في حضرة السؤال: لماذا تظل الفلسفة ضرورة إنسانية في عصر السرعة؟
تاريخ النشر: 20th, November 2025 GMT
على ضفاف اليوم العالمي للفلسفة الذي يصادف هذا العام 20 نوفمبر 2025م ( ثالث خميس من شهر تشرين الثاني ” نوفمبر ” من كل عام ) جاء هذا المقال إحتفاءً بهذا اليوم.
ونجد أنفسنا بين دفّتي التاريخ، وفي زحام الحياة المعاصرة، نقف على أعتاب هذا الموعد السنوي مع أكثر الفنون رقةً وأشدها صلابة إنها الفلسفة.
في هذا الخميس الثالث من تشرين الثاني، حيث تحيي اليونيسكو والعالَم معها اليوم العالمي للفلسفة، ليس أمامنا إلا أن نتوقف قليلاً.
إن الاحتفال بالفلسفة ليس احتفاءً بأفكار غارقة في الغموض أو نظريات طواها الزمن، بل هو تذكير بأنفسنا بأن ” الحياة غير المفحوصة بعناية لا تستحق العيش”، كما قال سقراط. إنه احتفال بفن السؤال، وشجاعة الشك، وجمال التأمل.
كما أن الفلسفة ليست ترفاً فكرياً، بل حاجة وجودية وإنسانية.
في عصر يقدس السرعة والنتيجة الفورية، يبدو التوقف للتأمل ضرباً من الترف. لماذا نطرح أسئلة عن ” العدالة “، بينما يمكننا سن القوانين؟ لماذا نتساءل عن ” الجمال ” بينما تتكفل الخوارزميات بتقديم ما نراه؟ لماذا نناقش ” معنى الحياة ” في عالم يبدو وكأنه مبرمج سلفاً؟
هنا بالضبط تكمن الإجابة: لأن الفلسفة هي ما يجعلنا بشراً. القوانين تحتاج إلى أساس أخلاقي، والتقنية تحتاج إلى بوصلة قيمية، والحياة تحتاج إلى تأويل يمنحها عمقاً يتجاوز سطحيتها.
الفلسفة هي ذلك الحوار الأبدي الذي لا ينقطع مع الذات والكون، وهي الحارس الذي يحمي إنسانيتنا من أن تتحول إلى مجرد أداة في آلة الإنتاج والاستهلاك.
إن الفلسفة اليوم في مواجهة أزمات وتحديات عصرية عديدة:
لو أردنا أن نختبر نبض الفلسفة اليوم، لوجدناها حاضرة في صميم أسئلتنا الملحة، مثل أزمة المناخ، فهذه الأزمة ليست مجرد مشكلة تقنية، بل هي في جوهرها سؤال فلسفي عن علاقة الإنسان بالطبيعة، وعن المسؤولية الأخلاقية تجاه الأجيال القادمة، وعن نمط الحياة الذي نريده.
ولا تقل ثورة الذكاء الاصطناعي أهمية عن أزمة المناخ ، بل تضعنا أمام أسئلة جوهرية عن ” الوعي”، ” الإرادة الحرة “، و” طبيعة الإنسان ” نفسه. ما الذي يميزنا عن الآلة الذكية؟ وأي مستقبل نريد بناءه معها؟
وهناك أيضاً ظاهرة تفشي الحروب العدوانية وخطاب الكراهية وإستشراء الأطماع الاستعمارية ما يجعل من الحوار العقلاني والنقدي الذي تنشده الفلسفة سلاحاً ضدها وضد ضيق الأفق.
الفلسفة تعلمنا كيف نختلف دون أن نكره، وكيف نفكر ونقتنع دون أن نلغي عقولنا.
وفي هذا اليوم العالمي للفلسفة هو دعوة للتأمل لن نحمل شموعاً ونردد مقولات الموتى. بل لنحمل فضول الطفل وشجاعة الفيلسوف. أدعوكم، وأدعو نفسي، إلى أن:
نطرح سؤالاً واحداً كبيراً: اسأل عن معنى حياتك، عن مفهوم العدالة في مجتمعك، عن الحقيقة في زحام الأخبار. لا بأس إن لم تجد الإجابة فوراً، لأن جوهر الفلسفة هو السؤال نفسه.
نقرأ نصاً فلسفياً واحداً: قديماً كان أو حديثاً، عربياً أو مترجماً. دع عقلك يسبر غور الأفكار فيه.
نتحاور مع آخر: حواراً هادئاً عميقاً، لا تجادل فيه من أجل الأنتصار. إنما استمع وتعلم فضيلة الإستماع، لكي تفهم، لا لترد.
الفلسفة ليست مقرراً دراسياً ينتهي بإجابة عن سؤال ، بل هي متوالية أسئلة لا تتوقف تعصف بأذهاننا ، كي تكون فاعلة، كما أن الفلسفة ليست حكراً على نخبة في أبراج عاجية، وكما قال الفيلسوف الانجليزي كارل بوبر كل إنسان فيلسوف أي تنبع منه أسئلة فلسفية.
الفلسفة ذلك الصوت الداخلي الذي يهمس ” هل هناك أكثر مما تراه العين؟ “. في احتفائنا بها، نحتفل بإنسانيتنا الواعدة، المتسائلة دوماً، والتواقة دوماً إلى توسيع أفاقنا.
