يحتضن معهد العالم العربي بباريس، حاليا معرض «عطور الشرق» الذي يستمر حتى 17 مارس 2024. وفي رحلة فنية شيقة للحواس في مدن الشرق القديمة، يدخل الزوار في قلب إحدى حضارات العطور من حقبة العصور القديمة إلى يومنا هذا، ويغوصون عبر هذا الحدث الثقافي الفريد، عبر طرق التجارة في شبه الجزيرة العربية، في عبق وخفايا صناعة العطور ويلاحقون زخاتها وروائحها الحساسة الجميلة من خلال تتبع رحلة نقل البخور والعنبر والمسك والزعفران والعود والتوابل، وطقوس تقطيرها وتحويلها إلى عطور فريدة.


وتتعانق في هذا المعرض الإبداعات الفنية مع نسمات العطور ليستمتع الزائر برؤية بصرية ساحرة لتكتمل الصورة وتشبع مختلف حواسه، ففي فضاء يزيد على ألف متر مربع، يعرض ما يقارب 200 عمل تراثي ومعاصر منها أعمال للفنانة والمصممة القطرية عائشة السويدي، التي شاركت بثلاثة أعمال فنية، حيث يجمع المعرض الفني المصاحب لمعرض «عطور الشرق» (مخطوطات، ومنمنمات، ومنسوجات، ولوحات، وصورا فوتوغرافية، ومنحوتات وتركيبات، ومقاطع فيديو)، إضافة إلى مواد خام تدخل في صناعة العطور وتحكي أهمية الروائح المختلفة في العادات الثقافية والتقاليد الاجتماعية في العالم العربي الإسلامي، إلى جانب مغامرة استكشاف تاريخ صناعة وتجارة العطور في الشرق من الجزيرة العربية إلى الهند، ومن جزر إندونيسيا إلى أقاصي آسيا، حيث يتعرف الزائر خلال رحلته في المعرض على أصل الروائح النادرة والثمينة التي أصبحت أكثر شهرة للتجار العرب.
كما يصاحب هذا المعرض برنامج ثقافي متنوع يشمل حفلات موسيقية وندوات فكرية وورش عمل وعروض سينمائية ولقاءات أدبية، على مدى ستة أشهر حتى مارس 2024.
وأوضح السيد جاك لانغ رئيس معهد العالم العربي بباريس في تصريح لوكالة الأنباء القطرية «قنا» أن أهمية هذا المعرض تكمن في إظهار قيمة العطور في الحضارة العربية الإسلامية حتى إنها أصبحت جزءا من العادات الثقافية والاجتماعية اليومية، كما أن العطور تساهم في انفتاح هذه الحضارة العريقة على بقية الأمم والحضارات من خلال العطور ومكوناتها.
وأشار إلى أن الطرق التجارية القديمة التي كانت تشق الجزيرة العربية وتربط بين الجنوب والشمال، لعبت دورا مهما ورئيسيا في تطور صناعة العطور وانتقالها من الشرق الأوسط إلى الغرب، قائلا «لئن وجدت العطور الفاخرة اليوم في باريس ولندن وبقية العواصم الأوروبية، فإنه لا أحد ينكر أن منشأها الأول كان في العالم العربي وفي شبه الجزيرة العربية، حيث نجح العرب والمسلمون منذ قديم الزمان في صناعة عطور فريدة من نوعها استطاعت أن تفرض مميزاتها ومكوناتها ووصفاتها في أغلب دول العالم.
فنون بصرية 
وبدورها أكدت السيدة أنياس كارايون المشرفة على معرض «عطور الشرق»، في تصريح مماثل لـ»قنا» أن المعرض يجمع في ثناياه حوارا مباشرا وغير مباشر بين الكثير من الفنون البصرية، على غرار الفن المعاصر والحديث والقديم، وبين فن النحت والبلاستيك والتصوير الفوتوغرافي بالإضافة إلى الموروث الثقافي العربي الإسلامي الثري.
وأضافت: «اخترن المزج بين الفنون البصرية التي تظهر للعين وبين الروائح والعطور التي تنبعث في فضاء المعرض عبر تقنيات فنية أنشئت خصيصا لهذا الغرض»، منوهة بأن الزوار يحسون بسلاسة وتكامل التحف المعروضة والصور الفوتوغرافية والقطع الفنية والمنحوتات، التي تلائم فكرة المعرض الأساسية.
وأشادت كارايون بالمشاركة القطرية المتميزة في هذا المعرض من خلال أعمال الفنانة والمصممة القطرية عائشة السويدي، التي شاركت بثلاثة أعمال فنية بعنوان «مدخانات» تتوزع على ثلاث قطع فنية أصلية بتصميم فريد وجميل وهي عبارة عن مبخرات تستعمل في تبخير البيوت والمنازل والفضاءات العائلية، وتدخل في الاستعمالات اليومية للعطور والروائح كالترحيب بالضيوف والزوار.
وأكدت أنه من وجهة نظر علمية، تبرز مساهمة العلماء العرب بشكل كبير في تطور تقنيات صناعة العطور من خلال تطويرهم تقنيات التقطير التي لم تكن دارجة في تلك الفترة من التاريخ، وقد مكن تطوير تقنية التقطير من الحصول على المياه المقطرة والزيوت الزهرية المركزة التي تعتبر اليوم المكون الأول والرئيسي للعطور.

