رغم انتشار عمليات الاحتيال باستخدام الخطاب الديني في جنوب القارة الأميركية، فإنه لا أحد كان يتوقع أن يصل حصاد أرباح العملية الأخيرة إلى 30 مليون دولار، عبر خداع نحو 50 ألف شخص، على مدى 5 سنوات الماضية، إذ تمكنت فيها شبكة قساوسة إنجيليين من "تخدير" مُريديهم بشكل فائق الحِنكة. وأثار هذا الخبر دهشة واسعة، لكنه طرح بشكل جدّي مسألة القدرة على تطويع العاطفة لدى البشر وسلبهم مدّخراتهم في الدنيا، في عصر ضربت فيه الأزمات المالية جميع الطبقات الاجتماعية، وأصبح فيه الناس أحرص من أي وقت مضى على الحفاظ على مكتسباتهم المادية.

عملية "النبي المزيف" -كما سمّتها الشرطة البرازيلية- تصدّرت نشرات الأخبار وشبكات التواصل الاجتماع في القارة الأميركية، منتصف الأسبوع الماضي، وذكّرت بعمليات مشابهة، لكنها صُنّفت على أنها الأكبر حجما في المنطقة.

الغريب في الحادثة أن كشفها لم يتمّ نتيجة شكاوى رسمية من الضحايا، وإنما تمّ إثر انتباه السلطات الرسمية لوجود 800 حساب بنكي يتبع 40 شركة مشبوهة النشاط، بأسماء مجموعة مكونة من 200 قس إنجيلي، تجمعهم أنشطة رقمية على شبكات التواصل الاجتماعي.

وحسب ما نشرته الشرطة البرازيلية، فإن هذه المجموعة تقوم باستقطاب متابعيها من المتدينين بعد دراسة دقيقة لما ينشرونه، وانتقاء الأكثر ضعفا أو "سذاجة"، ويبشرونهم بأن الرب "اصطفاهم" لتلقي البركات الإلهية؛ وعليه فإنهم مُطالبون بدفع مبالغ مالية معينة، قد تعود لهم في الدنيا على شكل أرباح طائلة، أو تكون جزاءً أكبر في الآخرة.

القساوسة "المستريحون"

تميّز عمل هؤلاء القساوسة بحِنكة كبيرة، حيث كانوا يؤسسون بعض المشاريع الخيرية الاجتماعية، وأخرى ربحية، ويعتمدون الإشادة بنجاحها عبر شبكات التواصل الاجتماعي التي تجمعهم بالضحايا. بمعنى أن منطق جلب أكثر عدد من "الفرائس" هو المنطق نفسه الذي يعتمده "المستريّحون"، كما يُطلق عليهم في اللهجة المصرية، لكن الفرق الوحيد يتمثل في الخطاب الديني الذي يتمّ توظيفه من قِبل القساوسة.

و"المستريّح" -لمن يجهل اللفظ- هو الشخص الذي يتلقّى مبالغ مالية من أشخاص يطمعون في مراكمة الفوائد من دون عناء، ويعدهم بتسلمها بعد مدة وجيزة، بحجّة توظيفها في مشاريع ربحية، ويتمّ الوفاء بالوعد في البداية، ومع انضمام عدد أكبر من الأشخاص، تتراكم الأموال ثم يهرب "المستريّح" بأموال الجميع.

وإلى حدّ الآن تمكنت الشرطة البرازيلية من إيقاف ما يقارب 20 شخصا فقط، من الشبكة المتورطة في تلقّي نحو 30 مليون دولار، وقامت بمصادرة ممتلكاتهم ووضعهم تحت الإقامة الجبرية.

لقد ارتبطت ظاهرة الاحتيال في المجتمعات المسيحية ببعض الفضائح التاريخية التي أساءت بشكل كبير لصورة رجال الدين والتشكيك في ثقة المتدينين فيهم، ويعتقد البعض أن أغلبها تحدث في البلدان الفقيرة، التي يكون فيها المؤمنون الفقراء فريسة سهلة لمَكر المحتالين من "رجال الدين" المزيفين، وفي الوقت نفسه تعجز أنظمة الدولة على كشف شبكات الاحتيال مُحكمة الغلق. لكن البرازيل -مثلا- ليست البلد الضعيف استخباراتيّا، ورغم ذلك لم يفلح جهازها الأمني في كشف شبكة بالحجم الذي ذكرناه طوال نشاط دام 5 سنوات. والأدهى والأمرّ أن الولايات المتحدة الأميركية بقدرات نظامها الأمني والاستخباراتي الضخمة شهدت حادثة مشابهة، طرحت نقاط استفهام عديدة حول قدرة ظاهرة الاحتيال باسم الدين على الإطاحة بضحاياها وتجريدهم من أموالهم وممتلكاتهم، والنجاة من أعين الجهاز الأمني والقضائي لسنوات طويلة.

