤيدين.. هل يدفع السيسي ثمن هندسة البرلمان؟
تاريخ النشر: 17th, November 2025 GMT
كشف مراقبون وحقوقيون أن الطريقة الأمنية التي أديرت بها الانتخابات التشريعية التي تجري في مصر لاختيار أعضاء مجلسي "النواب" و"الشيوخ"، أدت إلى "حالة انقسام شديد" بين أنصار وداعمي رئيس النظام عبد الفتاح السيسي، متوقعين إصابة رأس النظام ببعض الخسائر.
وغلب على مشهد جولات الانتخابات التي جرت لمجلسي "الشيوخ" و"النواب"، والذي تابعته "عربي21"، سيطرة الجهات الأمنية على العملية كاملة، بداية من اختيار واستبعاد المرشحين بـ"القائمة الوطنية" التي تزعمها حزب "مستقبل وطن"، وحتى إدارة العملية التي سادتها مخالفات قانونية، وفق مرشحين مستقلين.
ورصدت الكاميرات، توزيع مبالغ مالية تتراوح بين 200 وحتى 500 و1000 جنيه قبل غلق اللجان، على بسطاء الناخبين وخاصة السيدات، إلى جانب توزيع "بونات"، وكراتين مواد غذائية، وسط غضب باقي المرشحين من "سيطرة المال السياسي، وسطوة الأمن الوطني".
انسحاب الساعات الأخيرة
واشتكى مرشحون مؤيدون لرأس النظام استبعادهم من "القائمة الوطنية"، التي وصفوها بـ"المهندسة أمنيا"، مؤكدين أن منافسيهم دفعوا مبالغ مالية بين 25 و50 وحتى 70 مليون جنيه، مقابل ضمهم للقائمة.
وغادر بعض المرشحين من أنصار السيسي، السباق قبل بدايته، بسبب ما تعرضوا له من ضغوط أمنية، وتهديد حال استمراراهم، فيما قرر مرشحون الانسحاب قبل بدء الاقتراع بساعات بسبب "الضغوط الأمنية وفقدان النزاهة والشفافية".
وأعلنت النائبة الحالية عن "دائرة إمبابة" بغرب القاهرة لدورتين (2015- 2025) وإحدى الشخصيات الداعمة للسيسي والجمهورية الجديدة، نشوى الديب، انسحابها من السباق، بسبب "غياب نزاهة العملية الانتخابية، وغياب الشفافية، وحسم المقاعد مسبقا لصالح (مرشح الأمن)، ومرشح (التحالف الوطني)"، بحسب خطابها وسط أنصارها.
كما انسحب النائب الحالي، والمرشح المستقل عن "دائرة المراغة" بمحافظة سوهاج، رفعت شكيب، خلال ثاني أيام التصويت، وتبعه مرشح "حزب الغد" عن "دائرة حدائق القبة" بالعاصمة القاهرة، هيثم شوقي، بسبب "سيطرة المال السياسي، وضعف وغياب الشفافية"، وفق وصف، شكيب، ولوجود "نقط لشراء الأصوات"، وفق تأكيد، شوقي.
استغاثة أولاد الرئيس
وبعد نهاية المرحلة الأولى، من الجولة الأولى، من انتخابات "مجلس النواب" خرج مرشحون عبر مواقع التواصل الاجتماعي، يشكون للسيسي، شخصيا، تعرضهم للظلم من مرشحين مدعومين من جهاز سيادي.
إلى ذلك جرى اعتقال مرشحين مستقلين خارج "القائمة الوطنية"، من مقر إحدى اللجان، ومن بيوتهم، رغم أنهم من مؤيدي السيسي، وذلك نظرا لمنافستهم مرشحين آخرين مدعومين من أحزاب "القائمة الوطنية".
ونشر المرشح والمحامي أحمد فتحي، مقطعا من داخل لجنة انتخابية بـ"دائرة المنتزه" بالإسكندرية، وثق فيه فتح الصناديق قبل موعد غلق اللجان، متهما اللجنة المشرفة بالمشاركة في تزوير الانتخابات.
