لجريدة عمان:
2025-07-04@18:08:59 GMT

ناجورنو كاراباخ والقانون الدولي

تاريخ النشر: 24th, September 2023 GMT

ترجمة: بدر بن خميس الظفري -

من السمات الأساسية لفكرة (المجتمع الأممي) أن المؤسسات العابرة للحدود الوطنية قادرة على حل الصراعات القديمة بين الدول من خلال الاعتماد على سيادة القانون والحوار وتحفيز الازدهار الاقتصادي، فإذا أصبحت دولة ما مارقة، كما تقول النظرية، فإن النظام الدولي سوف يعاقبها بكل سهولة دبلوماسيا واقتصاديا.

لقد تبين، أكثر من مرة، أن هذا مجرد وهم، كما يتضح من استيلاء روسيا على شبه جزيرة القرم في عام 2014. لقد كان إقليم (ناجورنو كاراباخ)، الجيب الداخل في حدود أذربيجان، الذي يطالب به الانفصاليون الأرمن، هي المنطقة التي هُزمت مؤخرا، إذ شنت القوات الأذربيجانية يوم الثلاثاء هجوما على الإقليم، وعلى الرغم من أن الوضع على الأرض لا يزال غير واضح، إلا أن القوات الأرمينية وافقت على إلقاء أسلحتها، الأمر الذي قد يؤدي إلى إدخال هذه المنطقة الجبلية المعزولة بأكملها إلى أذربيجان.

كانت (ناجورنو كاراباخ) موجودة منذ ما يقرب من ثلاثة عقود، دولةً غير معترف بها دوليًا ومرتبطة ارتباطًا وثيقًا بأرمينيا، ومع ذلك، قابل المجتمع الدولي استخدام أذربيجان للقوة بالتجاهل. مثل العديد من الصراعات القديمة، فإن الحقوق التاريخية والوقائع الحالية تظل محل نزاع ساخن، ومع ذلك فهناك مصالح قوية لكلا الجانبين. إن هذا النزاع، وردود الفعل الدولية عليه، يحمل في طياته دروسا مهمة للعالم حول فلسفة القانون والقوة.

تتمتع أذربيجان بحجة قانونية أكبر في قضية مطالبتها بالأرض، فعندما كانت أذربيجان وأرمينيا جزءًا من الاتحاد السوفييتي، كانت (كاراباخ) منطقة ذات أغلبية أرمينية تتمتع بحكم شبه ذاتي داخل أذربيجان. لم يكن هذا الأمر بتلكم الأهمية؛ نظرًا لأن الكرملين كان يحكم كليهما. عندما سقط الاتحاد السوفييتي، أصبحت حدوده الداخلية ذات أهمية بالغة، لأنه بموجب القاعدة المطلقة والأساسية للقانون الدولي، ترث الدولة الجديدة حدود الكيان الإداري السابق في المنطقة، بغض النظر عن مدى عدم عدالة تلك الترسيمات الحدودية ومدى التلاعب بها.

وكان هذا يعني أن (كاراباخ) لن تكون جزءًا من أرمينيا، مما أدى إلى نشوب حرب بين عامي 1988 و1994، انتصرت فيها القوات الأرمينية، وأمنت الأراضي والمناطق الجبلية المحيطة بأذربيجان التي تقع بين الجيب وأرمينيا، كما أدت الحرب أيضًا إلى عمليات نقل سكانية كبيرة بين البلدين، وهو ما يذكرنا بحروب الاستقلال السابقة في ذلك القرن، فيما انتهت حرب ثانية عام 2020 بمكاسب أذربيجانية كبيرة.

وبهذا، يعد استيلاء أذربيجان بالكامل على كاراباخ الآن من الناحية القانونية تحريرًا لأراضيها، رغم أنها لم تسيطر عليها فعليًا منذ الاستقلال.

القانون الدولي ليس بديلاً عن العدالة أو الأخلاق، فأرمينيا تتمتع بروابط قديمة في المنطقة، التي تعد موطنًا لواحدة من أقدم الكنائس المسيحية الأرثوذكسية في العالم، ومعظم سكانها من الأرمن، الذين لا يريدون أن يندمجوا في الحظيرة الأذربيجانية بعد ذكريات المذابح والأعمال العدائية في القرن العشرين. ويشير التاريخ إلى أن معظمهم لن يبقوا في كاراباخ تحت الحكم الأذري، خاصة في ظل عدم قدرة أرمينيا على حمايتهم وعدم رغبة أذربيجان في منح السكان قدرًا كبيرًا من الحكم الذاتي. وإذا ما تمكنت باكو من إقناعهم بالبقاء كأقلية، فسيكون ذلك علامة قوية على حسن نوايا أذربيجان.

هناك بعض الدروس التي تنبثق من هذا الصراع. الأول يتعلق بقوة الغريزة على المؤسسات، فالكراهية القبلية والطموحات القومية ما زالت حية بقوة في القرن الحادي والعشرين، وأن الحروب على الأرض لا تقتصر على الدول المتخلفة أو الدول الشمولية، فكل من أرمينيا وأذربيجان عضوان في مجلس أوروبا ومنظمة الأمن والتعاون في أوروبا. ومع ذلك، لم تنجح محاولات منظمة الأمن والتعاون المستمرة منذ عقود لحل الصراع.

