منذ أعلن رئيس مجلس النواب نبيه بري مبادرته الحواريّة، التي دعا فيها إلى حوار لسبعة أيام يتناول ملف الانتخابات الرئاسية حصرًا، على أن تعقبه جلسات "متتالية" في مجلس النواب لانتخاب الرئيس، يصرّ رئيس "التيار الوطني الحر" الوزير السابق جبران باسيل على "التمايز" في موقفه حدّ "الغموض غير البنّاء"، فتارةً يرحّب بالحوار بلا شروط ولا مواقف مسبقة، وطورًا ينقلب على موقفه منه، وبين الموقفين يضع "شروطًا" تفرغ المبادرة من مضمونها وجوهرها.


 
هكذا، تدرّج موقف باسيل من "حوار الأيام السبعة" من دون أن يتّضح ما الذي سيفعله فعليًا في حال تمّت الدعوة إلى الحوار اليوم قبل الغد، فمن استمع إلى باسيل بعد لحظات من إطلاق الرئيس بري لمبادرته شعر أنّ الرجل سيكون أول المشاركين، لكن ما هي إلا أيام، حتى بدأ باسيل يغيّر "تموضعه"، وهو ما فُهِم من تصريحه الشهير، حين أوحى بـ"تصادم" بين حراك بري والمبادرة الفرنسية، الأمر الذي "دحضه" الموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان حين أبدى دعمه الكامل للحوار.
 
وفي آخر مواقفه، يبدو وباسيل وكأنّه يحاول أن يقف "في الوسط"، بانتظار نضوج الصورة، فهو عاد لنغمة "الترحيب" بالحوار، بيد أنه وضع شروطًا عليه زادت موقفه التباسًا، فهو يريد الحوار، لكنه لا يريده تقليديًا، وهو يريد الحوار، لكنّه لا يريده جامعًا، بل عبارة عن مشاورات ثنائية وثلاثية، وهو يريد الحوار، لكنه يريده بلا رئيس ومرؤوس، وبإدارة محايدة، شروط تدفع كثيرين إلى التساؤل: أي حوار هو هذا الذي يطالب به باسيل؟ وهل فعلاً يريد الحوار كما يقول في كلّ المناسبات؟!
 
أي حوار يريد باسيل؟
 
في الأوساط السياسية، تُطرَح الكثير من الأسئلة عن نوع الحوار الذي يريده باسيل، خصوصًا بعد الشروط التي أثارها في خطابه الأخير، وأعاد التأكيد عليها في بيان الهيئة السياسية في "التيار الوطني الحر"، وقوامها حوار محصور بموضوع الانتخابات الرئاسية، وبفترة زمانية ومكان محدّدين، وأن يكون غير تقليدي، ومن دون رئيس ومرؤوس، بل بإدارة محايدة، ويأخذ شكل مشاورات وتباحث ثنائي وثلاثي ومتعدد الأطراف، بين رؤساء الأحزاب أصحاب القرار، للوصول إلى انتخاب رئيس إصلاحي.
 
تطرح "شروط" باسيل الكثير من علامات الاستفهام، فإذا كان رافضًا للحوار التقليدي الجامع، ويريد بدلاً عنه مشاورات ثنائية وثلاثية، فمثل هذه المشاورات قائمة أصلاً، بدليل الحوار المتواصل بينه وبين "حزب الله"، لكن بات واضحًا أنها لا تكفي للوصول إلى حلّ، لأن المطلوب بكل بساطة هو مشاركة الجميع، وليس إقصاء أي فريق، علمًا أنّ بعض القوى السياسية، ولا سيما في صفوف المعارضة، ترفض الحوار الجامع بسبب "حزب الله"، فكيف بالحري الحوار الثنائي معه.
 
باختصار، ثمّة في الأوساط السياسية من يعتبر أنّ مشكلة باسيل الذي يروّج منذ فترة بأنّه مع الحوار، بل "عرّابه"، هي مشكلة "مزدوجة"، فهو من ناحية لا يريد منح أيّ "امتياز" لرئيس مجلس النواب نبيه بري، وهو لا يريد أن يشارك في حوار يسجّل "مبادرة" للأخير، استكمالاً لعلاقة "الخصومة" بينهما، ومن ناحية ثانية، يخشى أن ترتدّ مشاركته في الحوار بلا شروط عليه، في ضوء المزايدات القائمة على الساحة المسيحية، ما يفرض عليه إطلاق مواقف "شعبوية" هنا أو هناك.
 