فتحي، ومن قلب اللجنة الانتخابية خاطب السيسي، بشكواه قائلا: "ولادك يداس عليهم ياريس"، مطالبا بحمايته مما قد يلحق به من قبل ضباط شرطة أو جهات أمنية، وسط أنباء عن توقيفه لاحقا.
في حين ظهر المرشح عن دائرة القاهرة الجديدة، والرحاب، وبدر، والشروق، محمود جويلي، في مقطع فيديو يشكو للسيسي، ما تعرض له من ظلم.
وعبر بث مباشر عبر الإنترنت، خرجت زوجة جويلي، معلنة أن 5 سيارات تابعة لجهة أمنية قامت باختطاف زوجها من أمام بيته، مخاطبة السيسي، بقولها: "استغاثة من ولادك ياريس، زوجي اتخطف ياريس، احمي أولادك ياريس"، موضحة أن زوجها يتعرض لضغوط منذ شهرين وأنه دخل لعبة مع الكبار.
استقطاب شديد بمناطق خطرة
وفي الريف والصعيد بدت حالة شديدة من الاستقطاب بمناطق تغلب عليها النزعة القبلية، ما دفع أنصار بعض المرشحين إلى العراك بـ"الشوم"، بقرية تابعة لمركز إسنا بصعيد مصر، فيما خرجت تظاهرة في الصعيد رفضا لنتائج أحد المرشحين من "القائمة الوطنية"، وسط اتهامات من الأهالي للأمن وحزب "مستقبل وطن" بالتزوير.
وعلى الجانب الآخر، رفض بعض أهالي قرية شطورة في طهطا بمحافظة سوهاج، عمليات توزيع الكراتين مقابل أصوات الناخبين، أو يطلق عليه "المال السياسي".
عبث سندفع ثمنه
وانتقد بعض مؤيدي السيسي، "اختيارات (القائمة الوطنية)، وهندسة العملية الانتخابية، وضعف المرشحين وقلة خبراتهم، والاعتماد فقط على المال السياسي، والدعم الأمني".
وقال الضابط السابق بالمخابرات الحربية، وعضو مجلس النواب سابقا اللواء تامر الشهاوي: "السواد الأعظم ممن سيحلفون اليمين في المجالس النيابية لو ترشحوا لأي انتخابات حقيقية حتى لو كانت انتخابات اتحاد عمارتهم لسقطوا"، واصفا الوضع بأنه "عبث سندفع ثمنه لاحقا".
السواد الأعظم ممن سيحلفون اليمين فى المجالس النيابية لو ترشحوا لاى انتخابات حقيقيه حتى لو كانت انتخابات اتحاد الشاغلين فى عمارتهم لن ينجحوا …عبث سندفع ثمنه لاحقاً #تامر_الشهاوى
— Tamer El-Shahawy (@tamerelshahawy ) November 12, 2025
وخلال لقائه بالإعلامي عمرو أديب، اعترف الصحفي المؤيد لنظام السيسي، مجدي الجلاد، بعملية "هندسة الانتخابات"، وتساءل: "إذا كنا نعترف أن مصر تواجه استهدافا غير طبيعي، فلماذا لا نعمل على تقوية النظام السياسي بمعارضة حقيقية؟"، مؤكدا أن وجود معارضة حقيقية ليس ترفا، بل ضرورة لبناء نظام سياسي قادر على مواجهة التحديات".
خسارة مؤكدة
وأكد محامي مصري مقرب من النائب الحالي والمؤيد لنظام السيسي والعضو السابق بحزب "مستقبل وطن" والمرشح عن دائرة منيا القمح بمحافظة الشرقية، عبدالرحمن مشهور، أنه "يواجه حملة مضادة ومحاولات تشويه للسمعة من حزب (مستقبل وطن)".
وأوضح لـ"عربي21"، أن "أبومشهور صاحب الشعبية الواسعة مهدد بخسارة مقعده البرلماني الذي حصل عليه لدورتين سابقتين (2015- 2020)، بسبب دعم نائب رئيس حزب (مستقبل وطن) أحمد عبدالجواد، لمنافسيه اللواء محمد شهدة والعميد ماجد الشقر، ما دفع أبومشهور للدفع بشقيقه لتفتيت الأصوات".
