علماء: روبوت الدردشة GPT هو أكثر الشبكات العصبية "إنسانية"
تاريخ النشر: 18th, September 2023 GMT
لا تزال البرامج اللغوية سيئة في التمييز بين الجمل التي لا معنى لها من اللغة ، لكن بعض النظم تواجه هذه المشكلة و تتعامل بشكل أفضل من غيرها.
قارن الباحثون الأمريكيون نتائج تسع شبكات عصبية لغوية كبيرة عند تحليل طبيعة ومعنى العبارات المثيرة للجدل، فتوصلوا إلى استنتاج مفاده، أن إجابات برنامج "GPT chatbot" كانت الأقرب إلى آراء البشر.
وجاء في الدراسة:"لأول مرة قمنا بدراسة قدرة الشبكات العصبية اللغوية الكبيرة على التنبؤ بمدى عقلانية أوعدم واقعية الشخص الذي سينظر إلى هذا أو ذاك البيان الذي لا معنى له. وأظهر نظام GPT أنه أفضل في حل هذه المشكلة، ولكن في نفس الوقت تصرف في كثير من الأحيان "بطريقة مختلفة تماما عما يمكن للشخص أن يتعامل معه في موقف مماثل".
إقرأ المزيدوتوصل إلى هذا الاستنتاج فريق من علماء النفس وعلماء الأعصاب بقيادة البروفيسور في جامعة "كولومبيا" في نيويورك كريستوفر بالداسانو عند دراسة الاختلافات في كيفية إدراك البشر، والشبكات العصبية اللغوية المتقدمة لأشكال الكلام المختلفة. ومن أجل إجراء هذه التجارب، قام العلماء بتشكيل مجموعة من 100 متطوع واستخدموا تسعة من أنظمة لغات التعلم الآلي الأكثر شيوعا، بما في ذلك GPT-2 وELECTRA وBERT .
وكان على كل من الشبكات العصبية والأشخاص قراءة مجموعة من الجمل العشوائية ذات المحتوى السخيف أو المنطقي التي جمعها العلماء على إحدى شبكات التواصل الاجتماعي الشهيرة، وكان عليهم اختيار الجملة التي بدت أكثر طبيعية بالنسبة لهم. على سبيل المثال، كان عليهم المقارنة بين عبارتين: "هذه هي الرواية التي بيعت لنا" و"هذا هو الأسبوع الذي متَ فيه".
وأظهرت مقارنة لاحقة لاستجابات البشر وأنظمة الذكاء الاصطناعي أن الخوارزميات المستندة إلى ما يسمى "بمحولات الشبكات العصبية"، بما في ذلك BERT وGPT، غالبا ما تعطي نفس الإجابات التي يقدمها البشر، مقارنة بالشبكات العصبية المتكررة وأنواع أخرى من أنظمة التعلم الآلي. وفي الوقت نفسه، تعامل كل من GPT وBERT بشكل جيد مع الجمل الأكثر طبيعية، ولكن تبيّن أن الشبكة العصبية الأولى كانت أكثر نجاحا بشكل عام عند تحليل جميع أنواع الأقوال.
مع ذلك فإن العلماء أكدوا أن حتى روبوت الدردشة GPT يصدر أحيانا أحكاما "غير بشرية" عند تحليل الأقوال المتناقضة، وهو ما لا يسمح لنا بالقول، إنه يدرك الإنشاءات اللغوية بنفس الطريقة التي يدرك بها الإنسان. وخلص الباحثون إلى أن هذا يحد من المجالات المحتملة لتطبيق مثل هذه الشبكات العصبية.
المصدر: كومسومولسكايا برافدا
المصدر: RT Arabic
إقرأ أيضاً:
قتل العلماء أو قتل القوة؟
إن ظاهرة قتل العلماء ليست جديدة، والبلدان العربية التي راهنت مبكراً على العلم، خصوصاً تلك التي تعلّقت همتها بالتعمق في مجال الفيزياء النووية، مثل مصر والعراق -ومن غير العربية نذكر إيران- فقد كان مصير غالبية العلماء الكبار الاغتيال والتصفية في ظروف غامضة، مع إغلاق ملفات موتهم الغامض بالعبارة الشهيرة: ضد مجهول.
في العقود الماضية كان خبر اغتيال العالم يدور في نطاق ضيق؛ لذلك يظل الحدث ضيقاً، وفي دوائر قريبة، كما يظل فاعل الجريمة غير معروف حتى لو بدا في منطق تحليل الجرائم معروفاً، وهو ما يجعل من الاتهامات مجرد فرضيات.
أما اليوم فالملاحظ أن الأمور تغيّرت: إسرائيل تُعلن تأكيد اغتيالها عدداً من العلماء النوويين في إيران، وتكشف طوع إرادتها حتى عن بعض ملابسات الاغتيال كالتوقيت، بل أيضاً تتباهى بأنها قتلتهم وهم نيام في أسرّتهم. وطبعاً في الحروب لا يعترف طرف الحرب إلا بما يخدم صورته، ويمثل استعراضاً لقوته وانتصاراته. المشكل الآخر أن الأخبار تناقلتها وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي كأي خبر عادي. لا شيء يوحي بخصوصية في المعالجة الإعلامية لأخبار القتلى الذين يوصفون بأنهم: علماء.