أزياء سعودية 
من جهتها قالت ريم الناصر الفنانة المعاصرة ومصممة الأزياء السعودية لوكالة الأنباء القطرية «قنا»، إنها تشارك في هذا المعرض بعمل فني، وهو عبارة عن مجموعة من الأزياء المصممة على الطريقة التقليدية، مصنوع من زهور الياسمين التي تعرف بها منطقة العريش ومحافظة جيزان (جنوب السعودية)، ويتم ارتداؤها في المناسبات والأفراح.
بدوره أشار كريستوفر شيلدريك مصمم الروائح والعطور في معرض «عطور الشرق»، إلى أن المعرض رائع نظرا لقيمة وتنوع الأعمال الفنية المعروضة فيه، والتي تعطي للزائر الانطباع بأنه يتجول في أكثر من مكان وأكثر من زمان في نفس الوقت.
وقال شيلدريك الذي يملك خبرة 50 عاما في تصميم وتقطير وصنع العطور في تصريحه لوكالة الأنباء القطرية /‏قنا/‏: لدي احترام كبير للعرب والمسلمين فيما يخص العطور، لذلك كانت مهمتي صعبة جدا لكي أختار من بين كل الروائح والعطور العربية الشرقية أربع روائح فقط تمثل وتختصر العطور العربية وتعطي الانطباع للزائر الشرقي والغربي بقيمة هذه العطور ومميزاتها الأساسية، ولذا تم اختيار العنبر، و»الشمامان» وهو من أصل هندي ولكنه ممزوج بالروائح العربية مثل العود والورد والزعفران، أما العطر الثالث فهو عطر «الكيفي» وهو عطر من أصل مصري قديم وتعود وصفته وخلطته إلى ما قبل 3000 عام، إلى جانب عطر خاص بالنساء يجمع بين الورد والمسك، مع التركيز على مكونات العطور الطبيعية مثل العود والعنبر والمسك والورد وزهرة النارنج وياسمين الليل، وفق تدرج مشوق ومخصوص.
ونوه بأن الشرق الأوسط والعالم العربي كان المسؤول عن توفير المكونات الأساسية للعطور في العالم، حيث يعود الفضل للطرق التجارية القديمة التي وجدت في الشرق الأوسط والجزيرة العربية، والتي بفضلها وصلت مكونات العطور إلى أوروبا والعالم، بعد أن مرت عبر الطائف ودمشق وتركيا ومصر وكذلك الهند، ومن هنا كان إسهام العالم العربي والإسلامي بشكل كبير في صناعة العطور الغربية حيث يتواصل هذا التأثير إلى اليوم، فقد أصبح العود في السنوات العشرين الماضية مكونا رئيسيا في العطور الغربية ولم يكن موجودا من قبل، وينطبق الأمر كذلك الزعفران.
الجدير بالذكر أن معهد العالم العربي بباريس، الذي تأسس سنة 1980، كمؤسسة فرنسية تعنى بالشأن الثقافي، وتستقبل ضمن أنشطتها المتواصلة على طول العام، الكتاب والمفكرين والفنانين من كل أنحاء العالم العربي والأوروبي لعرض أفكارهم وإبداعاتهم.
ويعد المعهد الذي صممه الفرنسي جون نوفيل، تحفة معمارية فريدة تقع على ضفاف نهر السين، فضلا عن كونه أهم مؤسسة للثقافة العربية الإسلامية في فرنسا وأوروبا.
ويسعى هذا المعلم الثقافي إلى تطوير دراسة العالم العربي في فرنسا وتعميق فهم حضارته وثقافته وتشجيع التبادل الثقافي وتنشيط التواصل والتعاون بين فرنسا والعالم العربي، ويعين رئيسه بناء على اقتراح من الرئيس الفرنسي، وبالتشاور مع ممثلي الدول العربية في فرنسا.

