لماذا استهدفت إسرائيل مخيّم عين الحلوة؟
تاريخ النشر: 19th, November 2025 GMT
صيدا- في مشهد يعيد رسم خطوط التوتر في الجنوب اللبناني، تحوّل ملعب رياضي داخل مخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين في مدينة صيدا، مساء أمس الثلاثاء، إلى مسرح لمجزرة دموية إثر غارة إسرائيلية خلّفت 13 شهيدا وعشرات الجرحى، وفق وزارة الصحة اللبنانية.
وبينما كان الفتية يمارسون الرياضة داخل ملعب مغلق، سقطت الصواريخ لتعيد إلى الواجهة هشاشة اتفاقات وقف إطلاق النار، وتفتح الباب أمام تساؤلات عن مسارات التصعيد المقبلة والإستراتيجية الإسرائيلية في استهداف المناطق المدنية.
وأعلنت إسرائيل أن العملية استهدفت ما وصفته بـ"مواقع مرتبطة بحركة المقاومة الإسلامية (حماس)" في محاولة لتبرير -ما اعتبره مراقبون- "إستراتيجية ردع ومعاقبة" تتجاوز حدود الرد العسكري التقليدي، نحو توجيه رسائل سياسية وأمنية تقول فيها تل أبيب إن يدها قادرة على الوصول إلى عمق المناطق المدنية حتى داخل مخيمات اللاجئين.
ميدانيا، يرى خبراء أن هذه الضربة أظهرت قدرة إسرائيل على تنفيذ عمليات دقيقة رغم القرارات الدولية، مما يؤشر على تمسك تل أبيب بقواعد ردع جديدة تتيح لها توسيع دائرة الاستهداف من الجنوب الحدودي إلى قلب المخيمات الفلسطينية، بما يحمله ذلك من دلالات تتعلق بتمدد رقعة الاشتباك، واهتزاز الخطوط الحمراء التي رسمتها اتفاقات التهدئة.
ومع تزايد المخاوف من أن يتحوّل الاستهداف إلى نمط متكرر، لم يُقرأ الهجوم بوصفه حادثا منعزلا، بل حلقة ضمن سلسلة ممتدة من العمليات التي تستهدف المدنيين، وتختبر قدرة الأطراف اللبنانية والفلسطينية والدولية على منع انزلاق المنطقة نحو مواجهة أشمل.
من جهتها، أدانت حماس على لسان الناطق باسمها جهاد طه "العدوان". وقال جهاد، للجزيرة نت، إن الحركة تدين وتستنكر بشدة المجزرة الوحشية التي استهدفت المدنيين بمخيم عين الحلوة داخل ملعب مفتوح يرتاده أبناء المخيم لممارسة الرياضة، مضيفا أن "الهجوم أدى لاستشهاد أكثر من 14 شخصا وإصابة عشرات آخرين".
إعلانوتابع المتحدث ذاته أن الدماء الزكية التي سالت أمس، تشكل امتدادا لسلسلة الجرائم والمجازر وحرب الإبادة التي يشنها الاحتلال الصهيوني ضد الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية والقدس وفي الشتات، وآخرها ما حصل في مخيم عين الحلوة".
وأكد أن الاستهداف يتنافى تماما مع كل الشرائع والمواثيق والأعراف والقوانين الدولية، مطالبا المجتمع الدولي بتحمل مسؤولياته تجاه استمرار هذه المجازر واستهداف اللاجئين الفلسطينيين في المخيمات، حتى تتحقق لهم العودة إلى فلسطين.
#عاجل | حماس: ندين ونرفض العدوان الصهيوني الذي استهدف مكانا مكتظا بالمدنيين قرب أحد المساجد في مخيم عين الحلوة
- ادعاءات ومزاعم جيش الاحتلال بأن المكان المستهدف هو مجمع للتدريب تابع للحركة محض افتراء وكذب pic.twitter.com/RMuNYQqhQI
— قناة الجزيرة (@AJArabic) November 18, 2025
ضد الكلواعتبر القيادي طه أن الهجوم يشكل تهديدا لاستقرار وسيادة لبنان الذي يتعرض لاعتداءات إسرائيلية متواصلة، داعيا الحكومة اللبنانية إلى "اتخاذ إجراءات سريعة ودبلوماسية وقانونية وسياسية تجاه المؤسسات الدولية لمواجهة هذه الغطرسة".
