تُعد منطقة اثار سقارة أحد أهم المناطق الأثرية فى مصر فهى جزء من جبانة منف التى تمتد من أبى رواش شمالاً إلى ميدوم جنوباً وتزخر بالعديد من المعالم الأثرية بدايةً من عصر بداية الأسرات وحتى العصر القبطى. وإذا كان الهرم المدرج هو الأثر الأبرز فى منطقة آثار سقارة ، على اعتبار أنه أول هرم فى الوجود، فيمكننا القول أنها سجل مفتوح لكل فترات الحضارة المصرية القديمة على مدى أكثر من ثلاثة آلاف وخمسمائة عام بلا انقطاع.

و على الرغم من هذا التنوع الفريد والثراء الحضارى العريض فلا تزال الإكتشافات الأثرية تتواصل ، فما يكاد يمر يوم إلا ونسمع فيه عن اكتشاف جديد فى سقارة .

ويقول الدكتور على البطل مديرعام اثار الفيوم عن تاريخ سقارة ان الملك أوناس، آخر ملوك الأسرة الخامسة،اختار  مكاناً يقع جنوب هرم زوسر المدرج فى منتصف منطقة سقارة لبناء مجموعته الهرمية و مقابر زوجاته الملكات. ولقد أظهرت الحفائر أن هذا الموقع كان قد استغل من قبل لبناء مقابر ملوك الأسرة الثانية ذات الحجرات المنحوتة فى الصخر.  وخلال النصف الأول من الأسرة الخامسة بنى رجال البلاط الملكى وخصوصاً فى عصرىّ" نى وسررع ونفر إيركارع "مقابرهم مكان الطريق الصاعد الخاص بالملك أوناس. و أظهرت الحفائر التى قام بها الآثاريون أمثال August Mariette  عام  1858، وسليم حسن 1937-1938، وأحمد موسى ، شرق المجموعة الجنزية للملك أوناس. أما المنطقة الممتدة ناحية الغرب من هرم أوناس، فقد تم اهمالها  لفترة طويلة من قبل الآثاريين. و أول إشارة لهذا المكان المهمل كانت فى نهاية القرن التاسع عشر فى مؤلف De Morgan  عام 1897. وفى فترة التسعينات من القرن الماضى قام المتحف القومى الأسكتلندى بعمل مسح أثرى فى منطقة سقارة شمل الجزء الغربى لمجموعة أوناس الهرمية. 

جبانة جسر المدير

وتعتبر منطقة جسر المدير التى تقع إلى الجنوب الغربى من هرم زوسر وتبعد عنه حوالى 400 متراً وإلى الغرب من هرم ونيس، إمتداداً طبيعياً لجبانة ونيس ناحية الغرب. وهذه التسمية ربما اُصْطُلِحَ عليها منذ منتصف القرن الماضى حينما قرر مدير سقارة وقتها المهندس عبدالسلام حسين إجراء حفائر حول السور الحجري غرب هرم "سخم خت" فأطلق عليه عمال سقارة "جسر المدير". هذه البقعة من جبانة سقارة ظلت فى طى النسيان عهوداً طويلة فلم يُلقِ الآثاريون لها بالاً حتى أشار اليها de Morgan  فى آواخر القرن التاسع عشر. وفى التسعينيات من القرن الماضى بدأ الإهتمام بالموقع لمّا قامت بعثة المتحف الوطنى باسكتلندا بعمل مسح أثرى لمنطقة سقارة بما فيها الجزء الممتد ناحية الغرب.

و جسر المدير موقع بكر لم تمسسه يد إنسان حتى عام 2008 عندما قامت بعثة المجلس الأعلى للأثار بعمل حفائر فى هذه المنطقة برئاسة الدكتور  على البطل كبير مفتشى الاثار وقتها . ولم يمض على بدء الحفائر سوى بضع ساعات حتى لفظت الأرض بقايا جدار من الحجر الجيرى اتضح فيما بعد أنه الجزء السفلى من البناء العلوي لإحدي المقابر وزاد الامل فى  كشف المزيد. وإستمرت أعمال الحفائر بالموقع ثلاث سنوات متواصلة وانتهت مع أحداث ثورة يناير 2011، لكنها أسفرت عن جبانة كبيرة من عصر الدولة القديمة.بها ما يزيد على عشرين مقبرة.. وعلى هذا يعتبر هذا الجزء من جبانة سقارة الإمتداد الطبيعى لجبانة أوناس وأن مقابرها يبدو أنها كانت قد شيدت منذ عصر أوناس وحتى عصر ببى الثانى وأنها تتفاوت من حيث الحجم والتخطيط ما بين مقبرة بسيطة من الطوب اللبن إلى مقبرة ضخمة مزخرفة بالكامل.

