قرار الغرب: نفط فنزويلا لن يكون في خدمة الصين
تاريخ النشر: 2nd, December 2025 GMT
تسعى واشنطن الى إنهاء النظام اليساري في فنزويلا بزعامة الرئيس نيكولا مادورو، وهي عملية تدخل ضمن محاولة جعل القسم الغربي من العالم من شرق المتوسط وحتى هاواي منطقة غربية محضة، وذلك ضمن الاستعداد لحرب الريادة على العالم في مواجهة الصين. ومنذ أكثر من عقدين من الزمن، تريد واشنطن ومعها الغرب تغيير النظام اليساري في فنزويلا، وكانت المحاولة الأولى خلال حقبة الرئيس جورج بوش الابن، عندما دعم انقلابا ضد الرئيس الراحل هوغو تشافيز خلال أبريل/نيسان 2002.
وتميزت السنوات اللاحقة بما فيها حقبة الرئيس باراك أوباما بالتعاطي الصارم ضد السلطة الحاكمة في فنزويلا، لكن من دون ضغط عسكري مباشر، خاصة أن العالم كان يشهد وقتها بنزاهة الانتخابات الرئاسية والبلدية في هذا البلد.
وكانت أبرز محاولة هي التي وقعت إبان الولاية الأولى للرئيس دونالد ترامب (2017-2021) عندما دعمت واشنطن إعلان زعيم المعارضة خوان غايدو نفسه رئيسا للبلاد في يناير/كانون الثاني 2019. وتبنت عدد من الدول الأوروبية الموقف نفسه. غير أن الرئيس مادورو بقي صامدا، وعاد ليفوز في انتخابات أخرى، اعتبرتها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي مزيفة. ومن نتائجها أن البرلمان الأوروبي اعترف خلال سبتمبر/أيلول 2024 بزعيم المعارضة غونثالث إيروتيا رئيسا للبلاد، واعتبرته الفائز في الانتخابات الرئاسية التي جرت السنة الماضية، كما أن قادة الاتحاد الأوروبي رفضوا الاعتراف بمادورو رئيسا لفنزويلا. وبدورها، تعتبر واشنطن زعيم المعارضة هو الرئيس الشرعي للبلاد.
ومنذ بداية أغسطس/آب الماضي، يشهد الملف الفنزويلي تلاحق تطورات مثيرة عنوانها العريض والبارز هو، رغبة واشنطن في تغيير النظام اليساري. وهكذا، كانت الخطوة الأولى هي اعتبار فنزويلا معبرا رئيسيا لمخدر الكوكايين، ثم اتهام الرئيس مادورو بالإشراف على تجارة المخدرات، وأخيرا اتهامه بالإرهاب. ووسط كل هذا، قام البنتاغون بإرسال أكبر حشد عسكري في منطقة الكاريبي منذ عقود طويلة وتعزيز الأسطول الرابع الذي يغطي منطقة أمريكا اللاتينية بالكامل من المكسيك حتى الأرجنتين في ضفتي الأطلسي والهادي. وأعلنت واشنطن عن إجراءات متتالية، منها ضرب قوارب في الكاريبي بمبرر تهريبها المخدرات، والتهديد بتنفيذ عمليات في الأراضي الفنزويلية، ضد ما تعتبره عصابات المخدرات. ويبقى آخر المعطيات المثيرة هو ما مضمون المكالمة الهاتفية بين الرئيسين ترامب ومادورو، التي جرت منذ أيام، حيث اقترح الأول على الثاني، وفق تسريبات نشرتها جريدة «ميامي هيرالد» الأحد الماضي، ضرورة مغادرة فنزويلا نحو روسيا أو أي بلد ثان يختاره.
لا يمكن التعامل مع هذه التطورات باعتبارها قرارا متسرعا من الرئيس ترامب، قد يكون ترامب رفع من إيقاع المواجهة وتنفيذ تغيير النظام في فنزويلا، بل هي تندرج ضمن سلسلة من القرارات، التي تتزعمها واشنطن بدعم من دول غربية بنوع من التفاوت، ورغم الجدل الذي تخلفه أحيانا، إلا أن الهدف الأخير هو إبعاد فنزويلا من الفلك الروسي والصيني. وهي كما أشرنا إليها الانقلاب الذي تعرض له هوغو تشافيز، والاعتراف بزعماء المعارضة رؤساء للبلاد بعد كل انتخابات تثير الجدل، كما وقع سنتي 2019 و2024. في الوقت ذاته، ينخرط إعادة العمل بالأسطول الرابع الأمريكي ابتداء من سنة 2008 ضمن إطار الضغط العسكري، وهو الأسطول الذي كان قد تم حذفه سنة 1950، وعاد للعمل بعد 58 سنة.