ماذا يعني هذا: هل أن قتل العلماء أمر مباح؟ أم أن أي حرب تهدف إلى إيقاف مشروع امتلاك النووي تشترط اغتيال علماء النووي بوصفه جزءاً أساسياً ومركزياً من الحرب؟
منهجياً، الأمر مفهوم جداً باعتبار أن هدف الحرب وسببها ورهاناتها وتحدياتها تحدد الفئة المستهدفة بالتّصفية. ولنتذكر جيداً أن حرب إسرائيل ضد أهالي غزة حددت الفئة المستهدفة بالقتل بدقة: قتل الأطفال والنساء، وعدم الاكتراث بأصوات المدافعين عن حقوق الإنسان والمدافعين عن الطفولة؛ لأن الحرب ضد شعب يتميز بمعدل خصوبة يبلغ قرابة 3.7 في المائة (هذا الرقم قاله لي وزير الشؤون الاجتماعية في فلسطين منذ ثلاث سنوات تقريباً أثناء زيارته تونس)، ناهيك بأنها حرب ضد مستقبل الفلسطينيين والأجيال القادمة والوجود الفلسطيني ذاته، الأمر الذي استوجب تكتيكاً يقوم على التصفية الديموغرافية، بالتركيز على الطفل لأنه المستقبل، والمرأة لأنها الكائن الذي يضطلع بمهمة الإنجاب.
أما حرب إسرائيل على إيران فإن همها ليس الشعب الإيراني، ولا الطفل الإيراني، ولا النساء الإيرانيات، ولا حتى النظام الإيراني كما رأينا، بل هي حرب قياس القوة، وكسر الحاجز النفسي، وبعثرة المشروع النووي الإيراني بإرباكه، واغتيال أكثر ما يمكن من علمائه، وضرب منشآته.
لنأتِ الآن إلى الرسائل المفضوحة من استعراض قتل العلماء: أولاً، من المهم التذكير -حتى لو كان لا وزن أخلاقياً أو قانونياً دولياً لذلك- بأن قتل العلماء يُعد جريمة مضاعفة؛ لأنها تستهدف العالم المغدور به أولاً، وتستهدف العقل البشري والعلم ثانياً.
كما أن ما نعلمه أن العلم غير محدود، ولا يعرف حدوداً، ومنطقياً لا يمكن أن يكون اختيار العَالِم البحث أو الطموح في مجال ما سبباً في قتله، فالمشكلة في الجانب الرمزي الذي يجب ألا يستبيح قتل العلماء، وأن يجعل من العلم سبباً للقتل والتصفية.
كذلك هناك تفصيل آخر يتعلق بأن المشكلة ليست في الفيزياء النووية بوصفها طريقاً لامتلاك القوة، بدليل أن علماء الدول القوية، وعلى رأسها الولايات المتحدة، ليسوا مهددين بالقتل بقدر ما يُمثلون طموح أميركا وقوتها.
إذن الإشكال في الانتماء الحضاري، وفي جنسية العالم الذي نبغ في الفيزياء النووية أو في أي مجال له صلة بالقوة. فالرسالة التي نسوقها بعيداً عن ذهنية المؤامرة أو حتى التخمين لأننا نكتفي بمجرد التوصيف والتأويل الأولي: ممنوع على الدول غير المنتمية لنادي الكبار امتلاك القوة والطموح علمياً.
الأجدر بالإنسانية اليوم محاربة المشروع النووي من جذوره؛ ممنوع على الجميع امتلاكه، بل إن استئثار عدد من الدول به من دون غيرها هو ما يحرض البقية على القيام بمحاولات لامتلاكه، بصفته أكبر دليل على اختلال الفرص والحقوق في موازين القوى.
فالمشكلة ليست في معارضة المشروع النووي الإيراني، بل في عدم معارضة المشروع الإسرائيلي، وفي دعم إسرائيل. ولا شك في أن هذه الوضعية الملتبسة من المنع لطرف والسماح لعدوه هي التي جعلت منطقة الشرق الأوسط بؤرة توتر دائمة من منطلق أن وجود مشروع نووي لا يمكن أن يبعث على الشعور بالراحة والأمن والاستقرار؛ لأن في لحظة امتلاكه يصبح القوة الوحيدة، ومن حوله في حالة تهديد على الدوام.
بيت القصيد: منع امتلاك النووي في منطقة الشرق الأوسط لن يكون إلا إذا شمل الجميع، وعلى رأسهم إسرائيل. ومن دون ذلك ستظل المنطقة في اشتعال، ودوران في حلقة مفرغة من تراكم المشروع ثم افتعال حرب لإرباكه وقتل العلماء، مع ما يعنيه ذلك من معانٍ أخلاقية وقانونية وعلمية محبطة.
وعلى الدول المالكة للسلاح النووي أن تبدأ بنفسها كي تشق طريق السلام على أسس سليمة.
الشرق الأوسط