ويشير الدكتور على البطل ان منطقة سقارة لم تبوح بكل اسرارها فهى واحدة من اغنى المناطق الاثرية فى مصر وانها تحتاج جهود كبيرة للكشف عن ما تذخر به من اثار وما تبطنه من اسرار .


 

 

33 44 5555 دكتور على البطل ف ق

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: سقارة المناطق الأثرية مصر الفيوم على البطل الحفائر مقابر إسرار على البطل

إقرأ أيضاً:

هل تصلح السلطة الدينية لحكم الدولة الحديثة؟

 

بدر بن خميس الظفري

@waladjameel

 

تُثار مسألة صلاحية الدين في حكم الدول الحديثة كلما طُرحت مسألة علاقة الدين بالسياسة، وكلما ظهرت توترات بين القوانين المدنية وأحكام الشريعة، أو بين مبادئ حقوق الإنسان وبعض التفسيرات الدينية. هذه القضية العميقة ترتبط بتساؤلات أعمق: من يملك حق الحكم؟ وما مصدر شرعيته؟ وهل يمكن الجمع بين ثوابت الدين ومتغيرات السياسة في دولة عصرية تحترم التعددية والحرية؟

تظهر التجارب التاريخية أن السُلطة الدينية حين تتحول إلى سلطة حاكمة، تتغير وظيفتها من التوجيه إلى السيطرة، ومن الوعظ إلى التشريع والإكراه؛ ففي الخلافة الراشدة مثلًا، ساد مبدأ الشورى والعدل والالتزام بالشريعة، لكنها ما لبثت أن انهارت تحت وطأة الصراع على السلطة، وتحول الحكم إلى وراثة في الدولة الأموية. هذا ما أشارت إليه دراسة الباحث السوداني الدكتور صبري محمد خليل بعنوان: "مفهوم السلطة الدينية في الفكر السياسي المقارن"، التي تتبعت مسار تحول الاستخلاف في الإسلام وعند العرب من مشروع جماعي إلى سلطة فردية.

أما في التجربة الأوروبية، فقد حكمت الكنيسة طويلًا باسم "الحق الإلهي"، حتى جاء عصر التنوير ليقلب المعادلة، ويفصل الدين عن الدولة فصلًا حاسمًا. وقد أسهمت تطورات كثيرة في هذا التحول، منها صعود الحركات الإصلاحية، والرفض الشعبي لهيمنة الكهنوت.

وفي سياقٍ معاصر، قدم اللاهوتيّ السويسريّ هانس كونغ مشروعًا مهمًا تحت عنوان "مشروع أخلاق عالمية"، دعا فيه إلى بناء توافق أخلاقي عالمي بين الأديان على أسس مشتركة مثل العدالة، والصدق، واحترام الإنسان. في هذا المشروع لا ينتقد كونغ مباشرة السلطة الدينية، ولكنه يركز على إمكانات التلاقي الأخلاقي بين الأديان من أجل السلام العالمي، وهو ما يعكس تصورًا مختلفًا لوظيفة الدين في المجال العام، وهو أن يكون مصدرًا للقيم لا سلطة للحكم.

وفي العصر الحديث، عادت النماذج الدينية إلى الواجهة، لا سيما مع نموذج ولاية الفقيه في إيران؛ حيث يحتكر الفقيه الأعلى القرارين السياسي والديني نيابة عن "الإمام الغائب". الباحث الإيراني محسن كديفر، في كتابه "نظريات الدولة في الفقه الشيعي"، يرى أن هذه السلطة تستند إلى شرعية فوق شعبية، مما يجعلها صلبة في مواجهة الخارج، لكنها تواجه تحديات داخليًا عند الحديث عن الحريات والمواطنة والتعدد.

المملكة العربية السعودية من جهة أخرى، بنت شرعيتها على تطبيق الشريعة، لكنها اليوم تواجه تحدياً للتوفيق بين التراث الديني ومتطلبات الرؤية الاقتصادية والانفتاح الاجتماعي.

والمفكر المصري نصر حامد أبو زيد، في كتابه "نقد الخطاب الديني"، يؤكد أن الأزمة ليست في النصوص بحد ذاتها؛ بل في "تسييس التأويل"، أي حين يستعمل الدين لإدامة بُنى تقليدية تحت غطاء الشرعية الإلهية.

وهنا لا يمكن تجاهل تجربة دولة الاحتلال الإسرائيلي؛ حيث الدولة يهودية دينية وتزعم في الوقت نفسه أنها ديمقراطية. وفي كتابه "اختراع أرض إسرائيل"، يرى شلومو ساند أستاذ التاريخ في جامعة تل أبيب، أن الجمع بين الطابع الديني للدولة والطابع المدني للمواطنة يُوجِد توترات دائمة، ويُهدد التماسك الوطني على المدى الطويل، لا سيما في ظل وجود أقلية عربية كبيرة تعامَل كمواطنة منقوصة الحقوق.