حوار "غير تقليدي"
 
يقول العارفون إنّ مشكلة باسيل "المزدوجة" هذه تفسّر "الالتباس" الذي يطبع موقفه من مبادرة رئيس مجلس النواب، فهو مؤيّد للحوار، ومتحمّس له، ويريد أن يكون "رابحًا" من أيّ تسوية رئاسية يتمّ التوصل إليه، ولو رست على أكثر الأسماء التي "حاربها" على امتداد "البازار الرئاسي"، لكنّه يريد أن تكون المبادرة مبادرته، وأن يكون الإنجاز إنجازه، وكلّ ما يخشاه أن يخرج خصومه رابحين من هذه المعمعة، من الرئيس نبيه بري، إلى المعارضة المسيحية، ولا سيما حزبي "القوات" و"الكتائب".
 
لكنّ المحسوبين على "التيار الوطني الحر" يرفضون هذا المنطق، ويقولون إن منطق باسيل في مقاربة الحوار أبعد ما يكون عن هذه "النكايات الشخصية" التي لا تقدّم ولا تؤخّر شيئًا في المعادلة، مشيرين إلى أنّ باسيل حين يتحدّث عن حوار محصور في الزمان والمكان والموضوع، وغير تقليدي، فهو لا يفرغ الحوار من مضمونه، بل على العكس من ذلك، يسعى لمنحه مقوّمات النجاح، لأنّ التجارب التقليدية السابقة أثبتت فشلها، ولا أحد يسعى لتكرارها اليوم، بل إنّ الكثير من الأطراف ستقاطع أيّ حوار تقليدي.
 
يقول هؤلاء إنّ ما يقصده باسيل هو حوار بصيغة جديدة، يوافق عليها الجميع، بعيدًا عن منطق الطاولة، وحتى عن مجلس النواب، ولا سيما أنّ مبدأ المشاورات لا يفترض أن يلقى اعتراضًا حتى من أولئك المتحفظين على الحوار بوصفه "مضيعة للوقت". لكن ما يستغربه "العونيون" بل يستهجنونه، فيكمن في الاعتراض على طلب "الإدارة المحايدة"، ورفض "الرئيس والمرؤوس"، علمًا أنّ الرئيس نبيه بري سبق أن قال إنّه لا يمكنه إدارة الحوار، لأنه اضحى "طرفًا"، ولو عاد وتراجع عن موقفه أخيرًا.
 
فيما يقترب الشغور الرئاسي من إحياء "سنويته الأولى"، لا يزال اللبنانيون يتجادلون حول "شكل" الحوار، فقوى المعارضة ترفضه من الأساس، وتصرّ على الاحتكام فقط إلى صندوق الاقتراع، ولو كانت تدرك سلفًا أنّ لعبة "النصاب" هي الحَكَم. أما باسيل المؤيّد للحوار، فيلجأ إلى شعارات فضفاضة وجميلة، كالمطالبة بحوار غير تقليدي، بلا رئيس ومرؤوس، فيما المشكلة أن البلاد بأسرها باتت بلا رئيس، وهو ما يستوجب القفز فوق كل الحسابات الضيقة، لإنجاز الاستحقاق اليوم قبل الغد! المصدر: خاص "لبنان 24"

المصدر: لبنان ٢٤

إقرأ أيضاً:

حوار: نعيش لحظة ارتباك وخطر هل هذا حقا شرق أوسط جديد؟

في الوقت الراهن تتشبث إسرائيل وإيران في وقف هش لإطلاق النار، وتستعر الحرب في غزة، وتنازع إدارة ترامب منازعة عنيفة في تقارير بأن ضربة أمريكا لمواقع إيران النووية كانت أقل فعالية مما تباهى به الرئيس ترامب فلم يزد أثر الضربات عن تأخير برنامج إيران النووي لشهور، وهو ما يختلف اختلافا كبيرا عن زعم ترامب بأن المواقع "أبيدت" و"تحطمت بالكامل".

ومن أجل مساعدتي في فهم الضربات الأمريكية لإيران، وكذلك مجمل حال حرب إسرائيل على حماس وحزب الله وإيران، قصدت صديقتي كوري شيك، كبيرة الزملاء ومديرة دراسات السياسات الخارجية والدفاع في معهد أمريكان انتربرايز.

