مخاوف الحوثي الحقيقية من مسرحية الإطاحة بحكومة بن حبتور وكيف تخطط عائلة الحوثي لإبتلاع بقايا مؤسسة القضاء واخطر خطوة تنتظر مؤتمر جناح صنعاء
تاريخ النشر: 28th, September 2023 GMT
أحدثت اجراءات زعيم المليشيات الإنقلابية الأخيرة بحل حكومة بن حبتور وتكليف قائد عسكري بتشكيلها العديد من الردود وعلى كافة الصعد . المحلل السياسي عبدالفتاح الحكيمي قال متحدثا لموقع موقع مأرب برس الإخباري إن ما يطلق عليه عبدالملك الحوثي من مزاعم مشروع التغيير الجذري والإصلاح الحكومي لخدمة الشعب اليمني هو حلقة جديدة من استكمال مخطط السيطرة والهيمنة
الأمنية والعسكرية العائلية العنصرية الفعلية على الحياة العامة في صنعاء وباقي مناطق سيطرتهم من ناحية, ولا علاقة لذلك بكذبة خدمة الشعب اليمني المذبوح ولا تحسين الخدمات, وهذا ما يقصده عبدالملك بالضبط من تأخر التغيير الجذري واضطراره المفاجئ إلى إعلان حالة الطوارئ عبر مسمى مجلس الدفاع الوطني برئاسة العنصري السلالي مهدي المشاط الذي أقال الحكومة الصِّوَرِيّة السابقة, ورفع درجة الإستنفار والجاهزية الحربية القصوى, وبكل ما يعنيه صدور القرار عن مجلس الدفاع غير الشرعي المذكور من تبعات تجميد بقايا مؤسسات الحكومة المدنية, ومجلس النواب المُفْرَخ وفرض عسكرة الحياة أكثر مما هي عليه منذ سنوات.
وأضاف الحكيمي: لم يتزامن إقالة حكومة في تاريخ كل البلدان من قبل مجلس دفاع الطوارئ إلا في حالة التهديدات الداخلية بانقلابات أو توقع صراع عنيف بين أقطاب الحكم.
من ناحية ثانية يعتبر هذا الإجراء المرتعش هروباً إلى الأمام وصرف الناس عن طبيعة الأزمة الداخلية العاصفة والعميقة التي تهدد أركان تحالف المليشيات العائلي العنصري والمذهبي بسبب أزمة ثقة عبدالملك الحوثي الحالية بقراباته الذين قد يطال بعضهم التبديل
والتحجيم, وكذلك التخلص من معظم من ناصروه وصنعوه في السابق بما فيهم زعماء قبائل وشيوخ ووجاهات وعلماء وقادة سياسيين يعتقد انحيازهم الآن لصفوف الشعب المهيأ لكل الخيارات.
ولإن الخَطّ يُقْرأ من عنوانه كما يقال , قال الحكيمي: يكفي تكليف قائد عسكري خانع مثل قاسم راجح لبوزة بتشكيل حكومة ظالمة للدلالة على دخول مناطق سيطرة الحوثي مرحلة أكثر قتامة و بشاعة, ولا علاقة لأسطوانة الحوثي وشعاراته الإحتيالية المفترى عليها ببناء وإصلاح مؤسسات دولة, ولا تقديم خدمات لمن اعتاد على إذلالهم ونهب حقوقهم, خصوصاً مع إعلان ذلك من قبل مغتصب غاشم للحكم, وفقدانه شروط الآهلية والنزاهة الأخلاقية في رعاية حقوق وأموال وأعراض الناس وأنفسهم, ولا علاقة لهؤلاء باستيعاب أبجديات وظيفة إدارة دولة نظام وقانون وحكم مؤسسات مدنية في السلوك والممارسة.
