الخبرة الجمالية في حضرة فن الخط العربي وثمانية معارض تعيد صياغة مسارات الحرف
تاريخ النشر: 22nd, November 2025 GMT
(عمان) تتحرك الحروف في معرض "الخبرة الجمالية في حضرة فن الخط العربي" ضمن تكوينات تحوّل الخط إلى مساحات بصرية تتقاطع فيها الهندسة مع اللون وتتشكل عبرها العلاقات بين الكتلة والفراغ، حيث تتوزع الأعمال على أكثر من خمسة وثلاثين لوحة تمثل مسارًا امتد لسنوات في اشتغال الفنان السوداني محمد مختار على الخط بمختلف مدارسه وأساليبه.
وتمتد التجربة من الحروف الكوفية وتقنياتها الصارمة، إلى تشكيلات تعتمد الانسيابية والتجريد، مرورًا ببناءات لونية تُعيد تعريف موقع الحرف داخل اللوحة بوصفه عنصرًا تركيبيًا لا تابعًا زخرفيًا، فتتجاور النصوص الشعرية والاقتباسات التاريخية مع مساحات تشكيلية تعتمد الرمز والدلالة، فيما تنشغل أعمال أخرى بإعادة تأهيل الخط العربي داخل رؤية تستلهم التشكيل الحديث دون أن تفارقه جذوره.
وتكشف الأعمال عن مسار فني يعتمد على الفكرة قبل الشكل، إذ تتخذ اللوحات من التجربة الذاتية ومخزون القراءة والمشاعر منطلقًا للمعالجة البصرية، لتأتي النتيجة في لوحات تتقاطع فيها الدقة الهندسية مع حساسية اللون، ويبرز فيها تباين متعمد يمنح لكل عمل شخصية مستقلة. ورغم هذا الاختلاف، تندمج الأعمال في سياق بصري واحد يقوم على جدلية الامتداد بين التراث والابتكار، حيث يتحول الخط العربي إلى بنية قائمة على الإدراك اللحظي أثناء التكوين، ما يجعل كل لوحة امتدادًا لمرحلة أو انفعال أو لحظة وعي فني مع الحرف.
كان ذلك في المعرض الذي شهد افتتاحه عبد الله بن محمد العويس رئيس دائرة الثقافة، ومحمد إبراهيم القصير مدير مهرجان الفنون الإسلامية، وذلك في جمعية الإمارات للفنون التشكيلية ضمن فعاليات الدورة السادسة والعشرين من مهرجان الفنون الإسلامية، وتجوّل الحضور في أرجاء المعرض مستمعين إلى شروحات الفنان حول الأعمال وتقنياتها، وما تحمله من مقاربات جمالية نابعة من سنوات من التجريب والاشتغال على الخط العربي، حيث توقف الزوار عند عدد من اللوحات التي اتسمت بتداخلات لونية مبتكرة، وأخرى اعتمدت على بناءات صارمة تنطلق من جذور الخط الكوفي، ما أضفى على المعرض بعدًا معرفيًا وتعبيريًا مكثفًا يثري التجربة البصرية للمتلقين، ويعيد قراءة الخط ضمن مفهوم يتجاوز الحدود التقليدية إلى أفق تعبيري مفتوح.
وتنوعت الأعمال بين تكوينات تعتمد علاقة متوازنة بين الكتلة والفراغ، وأخرى ترتكز على نصوص مختارة من التراث والشعر العربي، في حين قدمت بعض اللوحات حلولًا تركيبية تنحاز إلى التجريب المعاصر دون أن تفقد أصلها الخطّي، ما منح المعرض حالة من التناغم في التصميم، تقوم على إخضاع التشكيل لقيم الخط العربي نفسها، لا العكس، وهو ما يمنح الأعمال وحدة ضمن اختلافها ويجعلها متقاربة بصريًا من بعيد، متباينة في التفاصيل عند الاقتراب منها.