ويبقى السؤال الجوهري هو: لماذا يركز الغرب على التغيير في فنزويلا، دون غيرها من الدول اليسارية في أمريكا اللاتينية؟ أولا، إن الضغط المستمر منذ سنوات طويلة على النظام اليساري الفنزويلي يندرج ضمن استراتيجية للغرب بزعامة واشنطن، تهدف إلى إبقاء النصف الغربي من العالم ضمن المدار السياسي للغرب، ومحاولة منع أي اختراق صيني أساسا في المنطقة، حتى لا يكون لهما نفوذ بالقرب من الحدود الأمريكية.
ثانيا، تبدو فنزويلا، في نظر العواصم الغربية، خاصة واشنطن، سائرة نحو التحول إلى «كوبا جديدة ولكن أكبر» في القارة الأمريكية، فكما أن النظام الكوبي ظلّ ثابتا منذ الثورة في أواخر الخمسينيات، من دون تغيير سياسي بمعنى التناوب بين الأحزاب ذات الأيديولوجيات المختلفة، فإنّ التيار اليساري الذي أسّسه هوغو تشافيز أواسط التسعينيات باسم «الحركة الجمهورية الخامسة» يهيمن على السلطة في فنزويلا منذ 1999، من دون بوادر حقيقية للتناوب السياسي. وترى واشنطن أن فنزويلا تفتقر إلى إمكانية التداول الديمقراطي، بخلاف دول مثل بوليفيا والبرازيل والأوروغواي والأرجنتين، التي تشهد تناوبا سياسيا بين اليسار والمحافظين. ومن ضمن الأمثلة، سيطر اليسار على الحكم في بوليفيا منذ عقدين تقريبا بفضل «الحركة الاشتراكية»، وخلال الشهر الماضي فاز رئيس محافظ و
هو رودريغو باث ووقع تناوب سلمي على السلطة.
ثالثا، تحولت فنزويلا الى أحد أبرز وجهات الاستثمارات الصينية في الطاقة، خاصة خلال العقد الماضي، كما وقّعت اتفاقيات عسكرية مع روسيا وإيران والصين، وتتبنى توجها متزايدا نحو الانخراط في نظام مالي بديل عن الدولار تقوده واشنطن. وهذا ما يجعلها، في نظر الولايات المتحدة، نقطة ارتكاز جيوسياسية منافسة في جوارها المباشر، خاصة بعدما بدأت تسمح بتوقف أسلحة نوعية روسية وصينية في مطاراتها وموانئها.
وعليه، لن يسمح الغرب بتحول فنزويلا الى كوبا جديدة، تكون قاعدة استراتيجية صلبة للنفوذ الصيني بالدرجة الأولى. فبينما كانت كوبا دولة صغيرة جغرافياً وضعيفة اقتصادياً، ولا تمتلك ثروات طبيعية فقد كادت أن تشعل حرباً عالمية في مطلع الستينيات، بسبب أزمة الصواريخ. فكيف الحال مع فنزويلا، التي تمتلك أكبر احتياطي نفطي مؤكد في العالم، وتمتد على مساحة شاسعة وفيها ثروات طبيعية ضخمة مثل المعادن النادرة؟
تغيير النظام السياسي في فنزويلا، لا يتعلق بنزوة من نزوات ترامب، كما يبدو سطحيا، أو للوهلة الأولى، أو الرغبة فقط في إحياء عقيدة مونرو، التي تعتبر أمريكا اللاتينية الحديقة الخلفية لواشنطن، وليس بقرار ظرفي، بل بقرار استراتيجي حاسم يهم الغرب برمته، ويمتد تأثيره لعقود مقبلة للتوازن العالمي الذي تؤدي دول صغيرة وثانوية فاتورته. والقرار هو: لن يسمح الغرب بأن يكون أكبر احتياطي للنفط في خدمة النفوذ الصيني، الذي يهدد ليس فقط الولايات المتحدة بريادة الغرب التاريخية للعالم التي بدأت منذ خمسة قرون، وبدأت تتراجع مع مطلع القرن الواحد والعشرين.