عملت شيك من قبل في وزارة الخارحية، ووزارة الدفاع ومجلس الأمن الوطن، وهي صاحبة منهج حاد ومستقل. وقد كتبت في الفترة الأخيرة مقالة فاتنة تذهب فيها إلى إن قرار إدارة ترامب بالتخلي عن التعاون وتبني الإكراه في الشؤون الخارجية سوف يقلل من تأثير أمريكا ويجعلها "بلدا يمكن الاستغناء عنه" وسيجعل نفوذها الدولي يتلاشى بمرور الوقت.

وقد رأيت أن الإنصات إلى أفكارها مفيد للغاية، وإن لم يكن مطمئنا طيلة الوقت، وأحسب أنكم سترون مثل ما رأيت. وقد خضع حوارنا التالي لشيء من التحرير بغية الوضوح.

***

ديفد فرينش: لنبدأ بسؤال عام. في السادس من أكتوبر سنة 2023، كان الشرق الأوسط في حالة سلام نسبي، لكن إسرائيل كانت تواجه سلسلة من التهديدات المحبطة: فحماس سالمة وحاكمة على غزة، وحزب الله يستجمع قواه منذ سنين ولديه آلاف الصواريخ والقذائف في لبنان، والحوثيون يسيطرون على أجزاء كبيرة من اليمن ويقيمون ترسانتهم الصاروخية، ونظام الأسد نجا من أسوأ حرب أهلية سورية (بعون روسي إيراني) وكان حليفا قويا لإيران، وإيران نفسها كانت تؤسس قدرات ضخمة من الصواريخ والمسيرات وتعمل حسبما يقال على قنبلة نووية.

والآن هلكت حماس وحزب الله، ورحل نظام الأسد، وإيران عانت من سلسلة انتكاسات عسكرية. وألحقت إسرائيل ضررا جسيما بدفاعات إيران الجوية، وقتلت الكثير من كبار قادتها العسكريين وعلمائها النوويين وألحقت أضرارا بمنشآت إيران النووية. والولايات المتحدة هاجمت برنامج إيران النووي وألحقت به أضرارا.

ما أهمية هذه التطورات العسكرية؟ هل كانت هذه الحرب ببساطة جولة أخرى في سلسلة تبدو بلا نهاية من صراعات الشرق الأوسط، أم كانت أكثر من هذا؟ وهل غيرت من ميزان القوى في المنطقة؟

كوري شيك: هي تمثل إعادة ترتيب جذرية للشرق الأوسط. فقد كانت الصراعات السابقة في الشرق الأوسط عبارة عن تجمع دول متجاورة معا لتهديد إسرائيل.

مما لم يرد له ذكر في كلامك، الذي تركز بطريقة مفهومة على التطورات العسكرية، الاتفاقات الإبراهيمية، وأعتقد أنها مهمة حقا بوصفها مؤشرا لما كان يتغير، وهو أن الدول العربية في الشرق الأوسط بدأت تتخلى عن عدائها لإسرائيل بسبب رغبتها في التعاون في ما يتعلق بالتهديد الإيراني لها جميعا.

هذا التحول المشهود قلل من الخطر على إسرائيل. وجاءت هجمة حماس فأرغمت إسرائيل على المخاطرة باختبار الدفاع الإيراني اختبارا عميقا من خلال حلفائها، وكشف نجاح إسرائيل مدى مغالاة أغلبنا في تقدير قوة إيران. فالفارق الكبير الآن هو انهيار قوة إيران.

فرينش: فلنلق نظرة أقرب على كل من مناطق الصراع الرئيسية الثلاث: أي إيران ولبنان وغزة. ابتداء بإيران، هل لدينا أي بيانات مضمونة بشأن فعالية الضربات الإسرائيلية والأمريكية للبرنامج النووي الإيراني؟ مثلا، ما مدى جسامة الضرر الذي لحق بالمنشآت نفسها؟ هل نعرف وضع مخزون إيران من اليورانيوم المخصب؟

شيك: لم أر تقديرات مضمونة للضرر بعد. رأيت تقارير عن قيام إيران بنقل المخزون قبل الضربات، لكن حتى لو أن ذلك لم يحدث، ثمة أسباب وجيهة لعدم استهداف مواد مشعة.