المصدر: العرب القطرية

كلمات دلالية: قطر معهد العالم العربي باريس الجزیرة العربیة هذا المعرض العطور فی من خلال

إقرأ أيضاً:

السياسة قبل الرواية والشعر في الدورة الـ66 لمعرض بيروت للكتاب

لاحظ عدد من الناشرين المشاركين في معرض بيروت العربي الدولي للكتاب، الذي افتُتِحت دورته الـ66، أنّ للمؤلفات السياسية حضورا بارزا في هذه النسخة من الحدث الثقافي اللبناني، وأن اهتمام القراء بات يميل أكثر إلى هذا النوع بعدما كان الطلب ينصبّ على الرواية والشعر.

ويواصِل عدد دور النشر المُشاركة في المعرض هذه السنة الارتفاع، مقارنة بالأعوام الأخيرة منذ بدء الأزمة الاقتصادية في لبنان وجائحة كورونا، على ما أفاد المنظمون.

وأكدت رئيسة النادي الثقافي العربي، الذي يُنظم المعرض منذ العام 1956، سلوى السنيورة بعاصيري أن من بين دور النشر الـ134 المُشاركة في هذه الدورة التي تمتد إلى 25 مايو/أيار الجاري، جهات عربية عدة، من قطر والإمارات ومصر والأردن وسوريا، ومعهد العالم العربي في باريس، إلى جانب الحضور المحلي.

رئيس الوزراء اللبناني نواف سلام يزور معرض بيروت العربي الدولي للكتاب في دورته الـ66 (الفرنسية)

وأوضحت بعاصيري -في تصريحها لوكالة الصحافة الفرنسية- أن إحجام دور النشر العربية عن المشاركة في الدورات الأخيرة كان "لأسباب أمنية، إذ إن الظروف في لبنان كانت حتى القريب غير مواتية لهذا الحضور"، لكنّ "الجميع يشعر الآن أن ثمة مناخا مختلفا".

وقال المدير العام لدار "الشروق" المصرية أحمد بدير "انقطعنا (عن المشاركة) لأعوام لكنّ تأليف الحكومة الجديدة شكّل لنا دافعا للعودة بقوة".

وتوقعت بعاصيري "أن يزيد الحضور العربي في الدورة المقبلة" وأن يكون "كثيفا".

إعلان "بيروت لن تتخلى عن الثقافة"

وشدّد رئيس مجلس الوزراء نواف سلام، في افتتاح الدورة الـ66 الأربعاء، على أن "بيروت لم ولن تتعب من حمل راية الثقافة رغم كل الجراح".

نواف سلام خلال جولته في معرض بيروت الدولي للكتاب ( الفرنسية)

وذكّر سلام المعروف بشغفه بالمطالعة وقال عنه عريف الحفل الإعلامي زافين قيومجيان إن "منزله معرض كتاب"، بأن المعرض "تقليد راسخ يعكس نبض بيروت الثقافي وتراثها الفكري ودورها التاريخي كعاصمة عريقة للمعرفة والإبداع".

وفي جناح دار "النهار" التي عرضت مؤلفاتها الجديدة، ومن أبرزها كُتب عن العلاقات بين بيروت وطهران وعن الشأن السياسي اللبناني، قالت المديرة الإدارية للدار العريقة كارلا قرقفي زيادة "نحن نحب المعارض، لأنّ فيها تفاعلا مع القارئ، لا يهمنا ما سنجنيه من أرباح، لكن نحب أن نحافظ على هذا التفاعل".

سيدة تتفقد الكتب المعروضة في معرض بيروت العربي الدولي للكتاب (الفرنسية)

ولاحظت المسؤولة عن "دار رياض الريس" فاطمة الريس أن "القارئ كان يهتم لسنوات بالرواية والشعر، لكنه اليوم بات يميل إلى الكتب التي تطرح مواضيع فكرية وسياسية".

وتشكّل المؤلفات السياسية 80% من إصدارات دار "سائر المشرق" التي كانت تشهد مثلا في يوم الافتتاح توقيع كتاب للباحث محمد عبد الجليل غزيّل، يتناول "دور رئيس مجلس الوزراء في بناء الهوية الوطنية وقيادة الإصلاحات السياسية والاقتصادية"، على ما أوضح.