ويعتقد أن "تلك مغامرة كبيرة زرعت انقساما حادا داخل معسكر السيسي، وأنه قد يخسر قطاعا مهما من مؤيديه، وأغلبهم رجال أعمال، ونواب سابقين، وأصحاب نفوذ في الريف والصعيد".
خسارة مؤكدة للسيسي
وفي حديثه لـ"عربي21"، أكد أستاذ الاقتصاد والعلوم السياسية أحمد جاد، أن هذا المشهد بالفعل قد يُحدث انقساما بين أنصار السيسي، ويأكل من رصيد رئيس النظام لدي طبقة من رجال الأعمال وأصحاب النفوذ ومن رجالات الدولة العميقة.
وتوقع أن "يخسر السيسي كالعادة، دعم الكثير من رجال الأعمال ورجال الدولة العميقة ممن ساندوه سابقا؛ لأنه تخطى هذه المرحلة وتجاهل معظم من ساندوه في السابق".
ويرى أنه "مسلسل معاد لانتخابات معروف نتائجها مسبقا لأنها تتم تحت أعين واختيار جهات سيادية"، ملمحا إلى أن "دفع المرشحين أموالا تقدر بملايين الجنيهات لأحزاب (مستقبل وطن) وغيره من الأحزاب المحسوبة على النظام، والمساندة له ما هي إلا تحصيل ثمار خيانة الشعب".
هندسة الاستبداد.. وتكلفة الانقسام
من جانبه، يرى الكاتب الصحفي والمحلل السياسي محمد فخري، أن "ما يحدث من تجاوزات وخروقات داخل المشهد الانتخابي مجرد خلل إجرائي ضمن عملية مُريبة من الأساس، هدفها هندسة الاستبداد عبر إجراءات شكلية".
ولا يتوقع في حديثه لـ"عربي21"، "حدوث أي انقسامات؛ فالمشاركون في العملية ليست لديهم أي مرجعيات مبادئية، فهم خليط بين طبقة الأثرياء الجدد الذين طفوا فجأة على السطح، وأصحاب المصالح، والمُتشوّقين للمناصب، وأغلبهم، إن لم يكن كلهم، لا علاقة لهم بالسياسة".
وخلص للقول: "وبناء عليه، ليس لديهم رغبة ولا إرادة في دفع تكلفة الانقسام المُعلَن، إضافة إلى أنهم بعيدون تماما عن فكرة مقاومة الاستبداد، ولا خبرة لديهم في أي أعمال احتجاجية على الأرض".
معارضون يحذرون
وحذر معارضون وخبراء من تبعات ذلك البرلمان على نظام السيسي، وعلى الحياة البرلمانية في مصر، وعلى مستقبل البلاد.
مشهد 2025.. وتكلفة مليارية
وجرت انتخابات مجلس الشيوخ (الغرفة الثانية للبرلمان)، آب/ أغسطس الماضي، ليفوز بنحو 200 من مقاعده أحزاب المولاة المكونة من 14 حزبا، يقودها: "مستقبل وطن، وحماة الوطن، والجبهة الوطنية، والشعب الجمهوري"، بجانب تعيين السيسي، 100 شخصية أخرى، جميعهم من المؤيدين لسلطته.
وتمت المرحلة الأولى من انتخابات مجلس النواب يومي 10 و11 تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري، في 14 محافظة، هي: "الجيزة، والفيوم، وبني سويف، والمنيا، وأسيوط، والوادي الجديد، وسوهاج، وقنا، والأقصر، وأسوان، والبحر الأحمر، والإسكندرية، والبحيرة، ومطروح".
ومع اعتماد نظام "القوائم المغلقة" فمن المؤكد فوز "القائمة الوطنية" بـ284 مقعدا، فيما يتنافس على المقاعد الفردية 2598 مرشحا في 143 دائرة، على باقي مقاعد النواب البالغة 568 مقعدا، والتي تكتمل إجراءاتها في المرحلة الثانية في 13 محافظة أيام 26 و27 من الشهر الجاري.