في الحد الأدنى، ستلحق الهجمات أضرارا ملموسة في الآلات الحساسة تؤخر برنامج الأسلحة النووية. وبجانب اغتيال الكثير من القيادات العسكرية والعلمية، أعتقد أنه يمكن القول بأننا قد لا نكون محونا برامج الأسلحة النووية، لكننا عطلناها.

وبالإضافة إلى كسب الوقت، فقد بعثنا إشارة مهمة إلى قيادة إيران بأننا عازمون على استعمال القوة لمنعهم من امتلاك أسلحة نووية. وقد كانت تلك هي السياسة التي اتبعها الرؤساء الخمس الأمريكيون الأخيرون، لكن أحدا منهم لم يكن عازما على ضغط الزناد، برغم تقدم إيران الكبير نحو السلاح.

فرينش: أنا مؤيد للضربات الإسرائيلية والأمريكية لإيران وذلك إلى حد كبير بسبب أن مخاطر القنبلة الإيرانية كبيرة بدرجة تحتم عدم السماح لبرنامجها بالنجاح، لكن المنتقدين يحتجون بأن الضربات قد تحفز إيران على تسريع برنامجها. وإيران تعلم أن الترسانة النووية فقط هي التي قد تردع حقا أمريكا أو إسرائيل. فهل يضمن هذا الصراع ببساطة أن إيران سوف تصلح منشآتها وتضاعف التزامها بتصنيع قنبلة نووية؟

شيك: أنت محق في هذا التخوف. فالانتشار النووي مسألة خطيرة. ولكن الأفعال الأمريكية والإسرائيلية أظهرت أننا عازمون على مهاجمة منشآت في حال شكنا في أن إيران تخطو هذه الخطوة، كما أننا هددنا باستهداف القيادة في حال قيامها بذلك. ومن شأن ذلك أن يردع قادة إيران عن السعي إلى استئناف برامج الأسلحة.

فرينش: رأيت أيضا بعض المنتقدين يشيرون إلى صفقة الرئيس باراك أوباما الغابرة مع إيران، التي أنهاها ترامب في ولايته الأولى ويذهبون إلى أن تدخل ترامب العسكري سيكون أخطر وأقل فعالية في منع الانتشار النووي من دبلوماسية أوباما. بينما يذهب منتقدو اتفاقية أوباما إلى أنها أدت إلى تقوية قدرات إيران التقليدية فزادت بذلك من زعزعة استقرار الشرق الأوسط. ما موقفك أنت من هذا الجدال؟

شيك: لا يمكننا القطع بما لو أن صفقة أوباما ـ التي كسبت وقتا وأتاحت بعض التفتيش لكنها سمحت لإيران بالتخصيب ولم تحدّ مطلقا من أعمال إيران في المنطقة، وزعزعة استقرار حكومات أخرى، وتهديد الشحن في المضيق وانتهاكات حقوق الإنسان ـ كان يمكن أن تمنع انتشار الأسلحة النووية.

مؤكد أنها ما كانت لتمنع أعمال حماس التي جسدت استراتيجية إيران المنهارة. لقد أتاحت العمليات الإسرائيلية للولايات المتحدة فرصة ما كانت لتتاح بطريقة أخرى، فمن الصعب المقارنة، لكنني أعتقد أن الدبلوماسية أثبتت عجزها عن منع جهود إيران لامتلاك أسلحة نووية. ولقد صدمني ما عرضته إدارة ترامب على إيران ـ فقد كان أسخى من الاتفاقية السابقة! ـ ولم يقبل الإيرانيون.

فرينش: لنلتفت الآن إلى لبنان وحزب الله. نعرف أن حزب الله عانى من خسائر جسيمة. فقد قتلت إسرائيل أو جمدت الكثير من كبار قياداته وألحقت ضررا جسيما بقواته التقليدية. كيف تصفين وضع حزب الله الآن؟ وما حجم قدرته على إعادة بناء نفسه بعد أن ينتهي هذه الصراع أخيرا؟

شيك: حزب الله حاليا مشلول. واحتمال نشوء حكم أفضل في لبنان مرجح أن يجعل إعادة بنائه نفسه أقل نجاحا. فضلا عن الاغتيالات الإسرائيلية. قد تعطي خيارات إسرائيل في غزة بعض الزخم لقدرة حزب الله على التجنيد، ولكن الفائدة الكبرى ستكون من نصيب حماس.

