لجريدة عمان:
2025-05-14@12:02:00 GMT

هل العقل العربي فارغ ..؟

تاريخ النشر: 3rd, September 2023 GMT

هل العقل العربي فارغ؟ هذا السؤال كان يجب أن يُطرح منذ زمن، ولكن الذي ألح على طرحه الآن هو تصريح السير شيرارد كوبر كولز السفير البريطاني السابق لدى السعودية وإسرائيل وأفغانستان، الذي عبّر عن ندمه لتعلم اللغة العربية بدلًا من الصينية؛ لأنّ «العقل العربي فارغ بالمُقارنة مع نظيره الصيني» حسب قوله.

اعتبر البعض أنّ تصريحات كهذه عنصرية، خاصة أنها جاءت أثناء حديثه مع طلاب في حفل عشاء بجامعة «أكسفورد»، وهم في مرحلة التكوين النهائية قبل توجههم إلى تخصصاتهم العملية، بما يعني أنهم «قادة المستقبل».

ولم يكتف السفير بذلك، بل أضاف أنه بعد انضمامه إلى وزارة الخارجية في أواخر السبعينيات، اختار تعلم التحدث باللغة العربية، بسبب أهمية الشرق الأوسط في الشؤون العالمية، وأنّ القسم كان يُعرف في ذلك الوقت باسم «فيلق الإبل».

لا يمكن أن نقول إنّ تلك التصريحات لم تكن عنصرية، بل سنزيد على ذلك بأنّ تلك هي النظرة الغربية السائدة عن العرب والمسلمين؛ ولكن الذي يجب أن يُطرح للنقاش - بغض النظر عن عنصرية التصريح - هل ما قاله السير شيرارد صحيح أم لا؟ وهل علينا أن نأخذ ذلك التصريح من منطلق عاطفي فقط؟ وهل العقل العربي فعلا فارغ؟ وهل يمكن أن تقارن التجربة الصينية في التنمية، مع التجربة العربية؟

أعتقدُ أنّ الرجل قال الحقيقة - وإن كانت مؤلمة لنا - فنحن أمة تركت الحاضر والمستقبل، لتعيش في الماضي وتتفاخر بأمجاد السلف، وتقيم حروبًا عن وقائع حدثت قبل أكثر من ألف سنة؛ فكان من نتيجة ذلك أنّ البلدان العربية - التي حباها الله كلّ شيء وفتح لها الخزائن - بعيدة كلّ البعد عن التقدُّم والازدهار في مجالات العلم والطب والتكنولوجيا والصناعة، حتى وإن كانت تملك قشور الحضارة، مثل ناطحات السحاب والقنوات الفضائية وغيرها، لكنها أمة مستهلكة لكلّ ما تصنعه المصانع العالمية؛ فما إن يفتح الإنسان عينيه في الصباح حتى يجد نفسه في سرير مستورد، ويلتحف بلحاف مستورد، ويستخدم أدوات التنظيف المستوردة، ويلبس المستورد من اللباس، ويأكل الطعام المستورد، ويستخدم كلّ وسائل التواصل والمواصلات من الخارج، وحتى في صلاته فكلّ ما يستخدمه من الخارج، ويفخر بعد ذلك أنه إنسان عصري ومتطور، ممّا يذكرني بموقف حدث في بداية السبعينيات من القرن الماضي، عندما قال أحد الطلبة للمدرس: «الحمد لله تطورنا وأصبحنا نسوق السيارات الآن»، فقال له: «يعني تطورت لما تسوق العربية، لكنك ما صنعتهاش. هو دا تطور؟» وفوق هذا وذلك، فإنّ البلدان العربية - وخاصة الخليجية - ما زالت تستورد حتى الآن الأيدي العاملة من الخارج من أصغر التخصصات إلى أكبرها، وهذا فرض على هذه البلدان أن تكون ضعيفة لا يمكن أن تخرج عن الإملاءات السياسية والقوانين التي تُفرض عليها من الخارج، ممّا يشكل خطرًا كبيرًا على مستقبل هذه الدول من حيث التركيبة السكانية التي تحدّث عنها كثير من المفكرين دون جدوى.