ولفت إلى أن حماس دعت الفلسطينيين في كافة المخيمات للحداد اليوم والإضراب تضامنا مع عائلات الشهداء في مخيم عين الحلوة، "وإيصال رسالة استنكار لهذه الجريمة للمجتمع الدولي".
وختم قائلا "جميع الجهود متضافرة لتشكيل موقف فلسطيني موحد من فصائل العمل الوطني والإسلامي في استنكار هذه الجريمة البشعة، وتعزيز الوحدة في الميدان لمواجهة المشاريع والمؤامرات التي تستهدف اللاجئين الفلسطينيين في لبنان والشتات".
من جهته، اعتبر عضو قيادة حركة التحرير الوطني (فتح) في لبنان أبو إياد شعلان، للجزيرة نت، أن ما يصيب أبناء مخيم عين الحلوة "يصيب الشعب الفلسطيني بأكمله"، مؤكدا أن الغارة تشكّل "جريمة موصوفة تستهدف الهوية السياسية للمخيم بوصفه رمزا للنضال الوطني وحق العودة".
وأشار إلى أن الاستهداف جاء بعد ساعات فقط من قرار مجلس الأمن تثبيت اتفاق وقف إطلاق النار في غزة والاعتراف بحق الفلسطينيين في إقامة دولتهم، مما يُعزّز الحاجة لموقف دولي حازم يضع حدا لما وصفه بـ"إرهاب الدولة".
وأضاف شعلان "هذا العدوان لا يستهدف فقط أمن واستقرار المخيم، بل يحاول ضرب العلاقة الأخوية المتينة بين الشعبين اللبناني والفلسطيني، وتشويه صورة المخيمات ودورها الوطني"، معتبرا أن "الوحدة الفلسطينية هي الرد الأمثل على مثل هذه الرسائل العدوانية".
نمط وحشيوفي السياق، يرى الخبير العسكري حسن جوني أن الاستهداف الإسرائيلي لمخيم عين الحلوة يمكن إدراجه في سياق الاعتداءات المتكررة وسياسة "المعاقبة والمحاسبة" التي تتبعها إسرائيل منذ توقيع الاتفاقات، سواء مع حزب الله في لبنان أو مع حماس في غزة.
ويشير جوني -في حديثه للجزيرة نت- إلى أن إسرائيل تعتمد نهجا يقوم على معاقبة كل من ترى أنهم مرتبطون بهاتين الحركتين، مرفقة دائما بادعاءات تتعلق بـ"تعزيز البنية التحتية" أو "استعادة النشاطات الإرهابية"، في محاولة لتبرير عملياتها العسكرية.
إعلانويذهب إلى أن هذا الهجوم يحمل بعدا إضافيا يتعلق بطبيعته ووحشيته، إذ استهدف منطقة مكتظة بالسكان، وكان من بين الضحايا أطفال، دون وجود أي دليل حتى الآن على استهداف شخصية سياسية أو أمنية محددة، أو محاولة اغتيال لقيادة معينة.
كما يتجاوز الاعتداء -وفق جوني- نمط العمليات الاعتيادي ليحمل رسالة قوية إلى لبنان، رغم وقوعه داخل مخيم للاجئين الفلسطينيين واستهدافه بيئة تُعتبر حاضنة لحماس.
ويلفت إلى أن الضربة وقعت في قلب الجنوب اللبناني، شمال نهر الليطاني، ورفعت مستوى الاستهداف من حيث المفعول والتأثير وحجم الخسائر، وربما أرادت إسرائيل عبرها التذكير بأن أي تصعيد قد يتفاقم إذا استمر ما تصفه بـ"التراخي الرسمي" في معالجة ملف سلاح حزب الله.
ويرى جوني أن قسوة العملية تتوافق مع خيارات إسرائيل العسكرية التي تم تداولها في الإعلام العبري خلال الأسابيع الأخيرة، من عمليات محدودة إلى أخرى واسعة تستمر لأيام.
ويعتبر أن ما جرى في عين الحلوة قد يشكّل مقدمة محتملة لعمليات أوسع، أو رسالة شديدة اللهجة موجهة إلى الدولة اللبنانية وحزب الله، إلى جانب الرسالة التقليدية المتعلقة باستهداف حماس، والتأكيد على أن هذه الحركة ستظل في دائرة الاستهداف داخل الأراضي الفلسطينية وخارجها، خاصة في مخيم عين الحلوة ذي الرمزية الكبيرة بالنسبة للاجئين الفلسطينيين.