كل عام وعقولنا أكثر انفتاحاً على ومع الإنسان ومصيره وأسئلتنا أكثر عمقاً.
المصدر: الثورة نت
إقرأ أيضاً:
5 أسئلة لفهم جوهر قرار مجلس الأمن حول غزة
عواصم - الوكالات
اعتمد مجلس الأمن الدولي، مساء الاثنين في نيويورك، مشروع قرار أميركي معدّل يؤيد الخطة الشاملة التي طرحها الرئيس الأميركي دونالد ترامب لإنهاء الحرب في قطاع غزة، ويدعو الأطراف كافة إلى تنفيذها الكامل والحفاظ على وقف إطلاق النار. وقد حظي القرار بتأييد 13 دولة، فيما امتنعت كل من روسيا والصين عن التصويت دون استخدام الفيتو.
فيما يلي 5 أسئلة تشرح القرار الجديد وتداعياته:
1. ما أبرز نقاط القرار الأميركي الذي تم اعتماده؟
يتبنى القرار رقم 2803 خطة ترامب المؤلفة من 20 بندًا لإنهاء النزاع في غزة، ويضع إطارًا إداريًا وأمنيًا لمرحلة ما بعد الحرب، من أبرزها:
تأسيس مجلس السلام كهيئة انتقالية دولية لإدارة الإعمار والحكم المؤقت.
السماح بإنشاء قوة استقرار دولية تعمل بتنسيق مع مصر وإسرائيل وتستخدم “كل الإجراءات اللازمة” لفرض مهامها وفق القانون الدولي.
تجريد غزة من السلاح، حماية المدنيين، تدريب الشرطة الفلسطينية، وتأمين الممرات الإنسانية.
تنظيم دخول المساعدات بالتعاون مع مجلس السلام، وإنشاء صندوق دولي لإعادة الإعمار بإشراف البنك الدولي.
انسحاب تدريجي للجيش الإسرائيلي مع تقدّم السيطرة على الأرض.
انتهاء ولاية المجلس والقوات الدولية في 31 ديسمبر/كانون الأول 2027 ما لم يُقرر التمديد.
2. كيف جرى التصويت؟ وما هي أبرز التحفظات؟
صوّتت 13 دولة لصالح القرار، فيما امتنعت روسيا والصين.
اعتبرت روسيا أن القرار لا يؤكد بوضوح على حل الدولتين، ويمنح مجلس السلام والقوة الدولية سلطات “شبه مطلقة” دون مراعاة موقف السلطة الفلسطينية.
رأت الصين أن أي ترتيبات ما بعد الحرب يجب أن تعكس السيادة الفلسطينية ودور السلطة الوطنية، منتقدة غياب تأكيد صريح على حل الدولتين ودور الأمم المتحدة في إدارة إعادة الإعمار.
3. كيف جاء الموقف الفلسطيني والفصائلي؟
السلطة الفلسطينية رحبت بالقرار، وأكدت استعدادها لتحمل مسؤولياتها والعمل على تطبيقه بما يضمن حماية المدنيين ووقف تقويض حل الدولتين.
حماس رفضت القرار واعتبرته “وصاية دولية” على غزة ومحاولة لفرض وقائع سياسية جديدة، مؤكدة رفضها المطلق لنزع سلاح المقاومة.
الجهاد الإسلامي رفضت القرار أيضًا، معتبرة أنه يحول المساعدات والمعابر إلى أدوات ضغط سياسي وينتهك حق الفلسطينيين في المقاومة.
فصائل فلسطينية أخرى حذّرت من أن القرار يمهّد لهيمنة خارجية على إدارة غزة وإعادة الإعمار، بعيدًا عن الإرادة الوطنية الفلسطينية.
4. كيف كان الرد الإسرائيلي؟
اعتبر أفيغدور ليبرمان أن ما جرى في الأمم المتحدة “نتاج إدارة فاشلة” للحكومة الإسرائيلية، وأن القرار يفتح الطريق لدولة فلسطينية ويُعدّ “صفقة تصفية لأمن إسرائيل”.
بينما شدد السفير الإسرائيلي داني دانون على أن نزع سلاح حماس هو الركيزة الأساسية في القرار، قائلاً إنه لن يكون لغزة مستقبل طالما بقيت حماس مسلحة.
5. ما الدور الأميركي؟ وما المتوقع أن يغيّره القرار؟
عملت واشنطن لأسابيع على صياغة القرار، واستندت في بنوده إلى خطة ترامب لـ“اليوم التالي” في غزة. وتهدف هذه الخطة إلى:
تثبيت وقف إطلاق النار.
تعزيز تدفق المساعدات الإنسانية.
وضع نموذج إدارة انتقالية بإشراف دولي حتى 2027.
الإبقاء على مسار سياسي — ولو محدود — نحو الدولة الفلسطينية.
لكن تحديات التنفيذ كبيرة:
رفض الفصائل لنزع السلاح.
تحفظات إسرائيلية على مسار الدولة الفلسطينية.
الخلافات بين واشنطن وتل أبيب بشأن تفاصيل تطبيق الخطة.
ووفق تقارير إسرائيلية، تتضمن خطة ترامب بنودًا “غير مريحة” لإسرائيل، ولا تزال خلافات جوهرية قائمة حول آليات التنفيذ.
المصدر / الجزيرة نت