ما مصير المحتفلون بثورة 26 سبتمبر الذين اختطفتهم مليشيا الحوثي وأين هم الآن؟
تاريخ النشر: 30th, September 2023 GMT
دعت منظمة العفو الدولية، جماعة الحوثيين للإفراج الفوري وغير المشروط عن كافة من احتجزتهم مؤخراً على خلفية احتفالهم بثورة 26 سبتمبر وممارسة حقهم في حرية التجمع، واصفة حملة القمع بـ "الاستعراض الوحشي للقوة".
وقالت منظمة العفو الدولية في بيان أصدرته الجمعة: "إن سلطات الأمر الواقع الحوثية نفذت موجة من الاعتقالات مثيرة للقلق، حيث اعتقلت العشرات من المتظاهرين السلميين إلى حد كبير، الذين تجمعوا لإحياء ذكرى ثورة 26 سبتمبر/أيلول في البلاد، وتدعو المنظمة سلطات الأمر الواقع الحوثية إلى الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المتظاهرين المحتجزين لمجرد ممارستهم السلمية لحقهم في حرية التجمع".
وأضافت: "في استعراض وحشي للقوة، نفذت سلطات الأمر الواقع الحوثية موجة من الاعتقالات الشاملة، مما يدل على استخفافها الصارخ بالحق في حرية التعبير والتجمع السلمي".
ونقل البيان عن غراتسيا كاريتشيا، نائبة المدير الإقليمي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا بمنظمة العفو الدولية، القول: "من المشين أن يجد المتظاهرون الذين يحتفلون بلحظة تاريخية وطنية أنفسهم يتعرضون للهجوم والاعتقال ويواجهون اتهامات لمجرد أنهم كانوا يلوحون بالأعلام".
وأضافت "توضح هذه الحملة القمعية إلى أي مدى تكون سلطات الأمر الواقع الحوثية مستعدة للذهاب إليها من أجل خنق حرية التعبير في المناطق الخاضعة لسيطرتها".
وتابعت كاريتشيا: "يجب على السلطات أن تفرج فوراً ودون قيد أو شرط عن أي شخص محتجز لمجرد ممارسته حقوقه".
على صلة بالموضوع اختطفت جماعة الحوثي الانقلابية، اليومين الماضيين، قرابة 30 شابًا من أبناء محافظة الضالع (جنوب البلاد) على ذمة الاحتفال بالذكرى الـ 61 لثورة السادس والعشرين من سبتمبر المجيدة.
وقال سكان محليون، وفق "يمن شباب نت"، إن عناصر الحوثي نفذت خلال يومي الخميس والجمعة، حملة اختطافات بمديرية "الحشاء" شمال المحافظة، على خلفية احتفالهم بثورة ٢٦ سبتمبر.
وأوضحت المصادر، أن عناصر الحوثي اختطفت قرابة 30 شابًا من أبناء منطقة "ضوران" بمديرية الحشاء، من منازلهم وأماكن تجمعهم، وزجت بهم في سجن المديرية.
ووفقا للمصادر، فإن مجموعة من أهالي ومشائخ وأعيان المنطقة، ذهبوا الى قسم الحشاء، بهدف طلب الافراج عن الشباب، إلا ان عناصر القسم رفضوا الإفراج عنهم.
ونفذت جماعة الحوثي حملات اختطافات، في مناطق سيطرتها أبرزها في صنعاء وإب وشمال الضالع، على خلفية الاحتفال بثورة سبتمبر المجيدة، كما اعتدت على المواطنين ونزعت الأعلام منهم.
المئات تعرضوا للضرب والاحتجاز
في سياق متصل قالت منظمة سام للحقوق والحريات إن مئات من اليمنيين تعرضوا للضرب وإطلاق الرصاص والاحتجاز في عدد من المدن اليمنية من قبل قوات مسلحة تتبع جماعة الحوثي، أثناء احتفالهم بذكرى ثورة السادس والعشرين من سبتمبر.
واعتبرت المنظمة التصرفات الحوثية "في إطار سياسة القمع والإرهاب الذي تمارسه الجماعة ضد ممارسة حرية التعبير والرأي، وهو تصرف يشكل انتهاكا لدستور الجمهورية اليمنية والقوانين الدولية التي كفلت حرية التعبير والتجمع السلمي، وعلى الجماعة الإفراج الفوري عن كافة المحتجزين دون قيد أو شرط".