وكنموذج على انفصامية شعارات الحوثي عن ممارساته الظالمة قال المحلل السياسي عبدالفتاح الحكيمي " يكفي أن هذا الشخص وعائلته دمَّروا القوى البشرية اليمنية وكادرات الدولة بنهب حقوقها وتجويعها, ومن يقول للناس إن الراتب غير ضروري للموظف وعبئ على موازنة الدولة كيف يصدق الناس طروحاته المنقولة من منشورات الواتس أب وفيس بوك عن إصلاح وتغيير حكومي ومؤسساتية أَوْكَلُوا أمرها
لعساكر وجهلة إلى العظم, أذاهُم أكبر من نَفْعهم الذي لا يُرْجى. أما عن طبيعة القوى والكيانات المستهدفة يضيف الحكيمي:
لعل أبرز المستهدفين من تغييرات مسمى التشكيل الحكومي المزمع للإنقلابيين ليس المؤتمر الشعبي العام وحده كتنظيم سياسي جماهيري وطني كبير ومؤثر, بل وفي مقدمة الإستهدافات كذلك ما تبقى لمؤسسة القضاء من بعض استقلالية لإلحاقها قسرا في خدمة الحكم العائلي تحت شعار الإصلاح بقضاة ربّانيين فَطِنين لشريعة وحاكمية مكتب وأوامر سيدهم المختبئ, خصوصاً من أولئك الذين التحقوا بدورات وزيارات صعدة الثقافية الإستخباراتية وطابعها العنصري السلالي البغيض.
وقد استعان عبدالملك الحوثي هذه المرة بالعسكر وعقليتهم في تشكيل الحكومة وإدارتها البوليسية القمعية للتنصل المبكر عن الاستحقاقات الشعبية منذ البداية بعد أن كانت مشاركة حزب المؤتمر الشكلية في حكومة الأنقاض تحمي عائلة الحوثي من المسؤولية المباشرة عن تدهور الأوضاع والخدمات والحقوق العامة للمواطنين.
وليس أمام المؤتمر الشعبي العام في صنعاء إلّا أن يكون في مستوى آمال وتطلعات المظلومين ممن يروا فيه الآن تجسيداً لروح الإنقاذ والتغييرالحقيقي وليس واجهة لتبرير فساد حكم الحوثي العنصري وشرعنته. وأي مشاركة لقيادات المؤتمر في حكومة الأوغاد بصفاتهم الحزبية أو الشخصية هي خيانة لِقِيَم الوطنية وموالاة للظلم وتكريساً للعبودية والإستبداد.
وعن استعراض القوة الأخير على ذمة المولد النبوي قال الحكيمي: حاول عبدالملك الحوثي بالحشد القسري للناس تغطية وتعويض حقيقة حالة الضعف الداخلي التي يعاني منها. وأضاف :
نجح الحوثي ظاهرياً في شراء مظاهر تحشيدات عسكرية زائفة ومؤقتة برواتب الموظفين, لكنه لن يعوض فداحة خسارته الشعبية وكراهية غالبية الناس لنهجه وعنصريته البغيضة. وقال الحكيمي إن المشروع الجذري الحقيقي للتغيير ليس تسويق المغالطات والأوهام الزائفة للناس لتثبيت مشاريع خراب وضياع اليمن في براثن المشروع الإيراني الكهنوتي بل في عودة الضالين إلى أحضان الدولة الأم ووقف حربهم العدوانية على اليمنيين والجوار, وتسليم السلاح ومؤسسات الدولة لأهلها وليس توريثها العائلي كما يحدث الآن وبأبشع ما يكون.. واختتم الحكيمي تعليقه المطول بالقول :
إن من ينهب أموال التجار والناس كما حدث مؤخراً وخلال سنوات طويلة باسم النبي والرسول أبعد ما يكون عن احترام معنى الدولة وحقوق المواطنة المتساوية أو تقديم شيء نافع يخدم الناس والوطن اليمني.