فرينش: يبدو لي أن غزة تبقى المشكلة الأصعب على الإطلاق. هل يصح القول بأن حماس ضعفت ضعفا شديدا لكنها لا تزال تسيطر على شعب غزة المدني، ولو في الأماكن التي لا تعمل فيها القوات الإسرائيلية على الأقل؟

شيك: لقد تعلمنا من العراق درسا قاسيا. فقد كان من شبه المستحيل إلحاق الهزيمة بجيش متحصن دونما شيء من الاحتلال المؤقت على الأقل. وفي معجمنا، كان علينا أن نصفي العدو، ونحوز الأرض، ونحميها من إعادة الاختراق، ثم كان لزاما علينا أن نقيم بنية أساسية أمنية قادرة على الصمود بعد مغادرتنا.

إسرائيل لم تتبع هذه الاستراتيجية بتمامها بعد السابع من أكتوبر، وأخشى من أن الرغبة في عدم القيام بحملة مقاومة للتمرد تطيل أمد الصراع وتزيد من التكلفة من حياة المدنيين.

فرينش: كيف ترين حال قتال إسرائيل لحماس؟

شيك: إنه لأمر صادم بحق أن نرى عمق واتساع بنية حماس الأساسية في غزة. أعتقد أن الوضع في غزة شديد السوء، ومن المرجح أن يبقى شديد السوء لردح طويل من الزمن.

يبدو لي أن هجمة حماس على إسرائيل قد أطاحت بالثقة لا بين المتطرفين السياسيين في إسرائيل وحسب وإنما لدى الشعب بصفة عامة، فلم يعد يؤمن بأن إسرائيل يمكن أن تأمن في ظل حياة الفلسطينيين في غزة. في الوقت نفسه، لا يقتصر أمر الفلسطينيين على أنهم لا يريدون الرحيل، ولكن الدول المحيطة لا تريد استقبالهم.

هذا مأزق لا يحتمل التغلب عليه إلا بتخفيف أحد هذين المطلبين السياسيين المتناقضين. وهو ما يقودني إلى استنتاج أن إسرائيل متقبلة فكرة احتلال ممتد لغزة، ومثلما قلت أنت، فمن المستبعد أن تؤدي خياراتهم في ذلك الاحتلال إلى الأمن سواء للفلسطينيين أو للإسرائيليين.

فرينش: هل هناك أي احتمال واقعي لأن تكون قوة حفظ سلام تابعة لطرف ثالث جزءا من أي سلام دائم؟ فأنا أستبعد أن يرغب أي بلد آخر في ولوج هذا المستنقع.

شيك: أوافقك الرأي يا ديفيد. فالأمر لا يقتصر على أنه ما من سلام قائم لحفظه، لكنني لا أرى فيضا من الدول العازمة على عرض قوات تقبلها إسرائيل أو الفلسطينيون. وستكون لحماس دوافع قوية لاستهدافها.

فرينش: فهل لا يبقى لنا غير الحل القاتم لصراع غزة وهو اللاحل؟ بأن تطلق حماس في نهاية المطاف سراح الرهائن المتبقين في مقابل وقف إطلاق نار يتركها مسيطرة على خرائب غزة التي تعيش كارثة إنسانية بلا آفاق حقيقية لا لسلام دائم ولا لرخاء حقيقي؟

شيك: نعم للأسف. أعتقد أنه ليس من المرجح أن نرى أي حل قريب، حتى الحل القاتم الذي أشرت إليه.

فرينش: ذكرت سابقا الاتفاقات الإبراهيمية والتطبيع المحتمل للعلاقات الإسرائيلية العربية. يبدو أنه كان من أغراض هجمات حماس في السابع من أكتوبر أن تعطل أي أمل في اتفاق كالاتفاقات الإبراهيمية مع السعوديين. فمن جانب، تستمر حرب غزة، وتلحق خسائر فادحة في أرواح المدنيين من أهل غزة. وفي الوقت نفسه، ألحقت إسرائيل ضررا جسيما بإيران وهي عدو المملكة العربية السعودية الأساسي في المنطقة. ما حال الدبلوماسية الإسرائيلية السعودية؟ هل لا تزال من إمكانية للتوصل إلى اتفاقية؟

شيك: كل حكومات المنطقة تعارض امتلاك إيران لسلاح، ولذلك ثمة دعم لضربات إسرائيل لإيران حتى لو أدانتها الحكومات. وثمة أيضا عداء واسع النطاق بين الحكومات العربية للقوات الوكيلة التي أنشأتها إيران لزعزعة استقرار تلك الحكومات.