وقال بيان للمنظمة: "أظهرت مقاطع الفيديو التي انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي، اعتداء قوات مسلحة تتبع جماعة الحوثي بعضها بزي مدني والبعض الآخر بزي قوات أمنية، واستخدمت القوة المفرطة ضد مواكب احتفالية للمدنيين اليمنيين في كل من صنعاء وإب، واعتداءات بالضرب وأطلقت الرصاص ووضعت الآلاف في سجون أقسام الشرطة بحجة إثارة الشغب".
وأضاف: "بدأت الاعتداءات عند قيام أفراد يتبعون لجماعة الحوثي بضرب كل من يحمل "علم اليمن" ونزع تلك الأعلام من سيارات المواطنين عنوة وقيامهم باعتداءات وحشية ضد الأفراد وإلقاء الأعلام على الأرض، ومن ثم إطلاق النار في الهواء وصولًا لاشتباك المحتفلين مع أفراد جماعة الحوثي التي قامت باعتقال وجرح المئات من المدنيين".
وتابع: "وفق متابعة المنظمة للأخبار الميدانية فقد أورد محامون ونشطاء يمنيون أخبارا مؤكدة أفادت قيام جماعة الحوثي باعتقال أكثر من ألف شاب في صنعاء من الذين شاركوا في إحياء ذكرى ثورة "26 سبتمبر"، حيث شهدت عدة محافظات اعتداء المسلحين الحوثيين على المشاركين وتهديد بالمزيد من الاعتقالات".
1000 محتجز
هذا وذكر المحامي عبد المجيد صبرة، والذي يتولى قيادة فريق من المحامين للدفاع عن المعتقلين لدى الحوثيين منذ سنوات، في منشور عبر صفحته على "فيسبوك" بأن "هناك ألف محتجز تقريباً في أقسام الشرطة في العاصمة صنعاء، بينهم 20 محتجزاً في قسم شرطة جمال جميل في مديرية التحرير".
وأوضح "صبره" بأنه " ذهب وزملاؤه لمتابعة وضع المعتقلين، وحين استفسروا عن سبب عدم الإفراج عن المحتجزين كونه سبق أن قُطِع وعد بالإفراج عنهم، رد عليه الحوثيون بأنهم محبوسون على ذمة البحث الجنائي في العاصمة صنعاء، وأن هواتف المحتجزين لدى البحث وما زالت لديهم وأنه يتوقع الإفراج عنهم عقب احتفال الحوثيين بالمولد النبوي".
ونقل المحامي "صبرة" عن مدير قسم الشرطة القول "إن هناك تقريباً ألف محتجز في أقسام شرطة العاصمة على ذمة البحث الجنائي بسبب رفعهم العلم الوطني، حيث برر مدير القسم تلك الاعتقالات بمشاركة أولئك الأفراد في "عمل فوضى" وبأنهم مدفوعون من أطراف أخرى".
ولفت المحامي في بيانه " بأنه التقى بعض المعتقلين وأفادوا بأن سبب احتجازهم هو رفعهم العلم الجمهوري، وأنه تم التعرض لهم دون أن تحدث من قِبلهم أي فوضى كما زعم مسؤولو قسم الشرطة الحوثيون، كما أفادوا بأنه تم أخذ هواتفهم من قِبل البحث الجنائي الحوثي بعد أن أُلزموا بإلغاء كلمات المرور، وأن هواتفهم لا تزال عند عناصر الجماعة".
شاهدة عيان
الى ذلك قالت المحامية "سماح سُبيع" في شهادتها على ما جرى من اعتداءات من قبل جماعة الحوثي " بأنه في تمام الساعة 9:38 من مساء هذه الليلة 26 سبتمبر) التي لم يكن ولن يكون أعظم ولا أقدس منها في نفوس اليمنيين، وتحديدا بعد جولة "عصر" بحوالي مئة متر، قام طقم عسكري عليه قرابة ثمانية أشخاص الغالبية منهم يرتدون الزي الشعبي بينما كان أحدهم يرتدي الزي العسكري ، بالاعتداء علينا أنا ومن معي وعلى متن سيارتي من الفتيات، إحداهن لم تبلغ الخامسة عشر وهذه الطفلة هي من قام برد ذلك العسكري بداية الأمر بمحاولة انتزاع العلم منها لكنه لم يفلح في البداية وعاد مجددا للمرة الثانية واقترب منا حتى كدنا نصطدم بالسيارات الأخرى، وفي هذه المرة استطاع ذلك العسكري من على متن الطقم بانتزاع علم الجمهورية اليمنية، وقام بكل ما أوتي من قوة برمي علم جمهورية اليمن تحت قدميه وداس عليه وهو يؤدي مع من معه الصرخة التي أرى أنهم كان من الأجدى بهم توفيرها إلى أن يقوموا بفتح القدس".