المصدر: مأرب برس
كلمات دلالية: عبدالملک الحوثی
إقرأ أيضاً:
إبراهيم شقلاوي يكتب: وحدة السدود و حكومة الأمل
كشف رئيس الوزراء د. كامل إدريس، من مدينة بورتسودان اول أمس ، عن ملامح الحكومة الجديدة “حكومة الأمل المدنية”، واضعًا بذلك أسس مشروع وطني يتجاوز المحاصصات السياسية، ويؤسس لحكم يرتكز على الكفاءة والنزاهة. هذا الإعلان يمثل خطوة جريئة طالما انتظرها الشعب السوداني، لإعادة تعريف دور الدولة ومؤسساتها، مستلهما نماذج واقعية صمدت في وجه عواصف السياسة وصراعات النفوذ.
حدد رئيس الوزراء خمسة أسباب رئيسية لأزمة السودان، أبرزها: الفساد، ضعف الإدارة، غياب العدالة، انعدام الشفافية، وانهيار منظومة القيم. أمام هذا التحدي ، لا يكفي تشكيل حكومة “تكنوقراط” فحسب، بل يتطلب الأمر قراءة متأنية للتجارب التي أثبتت جدواها رغم التحديات، وهنا تبرز وحدة تنفيذ السدود كمؤسسة هندسية، تنموية مستقلة قاومت كل أشكال هيمنة النفوذ، ونجحت بشهادة الخبراء والمراقبين في تقديم حلول عملية وواقعية للدولة حين اشدت عليها الحصار.
ظهرت وحدة تنفيذ السدود في العام 1999ضمن توجه استراتيجي للدولة لسد فجوة الكهرباء وبناء مشروعات تنموية كبرى. لكنها سرعان ما تحولت إلى نموذج مؤسسي مستقل تمتع بإدارة مهنية، وخبرة تراكمية، وأداء إداري رشيق تجاوز البيروقراطيات. وعلى مدى أكثر من عقدين، نفّذت الوحدة مشروعات استراتيجية غيرت وجه السودان، على رأسها سد مروي، وتعلية الرصيرص، وسدي أعالي عطبرة وستيت، إضافة إلى مساهمات فعالة في عدد من المشروعات التنموية المصاحبة من طرق وجسور ومستشفيات ومشروعات زراعية بجانب مشروعات حصاد المياه.
ورغم أن هذه الإنجازات كانت كفيلة بمنحها الاستقرار المؤسسي، إلا أن الصراعات الإدارية والتجاذبات السياسية وضعتها مرارًا في مواجهة مع الوزارات التي تناوبت على إدارتها، حيث ظل ينظر إلى الوحدة كـ”جسم غريب” خارج السيطرة التقليدية.
ما تعرّضت له وحدة السدود لا يمكن فهمه إلا ضمن سياق الصراع بين نماذج الإدارة : نموذج قائم على التاريخ والتراتبية والبيروقراطية، وآخر جديد يدعو الي إعلاء الكفاءة، والقيادة المهنية ، والتحرر من هيمنة الأجندات. وهو الصراع ذاته الذي أعاق تطور العديد من مؤسسات الدولة، لكنه كان أكثر وضوحًا في حالة الوحدة ، بسبب تموضعها التقني والسيادي في آنٍ معًا، ما جعلها محل تنافس بين الوزارات المتعاقبة أو ربما تربص.
في الوقت الذي كانت فيه الوحدة تحقق إشادة الممولين الدوليين والإقليميين، ويثني عليها شركاء التنمية من الصناديق العربية والدول الكبرى، كانت تُحاصر داخليًا بسياسات الإقصاء، وإعادة الهيكلة، والتبعية الإدارية المتأرجحة، التي أهدرت ما يقارب 50% من كوادرها بحجة الإصلاح الإداري.