وإذن فإن أساس التعاون قائم، وأعتقد أنك رأيت دليله في مشاركة العديد من الحكومات في حماية إسرائيل خلال هجمات إيران هذا العام والعام الماضي. لكن المرجح أن تجعل قرارات إسرائيل في غزة من انضمام السعودية رسميا إلى الاتفاقات الإبراهيمية مستبعدا للغاية، في غياب سبيل متفق عليه لتقدم الفلسطينيين.

فرينش: هذا الواقع المزدوج، إذ تدعم دول كثيرة جهود إيقاف برنامج إيران النووي مع استيائها المفهوم من معاناة المدنيين في غزة، يعقد علاقات إسرائيل العالمية. وفي حين تبقى العلاقات الإسرائيلية الأمريكية قوية، كيف ترين وضع إسرائيل الدبلوماسي مع حلفائها الأوروبيين التقليديين؟ هل ستنهى إسرائيل هذه الحرب وقد باتت أقوى عسكريا وأضعف دبلوماسيا؟

شيك: خيارات إسرائيل في غزة تجعل من الصعب للغاية على كثير من الحكومات الأوروبية التي أدانت أعمال حماس أن تدعم سياسة الإسرائيلية في غزة. وثمة قلق واسع على الفلسطينيين تتجاهل الحكومة الإسرائيلية التعامل معه، ولذلك أعتقد أنك قد تكون محقا.

فرينش: يمكنني أن أطرح عليك الأسئلة إلى ما لا نهاية له، لكن لننته بسؤال كبير: ما أفضل وما أسوأ سيناريوهات التقدم؟ ولعل هذه صيغة أفضل: ما الذي ترينه في هذه اللحظة وتجدين فيه أملا؟ وما الذي يذهب من عينك النوم؟

شيك: ما يؤرقني هو احتمال الانتقام الإيراني الفعال من بلدنا ومن إسرائيل. نحن نتصرف وكأن إيران بلا خيارات، وأرجو صادقة أن يكون الأمر كذلك. لكن كل خبير استراتيجي هو في جوهره شخص مصاب بجنون الارتياب، ولذلك فإن لدي مخاوف كثيرة تتعلق بأن العمليات التي تبدو مفيدة حتى الآن قد تكون لها عواقب رهيبة.

أما ما يمنحني الأمل فهو أن الشعب الإيراني الآن أفضل حالا من الحكومة الإيرانية بكثير، وانهيار قوة إيران قد يؤدي إلى قلة قمع الحكومة الإيرانية لشعبها.

• ديفيد فرينش كاتب متخصص في القانون والصراعات المسلحة والدين والثقافة.

** خدمة نيويورك تايمز

مقالات مشابهة

  • رئيس الوفد: سندفع بـ 25 مرشحا على المقاعد الفردية في انتخابات الشيوخ
  • نشارك في كل القضايا الوطنية..رئيس حزب الاتحاد: ندفع بكوادر شبابية في انتخابات الشيوخ
  • رئيس حزب الاتحاد: انتخابات الشيوخ خطوة لترسيخ الديمقراطية.. وحزب الاتحاد جاهز للمنافسة
  • ترامب: نتنياهو يريد إنهاء الحرب في قطاع غزة
  • رئيس حزب مصر بلدي: نعمل على قدم وساق لدعم مرشحي الحزب في انتخابات مجلس الشيوخ
  • حماس: قدمنا رؤية لإبرام صفقة شاملة ونتنياهو يريد استثمار حرب إيران
  • ترامب يريد إنهاء حرب غزة.. وتوتر شديد باجتماع أمني في إسرائيل
  • "اليوم24" يحاور مرشحا لبرلمان الطفل: أنا مرشح لكل طفل لا يصل صوته (حوار خاص )
  • باسيل: هناك من يعمل على نزع حق التمثيل من المغتربين
  • حوار: نعيش لحظة ارتباك وخطر هل هذا حقا شرق أوسط جديد؟