لم يكن في حديث السفير البريطاني أيّ انتقاص من اللغة العربية؛ وإنما حديثه انصب على ندمه على تعلمها، إذ لم يفده في شيء، في الوقت الذي رأى فيه -هو والعالم كله- النجاحات التي تحققها الصين الآن، وهي في سبيلها أن تكون دولة عظمى، مما يعني أنّ على الطلبة البريطانيين أن ينظروا للمستقبل؛ ومع ذلك نستطيع أن نقول إنّ مخرجات تعليم اللغة العربية أصبحت الآن ضعيفة في الوطن العربي نفسه، وأصبحت الجامعات العربية تدرّس معظم العلوم الحديثة باللغة الإنجليزية، في حين تؤكد الدراسات أنّ معظم الدول التي نجحت في العلوم والاقتصاد والطب والصناعات، هي الدول التي تدرّس أبناءها بلغتهم القومية، وفي ظني أنّ تلك الدراسات محقة فيما ذهبت إليه؛ فالشواهد تدل على ذلك، مثل نجاح الصين واليابان وكوريا وإيران والهند، وغيرها من البلدان، ولا يمكن أن تُتهم اللغة العربية بأنها السبب في فراغ العقل العربي؛ فعوامل ذلك الفراغ كثيرة منها داخلية ومنها خارجية، ولكن في الغالب الأعم تتحمل الأنظمة مسؤولية ذلك؛ لأنها ابتعدت عن الاهتمام بالعلم إلى التمسك بالقشور فقط، ومما أذكره في هذا المقام أنّ أحد القراء علق على مقال لي حول كورونا، بأنّ «العالم يبحث عن الدواء ونحن استفدنا من كلّ ذلك باستخدام كلمة «جائحة»، وكأننا حققنا كلّ الإنجاز».

كثيرون انزعجوا من تصريح السفير البريطاني العنصري وتعاطوا معه عاطفيًا، مذكرين الغرب بما صنعته الحضارة العربية، لكن السفير لم يكن يلقي درسًا لقادة المستقبل في تاريخ أمجاد العرب، وإنما تحدّث عن الواقع الحالي، وهو الذي يهم الجيل الجديد الذي سيتسلم زمام الأمور في بلده مستقبلا، وفي اعتقادي أنّ تصريحات كهذه، يجب أن تكون حافزًا لنا لمعرفة مكامن الخلل، والعمل على الإصلاح، لا أن ننزعج منها وننظر إليها من منظور واحد فقط، أنها تصريحات عنصرية؛ فالسؤال هو أين العرب؟ وماذا أفادوا الإنسانية؟ وأين هو موقعهم من الإعراب؟ وماذا استفادوا من ثرواتهم وموقعهم الجغرافي، إلا الصراعات والنزاعات وزراعة الكراهية والاقتتال باسم المذهبية تارة وباسم الطائفية تارة أخرى، وكيف لعب المال العربي الدور في تدمير الوطن العربي؟!

هناك صورتان معبرتان عن الوضع في الوطن العربي وفي الصين؛ الصورة الأولى عن الوضع العربي، أنقلها من فاروق الشرع وزير الخارجية السوري التي ذكرها في كتابه «الرواية المفقودة» عندما قال: «سافرتُ في إحدى المرات من مسقط إلى الدار البيضاء. استغرقت الرحلة من دون توقف أكثر من تسع ساعات، وكانت بكاملها فوق أجواء وأراضٍ عربية. كان طبيعيًا أن يتركز الحديث في الطائرة على الثروات العربية في باطن هذه الأراضي المعطاء، التي يجري استنزافها وكأننا نموت غدًا، والموارد البشرية العربية الهائلة التي لا نستثمرها كما يجب، وكأننا نعيش أبدًا»؛ أما الصورة الثانية عن الصين، فأنقلها من الكاتب الراحل محمد حسنين هيكل الذي زار الصين في بداية عام 1973، حيث لم تكن تختلف في ذلك الوقت عن أيّ دولة من الدول العربية؛ بل إنّ الدول العربية كانت أكثر تطورًا منها؛ يقول هيكل في كتابه «أحاديث في آسيا» إنّ دبلوماسيًا عربيًا قال له: «أنت ذاهب إلى الصين.. إنك سوف ترى مجتمع النمل.. وفي الغالب سوف تنزل في فندق «الشعوب»، وإذا حدث ذلك فإني أرجوك أن تستيقظ مبكرًا ذات يوم، وانظر من نافذة غرفتك إلى الشارع، وسوف تجد على الناحيتين في الشارع الواسع منظرًا لن يبرح ذاكرتك.. طابور لا ينقطع من راكبي الدراجات الذاهبين إلى عملهم في الصباح على هذه الناحية من الشارع، وطابور آخر لا ينقطع على الناحية الأخرى. سوف تجدهم كالنمل في الحركة وفي الشكل العام. لن تجد في بكين إلا هذه الطوابير من راكبي الدرجات. ليس في الشوارع سيارات لأنّ السيارات لا تخصص إلا لنواب الوزراء ومن فوقهم وللأعمال الرسمية فقط، وفي بكين ميترو تحت الأرض، وهو فخم وأنيق ولكنه للمستقبل».