حدث في أميركا

الحادثة التي شهدها المجتمع الأميركي يمكن عدّها أكثر خطورة من حادثة البرازيل، نظرا لهوية بطلها، وتفاصيل تطورها، وأيضا قيمة حصاد العملية الذي بلغ 28 مليون دولار، حسب ما نشره الادعاء العام الأميركي.

ففي أواخر سنة 2021، أسدل الستار على سلسلة حِيلٍ امتدت 10 سنوات، نجح خلالها المُذيع الأميركي الثمانيني ويليام غالاغار -عبر برنامج أسبوعي في راديو مسيحي ذائع الصيت بولاية تكساس- في خداع فئة معينة من مُتابعيه وسلبهم أموالهم وممتلكاتهم تحت شعار "من أجل تقاعد مُبكّر ومُريح"، باعتماد نظام "المستريّحين" الذي ذكرناه سابقا. وبلغت شُهرة الرجل حدود تلقيبه "بطبيب المال"، بناء على إتقانه دور الخبير في استثمار أموال متابعيه وفضله عليهم في تلقي فوائدها، و"كله بما يرضي الربّ"، حسب تعبيره.

بعض الدراسات الاجتماعية "لحالة غالاغار" ترى أن نجاحه في خداع متابعيه والقضاء الأميركي لا يعود فقط إلى موهبته الخطابية في المجال الديني والمالي معًا، بل إلى ذكائه المفرط في تلميع صورة الشخصية المالية الناجحة من خلال تأسيس 3 شركات، وتأليف كتاب بعنوان "يسوع المسيح، سيّد المال"، الذي انتشر بشكل واسع جدا في أوساط المسيحيين.

هناك تفاصيل أخرى أسهمت في نجاعة خطة الاحتيال التي نفذها غالاغار، ومن أبرزها أن عدد ضحاياه على مدى 10 سنوات بلغوا 190 فقط، وكلهم من فئة المتقاعدين الميسورين الذين تتراوح أعمارهم بين 62 و91 سنة.

صحيح أن القضاء الأميركي حكم على غالاغار بـ25 سنة سجنا نافذة، وعقوبة مالية قدرها 10 ملايين دولار، وما زال القضاء البرازيلي في أولى مراحل ملاحقة المسؤولين عن فضيحة احتيال القساوسة الإنجيليين الأخيرة؛ إلّا أن كلتا الحادثتين تؤكدان -بما لا يدعو مجالا للشك- أن خداع السّذج مستمرّ باستمرار المكر البشري، سواء باستخدام الخطاب الديني أو من دونه.

aj-logo

aj-logo

aj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معناأعلن معنارابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinerssجميع الحقوق محفوظة © 2023 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

إقرأ أيضاً:

بنك ظفار يواصل الاستثمار في أنظمة الأمان لحماية الزبائن من الاحتيال

 

 

مسقط - الرؤية

يتبنى بنك ظفار سياسات وإجراءات وأنظمة متطورة وصارمة لضمان الأمن السيبراني. وفي ظل تنفيذ رؤية "عُمان 2040" ومضي سلطنة عُمان بشكل سريع في التحول نحو الحكومة الرقمية وتشجيع الاقتصاد الرقمي والابتكار وتطوير القطاع المالي والمصرفي، يعزز بنك ظفار دوره في دعم التحولات التي يشهدها الاقتصاد العماني نحو التنويع والابتكار.

ويظل بنك ظفار في طليعة المؤسسات بالقطاع المالي الذي يواصل الاستثمار في أنظمة الأمان المصرفي الأكثر تطورا، واستخدام أحدث التقنيات لحماية معاملات زبائنه، إضافة إلى تطبيق أفضل معايير الأمان ومن بينها بروتوكول الأمان ثلاثي الأبعاد الذي صممه البنك لتقليل الاحتيال وإضافة مستوى جديد من التحقق من معاملات البطاقة عبر الإنترنت.

ويبادر بنك ظفار بمواكبة كافة الأطر والتوجيهات التي يصدرها البنك المركزي العماني للحفاظ على الاستقرار المالي، وكان من أحدثها الإطار التنظيمي للأمن السيبراني الذي أصدره البنك المركزي العُماني في عام 2023، بهدف ضمان توافق البنوك والمؤسسات المالية مع متطلبات الأمن السيبراني وإكسابها المرونة اللازمة لمعالجة وإدارة مخاطره وهيكلة الاحتياطات الأمنية اللازمة وفق ركائز رئيسية هي الحوكمة، والامتثال والتدقيق، والتكنولوجيا والعمليات، وإدارة سلسلة التوريد من طرف ثالث، والخدمات المالية عبر الإنترنت، وإدارة المخاطر.

