كمّل الله الأنبياء بالأخلاق الفاضلة، وعصمهم من الشبهات والشهوات النازلة، فهم نبراس الهدى، ومصابيح الدّجى، يقتدي بهم الخلق، ويتخذون من سيرتهم وحياتهم قدوة يسيرون على منوالهم حتى يصلوا إلى دار السلام ويحطوا رحالهم في ساحة ربّ الأنام.

وهم قدوة الأتباع والأسوة الحسنة لمن أطاع في العبادات والأخلاق والمعاملات، والاستقامة على دين الله، ومن الآيات التي ورد فيها الاقتداء بهدي الأنبياء قوله تعالى: {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآَءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلَّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} [الممتحنة:4].

ومن الآيات الواردة في الأمر بالاهتداء بهدي الأنبياء، وما شرعه الله عزّ وجل في سورة الفاتحة في كل صلاة، أن ندعوه سبحانه بأن يهدينا صراطهم المستقيم، وذلك في قوله تعالى: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} [الفاتحة:6-7]، وأول من يدخل في صف المُنعم عليهم هم أنبياء الله تعالى وأتباعهم، وذلك لقوله تعالى بعد أن ذكر جملة من الأنبياء الكرام في سورة مريم: {أُولَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آَدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آَيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا} [مريم:58].

إنَّ حياة الأنبياء – عليهم السلام – هي الحياة المعصومة، خاصة فيما يتعلق بالعقيدة، وما أمروا بتبليغه؛ وذلك لأن الله تعالى اجتباهم واصطفاهم عن علمٍ وحكمة، قال تعالى: {وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا..} [مريم:58]، وقال سبحانه عن إبراهيم وإسحاق ويعقوب (عليهم السلام): {إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ (46) وَإِنَّهُمْ عِنْدَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيَارِ (47)} [ص:46-47]، وقال عن نبيّه موسى عليه الصلاة والسلام: {..وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي} [طه:39]، وقال سبحانه عن علمه بمن يختار من رسله: {..اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ} ]الأنعام:124[. وقال سبحانه: {اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ} ][الحج:75].

وإن الآيات في ذلك كثيرة، والحاصل منها أن من اصطفاه الله عزّ وجل واجتباه لرسالته هم أولى بالاتبّاع والاقتداء؛ وذلك لحفظ الله عزّ وجل لهم وعصمته لهم من الزلل والانحراف، ولو وقع منهم الخطأ لم يُقرّوا على ذلك، فحَريّ بمن هذه صفاتهم أن يُقتدى بهم وتدرس حياتهم ويُتعرف على هديهم، وذلك لضمان الاهتداء وعدم الانحراف، لهداية الله عزّ وجل وعصمته لهم؛ فيتم الاقتداء من المقتدين وهم في غاية الاطمئنان على صحة ما يأخذونه ويقتدون به وسلامته من الانحراف. (وقفات تربوية في ضوء القرآن الكريم، عبد العزيز ناصر الجليل، 3/18).

فالأنبياء والرّسل هم صفوة الخلق، والخلق بحاجة إليهم؛ ليبلّغوهم ما يُحبه الله ويرضاه، وما يغضب منه ويأباه، وكثير من العُصاة والمنحرفين ضلّوا في متاهات الشقاوة، هذا مع وجود الأنبياء عليهم السلام، فكيف تكون الحال لو لم يُرسل الله تعالى رسلاً مبشّرين ومنذرين.

فقد بُعث الرّسل يُهذبون العباد ويخرجونهم من عبادة العباد إلى عبادة ربّ العباد، ويحرّرونهم من رِقّ عبودية المخلوق إلى حرية عبادة رب الأرباب الذي أوجدهم من العدم، وسيُفنيهم بعد الوجود، ويبعثهم بعد الفناء؛ ليكونوا إمّا أشقياء، وإمّا سُعداء، ولو ترك الناس هملاً دون إنذار وتخويف لعاشوا عيشة ضنكا في جاهلية جهلاء وضلالة عمياء وعادات منحرفة، وأخلاق فاسدة وأصبحت الحياة مجتمع غاب، القوي فيهم يأكل الضعيف، والشريف فيهم يُذلّ الوضيع، وهكذا فاقتضت حكمته جلّ وعلا ألذا يخلق عباده سُدى ولا يتركهم هملاً، قال تعالى: {أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى [القيامة:36].

إن من رحمة الله جلّ وعلا أن مَنَّ عليهم، فبعث فيهم رسّلاً مبشرين ومنذرين، يتلون عليهم آيات ربهم، ويعلمونهم ما يُصلحهم ويُرشدونهم إلى مصدر سعادتهم في الدنيا والآخرة، وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين.

إن أنبياء الله تعالى هم الطريق الأمثل – كما عرض القرآن الكريم – لبناء الأجيال التي ترقى بالأمة من جديد، وتحي روح النصر فيها، وتعيد أمجادها، فإنه ما ساد الجيل الفريد الأول إلا من خلال اتخاذ القرآن الكريم منهجاً حياتياً شاملاً بما فيه من توجيهات مرشدة، وأوامر هادية، ولن يصلح آخر هذه الأمة، إلا بما صلح فيه أولها.