معارض ساحة الخط
وفي ساحة الخط تمتد الأعمال الثمانية المعروضة لفنون الخط العربي والزخرفة الإسلامية عبر مسارات بصرية تتقاطع فيها الرؤية الجمالية بالحضور الروحي للحرف، حيث تتوزع التجارب على مدارس متعددة تستعيد جماليات الخط العربي من جذورها الكلاسيكية، لكنها تعيد تشكيلها داخل فضاءات معاصرة تعتمد اللون والمواد الخام والسطوح المركّبة كحوامل لمفاهيم تتجاوز الزخرفة إلى بناء بصري قائم على الفكرة والبحث والتأويل.
وتوقف الزوار عند لوحات جمعت بين الصرامة الهندسية والرؤية التعبيرية، وأخرى أعادت قراءة المدارس الخطية ضمن بناءات بصرية حديثة، ما منح المعارض بعدًا معرفيًا وامتدادًا يثري تجربة المتلقي ويضع الخط العربي في قلب المشهد الفني المعاصر.
وتتناثر اللوحات في فضاءات العرض بوصفها امتدادات لخبرات مختلفة؛ بعضها ينهل من الكوفي وتراكيبه الهندسية الصارمة، وبعضها يستعيد انسياب الثلث والنسخ بروح تعبيرية، فيما تدفع أعمال أخرى الحرف إلى حدود التجريد، تاركةً للون والضوء والظل مهمة صياغة الإيقاع البصري للعمل. ولا تقوم التراكيب على قوة الحرف وحدها، بل على العلاقات الدقيقة بين الكتلة والفراغ، وعلى حساسية انتقال الحبر من النقطة إلى الامتداد، لتتجاور نصوص مستلهمة من الشعر والتراث مع تكوينات تتخذ من الإضاءة والملمس طريقًا لإعادة تعريف مكان الحرف في اللوحة.
وتكشف الأعمال عن مسار فني لا يكتفي بإحياء المدارس التقليدية، بل يفتحها على أفق تقني يستفيد من التجريب الحديث، سواء في التذهيب، أو بناء الطبقات اللونية، أو إدماج المواد غير التقليدية في التكوين. وتبرز هذه النزعة في لوحات تستعيد المخطوط العربي بوصفه أثرًا بصريًا يمكن إعادة تشكيله خارج إطار الورق، وفي أعمال أخرى تحتفي بروح الزخرفة المغربية أو التركية، لكنها تعيد صياغة مفرداتها في بناءات أكثر تحررًا، تجعل الحرف مركزًا لا عنصرًا تابعًا للتزيين.
وتوزعت المشاركات على تجارب تحمل تباينًا واضحًا في المرجعيات والأساليب؛ فمعرض "سراج" للفنانة الإماراتية فاطمة لوتاه ينطلق من علاقة الضوء بالحرف، مستثمرًا الأسطح الدافئة وخطوطًا تستعيد نبض المكان والذاكرة، فيما يقدم "تعاقب الأجيال" للخطاط محمد مندي وتلميذاته رؤية تقوم على انتقال المعرفة عبر السلاسل التعليمية، مستندًا إلى أسس مدرسة تحسين الخطوط العربية كما تلقّاها مندي على يد سيد إبراهيم في القاهرة.
وفي "انعكاس"، يقود البروفيسور عمر فاروق تاشكله طلاب جامعة معمار سنان نحو قراءة حديثة للفنون التركية التقليدية، حيث تلتمع الزخارف النباتية والرومية والسحابية بألوان يغلب عليها الذهبي والأزرق. ويقدّم الإيراني حبيب رمضان بور في "فنون القلم" تكوينات تعتمد على طواعية الحرف في معالجات لونية تنهل من التجربة الكلاسيكية لكنها تتجاوزها إلى أفق تعبيري أوسع.
