بركة «بيسان» نمط معماري فريد للعمارة الإسلامية
تاريخ النشر: 21st, September 2023 GMT
البلاد ــ جدة
تعدّ بركة بيسان “الخرابة” من أجمل البرك على درب الحج القديم كونها تشكل نمطاً معمارياً فريداً للعمارة الإسلامية في القرن الهجري الأول والثاني، ولأنها احتفظت بكثير من روعتها بعد ترميمها بطريقة لم تفسد قيمتها التاريخية والأثرية، وذلك في عملية الترميم التي أمر بها جلالة الملك فيصل بن عبدالعزيز آل سعود – رحمه الله – حيث وُجِد نقش يؤرخ عملية الترميم بتاريخ 25 / 5 / 1393هـ، وما زاد جمالها تصميمها النادر بقبابها وبنيانها بطريقة “الأزج المعقود”, إضافة إلى موقعها وسط الصحراء العذية بين غابات أشجار السلم والسمر والسرح ما جعلها روضة غناء خاصة أوقات الأمطار وامتلاؤها بالماء وجريان السيول من حولها.
والمعالم التاريخية والأثرية، مازالت محافظة على هيئتها وجمال تصميمها في الموقع ، وتقع بركة “الخرابة” شمال شرق مكة المكرمة 170 كلم، سميت قديماً ببركة “وجرة” كما تعرف أيضا ببركة “القصر” وهي إحدى منازل محطة “بيسان” على درب الحاج البصري، الذي يبدأ من مدينة البصرة مروراً بشمال شرق الجزيرة العربية عبر وادي الباطن مخترقاً عدة مناطق صحراوية أصعبها صحراء الدهناء، ثم يمر بمنطقة القصيم، وبعدها يسير الطريق موازياً لدرب زبيدة حتى يلتقيان عند محطة “أوطاس” التي تقع على مسافة عشرة أميال من ميقات ذات عرق.
يحتوي الموقع على بركة مربعة الشكل مدرجة من الأعلى إلى الأسفل يعود بناؤها إلى القرن الثاني الهجري وهي من بناء هارون الرشيد كما سميت أيضاً ببركة الرشيد، تجاورها بركة أخرى دائرية الشكل مدرجة من الأعلى إلى الأسفل تنسب لعيسى بن علي العباسي، يوجد بينهما غرفة للمراقبة يتميز تصميمها بوجود القباب عليها والتي أعطتها هيئة كهيئة القصر لذلك سميت كذلك ببركة القصر، كما أن للغرفة أبواباً ذات عقود نصف دائرية، يمر من تحت مستوى الغرفة قناتان خاصتان بتصريف المياه من البركة المربعة التي تعمل كمصفاة إلى البركة الدائرية، تصل المياه إلى البركة المربعة عن طريق قناة أرضية مسقوفة، تمتد من وادي العقيق بمسافة تقدر بحوالي 15 كم.
وأكد عالم الآثار الدكتور سعد بن عبدالعزيز الراشد أن التصميم المعماري لبركة “وجرة” أو كما تعرف ببركة “بيسان” يعد نموذجاً فريداً للعمارة الإسلامية في العصور الهجرية المبكرة ما يدل على التقدم المعماري والخبرة الكبيرة التي توفرت لدي المهندسين المعماريين في ذلك الوقت.
وأشار الدكتور الراشد إلى أن البركة تتكون من بركتين الأولى مستطيلة الشكل وهي عبارة عن مصفاة تستقبل المياه بواسطة قناة أرضية تجلب مياه السيول والأمطار التي تغذي وادي العقيق الذي يصب في البركة، تبلغ مساحتها السفلية حوالي (35×28م) في الأعلى وكون المصفاة مدرجة فإن المساحة السفلية تصل إلى (22×12،5م) ويصل عمق المصفاة (5،79م) ويبلغ مجموع عتبات المصفاة من كل جهة 11عتبة، وترتفع آخر عتبة عن أرضية البركة حوالي متر تقريباً، وفي ركن المصفاة الشمالي الغربي يهبط سلم صغير مكون من ست عتبات نصف دائرية إلى القاع، والعتبات تزداد حجماً كلما قربت من القاع، أما ركنا قاع المصفاة الآخران فقد زود كل ركن بكتف نصف دائري.
وأضاف الدكتور الراشد أن البركة الرئيسية الأخرى هي على درجة كبيرة من الضخامة يبلغ قطرها عند الحافة العلوية حوالي 54 م وعند القاع يصل قطر إلى حوالي 40 متراً، مبيناً أن البركة والمصفاة بنيتا بالأحجار الجرانيتية المنحوتة بعض الشيء، وثبتت بالجص والمونة ويتوسط البركة والمصفاة بناء مرتفع عبارة عن غرفة مستطيلة الشكل ذات قبتين لها بابان في كل ضلع عدا الضلع الجنوبي له باب واحد والأبواب مقوسة من الأعلى ومبنية بأحجار منحوتة قوية التماسك.