وأضافت "كنت أظن أن الأمر انتهى هنا، حتى قامت امرأة تقود سيارة باللون الأسود وعليها الزينة الخضراء، بقدحنا بألفاظ لا تأتي بها امرأة سوية أخلاقيا، بينما هي تحرض الطقم الذي كان أمامها علينا، ومن توالي تلك النوائب أيضا، أنه لم ينتزع العلم الخاص بي ومن إلى جواري! فقد قام بمتابعة أحدهم كان على متن دراجة نارية وانتزع العلم منه بقوة، بينما هم بطريقة هستيرية يصرخون للانتصار الذي حققوه على ذلك العلم، كما أنهم كانوا يطلقون على من يحمل علم الجمهورية اليمنية بالخونة!!".
واختتمت شهادتها بقولها " هذا لم يكن الاعتداء الوحيد، فقد تم الاعتداء علينا عندما كنا نحتفل في جولة العلم (ريماس سابقا)، برمينا بالأحجار التي كان البعض منها كفيلا بالقتل. إيماني ومعتقدي وقبلتي هو هذا اليوم 26 سبتمبر 1962".
اعتداء منظم وخطير
وعبّرت منظمة سام عن إدانتها ورفضها للاعتداء المنظم والخطير الذي قام به أفراد جماعة الحوثي ضد المحتفلين من أبناء محافظة صنعاء وإب وغيرها من المحافظات، مؤكدة على أن التجمع السلمي والحق في حرية التعبير عن الرأي مكفولان وفق قواعد الدستور اليمني فضلًا عن القانون الدولي الذي أورد في نصوصه المواد الكثيرة التي أكدت على هذا الحق وفي مقدمتها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية لا سيما المادة 19 منهما التي كفلت ذلك الحق ونصت عليه بشكل لا لبس فيه.
وأضافت المنظمة أن ما رصدته من عمليات اعتقال عشوائية تُشكل جريمة مكتملة الأركان لا سيما وأن عمليات الاعتقال تمت خارج إطار القانون ودون إذن قضائي الأمر الذي يعني بأن جماعة الحوثي مدانة باختطاف نحو 1000 شخص، وهم حاليا محرومون من الدفاع عن أنفسهم أو التحدث مع ذويهم الأمر الذي يُدين جماعة الحوثي بارتكاب جرائم جماعية وواسعة النطاق.
وشددت المنظمة على أن ما قام به أفراد جماعة الحوثي أمر يتجاوز حرمان الأفراد من حقهم في حرية التعبير عن الرأي والتجمع السلمي إلى جريمة خطيرة وغير مبررة كما أنه يظهر العقلية الإجرامية والانتقامية لدى جماعة الحوثي التي استغلت تجمع آلاف الأفراد في إحدى المناسبات الوطنية الهامة لتمارس عليهم سطوتها وعنجهيتها وأفكارها التي تبعد عن أي معنى لاحترام حقوق الأفراد وخصوصية المناسبات الوطنية.
وأكدت "سام" على أن جماعة الحوثي تثبت يومًا تلو الآخر بأنها بعيدة كل البعد عن تصريحاتها المتكررة عن نيتها لإنهاء الصراع في اليمن، كما أن تلك الاعتداءات تعطي صورة مصغرة للمتحاورين في الرياض عن سلوك الجماعة التي يتم محاورتها للوصول إلى حل دائم في اليمن، مشيرة إلى أن سجل جماعة الحوثي مليء بآلاف الحوادث من اعتقالات خارج القانون واعتداءات على المدنيين بما فيهم النساء والأطفال.
واختتمت سام بيانها بدعوة جماعة الحوثي إلى وقف اعتداءاتها الوحشية وإطلاق سراح كافة المعتقلين والإيعاز لأفرادها باحترام حقوق الأفراد في التعبير عن آرائهم والتجمع السلمي مؤكدة على أن جماعة الحوثي مطالبة بتقديم كافة الأفراد المتورطين بعمليات الاعتداء والاعتقال للمحاكمة العادلة نظير انتهاكاتهم الخطيرة للقانون اليمني والدولي.