وبدلا من ذلك، تم حل «الصراع المجمد» من خلال التفوق الساحق لقوات باكو. تقدم هذه الحقيقة العسكرية درسا ثانيا حول المطالبات الكبرى بالنيابة عن القانون الدولي، فالهجوم الأخير لأذربيجان على كاراباخ لم يكن ردًا على أي عدوان أرمني فوري. زعم الكثير من المحامين الدوليين أن التغييرات القسرية، حتى على خطوط الهدنة المستقرة، هي غير قانونية بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 2625، المعنون «إعلان العلاقات الودية» الصادر عام 1970، ولا يمكن الاعتراف بها من قبل الدول الأخرى. لكن هذا لم يكن إلا وهما يطبق بشكل انتقائي، حيث سيعترف بسيادة باكو على كاراباخ.

الدرس الثالث يتعلق بالدفاع، فالبلدان التي تعهد بأمنها إلى أجانب، كما فعلت أرمينيا مع روسيا، التي توسطت في وقف إطلاق النار في صراع عام 2020، إنما تفعل ذلك مع وجود مخاطر تتحمل مسؤوليتها بنفسها. إن القوى العظمى تتدخل في مثل هذه الاتفاقيات عندما يكون هناك فائدة تحصل عليها تتمثل في إظهار قوتها وهيبتها، ومن هنا فلا يوجد سبب لتدخلها إذا كان التوقيت غير مناسب، كما هو الحال بالنسبة لموسكو الآن. قد يشفق المجتمع الدولي على الجانب الأضعف، لكن الرهان على الشفقة محفوف بالمخاطر.

الدرس الأخير المستفاد من هذا الصراع متعلق بالتاريخ، الذي يشهد أن التضامن الديني أو العرقي كان أحد الدوافع القوية في الحروب والسياسة الدولية، لذلك فإن تركيا هي الحليف الرئيسي لأذربيجان، إلا أن هذا الدافع يبدو أنه لم يعد يحرك الغرب المسيحي، ومن هنا لا يسعنا إلا أن نقول: كان الرب في عون تلك الدول التي يجب أن تقاوم وحدها.

يوجين كونتوروفيتش أستاذ في كلية الحقوق بجامعة جورج ماسون سكاليا، ومدير مركز الشرق الأوسط والقانون الدولي فيها.

عن وول ستريت جورنال.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: القانون الدولی

إقرأ أيضاً:

موقع روسي: أذربيجان تهاجم روسيا في لعبة تتجاوز حجمها

في تقرير نشره موقع "تسارغراد" الروسي يحلل الكاتب سيرغي لاتيشيف التدهور المتسارع في العلاقات الروسية الأذربيجانية، ويُرجعه إلى تحولات إقليمية ودولية منذ اندلاع الحرب في أوكرانيا.

ويرى الكاتب أن أذربيجان دخلت -بدفع من قوى غربية- في صراع غير مباشر مع موسكو، في لعبة تتجاوز حجمها الحقيقي وقدرتها على المواجهة.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2المصالح الأجنبية تعمّق الحرب في السودان ولا سبيل لإيقافها سوى الدبلوماسية الإقليميةlist 2 of 2نيويورك تايمز: ما الذي تتوقعه واشنطن من حكومة الشرع في سوريا؟end of list

ويشير التقرير إلى أن سياسة أذربيجان أصبحت أكثر عدائية تجاه روسيا، ومن مظاهر ذلك:

دعم أوكرانيا عسكريا أو لوجستيا. قتل جنود حفظ السلام الأرمن في ناغورني قره باغ، وهي خطوة اعتبرتها موسكو إهانة مباشرة لها. حظر وسائل الإعلام الروسية والأنشطة الثقافية في أذربيجان. تجاهل دعوة رسمية من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين للرئيس الأذربيجاني إلهام علييف لحضور احتفالات النصر الأخيرة، والتي نقلها البطريرك الحالي للكنيسة الأرثوذكسية الروسية شخصيا البطريرك كيريل.

كما تناول التقرير حادثة اختطاف المعارض الأذربيجاني الأصل والمقيم في روسيا زاهر الدين إبراهيموف في عملية نفذتها الاستخبارات الأذربيجانية داخل الأراضي الروسية بمساعدة "شبكات إجرامية".

ويرى الكاتب أن هذه العملية لم تكن مجرد انتهاك للسيادة الروسية، بل محاولة لإحراج موسكو وإثارة تساؤلات داخلية بشأن أمنها.

أسباب التدهور

حدد الكاتب 3 أسباب رئيسية وراء التصعيد الأذربيجاني:

ضغط غربي مكثف يصل إلى حد الابتزاز لدفع باكو إلى تبني مواقف مناوئة لروسيا. تصور خاطئ لدى باكو بأن روسيا باتت أضعف بسبب تورطها في الحرب الأوكرانية. وعود مغرية من الغرب دفعت القيادة الأذربيجانية إلى المغامرة خارج حدودها.