أما "وشي الحروف" للمغربيين بدر السيحي وفؤاد ابليلي فيعيد قراءة المخطوط والزخرفة المغربية بعين معاصرة تجمع بين القاعدة الفنية والابتكار، بينما يأتي "سراج المداد" بوصفه استذكارًا لرحيل عباس البغدادي عبر أعمال جمعها الفنان أيمن غزال من أمشاقه وكتاباته، لتقدم المعرض بوصفه شهادة جمالية على أثره الممتد.
ويعيد معرض "تواصل" قراءة الخط الكوفي عبر حوار بصري بين أعمال عبد الفتاح وتلميذه أشرف حسن، فيما يقدّم التركي فاتح أوزكافا في "ضوء الحبر الأسود" لوحات تتنوع بين التكوينات الكلاسيكية بالحبر الأسود والبناءات اللونية الحديثة، مستندًا إلى آيات ونصوص روحية ومخزون خطي واسع يمتد بين الثلث والمحقق والنسخ والكوفي.
وتأتي هذه المعارض في سياق رؤية تسعى إلى إعادة تأهيل الحرف العربي داخل الفن المعاصر، مع الحفاظ على امتداده التاريخي، ما يضع الخط بوصفه وسيطًا بين الذاكرة والجمال لا مجرد عنصر زخرفي أو مكوّن تراثي منفصل عن زمنه.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الخط العربی
إقرأ أيضاً:
مصادر سياسية:السوداني يقترب من الولاية الثانية
آخر تحديث: 19 نونبر 2025 - 10:49 ص بغداد/ شبكة أخبار العراق- كشفت مصادر سياسية بارزة مشاركة في مباحثات الإطار التنسيقي، عن وجود توجه واسع داخل الإطار يميل بشكل واضح نحو تجديد الثقة برئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني ومنحه ولاية ثانية، بوصفه المرشح الأوفر حظاً لرئاسة الحكومة المقبلة.وبحسب هذه المصادر، فإن القوى الكبرى والشخصيات الوازنة داخل الإطار تعتبر أن السوداني قدّم خلال السنوات الثلاث الماضية تجربة ناجحة في إدارة الدولة، ترجمها عبر تحسين العلاقات الإقليمية والدولية، وتطوير البنى التحتية، وتنفيذ مشاريع خدمية واسعة، فضلاً عن تحقيق مستوى ملحوظ من الاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي في البلاد.وأضافت الأطراف نفسها أن جهة مؤثرة سبق أن لعبت دوراً محورياً في توحيد موقف الإطار عند تسمية السوداني للحكومة الحالية تتحرك اليوم بالوتيرة ذاتها لتقريب وجهات النظر داخل الإطار بهدف ضمان تكليفه مجدداً، بوصفه صاحب الاستحقاق الانتخابي الأول والكتلة النيابية الأكبر وهو ما يجعل تجاوزه أمراً بالغ الصعوبة.وأكدت المصادر أن الكشف عن هوية هذه الجهة حالياً قد ينعكس سلباً على أجواء المفاوضات الجارية، وقد يُفسر على أنه محاولة للضغط الإعلامي، وهو ما لا ترغب به الأطراف المعنية في هذه المرحلة الدقيقة.وتشير المعطيات الحالية إلى أن جزءاً واسعاً من قوى الإطار بات ينظر إلى السوداني بوصفه ركناً أساسياً في المرحلة المقبلة، نظراً لخبرته وقدرته على إدارة الملفات المعقدة، وتحقيق توازن في العلاقات الداخلية والخارجية، إضافة إلى السير الواضح لمشروعه الحكومي مقارنة بتجارب سابقة.وبحسب هذه الجهات، فإن التجديد للسوداني يمثل “ضمانة للاستقرار” واستمراراً لمسار بدأ يحقق نتائجه، الأمر الذي يجعل فرص تكليفه لولاية ثانية “الأعلى منذ بدء المفاوضات”، بانتظار الحسم النهائي خلال الجولات المقبلة.