القدس العربي
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات قضايا وآراء كاريكاتير بورتريه فنزويلا مادورو الصين ترامب روسيا الصين روسيا فنزويلا مادورو ترامب مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة مقالات سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تغییر النظام فی فنزویلا
إقرأ أيضاً:
واشنطن بوست: 70 ألف صورة جديدة تكشف حجم القتل والتعذيب بمعتقلات الأسد
كشفت مجموعة جديدة من الصور يزيد عددها على 70 ألف صورة التقطتها الشرطة العسكرية السورية خلال العقد الأخير من حكم بشار الأسد، حجم القتل والتعذيب والاختفاء القسري داخل نظام الاحتجاز التابع للنظام، بصورة غير مسبوقة من حيث التفاصيل والاتساع.
ويكشف الأرشيف الجديد عن كم هائل من الصور توثّق مقتل أكثر من 10 آلاف معتقل بين 2015 و2024، وهي الفترة التي شهدت أعنف مراحل الحرب السورية، وانتهت بسقوط الأسد في ديسمبر/كانون الأول 2024، وفق تقرير نشرته صحيفة واشنطن بوست.
استمر التعذيب الممنهج والقتل على نطاق واسع رغم الضجة العالمية التي أحدثها تسريب قيصر قبل أكثر من عقد
وتُعد هذه المجموعة -حسب الصحيفة- أضخم وأكثر تفصيلا من "ملفات قيصر" الشهيرة التي سُرّبت عام 2014.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2توماس فريدمان: بوتين يتلاعب بالمبعوثيْن الأميركيين كما لو كان عازف ناي ماهراlist 2 of 2صحف عالمية: مقتل أبو شباب ضربة لإسرائيل ونهايته بهذا الشكل كانت حتميةend of listوتشمل المجموعة الجديدة أكثر من 30 ألف صورة مفصلة لجثث معتقلين، التُقط العديد منها من زوايا متعددة، ووُثّقت بدقة شديدة في سجلات الشرطة العسكرية بدمشق.
وتُعتبر ملفات قيصر من أهم الوثائق التي كشفت فظائع النظام السوري وانتهاكاته الممنهجة لحقوق الإنسان، حيث وثق عشرات الآلاف من صور ضحايا التعذيب في سجون النظام.
وقد حصلت هيئة الإذاعة العامة الألمانية (إن دي آر) على هذا الأرشيف الهائل، وشاركته مع الاتحاد الدولي للصحفيين الاستقصائيين وعدد من المؤسسات الإعلامية، بينها صحيفة واشنطن بوست.
ونقلت الصحيفة الأميركية عن تلك الهيئة أن ضابطا برتبة عقيد كان يترأس وحدة حفظ الأدلة في الشرطة العسكرية السورية هو من سرَّب هذه الصور ومررها عبر وسطاء، مشترطا عدم الكشف عن هويته.
تأثير الصور النهائي يتوقف على مدى استعداد سوريا والمجتمع الدولي للتحقيق والمحاسبة وتخليد ذكرى عشرات الآلاف الذين ابتلعهم نظام الاعتقال التابع للأسد
وتُظهر الصور أن جهاز الأمن التابع لبشار الأسد استمر في التعذيب الممنهج والقتل على نطاق واسع، رغم الضجة العالمية التي أحدثها تسريب قيصر قبل أكثر من عقد.
وقد ساهمت تلك الصور السابقة في إدانة مسؤولين سوريين بألمانيا، وفي فرض عقوبات أميركية جديدة على النظام.
لكن المجموعة الحالية -تتابع الصحيفة- تؤكد أن الأجهزة الأمنية شعرت بأنها بمنأى عن الحساب، فواصلت اعتقال المعارضين والمشتبه بهم بشكل عشوائي، وتعذيبهم وتجويعهم وقتلهم، ثم توثيق موتهم بوضوح شديد ضمن إجراءات روتينية تهدف لمنح الوفيات شرعية قضائية عبر المؤسسة العسكرية.
تفاصيل الضحاياوتوضح الصور أن الغالبية الساحقة من الضحايا رجال، إلى جانب عدة نساء ورضيع واحد توفي عام 2017، وتكشف الجثث عن آثار واضحة للتعذيب من جروح عميقة وكسور وحروق ونحول شديد.