المصدر: مأرب برس
كلمات دلالية: حریة التعبیر جماعة الحوثی الإفراج عن فی حریة على أن
إقرأ أيضاً:
ما زال سميح القاسم يخاطب الغزاة الذين لا يقرؤون
ما جدوى المعرفة: الكتابة والقراءة والعلم، حين يختار البشر ما يناقض الحكمة؟
ولماذا لا يقرأ الغزاة؟ ولماذا لا يتعظون؟
ما سيقوله قلم المؤرخين؟
أثناء التجول، نمرّ بأماكن، فنسأل عنها، فيجيبون من فيها ما يعرفونه، ثم نجد أنفسنا نعود إلى الكتب ازديادا في العلم، وهكذا نجد المكان يقودنا إلى الكتب، أي إلى الأزمنة التي يتضمنها ما يعرف بالتاريخ؟
واليوم، وجدت نفسي في الوقت الذي أتابع ما يحدث الآن، فإنني عدت الى التاريخ العام، لزيادة معرفتي بما كان هنا من دول ومن علاقات دولية. لكن ما لفت الانتباه هو أن ما كان ويكون يلتقيان في أمر واحد، ألا وهو الانحياز، واللاموضوعية، كون من كتب من قبل إنما كتب بما كان من رأي ونفوذ، وما يكتب اليوم (وما يتم بثه) فإنه ليس دقيقا، فكل بما ينطلق منه.
وهكذا، أكان الماضي ام الحاضر، فبإمكاننا من خلال التقصي الموضوعي فهم ما كان ويكون، لأن ذلك مهم لسلوكنا المتعلق بما سوف يكون.
أما ما سوف يكون، وما نحن فاعلونه، فهو الذي يجب أن يحرر إنسان المستقبل باتجاه البقاء. تلك هي الحضارة، وتلك هي الإنسانية. ترى ما سيقوله قلم المؤرخين؟
سيقولون: لقد سقطت الدولة الغازية وهي في كامل قوتها، والسبب أنها كانت في كامل وهمها؟
خاطب الشاعر الفلسطيني سميح القاسم عام 1988 الاحتلال هازئا في القصيدة التي عنونها ب "إلى غزاة لا يقرؤون"، التي اشتهرت بمطلعها "تقدموا تقدموا"، فإنه كان يسخر من الفكر الجنوني وراء شرّ الاحتلال وإيذاء شعبنا:
"فما الذي يدفعكم
من جثة لجثة
وكيف يستدرجكم
من لوثة للوثة
سفر الجنون المبهم"
إذن، نحن مع لوثة غزاة، لم يرتقوا فكريا وأخلاقيا، فقد اكتفوا بتكنولوجيا القتل. واكتفوا بخرافة أنه "شعب الله المختار"، تاركين العالم كله يحتار في هذا الأمر الذي يجعل الغزاة لا يحترمون أية قيم واتفاقيات، وقد أبدع سميح القاسم حين ذكر ذلك في قصيدته:
"حرامكم محلل
حلالكم محرم
تقدموا بشهوة القتل التي تقتلكم"
لقد استمر هذا الجنون في ظل التطور التكنولوجي، والمأساة أنه استمر، وتضاعفت الخسائر، هل سنقول بئست الحضارة أم بئس الأشرار!
كان من السهل تجنب الحرب، لكن كيف لغزاة أن يقرؤوا ما لا يحبون قراءته، في ظل رفض الآخر-العالم؟ كان من الممكن أن تعيش الشعوب معا، فالأرض واسعة وخلق الله فيها رزق العالم كله، لكن كأننا أمام حتمية غريبة، سيقف عندها المؤرخون والكتاب، وهي مفارقة نادرة؛ ففي الوقت الذي يبرر الغزاة الحرب لضمان "أمنهم"، فإنهم يقودون الى نهايتهم.
تلك هي التربية على الدم لا على السلام، والتطرف دوما يقضي على أصحابه؛ فمن الطبيعي أن تكون نهاية ثقافة القتل قتلا لفكرة الغزاة.
منذ عام 1988، في الانتفاضة الأولى ضد الاحتلال، عام قصيدة سميح القاسم، وما قبل ذلك من رفض الاحتلال الذي استمر، والاحتلال يزهد بالقراءة الواعية للتاريخ ظانا أنه الاستثناء الذي سيدوم بقاؤه، فمن هو ابن خلدون الذي يزعم أن الظلم ينبئ بخراب العمران؟!