أظهرت الحرب الأخيرة أن مشروعات السدود لم تكن مجرد بنى تحتية، بل ركائز استراتيجية حافظت على استمرارية الدولة في لحظة انهيار محتملة. توليد الكهرباء من السدود مثّل شريانًا حيويًا بعد خروج التوليد الحراري، فيما ساهمت الطرق والجسور والمرافق الحيوية كجسر المتمة شندي وجسر دنقلا السليم ، ومروي كريمة ومستشفى مروي ومطار الشوك في توفير إسناد لوجستي وصحي وأمني بالغ الأهمية. هذه المشروعات، التي طالها التشويه السياسي في أعقاب الثورة، برهنت عمليًا أن الإنجاز التنموي لا يُقاس بسياقه السياسي بل بقدرته على الصمود حين تتعطل الدولة وتنهار مراكز الخدمات، وتبقى المؤسسات التي بُنيت بكفاءة تؤدي دورها بما يكسب الحياة الاستمرارية .
كل هذه المعطيات تجعل من وحدة السدود نموذجًا مصغرًا للحكومة التي دعا إليها إدريس. حكومة تقوم على المهنية وكفاءة التنفيذ والجودة ، بعيدة عن الترضيات، وتعمل بمعايير المحاسبة والشفافية التي تطمئن الشركاء المحلين والدوليين.
في ظل الحاجة الماسة إلى مؤسسات ذات طبيعة تنفيذية مرنة، تواكب طموحات الحكومة الجديدة وتنهض بعبء المشروعات التنموية التي تمثل عصب مشروعات “الأمل”، مثل مياه القضارف، ومشروع أعالي عطبرة الزراعي، و كنانة والرهد، إلى جانب استكمال دراسات السدود الجديدة، والمضي قدمًا في مشروع الدولة الاستراتيجي المعروف بصفرية العطش، عبر برامج حصاد المياه والآبار التي تستهدف استقرار الريف السوداني ضمن أهداف الألفية التنموية 2030.
ومن هنا، يصبح من الطبيعي أن تعاد قراءة وضعية الوحدة من حيث التبعية الإدارية، لضمان سرعة القرار وجودة التنفيذ. وقد أثبتت التجربة أن التبعيات الوزارية المتقلبة كانت سببًا مباشرًا في إضعاف بنيتها، وإهدار خبراتها، والتأثير سلبًا على تمويل مشروعاتها. ولذلك، فإن تبعيتها في المرحلة القادمة في سياق الهيكلة ينبغي أن تكون ضمن الاشراف المباشر لرئيس الوزراء أو للمجلس السيادي، بما يضمن لها الغطاء السياسي والإداري اللازم لتأدية مهامها كذراع تنفيذي للدولة في أكثر الملفات حساسية وأهمية.
إن لحظة البناء الحقيقي للدولة لا تبدأ من تغيير الوجوه، بل من إعادة الاعتبار للمؤسسات القادرة على العمل ، والتي أثبتت بالفعل أنها تمتلك القدرة على تحويل الخطط إلى واقع . وحدة السدود، برصيدها المهني، وخبرتها الفنية، وتاريخها التنموي، تستحق أن تكون في قلب هذا التحول، الذي ينتظره الشعب السوداني بعد سنوات الحرب المخزية .
هذا وبحسب ما نراه من #وجه_الحقيقة لا يمكن لحكومة الأمل أن تترسخ دون إصلاح مؤسسي يعيد الاعتبار للكفاءة كمرجعية وحيدة في بناء الدولة. وتجربة وحدة تنفيذ السدود، بما راكمته من إنجازات في أصعب لحظات الحصار الاقتصادي، تقدم نموذجًا حقيقيًا لما يمكن أن يكون عليه الأداء حين تتحرر المؤسسات من عبء البيروقراطية الإدارية وتُمنح الثقة والصلاحية. فليس المطلوب إعادة إنتاج الماضي، بل استلهام ما أثبته الواقع من تجارب ناجحة : أن التنمية لا تُصنع بالشعارات، بل بمؤسسات حيث يبدأ تحول الدولة من وهم الأمل إلى فعله.
دمتم بخير وعافية.
إبراهيم شقلاوي
السبت 21/ يونيو 2025 م Shglawi55@gmail.com