ألكسندر عون يكتب: تاريخ وأحداث.. الثورة العربية الكبرى 1936-1939.. العمل المؤسس للقومية الفلسطينية
تاريخ النشر: 24th, September 2023 GMT
شاركت إنجلترا وفرنسا فى أعقاب الحرب العالمية الأولى فى إعادة تشكيل الشرق الأوسط وفقًا لمصالحهما الخاصة. اختارت لندن التى كانت صاحبة الانتداب رسميًا على فلسطين فى عام ١٩٢٢ سياسة صهيونية على حساب السكان المحليين. وبعد الوعد بإقامة «وطن قومى لليهود» عام ١٩١٧ خلال وعد بلفور واجهت الحكومة البريطانية غضبًا شعبيًا، وقد أدى وصول سكان جدد ومصادرة أراضيهم إلى الشعور بالهوية والجنسية الفلسطينية.
بدايات الانتفاضة
وعقب وعد بلفور عام ١٩١٧ الذى شجع الهجرة اليهودية اشتدت احتجاجات الفلسطينيين بشكل متزايد. اندلعت أعمال الشغب فى الأعوام ١٩٢٠ و١٩٢١ و١٩٢٩ للمطالبة بإنهاء الانتداب البريطانى، ولمعارضة المشروع الصهيونى بشدة.
وتتحول فلسطين تدريجيًا إلى قلب العروبة النابض فى وجه الصهيونية. وتتصارع الأيديولوجيتان مع بعضهما البعض من خلال الفصائل المسلحة ويتم تشكيل المنظمات شبه العسكرية. وخلال الاضطرابات العديدة التى حدثت فى عشرينيات القرن الماضى، ارتكب الجانبان عدة هجمات. وكان من المنطقى أن يفضل التاج البريطانى المشروع الصهيونى، فى حين يتلقى الفلسطينيون الدعم المعنوى والمالى والعسكرى من عرب الشرق الأوسط. وفى ضوء هذا الوضع تقوم باريس بتزويد القوات الصهيونية وكذلك الفلسطينيين بالأسلحة لزعزعة استقرار الانتداب البريطانى. وتفعل لندن نفس الشيء مع الدروز فى سوريا.
أدى وصول أدولف هتلر على رأس ألمانيا عام ١٩٣٣ إلى تفاقم الأزمة فى فلسطين. وبالفعل وبسبب النازية هاجر أكثر من ١٣٥ ألف يهودى إلى فلسطين خلال هذه الفترة. وكان لهذا التدفق الهائل من الناس ورءوس الأموال أثره فى تعزيز القلق الفلسطينى. فالفلسطينيون الذين يعانون من الانقسامات العشائرية والحركات المتنافسة، منقسمون.البعض يؤيد بين التفاوض مع البريطانيين بينما يفضل القوميون النضال الشامل وناضل القادة الفلسطينيون من أجل الوحدة.
فى مواجهة التواطؤ الأنجلو- صهيونى ورغبة الصهيونى ديفيد بن جوريون فى تأسيس دولة يهودية فى فلسطين، لم يتردد بعض القوميين الفلسطينيين من الاقتراب من ألمانيا النازية. وباعتبارها عدوًا للندن عملت برلين كحليف للعرب. وبدت المواجهة حتمية على الرغم من الجهود البريطانية العديدة لإيجاد حل سلمى.
من الإضراب إلى الثورة
سعت القوات البريطانية جاهدة لاستعادة النظام فى فلسطين. وتزايد صوت الفلسطينيين الذين يطالبون باحترام حقوقهم. وفى هذا السياق العاصف والانتقامى، قُتل ٢ من اليهود على يد احد المتطرفين العرب فى ١٥ إبريل ١٩٣٦. وانتقامًا لذلك قتلت جماعة صهيونية ٢ من العرب وقتل ٩ من يهود فى يافا. أعلن الإنجليز على الفور حالة الطوارئ وفرضوا حظر التجول.
فى ١٢ أبريل ١٩٣٦، دخلت فلسطين فى إضراب عام ضد المحتل. فقد قاموا بمقاطعة المنتجات الإنجليزية والصهيونية. ورفض الفلسطينيون دفع الضرائب. أصيبت أجزاء مختلفة من المجتمع بالشلل «الموانئ والمدارس والقضاء» كما اغلقت الشركات الفلسطينية على أمل الحصول على تنازلات من الإمبراطورية البريطانية. وتلا ذلك هجمات نفذها عرب من فقد قاموا بتخريب السكك الحديدية أو خط الأنابيب الذى يربط كركوك بحيفا. وأمام حجم هذا الإضراب الواسع النطاق وتصاعد أعمال العنف، أرسل الإنجليز لجنة لدراسة المطالب الفلسطينية.