إعلانوتبيِّن أن بعض الجثث مكدّسة فوق أرضيات شاحنات معدنية، بينما كُتب على بطون بعض الضحايا أسماؤهم بخط أخضر اللون، وبقي آخرون مجهولي الهوية.
كما تكشف الصور عن أقدام مصوّرين أو موظفين طبيين أو عناصر أمن، مما يعكس الطابع شبه الكامل لعملية التوثيق.
ومن بين الضحايا الذين تم التعرف عليهم في المجموعة الجديدة مطلق، الذي بحثت عائلته عنه نحو 10 سنوات بعد اعتقاله عام 2015، وقد كشفت صورته -وعليها آثار تعذيب واضحة واسمه مكتوب على بطنه- أنه توفي بعد أشهر قليلة فقط من اعتقاله.
أما عبد الرحمن صفاف، وهو طالب دراسات عليا يبلغ 30 عاما، فيجسد الطبيعة الاعتباطية للاعتقال، طبقا للتقرير الصحفي، فقد أُخذ من منزله بحماة في يونيو/حزيران 2024 من دون توجيه تهمة، رغم أنه كان يستعد للزواج بعد أسابيع قليلة.
وبعد شهرين، استلمت عائلته جثته، وأُبلغت فقط بأن قلبه توقف عن النبض وانقطع نفسه. لكن الصور كشفت عن جروح حادة في معصميه تشير إلى احتمال تعرضه لطريقة شائعة للتعذيب معروفة في ملفات المخابرات السورية باسم "التعليق على الفلقة" أو الشبكة.
أقسى من "قيصر"ويقول المحامي السوري أنور البني، الذي قضى سنوات في سجون الأسد وتلقى مركزه الحقوقي نسخة من الصور، إن المجموعة الجديدة تُظهر تعذيبا أقسى من ملفات قيصر الأولى.
من غير الواضح ما إذا كانت النيابة السورية أو ذوو المفقودين سيتمكنون من الاطلاع الكامل على الأرشيف
ويبدو أن الفترة بين 2015 و2017 سجّلت العدد الأكبر من الوفيات، بالتزامن مع تصاعد العنف وتدخل روسيا العسكري. أما عام 2024، فتشمل أرشيفاته نحو 100 صورة فقط، مما يعكس ضعف النظام وانحسار دعم حلفائه.
ورغم سقوط الأسد وتحرير السجون على يد فصائل معارضة، فإن مسار المحاسبة -طبقا لتقرير واشنطن بوست- لا يزال عسيرا، فقد أُحرقت أو نُهبت ملفات وأرشيفات أمنية خلال الأيام الأخيرة من حكمه.
وأوضح الضابط الذي سرّب الصور أنه أخذ القرص الصلب من مقر الشرطة العسكرية، دون أن يحدد ما إذا كان سيسلمه للحكومة السورية الجديدة.
كما أنه من غير الواضح ما إذا كانت النيابة السورية أو ذوو المفقودين سيتمكنون من الاطلاع الكامل على الأرشيف، رغم أن أجزاء منه قد وُجهت إلى منظمات سورية، وإلى هيئة الأمم المتحدة المعنية بالمفقودين، وإلى النيابة الفدرالية الألمانية.
عائلات ترثي أحبتهاوبالنسبة لكثير من السوريين، تمثل هذه الصور مزيجا من اليقين والمأساة، فقد أمضت عائلات مثل عائلة مطلق وصفاف سنوات في البحث داخل الإدارات وسط دوامة الرشوة والخوف وعدم اليقين، وأُجبر بعضها على توقيع تعهدات بعدم الاحتجاج أو الثأر، على حد تعبير الصحيفة.
والآن، تقدم الصور دليلا دامغا على ما جرى، لكنها أيضا تشكّل قاعدة أساسية لأي مسار قضائي مستقبلي إذا ما سعت سوريا إلى عدالة انتقالية حقيقية.
وترى منظمات حقوقية أن المجموعة تمثل إحدى أهم الوثائق البصرية لجرائم القتل الجماعي التي ارتكبتها دولة في القرن الحالي، وأن تأثيرها النهائي يتوقف على مدى استعداد سوريا والمجتمع الدولي للتحقيق، والمحاسبة، وتخليد ذكرى عشرات الآلاف الذين ابتلعهم نظام الاعتقال التابع للأسد.
إعلان