عندما أتيحت لي الفرصة أن أزور الصين عام 2006، فإنّ الصورة الذهنية لبكين كانت عن الدراجات الهوائية فقط، فإذا بي أفاجأ بذلك التطور الهائل، والآن ها هي الصين تغزو العالم كله بمنتجاتها الخفيفة والثقيلة، ولم تتحجج بحججٍ واهية عن كثرة السكان، وأصبحت تصدّر السيارات والتي كانت عام 1970 تعد بعدد الأصابع في بكين؛ فالأمم الحية تعرف كيف تستفيد من أبنائها - مهما كثروا - وتعرف أيضًا كيف تفيدهم.

وإذا كان السفير البريطاني قد قارن بين العرب والصين، فإنه يجدر بي أن أتحدث عن شخصية أخرى قارنت بين العرب واليابانيين، هو الكاتب والأستاذ الجامعي الياباني «نوبوأكي نوتوهارا»، من خلال كتابه القيّم «العرب - وجهة نظر يابانية»، فما جاء في كتابه لا يمكن أن يصنف بأنه عنصري، لأنّ الرجل صديقٌ ومحبٌ للعرب وعاش بينهم سنوات طويلة، وما كتبه هو تشخيص صادق للوضع كما عايشه؛ فهو يرى أنّ المجتمع العربي يعاني من مشكلتين أساسيتين هما القمع، وغياب العدالة الاجتماعية وعدم المساواة أمام القانون، وهذا أدى إلى غياب المسؤولية العامة، ففعلَ الناسُ كلّ شيء، وتعرضت حقوق الإنسان للخطر، ولذلك أصبح الفرد هشًا وساكنًا بلا فعالية، لأنه يعامَل دائمًا بلا تقدير لقيمته كإنسان. ويقول المؤلف: «في مجتمع مثل مجتمعنا نضيف حقائق جديدة، بينما يكتفي العالم العربي باستعادة الحقائق التي كان قد اكتشفها في الماضي البعيد، أما الأفراد العرب الذين يتعاملون مع الوقائع والحقائق الجديدة يظلون أفرادًا فقط ولا يشكلون تيارًا اجتماعيًا يؤثر في حياة الناس».

يتساءل «نوبوأكي نوتوهارا» - ونتساءل معه - كم يحتاج العرب من الوقت لكي يستفيدوا من تجاربهم ويصححوا أخطاءهم ويضعوا أنفسهم على الطريق السليم؟! وإذا حدث ذلك هل يمكن أن نقرأ تصريحات عنصرية ضدهم؟!

زاهر المحروقي كاتب عماني مهتم بالشأن العربي ومؤلف كتاب «الطريق إلى القدس»

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: السفیر البریطانی اللغة العربیة لا یمکن أن من الخارج

إقرأ أيضاً:

إطلاق الدورة الخامسة لمسابقات الأسبوع العربي للبرمجة بعنوان “الذكاء الاصطناعي والبرمجة في خدمة الثقافة العربية”

أكد الدكتور أيمن عاشور، وزير التعليم العالي والبحث العلمي ورئيس اللجنة الوطنية المصرية للتربية والعلوم والثقافة، في إطار الاستراتيجية الوطنية للتعليم العالي والبحث العلمي 2030 ، وجهود دعم الإبداع والابتكار واحتضان الموهوبين، أهمية الدور الذي تقوم به اللجنة الوطنية في تنفيذ مشروعات وطنية وإقليمية ودولية، بالتعاون مع منظمات اليونسكو، والألكسو، والإيسيسكو، موضحًا أن هذه الجهود تُسهم في تحقيق رؤية مصر 2030، وتعزز التمثيل المصري في المحافل الدولية المعنية بالتعليم والثقافة والعلوم، إلى جانب دعم التعاون مع هذه المنظمات في مجالات التعليم العالي، والبحث العلمي، والابتكار، وتعزيز تبادل الخبرات على المستويات العربية والإفريقية والدولية.

وفي هذا الاطار تُعلن اللجنة الوطنية المصرية للتربية والعلوم والثقافة بالتعاون مع المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (ألكسو) ومبرة السعد للمعرفة والبحث العلمي بدولة الكويت، والجمعية التونسية للمبادرات التربوية إطلاق الدورة الخامسة لمسابقات الأسبوع العربي للبرمجة لعام 2025 بعنوان "الذكاء الاصطناعي والبرمجة في خدمة الثقافة العربية".

