خلال السنوات القريبة القادمة سيدخل الزوار إلى «مجمع السيد طارق بن تيمور الثقافي» في مدينة مسقط في سابقة هي الأولى من نوعها أن تحمل مؤسسة ثقافية أو معلما، عدا الجوامع والمدارس، أسماء شخصيات عمانية لها تاريخ عريق من العمل السياسي والثقافي والاجتماعي. وهذا أحد التوجهات المحمودة لحضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله ورعاه- الذي أطلق في يناير من العام الجاري أسماء مجموعة من سلاطين عُمان على الشوارع الرئيسة في عُمان تخليدا لمكانتهم ودورهم في تاريخ البلاد.

وأمس وجّه جلالته بتسمية المجمع الثقافي الذي يجري العمل فيه بشكل متسارع باسم «مجمع السيد طارق بن تيمور الثقافي» في ربط ذكي جدا بين شخصية السيد طارق ومجموعة من المؤسسات الثقافية التي ستكون موجودة في مجمع واحد هو أحد أهم الأحلام الثقافية في عُمان. وخلف اسم السيد طارق بن تيمور سيرة رجل كان حاضرا بشكل كبير في التاريخ العماني القريب؛ من سنوات الانغلاق والقلق، إلى بدايات الانفتاح وبناء الدولة، ثم إلى اللحظة التي بدأت فيها عُمان تعرض صورتها الجديدة على العالم في مطلع سبعينيات القرن الماضي.

وُلِد السيد طارق بن تيمور عام 1920 وفق ما جاء في الموسوعة العمانية، وعاش طفولته متنقلا بين عدة مدن، ما ساهم في تشكيل شخصيته وثقافته وحددت توجهاته السياسية المنفتحة على العالم وعلى حركة التحديث والتطوير بدءا من تأسيس البنية الأساسية في الدولة إلى طرح الأفكار التقدمية في السياسة والإدارة مثل فكرة ومشروع كتابة دستور عُماني، وهي فكرة كانت تشغل السيد طارق منذ منتصف ستينيات القرن الماضي.

أتقن السيد طارق ثلاث لغات إضافة إلى اللغة العربية هي التركية والألمانية والإنجليزية الأمر الذي وضعه في تماس مبكر مع أنماط مختلفة من الإدارات المحلية في بناء وتنظيم المدن وفي تطوير الجوانب العسكرية.. وكذلك في فكرة الوحدة الوطنية.

عاد السيد طارق إلى عُمان عام 1936، وبعد عودته أرسله أخوه السلطان سعيد بن تيمور إلى صور للتعرف على أعمال الإدارة الحكومية هناك. ثم سافر للعمل في شرطة مدراس الهندية للتعرف على أعمال الشرطة، حيث كانت الأنظمة هناك والثقافة السائدة هي البريطانية. ثم ذهب للتدريب العسكري في إقليم بلوشستان الذي كان تابعا لعُمان في ذلك الوقت، وبعد عودته التحق بقوة مشاة مسقط برتبة ملازم، ثم عين مديرا لبلدية مسقط على ما جاء في الموسوعة العمانية، وتقول بعض المصادر على بلدية مسقط ومطرح. كانت فكرة البلدية في ذلك الوقت إحدى أهم بوابات الحداثة الإدارية التي كانت تسعى لها أي مدينة. كان واضحا خلال تلك التجربة ميل السيد طارق إلى فرض النظام والانضباط، حيث تقول المصادر إنه كان يفرض غرامات مالية على من يلقي القمامة في الطرقات، وسعى في مسقط ومطرح إلى بناء ما يمكن أن يكون نظاما للحياة الحضرية الحديثة وفق إمكانيات تلك المرحلة، والصحة العامة في مرحلة مبكرة جدا لم تكن متصورة في عُمان لذلك لاقت بعض المعارضة من السكان.

استطاع السيد طارق أن يبني شبكة علاقات ميدانية في مختلف المدن العمانية فأقام علاقات قوية مع مختلف القبائل في مرحلة كثيرة الحساسية من تاريخ عُمان. وتعاون السيد طارق مع أخيه السلطان سعيد بن تيمور في بسط نفوذ الدولة وتوحيد عُمان حيث برزت شخصيته القيادية. وبعد توحيد عُمان في نهاية خمسينيات القرن الماضي أمسك السيد طارق بالإدارة المحلية في مدينة نزوى.

يعرف العمانيون السيد طارق بن تيمور بصفة الشجاعة إلى حد تتحول بعض قصص شجاعته إلى ما يشبه الأساطير الكبرى في دلالة على أنهم مأخوذين جدا بتاريخه وشجاعته خاصة خلال حروب توحيد عُمان وإنهاء الحروب الداخلية.

لكن السيد طارق كان يختلف عن أخيه السلطان سعيد بن تيمور في أشياء كثيرة؛ حيث كان ميالا إلى قراءة العالم من الخارج، وإلى الاعتقاد بأن بقاء عُمان في هامش النظام العالمي -في مرحلة تحولات كبرى- يحمل كلفة عالية على المجتمع والدولة وعلى تاريخ عُمان العريق.

فور وصول السلطان قابوس بن سعيد -طيب الله ثراه- للحكم عين عمه السيد طارق رئيسا للوزراء، وأشرف السيد طارق على بناء الهيكل الأول للحكومة، حيث شكل الوزارات ووزع الصلاحيات. كان على هذه الحكومة أن تعالج في تلك المرحلة الحساسة والمبكرة الكثير من الملفات بدءا بملفات الحرب في الجنوب وليس انتهاء بملف التنمية والخدمات وملف المجتمع الذي كان تواقا إلى رؤية أثر الحكم الجديد في عُمان. لكن كان هناك ملف آخر لا يقل أهمية عن الملف الداخلي وهو تقديم عُمان للعالم.