واشارت لجنة بيل إلى أنه لا يمكن لليهود والعرب العيش فى نفس الدولة وقررت اللجنة تقسيم فلسطين إلى دولتين: الجليل والساحل بأكمله سيشكلان دولة يهودية، وبقية الأراضى حتى شرق الأردن «الأردن الحالى» ستشكل دولة عربية. وأيد الصهاينة بقيادة دافيد بن جوريون هذه الخطة. ورفض العرب ذلك بشكل قاطع. وأمام فشل المفاوضات استؤنفت الاحتجاجات واشتدت وتم اغتيال القائد أندرو، الحاكم الإنجليزى المسئول عن الجليل.
اصبحت فلسطين بحكم الأمر الواقع مقرا حقيقيًا للقوات الإنجليزية. وقررت إنجلترا تصعيد قمعها الانتقائى وهاجمت الزعماء القوميين والأعيان العرب. وفى ذروة هذه الأزمة أرسلت لندن ما يصل إلى ٢٠ ألف جندى لقمع التمرد. كانت حصيلة هذه الثورة العربية الكبرى التى استمرت من ١٩٣٦ إلى ١٩٣٩ فى فلسطين مرتفعة. فقد قُتل ٥٠٠٠ عربى و٢٠٠ بريطانى و٥٠٠ يهودى، وتم سجن ما يقرب من ٩٠٠٠ عربى.
عواقب قصيرة المدى
ونظرًا للغضب العربى وعدم قدرة بريطانيا على إدارة فلسطين، أصدر الإنجليز كتابًا أبيض ثالثًا فى عام ١٩٣٩ إذ لابد من كبح الهجرة اليهودية كما ان بيع الأراضى العربية لليهود محدود ومنظم. قدمت هذه الورقة البيضاء للعرب الفلسطينيين تنازلات سياسية مع وعد بالاستقلال فى غضون ١٠ سنوات.
شهدت هذه الفترة من التوترات نشوء الجماعات شبه العسكرية فى المشهد السياسى العسكرى فى فلسطين. وقد تفوقت منظمة الهاجانا الصهيونية والمدربة تدريبًا جيدًا «والتى تعنى الدفاع باللغة العربية» فى مواجهة الجماعات الفلسطينية التى كانت أكثر فوضوية فى أساليبها. عملت هذه المجموعة الهاجانا كتابع للجيش البريطانى. كما نمت جماعة الإرجون المسلحة الصهيونية مع الاحتجاج العربى عام ١٩٣٦ وأثبتت هذه المنظمة العسكرية نفسها كقوة سياسية قوية تدافع عن الصهيونية وهى تؤيد إقامة دولة يهودية على ضفتى نهر الأردن متجاهلة المطالب الفلسطينية.
أما الفلسطينيون فرغم الانقسام وعدم التنظيم عسكريًا وسياسيًا، فقد آمنوا بالقومية وواجهوا المحتل. وعلى الرغم من الهزيمة إلا أن هذه الثورة العظيمة وضعت أسس تنظيم سياسى وطنى تدعمه المنطقة بأكملها. ونتيجة لهذا ففد اتخذ العرب واليهود مواقف متعارضة بحيث اصبح الوصول إلى تسوية أمرا لا يمكن تصوره.
فى لعبة البلياردو هذه ذات الثلاث وسائد يلعب الإنجليز دور الحكم. فهم يقفون فى صف اليهود وضد العرب فقد أدت السياسة الاستعمارية البريطانية والرهان الصهيونى إلى إدخال المنطقة فى دائرة من التوترات المجتمعية والإقليمية.
معلومات عن الكاتب:
ألكسندر عون صحفى فرنسى لبنانى متخصص فى قضايا الشرق الأوسط.. يكتب عن الثورة العربية الكبرى وبروز الشعور القومى بفلسطين فى مواجهة الانتداب البريطانى والعصابات الصهيونية.
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: إنجلترا فرنسا الحرب العالمية الأولى الشرق الأوسط فى فلسطین
إقرأ أيضاً:
الحكومة البريطانية تعين صحفيا من ذا صن رئيسا للاتصالات
عيّنت الحكومة البريطانية الصحفي ديفيد دينسمور -المحرر السابق بصحيفة "ذا صن"- في منصب رئيس الاتصالات، رغم المخاوف بشأن خدمته الطويلة بمنصب رفيع في شركة "نيوز يو كيه" (News UK) المملوكة لروبرت مردوخ، والتي تنشر صحيفة التايمز وشقيقتها صنداي تايمز والتي ارتبطت بما عرف بفضيحة التنصت على الهواتف.