ونوّه الدكتور الراشد بالدور الكبير الذي تقوم به وزارة الثقافة ممثلة بهيئة التراث والتي تسعى من خلال مبادراتها المنبثقة من رؤية المملكة 2030م الرامية إلى تطوير قطاع التراث والحفاظ عليه، وتطوير الأنظمة المتعلقة بالتراث وحفظه؛ من خلال اقتراح إستراتيجية قطاع التراث -في إطار الإستراتيجية الوطنية للثقافة، عاداً رؤية المملكة رؤية محفّزة للعناية بالآثار وتأهيلها لمشروعات تنموية مستدامة، ومن أهم عناصرها الاستفادة من العمق التاريخي للمملكة، ما يدعو إلى الاستفادة من المعالم والموروثات القيمة الموجودة فيها.
المصدر: صحيفة البلاد
إقرأ أيضاً:
وزير الثقافة يشهد انطلاق بينالي فينيسيا الدولي للعمارة
شهد الدكتور أحمد فؤاد هنو، وزير الثقافة، انطلاق فعاليات الدورة التاسعة عشرة من “بينالي فينيسيا الدولي للعمارة”، أحد أبرز المحافل المعمارية على مستوى العالم، وافتتح الجناح المصري المُشارك في هذه الدورة، وذلك بحضور المهندس محمد أبو سعدة، رئيس الجهاز القومي للتنسيق الحضاري، والدكتورة رانيا يحيى، رئيس الأكاديمية المصرية للفنون بروما، إلى جانب نخبة من الشخصيات الثقافية والفنية الدولية.
وأكد وزير الثقافة أن مشاركة مصر في هذا الحدث الثقافي والمعماري العالمي تأتي انطلاقًا من حرص الدولة على إبراز ريادتها في مجالات العمارة والفنون البصرية، كما تعكس رؤيتها في دعم الإبداع المستدام وتعزيز التبادل الثقافي مع مختلف شعوب العالم. وأضاف أن الجناح المصري بفينيسيا يُمثل نموذجًا متكاملًا لتلاقي الفكر المعماري مع الوعي البيئي، بما يُسهم في تعزيز الحضور الثقافي لمصر في المحافل الدولية، ويعكس صورة مشرقة لعراقة الحضارة المصرية وريادتها الفنية والمعمارية.
وأعرب الوزير عن تطلعه لأن يحظى الجناح المصري بتقدير دولي، لما يحمله من رسالة معمارية وإنسانية راقية، تواكب تحديات الحاضر وتستلهم عراقة الماضي ويحرص على مفاهيم الحفاظ على البيئة والتنمية المستدامة.
من جانبه، أوضح المهندس محمد أبو سعدة أن مشاركة مصر تأتي تتويجًا لجهود مكثفة بُذلت منذ إطلاق المسابقة المعمارية لأختيار العمل الذي يمثل مصر في البينالي هذا العام، والتي أسفرت عن اختيار مشروع معماري متميز يُبرز التوازن البيئي كمدخل للحفاظ على الموارد الطبيعية، بما يتسق مع شعار الدورة الحالية للبينالي. وأشار إلى أن التنفيذ تم بإشراف مباشر من فريق المعماريين الفائز، وبدعم فني وتقني من فريق متخصص بالجهاز القومي للتنسيق الحضاري، لضمان تقديم تصميم يُجسد الهوية المصرية المعاصرة.
فيما أعربت الدكتورة رانيا يحيى عن فخرها بالمستوى الذي خرج به الجناح المصري هذا العام، والذي يعكس قدرة الكفاءات المصرية على الإبداع والمنافسة عالميًا، مشيرة إلى أن مشاركة الأكاديمية المصرية للفنون في هذا الحدث تعكس حرص الدولة على دعم الفن والثقافة خارج حدودها، وتعزيز حضورها في المشهد الدولي من خلال فعاليات نوعية مؤثرة.
وكان الجهاز القومي للتنسيق الحضاري قد انتهى من إعداد وتجهيز الجناح المصري، الذي نُفذ بناءً على المشروع الفائز بالمسابقة المعمارية التي أُطلقت نهاية العام الماضي، وفاز بها فريق متميز ضم: الدكتور صلاح زكي، والمهندس إبراهيم زكريا، والمهندس عماد فكري. وارتكز المشروع على مفهوم “التوازن البيئي كمدخل أساسي للحفاظ على الموارد الطبيعية”، وهو ما يعكس التوجه العالمي في العمارة المستدامة ويتناغم مع دعوة بينالي هذا العام. وقد سافر فريق العمل إلى فينيسيا للإشراف على تنفيذ المشروع، بدعم من فريق فني متخصص من الجهاز.
جدير بالذكر أن “بينالي فينيسيا الدولي للعمارة”، الذي تأسس عام 1980، يُعد من أهم الفعاليات المعمارية الدولية، ويُقام كل عامين بمشاركة واسعة من دول العالم، ويُشكل منصة رائدة لعرض الأفكار والاتجاهات الجديدة التي تُسهم في تشكيل مستقبل العمران عالميًا.