مجلد طويل من الأيام العُمانية يمتد اليوم لثلاثة وخمسين عاما متصلة، تبدأ صفحاته من صباح 18 نوفمبر 1972، ولا تزال تُكتب حتى هذه اللحظة. هذا المجلد اسمه «جريدة عُمان». من يريد أن يقرأ قصة الدولة الحديثة، أو يلمس تحوّلات المجتمع، أو يتابع صعود الأفكار وتراجعها، لا يحتاج إلا أن يفتح أرشيف الجريدة، وهناك، على امتداد آلاف الأعداد، يمكن أن يتتبع كيف أشعل العمانيون النور، وكيف انتقلت البلاد من طريق ترابي في قرية بعيدة إلى طرق سريعة تربط المحافظات، ومن مدرسة من «سعَف» النخيل إلى جامعات ومراكز أبحاث، ومن خطاب نهضة أولى إلى «نهضة متجددة» تُعيد بث الطموح وتوسع دوائر آفاقه.
وإذا كانت عُمان البلد قد أعادت خلال العقود الماضية بناء صورتها في العالم، فإن «عُمان» الجريدة كانت أحد أهم المرايا التي صاغت هذه الصورة، فكانت مرآة لا تكتفي بعكس المشهد ولكنها شاركت في تشكيله بالكلمة والصورة والتحليل. فمنذ عددها الأول لم تقدم الجريدة نفسها باعتبارها مشروعا اقتصاديا يزدهر حينا ويخفت حينا، ولكنها مشروع وطني تنويري يملك نفسا طويلا جدا؛ مشروع تعامل مع الخبر باعتباره نقطة البداية، بداية لسؤال، وبداية لفكرة، وبداية لوعي يريد أن يفهم ما الذي يحدث في هذا الوطن وفي محيطه، ولماذا يحدث، وإلى أين يمكن أن يقودنا؟.
خلال نصف قرن وأكثر، لم يكن دور الجريدة أن «تخبر» فقط، فهذا أضعف الإيمان، بل أن تسهم في صناعة وعي وطني وسياسي واقتصادي وثقافي واجتماعي، وأن تقترح للقارئ ـ مسؤولا كان أو مواطنا في أقصى قرى عُمان ـ طريقة مختلفة في النظر إلى العالم. كثير من الأفكار الكبرى التي باتت اليوم جزءًا من خطاب الدولة والمجتمع بدأت من عناوين صغيرة في صفحات «عُمان»؛ نُوقشت في مقالات الرأي، وفي التحقيقات، وفي الحوارات الثقافية، قبل أن تتحول إلى سياسات وبرامج ومشاريع. حين تنجح الصحافة في أن تكون مختبرا للأفكار قبل أن تصبح هذه الأفكار قرارات رسمية، يمكن القول إن مشروعها قد وجد طريقه الصحيح.
وكما تحولت عُمان البلد خلال 53 سنة من مرحلة إلى أخرى إلى أن وصلت إلى «رؤية عُمان 2040» بما تحمله من آفاق جديدة، مرّت «عُمان» الجريدة بمراحل متلاحقة، من مقر صغير في بيت الفلج إلى مبنى حديث في مدينة الإعلام؛ ومن آلة كاتبة وصف حروف يدوي وصور تُرسل من ميدان الحدث بشق الأنفس، إلى قاعة أخبار رقمية متصلة بالعالم في لحظتها عبر الشاشات. تغيّرت أدوات التحرير والطباعة والتوزيع، لكن جوهر الفكرة لم يتغيّر، أن تصدر الجريدة كل صباح، مهما كانت الظروف، وأن يجد القارئ في حبرها ما يقرّبه من الحقيقة لا ما يبعده عنها.
غير أن بلوغ الجريدة عامها الثالث والخمسين لا يسمح لها بأن تنظر إلى الماضي فقط، مهما كان هذا الماضي ثريا. سؤال المستقبل بات أكثر إلحاحا اليوم مما كان عليه عند الاحتفال باليوبيل الذهبي قبل ثلاث سنوات. ثورة المعلومات تمضي بسرعة أكبر، ومنصات النشر تتكاثر، والذكاء الاصطناعي يدخل غرف الأخبار في العالم، وعادات القراءة تتغيّر، والورق يتراجع لصالح الشاشات. ولذلك على أي جريدة أن تجيب على بسيط ولكنه معقد في الوقت نفسه: ما الذي يجعل القارئ يختار هذه الجريدة من بين كل ما يُعرض عليه من محتوى كل ثانية؟
الإجابة لا تكون بالاستسلام لنوستالجيا الورق، ولا بالركض الأعمى خلف منطق «الترند» العابر، وإنما بالعودة إلى الفكرة الأولى نفسها: صناعة الوعي. المستقبل لن يكون لمن ينشر الخبر أسرع، بل لمن يقدِّمه أعمق، ولمن يستطيع أن يضيف إلى الخبر سياقه وتحليله وبعده الإنساني، وأن يحافظ في الوقت نفسه على المعايير المهنية والأخلاقية. هذا هو التحدي الحقيقي الذي تقف أمامه الصحافة اليوم.