زوار لمعرض بيروت العربي الدولي للكتاب في دورته الـ66 (الفرنسية)

ومن الإصدارات في المعرض كتاب عن مؤسس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى الإمام موسى الصدر، الذي كان قبل اختفائه عام 1978 أحد أبرز الشخصيات الشيعية في لبنان، وقالت شقيقته ورئيس المؤسسة التي تحمل اسمه رباب الصدر إن الكتاب يتناول موضوع الاعتصام الذي أقامه الإمام الصدر في أحد المساجد عام 1975 للدعوة إلى وقف الحرب الأهلية.

إعلان

ورأت أستاذة القانون والكاتبة ندى شاوول أن "معرض الكتاب العربي يتأثر أكثر من سواه بالمسائل السياسية والسوسيولوجية ويتفاعل أكثر مع الأحداث".

وتشارك شاوول في إدارة نقاش عن مؤسسة "الندوة اللبنانية" التي أدت ما بين 1946 و1984 "دورا تثقيفيا في حقبة من تاريخ لبنان المضيء"، حسب بعاصيري، وهي واحدة من نحو 60 نشاطا مماثلا خلال المعرض.

مشهد من فعاليات معرض بيروت العربي الدولي للكتاب الـ66 ( الفرنسية)

وأشارت بعاصيري إلى أن من أبرز الندوات الأخرى، واحدة عن المسرح، وأخرى عن الكاتب الراحل إلياس خوري، وسواهما مثلا عن مئوية الأديب للبناني سليمان البستاني المعروف بترجمته "الإلياذة"، وعن الأديب والمؤرخ والرحّالة أمين الريحاني في الذكرى المئوية لكتابه "ملوك العرب"، إضافة إلى واحدة عن المطربة أم كلثوم.

مساحة مفتوحة لفنون الكتاب

وتتمحور إحدى الندوات على إمام بيروت وسائر الشّام عبد الرحمن الأوزاعي في الذكرى الـ1250 لوفاته، "لِما عُرف عنه من تسامح ديني ونهج إصلاحي".

(الفرنسية)

وهذه الندوات تندرج ضمن توجه المعرض، حسب بعاصيري، إلى "ألا يقتصر على كونه منصة للكتاب، بل أيضا مساحة مفتوحة لفنون الكتاب وما يدور في فلكه"، على ما شرحت في كلمتها الافتتاحية.

وأشارت في تصريحها إلى أن ما يميّز هذه النسخة "التركيز على المعارض الفنية المختصة" التي يصل عددها إلى ستة، يلقي أحدها الضوء على "دور مدينة طرابلس الثقافي والمعرفي"، ويتناول آخر تطور السينما في لبنان من خلال الملصقات، ويستعيد ثالث محطات المعرض نفسه منذ نشأته، إضافة إلى آخر عن رسوم كاريكاتورية متعلقة بغزة.

ولأن "الثقافة متعددة الأوجه، وهي فن وموسيقى وكتابة وتأليف وشعر"، على قول بعاصيري، طعّم المعرض برنامجه بعدد من الحفلات الموسيقية، يُحيي إحداها عازف البيانو الفرنسي اللبناني عبد الرحمن الباشا في مناسبة مرور مئة عام على ولادة والده المؤلف الموسيقي توفيق الباشا.

إعلان

مقالات مشابهة

  • معرض "نسك هدايا الحاج" يسجل حضورًا لافتًا من الزوار في مكة المكرمة
  • ختام ناجح لمشاركة عُمان في معرض "سعودي فود شو"
  • «الزراعة» تمدد فعاليات معرض زهور الربيع حتى نهاية شهر مايو الجاري
  • استجابة للإقبال الجماهيري.. عروض متميزة على الزهور والنباتات النادرة
  • أسامة أبونار يوثق الطراز المعماري للكوربة في معرض أسبوع مصر الجديدة
  • افتتاح معرض الإمارات الرابع للإطارات وقطع غيار السيارات الصيني
  • السياسة قبل الرواية والشعر في الدورة الـ66 لمعرض بيروت للكتاب
  • أيادي تصنع الخلود.. معرض أثري بالمتحف القومي للحضارة
  • دور النشر القطرية.. منصات ثقافية تضيء أروقة معرض الدوحة الدولي للكتاب
  • المنتجات العُمانية تجذب زوّار معرض "سعودي فود شو"