أما بالنسبة للذرائع التي تسوقها إسرائيل حول استهداف "اجتماع أمني" أو "مركز تدريبي" لحركة حماس داخل المخيم، فيصفها جوني بأنها غير قابلة للتصديق، ليس فقط بسبب البعد الجغرافي بين المخيم والأراضي الفلسطينية المحتلة، بل أيضا بسبب الانفصال الجغرافي الكامل بين لبنان وفلسطين، مما يجعل الحديث عن دعم مباشر من المخيم للداخل الفلسطيني غير منطقي.
ويشير الخبير جوني إلى أن مخيم عين الحلوة يخضع لاعتبارات أمنية دقيقة من الجيش اللبناني، وأن الدخول والخروج منه ليس سهلا، مما يجعل الذريعة الإسرائيلية مجرد ادعاء إضافي لعدوان لا يمكن تبريره.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: دراسات شفافية غوث حريات فی مخیم عین الحلوة الفلسطینیین فی إلى أن
إقرأ أيضاً:
غارة إسرائيلية جنوبي لبنان بعد ساعات من مجزرة عين الحلوة
قتل شخص وأصيب آخرون -اليوم الأربعاء- في غارة إسرائيلية استهدفت بلدة في جنوبي لبنان، وجاء ذلك بعد ساعات من مقتل 13 شخصا في مخيم عين الحلوة في مجزرة بررتها إسرائيل باستهداف مركز تدريب، وهي الاتهامات التي نفتها حركة المقاومة الإسلامية (حماس).
وأعلنت وزارة الصحة اللبنانية مقتل شخص وإصابة 11 آخرين جراء استهداف مسيرة إسرائيلية سيارة كانت تسير أمام حافلة مدرسية في بلدة الطيري بقضاء بنت جبيل جنوبي لبنان.
وقالت وكالة الأنباء اللبنانية إن المسيرة استهدفت السيارة بصاروخين، وتصادف الأمر مع مرور حافلة مدرسية خلف السيارة المستهدفة، مما أدى إلى إصابة عدد من الطلاب وسائقها بجروح.
ومساء الثلاثاء، أعلنت وزارة الصحة اللبنانية، في بيان، مقتل 13 شخصا وإصابة آخرين جراء غارة إسرائيلية استهدفت مخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين بمدينة صيدا جنوبي البلاد، في مجزرة جديدة ضمن سلسلة خروقات لوقف إطلاق النار في لبنان.
وأفادت وكالة الأنباء اللبنانية بأن الغارة استهدفت مركز خالد بن الوليد التابع لجامع خالد بن الوليد في المخيم بـ3 صواريخ.
وقال مصدر أمني لبناني للجزيرة إن الغارة الإسرائيلية أدت إلى تدمير منزل تدميرا كاملا وتضرر عدد من المنازل داخل المخيم.
وزعم الجيش الإسرائيلي في بيان، أنه أغار على أفراد من حركة حماس وهاجم من وصفهم بأنهم إرهابيون يعملون في مجمع تدريب في جنوب لبنان.
وأضاف الجيش الإسرائيلي أن حماس تستخدم المجمع بهدف التخطيط وتنفيذ مؤامرات وصفها بالإرهابية ضد إسرائيل.
ونفت حركة حماس ادعاءات الاحتلال، وقالت إن القصف استهدف ملعبا رياضيا مفتوحا يرتاده الفتيان من أبناء مخيم عين الحلوة، ونفت وجود أي منشآت عسكرية في المخيّمات الفلسطينية في لبنان.
من جانبها، أكدت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في لبنان أن ادعاءات جيش الاحتلال بقصف أهداف عسكرية أكاذيب لتبرير جريمته.
إعلانوتخرق إسرائيل يوميا اتفاق وقف إطلاق النار الموقع في 27 نوفمبر/تشرين الثاني 2024، مما خلف مئات القتلى والجرحى.
وحاول هذا الاتفاق إنهاء عدوان شنته إسرائيل على لبنان في أكتوبر/تشرين الأول 2023، ثم تحول في سبتمبر/أيلول 2024 إلى حرب شاملة قَتلت خلالها أكثر من 4 آلاف شخص وأصابت نحو 17 ألفا.
ولا تزال إسرائيل تتحدى الاتفاق بمواصلة احتلالها 5 تلال لبنانية في الجنوب سيطرت عليها في الحرب الأخيرة، إضافة إلى مناطق لبنانية أخرى تحتلها منذ عقود.