وبلغت تكلفة انتخابات مجلس النواب لعام 2015، نحو 1.945 مليار جنيه، وبينما لم تعلن تكلفة انتخابات برلمان 2020، بغرفيته "النواب" و"الشيوخ" فإنها لن تقل عن 4 مليارات جنيه، بالمقارنة بعام 2015 الذي شهد انتخابات غرفة واحدة، فيما تصب التوقعات لتكلفة لا تقل عن 6 مليارات جنيه للانتخابات الجارية، مع تفاقم أسعار خدمات وسلع كل ما يتعلق بملف الانتخابات.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة سياسة عربية مقابلات حقوق وحريات سياسة دولية الانتخابات مصر النواب السيسي مصر السيسي الانتخابات النواب المزيد في سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة القائمة الوطنیة المال السیاسی مجلس النواب مستقبل وطن
إقرأ أيضاً:
برلماني: رسالة الرئيس السيسي للهيئة الوطنية للانتخابات تعزز الشفافية والنزاهة
أكد النائب الدكتور محمد رزق، عضو مجلس الشيوخ، أن الرسالة الواضحة والحاسمة التي وجّهها السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى الهيئة الوطنية للانتخابات بشأن الأحداث التي شهدتها بعض الدوائر خلال منافسات المرشحين الفرديين في المرحلة الأولي من انتخابات مجلس النواب تعكس ثقة القيادة السياسية في مؤسسات الدولة، وعلى رأسها الهيئة الوطنية للانتخابات، بصفتها الجهة الوحيدة المختصة بإدارة العملية الانتخابية والفصل في طعونها وفقًا للقانون.
وقال محمد رزق، إن الرئيس السيسي عبّر بوضوح عن رؤيته الحاسمة في ضرورة إعلاء سيادة القانون وضمان الإرادة الحرة للناخبين، موضحا أن تأكيد الرئيس على استقلال الهيئة الوطنية للانتخابات يعيد ترسيخ أحد أهم مبادئ الدولة المصرية الحديثة، وهو أن العملية الانتخابية تُدار بأيدٍ محايدة، شفافة، ومسؤولة أمام الشعب وحده، وهو ما يضمن أن يكون البرلمان القادم معبرًا عن الإرادة الحقيقية للمصريين.
وأكد رزق أن مطالبة الرئيس للهيئة الموقرة بالتدقيق التام في فحص الأحداث والطعون المقدمة، واتخاذ القرار الذي «يُرضي الله ويكشف بكل أمانة عن إرادة الناخبين»، يعكس أعلى درجات الحرص على نزاهة العملية الانتخابية، مشددًا على أهمية ما جاء في توجيه الرئيس بشأن التأكد من حصول مندوب كل مرشح على صورة من كشف حصر الأصوات من اللجان الفرعية، باعتبارها خطوة أساسية في ضمان الشفافية الكاملة.
وأشار إلى أن دعوة الرئيس للهيئة الوطنية بعدم التردد في اتخاذ القرار الصحيح، سواء الإلغاء الكامل أو الجزئي في حال تعذر الوصول لإرادة الناخبين، هو تأكيد على أن القيادة السياسية تضع مصلحة الوطن وحماية أصوات المصريين فوق أي اعتبار آخر، وأن سلامة العملية الانتخابية مقدمة على نتائجها.
وشدّد النائب على أهمية ما طلبه الرئيس السيسي بشأن ضرورة إعلان الهيئة عن الإجراءات المتخذة حيال المخالفات في الدعاية الانتخابية، لضمان رقابة فعّالة ومنع تكرار أي تجاوزات في الجولات المقبلة، مؤكدًا أن الرئيس وضع بهذا الحديث إطارًا واضحًا لدور الهيئة واختصاصاتها وصلاحياتها التي كفلها لها القانون.
وتابع: "رسالة الرئيس السيسي تمثل خارطة طريق واضحة تعزّز الثقة في الإجراءات الانتخابية، وتضمن خوض المنافسة في أجواء قانونية نزيهة، بما يعكس الوجه الديمقراطي للدولة المصرية، ويؤكد أن البرلمان القادم سيكون بحق ممثلًا لإرادة الشعب".