نستخلص مما سبق أن السُلطة الدينية لا يُمكن أن تنجح في حكم الدول الحديثة إلّا إذا استوفت شروطًا واضحة. أولها المرونة في تفسير النصوص. وهذا ما دعا إليه المفكر المصري محمد سليم العوا في كتابه "في النظام السياسي للدولة الإسلامية"؛ إذ شدد على أن "الاجتهاد المستمر هو صمام الأمان لحيوية الشريعة". وثانيها التوازن بين السلطات، وهو ما نبه إليه المفكر الإيراني عبد الكريم سروش في كتاب "القبض والبسط في الشريعة" حين حذَّر من أن "تركُّز السلطتين الدينية والسياسية في يدٍ واحدة هو أصل الاستبداد باسم الدين". وثالثها الانفتاح على الآخر، كما دعا إلى ذلك راشد الغنوشي في كتابه "من تجربة الحركة الإسلامية في تونس"، حيث أكد أن "الحوار مع المختلف لا ينقض الثوابت؛ بل يختبرها ويقويها".

أما حين تغيب هذه الشروط، فإن السلطة الدينية تتحول إلى عبء على الدولة والمجتمع معًا. وتظهر الإخفاقات في صور عدة منها: قمع الأقليات، وتقييد الحريات، وعزل الشعوب عن العالم وتجميد حركة الفكر والاجتهاد. وهذا ما أشار إليه المفكر السوري محمد شحرور، في كتابه "نحو أصول جديدة للفقه الإسلامي"؛ إذ رأى أن الجمود الفكري هو العائق الأكبر أمام التقدم، لأنه يحول الدين إلى أداة مقاومة للتجديد بدل أن يكون دافعًا إليه.

ورغم التحديات التي تحيط بعلاقة الدين بالدولة، تظل هناك فرصة لبناء نموذج يوفق بين مرجعية دينية قائمة على الفهم المقاصدي، ومؤسسات سياسية مدنية تتسم بالحداثة والمرونة. وهذا النموذج يمنح القيم الدينية دورًا في توجيه السياسات العامة من خلال منظور أخلاقي وإنساني، مع الحفاظ على استقلال القرار السياسي وتوازن السلطات.

وهذا ما أكد عليه الفقيه المغربي أحمد الريسوني، في كتابه "فقه الثورة"؛ حيث دعا إلى العودة إلى مقاصد الشريعة كمرتكز لفهم النصوص وتنزيلها في الواقع؛ فمقاصد مثل: العدل، وحفظ الكرامة، وصيانة الحقوق، تمنح الشريعة مرونة في التفاعل مع تحديات العصر. وعبر هذا المنهج، يتحول الاجتهاد إلى أداة لتطوير الحياة السياسية والحقوقية، انطلاقًا من منطق المصلحة العامة لا منطق الجمود على النصوص الظاهرة.

وفي المحصلة، يرتبط نجاح السُلطة الدينية في إدارة الدول الحديثة بقدرتها على فهم الواقع، والتفاعل مع متغيراته، والانفتاح على التنوع الإنساني والفكري. وحين تُستعمل المرجعية الدينية كوسيلة للهيمنة السياسية، تبتعد عن جوهر رسالتها وتفقد تأثيرها الأخلاقي. أما إذا تجلَّت في صورة منظومة قِيَم عُليا تُسهم في توجيه السياسات وصون العدالة وتعزيز الكرامة، فإنها تحتل موقعها الطبيعي في وجدان المجتمع، كمصدر إلهام وضمير حي، لا كأداة قسر وسُلطة مُطلقة.

رابط مختصر

مقالات مشابهة

  • هل تصلح السلطة الدينية لحكم الدولة الحديثة؟
  • أنت كل ما دعوت به.. ليلى زاهر تتغزل بزوجها في عيد ميلاده
  • وزيرة التنمية المحلية تعتمد الخطة التدريبية للعاملين بالمحليات بمركز سقارة لعام 2025-2026
  • بدء تصوير مسلسل اللعبة الجزء الخامس لـ هشام ماجد وشيكو
  • 15 يونيو.. بدء عرض مسلسل فهد البطل علي شاهد
  • نبوءات ويتمان.. كيف تنبأ شاعر القرن الـ 19 بأمريكا العصر الحديث؟
  • إمام عاشور : انضمام زيزو بعدي صفقة القرن بـ الأهلي
  • في قلب الطين .. حارة حماسة تبوح بتاريخها المنسيّ
  • مواقع وهمية لتجنيد جواسيس في سي آي إيه
  • أخبار جنوب سيناء| لجنة وزارية لتقييم مشروع البطل الأولمبي.. واستمرار اجتماعات حزب الجبهة الوطنية