وجرى تعيين دينسمور بعد منافسة مع رجل العلاقات العامة تيم ألان المستشار السابق لرئيس الوزراء الأسبق توني بلير، بحسب صحيفة غارديان.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2إسرائيل تريد طمس الحقيقة من الجو بحظر تصوير إسقاط المساعداتlist 2 of 2ما مصدر المعلومات الذي يثق به ترامب وبه غير موقفه من تجويع غزة؟end of listوسينضم دينسمور -الذي عمل بالصحف الشعبية ومحررا ومديرا إخباريا منذ التسعينيات- إلى الخدمة المدنية كسكرتير دائم للاتصالات بمكتب مجلس الوزراء في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، بعد أن شغل منصب المدير التنفيذي لـ"نيوز يو كيه".
دهشة وقلق من تعيين دينسموروقد قوبل تعيين دينسمور بالدهشة والقلق داخل دوائر الخدمة المدنية البريطانية، ومن بعض الشخصيات في حزب العمال، نظراً للجدل الذي أحاط بـ"نيوز يو كيه" على مدى السنوات الماضية، من فضيحة التنصت على الهواتف إلى تغطيتها التي اعتذرت لاحقا عنها لكارثة ملعب هيلزبره عام 1989 حيث لقي فيها 97 من مشجعي فريق ليفربول حتفهم جراء التدافع.
ورغم أن دينسمور لم يكن رئيس تحرير صحيفة "ذا صن" وقت وقوع الحادثتين، فإنه شغل منصبا رفيعا في "نيوز يو كيه" خلال العقد الماضي.
وفي حين بعث 3 نواب من مدينة ليفربول رسالة إلى رئيس الوزراء كير ستارمر عبروا فيها عن قلقهم بشأن تعيين دينسمور، أعربت بعض النساء البارزات في حزب العمال عن انزعاجهن من تاريخه في الدفاع عن نشر صور عاريات الصدر في الصحف الشعبية بهدف بيع المزيد من النسخ، مما أكسبه لقب "أكثر شخص عنصري ضد النساء" ضمن استطلاع أجرته حملة "إنهاء العنف ضد النساء" عام 2014.
إعلانوبصفته محررا في صحيفة "ذا صن" أدين دينسمور بنشر صورة مشوشة لضحية اعتداء جنسي، مما سمح بالكشف عن هويتها عن طريق الخطأ، وحُكم عليه بغرامة قدرها ألف جنيه إسترليني.
صارم ومدافع عن وسائل الإعلامووفق صحيفة غارديان، فقد كان دينسمور مدافعا قويا عن وسائل الإعلام المحلية، وقال لجمعية المحررين عام 2018 إنه سئم من "الإساءة إلى الصحافة".
ووصفه الصحفيون الذين عملوا معه في "نيوز يو كيه" بأنه "صارم" لكن جايلز كينينغهام -مؤسس شركة العلاقات العامة "ترافالغار إستراتيجي" والرئيس السابق للاتصالات في حزب المحافظين– قال إن دينسمور "صريح وساحر ومحبوب" وإنه يواجه مهمة صعبة تتمثل في تولي مزيد من المسؤولية عن قنوات الإعلام الحكومية و"تغيير مسار الآلة الضخمة دون السماح للبيروقراطية بالسيطرة".
ورغم خلفيته التقليدية في مجال الصحافة المطبوعة، حيث بدأ عمله مراسلا لصحيفة "ذا صن" عام 1990 وترقى إلى منصب رئيس التحرير من عام 2013 إلى 2015، أشرف دينسمور على تغييرات رقمية كبيرة في "نيوز يو كي" منذ إطلاق "تايمز راديو" و"توك تي في" إلى زيادة إنتاج الفيديو في "ذا صن" بما في ذلك برنامجها التلفزيوني الخاص "نيفر ميند ذا بالوتس".
وقالت مصادر حكومية إن دينسمور أثار إعجاب ستارمر بأفكاره حول وسائل الإعلام الجديدة، والوصول إلى الجماهير بشكل أكثر مباشرة. وبالإضافة إلى توجيه الاتصالات الشاملة، سيشرف دينسمور على "وحدة وسائل الإعلام الجديدة" التي يقودها إد بيريمان أحد المسؤولين بمكتب مجلس الوزراء، والذي عمل سابقا مع دينسمور كرئيس تسويق أول في "نيوز يو كيه".