أمام جريدة عُمان والإعلام العماني الكثير من التحديات ولكن الكثير من الفرص أيضا.. فالإرادة السياسية في عُمان داعمة للصحافة وتدفعها نحو التحول إلى صحافة الرأي والتحقيقات وإلى توظيف التقنيات الجديدة في العمل الإعلامي. هذا لا ينهي التحديات البنيوية ولكنه يدفع بالصحافة والصحفيين نحو الأمام.
ثلاثة وخمسون عاما مضت منذ ذلك العدد الأول الذي خرج في ثماني صفحات. بين ذلك الصباح البعيد وهذا الصباح مسافة زمنية كبيرة، لكنهما يلتقيان في جوهر واحد وهو أن هناك صحفيين يحترقون كل يوم ويسهرون حتى الفجر ليصل إلى القارئ صباحه على هيئة كلمات وصور وعناوين تحاول أن تقول شيئا صادقا عن هذه البلاد. و(عمان) التي تحتفل اليوم بعامها الثالث والخمسين، تحتفل أولا بالصحافة نفسها، بمهنة المتاعب التي كان قدرها أن تتحمل مشقة الطريق من أجل أن يبقى المجتمع أكثر وعيا بذاته وبالعالم من حوله، كما تحتفي بأجيال من الصحفيين أفنوا أعمارهم من أجل أن يستمر حبرها وتبقى كلماتها وصورها ومن أجل أن تبقى مسيرة بناء الوعي مستمرة.
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
عمرو حسام: كل مباراة بطولة خاصة.. وهذه فلسفتنا هذا الموسم
شدد عمرو حسام ، حارس مرمى الفريق الأول لكرة القدم بنادي وادي دجلة الحالي وزد وإنبي السابق، على أنهم كلاعبين لم يتوقعوا الحالة الجيدة التي صنعوها في بطولة الدوري المصري هذا الموسم، مؤكدًا على أنهم عندما صدقوا أنفسهم أنهم يستطيعون عمل شيء، فعلوا ذلك، والنتيجة وادي دجلة هو الحصان الأسود للبطولة وأحد أفضل الفرق.
وتابع "حسام" في تصريحات لبرنامج نجوم دوري نايل مع أحمد المصري عبر إذاعة أون سبورت إف إم: كل لاعب بيخرج 100 ٪ وأكثر من مجهوده من أجل الحفاظ على ما تحقق من مكانة، والحمد لله مبسوطين بما نحققه ونسعى للاستمرار حتى نهاية الدور الأول والتواجد ضمن السبعة الكبار، ومع توالي المباريات سيكتسب اللاعبون خبرات أكبر وسنخرج أكثر وأكثر مما لدينا.
وأضاف حارس مرمى وادي دجلة الحالي: نتائج الفرق الكبيرة خدمتنا، وتعثراتهم ساعدتنا على الاستمرار، نحاول الحصول على أكبر قدر من النقاط غير المتوقعة، كل الفرق أمامنا 3 نقاط مهما كان اسم المنافس وتاريخه، فكرتنا الأساسية "كل مباراة بطولة خاصة"، نحن فريق بطولة ولدينا لاعبين بجودة عالية جدًا، ومع الاستمرارية والوقت سيكونون في مكانة مختلفة تليق بالفريق.
وواصل حارس مرمى زد وإنبي السابق: أتمنى حدوث مفاجأت وتتويج بطل جديد ببطولة الدوري المصري هذا الموسم، لكن أغلب الفرق تواجه صعوبات كثيرة في الاستمرارية والدوافع بسبب عدم وجود جماهير، نحاول خلق دوافعنا بأنفسنا من أجل استمرارية الحالة التي صنعناها في البطولة هذا الموسم.
وأنهى عمرو حسام حديثه: أتوقع تواجد سيراميكا كليوباترا والبنك الأهلي مع كابتن أيمن الرمادي ضمن السبعة الكبار رغم التعثر، لكنهم قادرون على تحقيق الهدف بعدما عادوا للسير بشكل جيد وصحيح من جديد.