ويضيف التقرير أن فشل صفقة الغاز بين موسكو وباكو وتدهور الاقتصاد الأذربيجاني جعلا العلاقات أكثر توترا، في حين تحتاج روسيا إلى تقليل نفقاتها وعدم تقديم دعم سخي في هذه المرحلة.

إعلان

وتشن باكو حملة ممنهجة لقطع روابطها مع موسكو، وتشمل:

اعتقال شخصيات محسوبة على روسيا داخل أذربيجان. إغلاق المدارس الروسية وتعليق الفعاليات الثقافية الروسية. تصعيد إعلامي عدائي ضد موسكو يذكّر بأجواء أوكرانيا 2014.

ويرى الكاتب أن هذا السلوك يعكس خضوع باكو لتوجيهات خارجية، خاصة من بريطانيا التي تستخدم أدوات مالية مثل تهديدات بتجميد أموال النخبة الأذربيجانية للضغط على النخب السياسية.

المدون الروسي يوري بودولياكا: أذربيجان قد تكون الضحية التالية في قائمة الصراعات التي تستهدف دول الاتحاد السوفياتي السابق، مما ينذر بإمكانية اندلاع حرب مباشرة بين روسيا وأذربيجان في المستقبل القريب

"خريطة بيترز" وخطر الحرب الإقليمية

ويرجح التقرير أن باكو تلقت وعودا بتنفيذ ما تعرف بـ"خريطة العقيد بيترز" التي ظهرت عام 2006، وتقضي بإعادة رسم خريطة الشرق الأوسط الكبير على أسس قومية، ومنها تقسيم إيران ومنح أذربيجان ما تعرف بـ"أذربيجان الشرقية" شمال غرب إيران.

وحسب التقرير، فإن العقيد بيترز هو ضابط استخبارات أميركي سابق، وتتلخص خريطته أو خطته في أن تدعم أميركا وإسرائيل الأكراد من أجل تفكيك إيران وإضعاف عدد من دول المنطقة التي لا تثق بها أميركا وإسرائيل أو تطمعان في مواردها، وذلك في إطار تطبيق ما يسمى مشروع "الشرق الأوسط الكبير الجديد" الذي تجسده تلك الخريطة.

ويرى الكاتب أن الرئيس علييف يسعى إلى تقديم نفسه كموحّد للأمة الأذربيجانية عبر السعي لتوسيع الحدود الجغرافية، واستغلال حالة التوتر بين أرمينيا وروسيا، خصوصا أن الأخيرة غير قادرة حاليا على حماية أرمينيا في حال تعرضت لهجوم.

كما أشار إلى تصاعد التعاون بين باكو وتل أبيب، ولا سيما في المجال العسكري، وهو ما دفع إيران إلى اتهام أذربيجان بالتواطؤ في تنفيذ هجمات إسرائيلية على أراضيها.

تداعيات محتملة

ويحذر الكاتب من أن انخراط أذربيجان في مشروع استهداف إيران وروسيا قد يؤدي إلى تفككها الداخلي، في ظل التوترات القومية والاجتماعية داخلها.

كما أن مستقبل خطوط التجارة والسكك الحديدية بين روسيا وإيران أصبح مهددا بسبب هذا التوتر، خاصة ممر "شمال-جنوب" الإستراتيجي عبر بحر قزوين.

وفي الختام، ينقل الكاتب عن المدون الروسي المعروف يوري بودولياكا قوله إن الغرب ينظر إلى أذربيجان كـ"مادة استهلاكية" مثل أوكرانيا، ويستخدمها لتحقيق أهدافه الإستراتيجية دون اعتبار للخسائر البشرية أو الجغرافية.

ويحذر من أن أذربيجان قد تكون الضحية التالية في قائمة الصراعات التي تستهدف دول الاتحاد السوفياتي السابق، مما ينذر بإمكانية اندلاع حرب مباشرة بين روسيا وأذربيجان في المستقبل القريب نتيجة تراكم العداوات والرهانات على وعود خارجية قد لا تتحقق.

مقالات مشابهة

  • دوجاريك: بعض الدول تنتهك ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي
  • بزشکیان یصل إلى أذربيجان للمشاركة في القمة 17 لمنظمة (إيكو)
  • الأمم المتحدة تحذر من انتهاكات للقانون الدولي والميثاق
  • بن صالح: سكوت حكومة الدبيبة على السفراء الأجانب بسبب خشيتها من انتقالهم لبنغازي وفقدان الاعتراف الدولي
  • «التعاون الخليجي» يدعو إلى توفير الحماية الدولية للشعب الفلسطيني
  • تعرف على الدول التي يتعين على النساء فيها أداء الخدمة العسكرية
  • موقع روسي: أذربيجان تهاجم روسيا في لعبة تتجاوز حجمها
  • روسيا تدعو رعاياها في أذربيجان إلى "توخي الحذر الشديد"
  • العراق يشتعل فوق 53 مئوية.. والقانون لا يرى الشمس
  • الرئيس الإيراني: العدوان الصهيوني الأمريكي انتهاك لميثاق الأمم المتحدة واستهزاء بالقانون الدولي