يصعب العيش اليوم في العالم وإنسان العصر مشدودا لأساطير لا تعني للواقع وعنه شيئا، ولعل قوة الفكر الإنسان تمنح للقوى التكنولوجية المعنى.
لقد وصف الطبيب بالحكيم، ولا أدري السبب، لكن لعل جوهر مهنة الطبيب هي حكمة التعامل مع الإنسان. لذلك نقول إن العلم تراكميّ، حيث يتعلم الطبيب مما استخلصه الأطباء قبله في التعامل مع جسد الإنسان ونفسه. وهنا يكمن جوهر الحضارة: الحكمة.
تأمل التاريخ يقودنا الى تأمل الدول والممالك، وهذا يعني دراسة منظومات الحكم السائدة في تلك المراحل التاريخية. وقد وقف المؤرخون وقفات تقييم ونقد للنظم وشخوصها، كذلك حفلت أخبارهم في الكتب الدينية، خاصة في القرآن الكريم. ومجمل الفكرة هي أن هناك ارتباطا معينا بين الطغاة وسياق حياتهم كأفراد، وكمجتمعات. وهنا يصبح للحديث معنى استراتيجيا إن تم ربط سلوك الحكام بالحاضنات التعلمية والثقافية التي وجدوا أنفسهم فيها.
تعدّ حالة الاحتلال الصهيوني استثناء تاريخيا، حيث لم يقتصر دور الحاضنة التعليمية والثقافية على إنتاج (وتكوين) قادة لا ينتمون للإنسانية فقط، بل شمل ذلك مجتمع المستوطنة العسكرية، التي فشلت حتى الآن بإيجاد مجتمع سوي؛ فما تفسير استطلاعات الرأي التي أشارت دوما إلى تأييد الغالبية المستوطنة العسكرية لما يقوم به القتلة من قادتها؟
إن الكتب التعليمية المعلنة وكتب المؤسسات الدينية كارثة على المنطقة لأنها تعيد إنتاج منظومة مستدامة من العنصرية ونفي الآخر، والمفارقة في الأمر أن هؤلاء العنصريين يتهمون الفلسطينيين العرب بالتحريض ضدهم، والساخر في الأمر أنهم يجدون آذانا تسمعهم في الغرب.
من هنا، انتبهت الحضارات الى أهمية رعاية الحاضنات الثقافية والتعليمية والدينية والإعلامية بحيث تحافظ على السلم الأهلي، كذلك السلم العالمي من خلال معايير اليونسكو مثلا فيما يخص القيم الإنسانية التي تضرب بها دولة الاحتلال عرض الحائط.
لقد وصفت دولة الاحتلال بأنها تنتج مؤلفات يضعها في مصاف الدول العظمى، حيث أنها تنفق على التعليم والعلم والبحوث العلمية، لكن ما جدوى ذلك حين يتم استخدام ذلك العلم في الشرّ عبر تكريس الاحتلال والغزو والاعتداء والإرهاب؟ لم يعد سرّا ما يقدمه العلماء والباحثون في المستوطنة العسكرية للأجهزة العسكرية من أجل تسهيل دوام الاحتلال بالقوة والبطش.
الغزاة إذن يا سميح القاسم يقرؤون كما ترى، لكنها ليست قراءة الإنسان المنتمي للبشرية، من أجل تجنب الشرور، بل هي قراءة انتقائية منطلقة من أيديولوجية لم تتغير، ويبدو أنها لن تتغير كذلك.
آن الأوان للثقافة العالمية والمؤسسات الأممية بالتدخل لإلزام المستوطنة العسكرية باحترام القيم الإنسانية في المناهج التعليمية، وكفّ أذاها ليس عن الشعوب هنا فقط، بل عن شعوب كثيرة في العالم.
وأخيرا هل سنجد يوما قريبا من أبناء الغزاة من سيبدأ القراءة الواعية للوصول فعلا إلى سلام دائم يضمن الأمن والسلام؟ الجواب ليس هناك من يفكر بذلك، ما يعني أن المستوطنة وهي ماضية في تخريب العالم، ستنهي نفسها. تلك هي السيرورة والصيرورة. هكذا قال سميح القاسم متنبئا بخراب المستوطنة: "تقدموا بشهوة القتل التي تقتلكم".