وخلال عامي 1970 و1971 تحركت الدبلوماسية العُمانية سريعا لتكسر عزلة امتدت عقودا طويلة حيث انضمت عُمان إلى جامعة الدول العربية وإلى الأمم المتحدة ورفع السيد طارق علم عُمان بنفسه أمام مبنى الأمم المتحدة.

لكن السيد طارق استقال من منصبه في عام 1972 وعين مستشارا خاصا للسلطان قابوس. لكن ثقله السياسي بقي موجودا رغم ابتعاده عن صدارة المشهد اليومي.

يقول السيد طارق في حوار نشرته جريدة النهار اللبنانية بتاريخ 23 أغسطس 1970 أجراه في مسقط الصحفي رياض نجيب الريس: «آمالي وآمال الشعب في عُمان أن نصل إلى الحكم الديمقراطي وأولى خطوات هذا الطريق هي وضع دستور للبلاد». وعندما سأله عن ماذا يعني بالحكم الديمقراطي قال: أعني بالحكم الديمقراطي إشراك الشعب في إدارة شؤون البلاد، وأعني بالديمقراطية قيام برلمان وحكومة ممثلة للشعب وسنضع قانونا للانتخابات بعد استشارة الوزراء وأصحاب الرأي والمفكرين والمثقفين من العمانيين».

أما عن تصوره للدستور فقال: «أتصوره دستورا ديمقراطيا حديثا يكفل الحريات الأساسية للشعب العماني، ويواكب نهضته وتطوره، ويتناسب مع طموحاته». والحوار طويل وفيه الكثير من الرؤى التقدمية في مرحلة مبكرة من تحول عُمان من مرحلة إلى أخرى، كما أنه يكشف الكثير من آراء السيد طارق السياسية والاجتماعية.

في منتصف السبعينيات تولى رئاسة مجلس محافظي البنك المركزي العُماني لفترة، في مرحلة تأسيس المنظومة المالية للدولة الجديدة، وبقي توقيعه على العملة شاهدا على دوره في تفاصيل تلك المرحلة.

توفي السيد طارق بن تيمور في 28 من ديسمبر عام 1980، لكن اسمه بقي حاضرا في ذاكرة الدولة والمجتمع. تصفه بعض الدراسات الأكاديمية بأنه رجل «جمع القوة والحكمة»، في إشارة إلى مزيج بين صرامة الإدارة ومرونة الفهم السياسي.

ليس من السهل اختزال تفاصيل كثيرة عن شخصية السيد طارق بن تيمور في هذا البروفايل، لكن يمكن القول إنه مثّل، في لحظة تاريخية حرجة، ذلك النوع من النخب السياسية التي تقف بين عالمين: عالم قديم يتداعى، وعالم جديد يتشكل.

يعود اسم السيد طارق إلى السطوع مرة أخرى، هذه المرة بتسمية أهم مشروع ثقافي عُماني باسمه وكأن حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله ورعاه- أراد بذلك أن يربط اسمه بأحلام وآمال مرحلة انتقالية من مراحل عُمان الجديدة حلم بها السيد طارق ولكن الأجل لم يعطه الفرصة ليراها تتحقق على أرض الواقع.. لكن عند تسمية مجمع عُمان الثقافي باسم «مجمع السيد طارق بن تيمور الثقافي» ترتبط حمولة المشروع باسمه ليبقى بذلك خالدا في المشهد الثقافي اليومي وبكل المؤسسات التي ستكون منضوية تحت المجمع الثقافي. إنها المكافأة التي يستحقها السيد طارق على أفكاره التقدمية التي سبق بها عصره وزمانه.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: فی مرحلة فی ع مان

إقرأ أيضاً:

«وسم الثقافي» يكرم المعيبد

البلاد (الدمام)
كرم نادي وسم الثقافي عدنان المعيبد في ختام أمسية (مرافئ النار والماء) ضمن فعاليات النادي الشهرية، استعرض خلالها المعيبد أهم التحولات، التي شهدها الخليج عند وصول الأساطيل البرتغالية، وركّز على التاريخ المبكر للدمام وما ارتبط به من بناء قلاع، ومواقف شكلت ملامح المدينة.
حضر الأمسية عدد من الشخصيات الثقافية والإعلامية والمهتمين الذين تفاعلوا مع الطرح التاريخي.
وفي ختام الأمسية، قامت عبير العبدالقادر رئيسة النادي بتكريم عدنان المعيبد، كما قدمت الشكر والتقدير للحضور على التفاعل والمشاركة.

مقالات مشابهة

  • إطلالة باللون الأبيض.. أول ظهور لـ مي عز الدين وزوجها أحمد تيمور
  • بأمر سامٍ.. تسمية مشروع مجمع عُمان الثقافي بمجمع السيد طارق بن تيمور الثقافي
  • بأمرٍ سامٍ.. تسمية مشروع مجمع عُمان الثقافي بـ "مجمع السّيد طارق بن تيمور الثّقافي"
  • «وسم الثقافي» يكرم المعيبد
  • الجميّل يصل إلى واشنطن: تحرّك سياسي و لقاءات مع الجالية
  • اليمن وقائدُها وصنع معادلة السلام والانتصار
  • سلام استقبل النائب تيمور جنبلاط ورئيس تجمع العشائر العربية
  • أول تعليق من أحمد تيمور بعد زواجه من مي عز الدين
  • تحليل لـCNN.. هل تشهد فنزويلا تكرارا للأحداث التي سبقت حرب العراق؟