وزير التعليم العالي يشهد توقيع بروتوكول تعاون بين أكاديمية البحث العلمي وجامعة وست فيرجينياالتعليم العالي: إطلاق جيل جديد من الجامعات المتخصصة لدعم رؤية مصر 2030

ومن جانبه أشار الدكتور أيمن فريد مساعد وزير التعليم العالي ورئيس قطاع الشؤون الثقافية والبعثات والمشرف العام على اللجنة الوطنية المصرية للتربية والعلوم والثقافة إلى أن الأسبوع العربي للبرمجة حدث سنوي يهدف إلى نشر ثقافة البرمجة وتعزيز الابتكار الرقمي بين الطلاب والمعلمين في العالم العربي، إضافة إلى أنه  يركز على تمكين الأجيال الجديدة من المهارات التقنية لمواكبة العصر الرقمي، منوهًا إلى أن جمهورية مصر العربية قد حصدت خلال الدورة السابقة المراكز الثمانية الأولى على مستوى الوطن العربي من بين ما يقرب من 3 ملايين مشارك يمثلون 19 دولة عربية، في الفئات الخمس للمسابقة وهي: مسابقة البرمجة لليافعين، مسابقة الفريق الذهبي، مسابقة الفريق الذهبي لذوي الاحتياجات الخاصة، مسابقة المربي الذهبي، ومسابقة المدرسة الذهبية.

وفي هذا الصدد، أكدت الدكتورة سميه السيد، مساعد الأمين العام للجنة الوطنية لشؤون الألكسو، على الدور المحوري للجنة الوطنية المصرية في الإعداد والتحضير للمسابقات داخل مصر وتأهيل المشاركين، مشيرة إلى أن اللجنة الوطنية ستشكل فريقًا من المعلمين والخبراء بالتعاون مع وزارة التربية والتعليم والأزهر الشريف، لتقديم برنامج تدريبي متكامل يهدف إلى تأهيل المعلمين والطلاب وتعزيز مهاراتهم في مجالات التكنولوجيا الحديثة وتطوير الألعاب الإلكترونية، فضلًا عن تقديم الدعم والإرشاد اللازمين لرفع المشاركات النهائية على منصات المسابقة.

وللمزيد من المعلومات عن الدورة الخامسة لمسابقات الأسبوع العربي للبرمجة لعام 2025 يُرجى الدخول على الرابط الإلكتروني التالي :

https://drive.google.com/file/d/1xMXbJjjo32Q1BoIczqpzQismQB88xR5-/view?usp=sharing

طباعة شارك وزارة التعليم العالي البحث العلمي وزارة التعليم العالي والبحث العلمي

مقالات مشابهة

  • زكي: القمة العربية في بغداد تعزيز للأمن والتعاون العربي المشترك
  • السفير زكي: القضية الفلسطينية تتصدر أعمال القمة العربية المقرر عقدها في بغداد
  • 80 عامًا من تاريخ هزائم الجيوش العربية أمام كيان العدوّ.. اليمن يصنعُ تاريخًا جديدًا [الحقيقة لا غير]
  • وزير الخارجية والمغتربين السيد أسعد الشيباني: الدبلوماسية السعودية أثبتت مجدداً أنها صوت العقل والحكمة في محيطنا العربي، مساهمتكم الفاعلة في رفع العقوبات عن سوريا تعكس حرصاً حقيقياً على وحدة سوريا واستقرارها وعودة دورها الفاعل في الإقليم. (تغريدة عبر X)
  • وزير الخارجية والمغتربين السيد أسعد الشيباني: أتقدم بجزيل الشكر والتقدير للمملكة العربية السعودية قيادةً وحكومةً وشعباً، على الجهود الصادقة التي بذلتها في دعم مساعي رفع العقوبات الجائرة عن سوريا، هذه الخطوة تمثل انتصاراً للحق وتأكيداً على وحدة الصف العربي
  • إطلاق الدورة الخامسة لمسابقات الأسبوع العربي للبرمجة بعنوان “الذكاء الاصطناعي والبرمجة في خدمة الثقافة العربية”
  • المتحدث باسم الأمين العام للجامعة العربية: الإعداد لقمة بغداد ناجح من جميع النواحي
  • القمة العربية في بغداد والتعاون الاقتصادي العربي المشترك
  • السوداني يطلع على فندق ” قلب العالم” في بغداد الذي سيستضيف وفود القمة العربية
  • مركز السينما العربية يناقش الإنتاج العربي المشترك في مهرجان كان