ملاحظة هامة: استفاد المقال مادته من كتاب: “إبراهيم عليه السلام أبو الأنبياء والمرسلين”، للدكتور علي محمد الصلابي.

المراجع:

1. في ظلال القرآن، سيد قطب، دار الشروق للطباعة، القاهرة، ط 32، 2003 م.

2. إبراهيم عليه السلام خليل الله، د. علي محمد الصلابي، دار ابن كثير، الطبعة الأولى، 2021م.

3. وقفات تربوية في ضوء القرآن الكريم، عبد العزيز ناصر الجليل، دار طيبة، الرياض، السعودية، ط2، 1419ه- 1998م.

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

المصدر: عين ليبيا

كلمات دلالية: القرآن الکریم الله تعالى الله عز

إقرأ أيضاً:

وزارة الأوقاف تكرم الطلاب المتميزين في مراكز تعليم القرآن الكريم

نظمت وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، ممثلة في إدارة الدعوة والإرشاد الديني، الحفل السنوي لقسم القرآن الكريم وعلومه، لتكريم نخبة من الطلاب الخاتمين والمتميزين في مراكز تعليم القرآن الكريم للعامين 2023 و2024، وذلك في رحاب جامع الإمام محمد بن عبدالوهاب، تحت رعاية سعادة السيد غانم بن شاهين الغانم وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية، وبحضور سعادة الدكتور الشيخ خالد بن محمد بن غانم آل ثاني وكيل الوزارة.

وخلال الحفل تم تكريم 603 طلاب من مختلف المراحل الدراسية، من المرحلة التمهيدية وحتى ختم القرآن الكريم، إلى جانب تكريم 15 من رؤساء المراكز القرآنية المتميزين، و100 مدرس متميز، تقديرًا لجهودهم في خدمة كتاب الله والارتقاء بالعملية التعليمية القرآنية.

وتضمن الحفل تلاوات قرآنية لمجموعة من الطلاب من مختلف المستويات، ثم كلمة إدارة الدعوة ألقاها السيد جاسم بن عبدالله العلي مدير الإدارة، أكد خلالها أن هذا الحفل يأتي في إطار حرص الوزارة على تكريم حفظة القرآن الكريم، وتعزيز دور المراكز القرآنية كمحاضن تربوية وعلمية تسهم في إعداد جيل متخلق وواع بهويته، مستشهدا بحديث النبي صلى الله عليه وسلم: "خيركم من تعلم القرآن وعلّمه".

واستعرض العلي، أبرز منجزات قسم القرآن الكريم وعلومه خلال العامين، ومن أبرزها تخريج 181 طالبا حافظًا لكتاب الله، وارتقاء 422 طالبا قطريا إلى مراحل أعلى في الحفظ، واستقطاب 92 طالبا قطريا متميزا إلى مركز النور القرآني التربوي، بالإضافة إلى تنظيم برامج تربوية وأنشطة ترفيهية محفزة لطلاب المراكز.

كما شهد الحفل عرضا مرئيا تضمن إحصاءات حول تطور المراكز القرآنية، حيث ارتفع عددها من 132 مركزا في عام 2023 إلى 148 مركزا في عام 2024، بينها 116 ممولة من الوزارة و32 ممولة من المتبرعين، إلى جانب 28 حلقة قرآنية في المساجد، يشرف عليها 1,016 مدرسا من أئمة المساجد والمؤذنين المؤهلين.

وأشار العرض إلى أن عدد الطلاب المنتسبين للمراكز بلغ في عام 2024 نحو 18,994 طالبا، منهم 2,249 طالبا قطريا، فيما بلغ عدد الطلاب الذين أتموا حفظ كتاب الله 58 طالبًا في عام 2023، وارتفع إلى 123 طالبًا في عام 2024.

وأكدت وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية مواصلة جهودها لتوفير بيئة تعليمية محفزة في مراكز تعليم القرآن الكريم، وتزويدها بأحدث الوسائل التعليمية، بما يسهم في تحفيظ كتاب الله ونشر قيمه السامية، انطلاقا من رؤية دولة قطر في ترسيخ القيم الإسلامية السمحة.

مقالات مشابهة

  • أفضل عمل عند الله بعد الصلاة المكتوبة.. تعرف عليه
  • تنفيذ حُكم القتل تعزيرًا بجانيين في منطقة مكة المكرمة
  • القصاص من جانيين في مكة المكرمة بعد صدور حكم شرعي بحقهما
  • وزارة الأوقاف تكرم الطلاب المتميزين في مراكز تعليم القرآن الكريم
  • الأوقاف: القيادة الآمنة مش ضعف دي شجاعة ووعي وتحضّر خليك قدوة في سواقتك
  • كشف الأباطيل
  • تنفيذ حكم القتل تعزيرًا في 4 جناة لتهريبهم مواد مخدرة إلى المملكة
  • تنفيذ حكم القتل تعزيرًا في أحد الجناة بمنطقة المدينة المنورة
  • ماذا حرم في شهر محرم الهجري؟.. 3 أفعال الوقوع فيها سهل
  • ماذا تفعل بعد صلاة الفجر؟.. 3 عبادات أوصى بها النبي