ويؤمن بنك ظفار أن الأمن السيبراني وحماية الاستقرار المالي، ومعلومات الزبائن أكثر أهمية من أي وقت مضى، فالتهديدات الإلكترونية في تصاعد مستمر في عصر الثورة الرقمية، ولا بد أن تتطور معها كافة البروتوكولات وأنظمة الحماية. كما أن ضمان الأمن السيبراني يتطلب شراكة إيجابية بين المؤسسات المالية والزبائن، ومن الضروري أن يتحلى الزبائن باليقظة، واتباع أفضل الممارسات، والوعي بالمخاطر المحتملة لمنع سرقة الهوية والأنشطة الاحتيالية.

وضمن مساعي بنك ظفار الهادفة إلى حماية مصالح زبائنه، وإدراكًا من البنك للدور المهم الذي يقوم به الوعي المالي في تعزيز الأمن السيبراني ينظم البنك حملات توعوية مستمرة لزبائنه عبر موقعه الإلكتروني، وحساباته على مواقع التواصل الاجتماعي للتعريف بمخاطر الاحتيال الإلكتروني والوسائل المستخدمة في ذلك، ومن أكثرها انتشارًا المكالمات والرسائل الاحتيالية عبر الهاتف أو البريد الإلكتروني والتي تطلب اتباع روابط مشبوهة أو تستدرج الأشخاص لتقديم معلومات شـخصية أو مالية مثل أرقام بطاقات الائتمان والبطاقات المدنية وكلمات دخول المستخدم والأرقام السرية وغيرها من المعلومات.

 ويؤكد بنك ظفار دائمًا على عدم مشاركة مثل هذه المعلومات، والتواصل مع البنك الذي يتيح خدماته عبر مركز الاتصالات على مدار 24 ساعة أو إبلاغ الجهات المعنية مثل شرطة عُمان السلطانية في حال تلقي مكالمة أو رسائل بريد إلكتروني مشبوهة.

كما يوصي البنك زبائنه باتباع العديد من نصائح الأمان الضرورية لتجنب الاحتيال مثل ضمان أكبر درجة من الأمان للحساب بتغيير الأرقام السرية بشكل دوري، واستخدام كلمات مرور يصعب تخمينها، وتأمين الأجهزة الشخصية من خلال استخدام برامج مكافحة الفيروسات المحدثة وبرامج الحماية الشخصية، والانتباه لتحميل تطبيق الهاتف النقال من موقع بنك ظفار الرسمي أو من خلال متجر أبل لأجهزة IOS وبلاي ستور لأجهزة الأندرويد، إضافة إلى حماية تطبيق الخدمات المصرفية عبر الهاتف النقال بوضع قفل له بواسطة كلمة سر وبصمة، أو التعرف على الوجه، والتأكد من تحديث التطبيق للحصول على أحدث مزايا الأمان، علاوة على الحذر من استخدام الخدمات المصرفية عبر الشبكات العامة أو عند ارتياد مقاهي الإنترنت، واليقظة أثناء إجراء المعاملات فـي أجهـزة الصـراف الآلي وأجهزة الإيداع النقدي أو الأجهزة التفاعلية متعددة الخدمات التابعة للبنك.

مقالات مشابهة

  • أكثر من 100 موظف بالـBBC يفضحون “الحياد المزيف” في تغطية غزة
  • تدريب 45 موظفًا على الحماية من الاحتيال الإلكتروني والمالي بالأحساء
  • شرطة دبي تُحذر من الاحتيال الإلكتروني بـ«الخصومات»
  • أبشر بحذر.. وانتبه لمحاولات الاحتيال الإلكتروني حتى لا يستغلونك
  • بنك ظفار يواصل الاستثمار في أنظمة الأمان لحماية الزبائن من الاحتيال
  • ما هي المادة 2 التي رفضت الحكومة حذفها من قانون الإيجار القديم؟
  • ٣٠/ يونيو، ليلة القبض علی جَمْرَة!!
  • داخلية غزة: المحكمة الثورية تمهل ياسر أبو شباب 10 أيام لتسليم نفسه بتهم الخيانة والتخابر وتشكيل عصابة مسلحة
  • عبدالكبير: الحل يبدأ برحيل البعثة الأممية وتشكيل حكومة جديدة
  • الجنسية البرتغالية ستصبح واحدة من أصعب الجنسيات التي يمكن الحصول عليها في أوروبا