هناك موجة من النقاش والجدال تصاحب حالات المقاومة، وبخاصة في فلسطين المحتلة، فتجد من يحول النقاش من الحالة النضالية إلى حالة من التشكيك في ما تفعله المقاومة، ومنذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول الجاري، وبعد أن شاهد العالم فيديوهات الأسر لعدد من المحتلين، فجأة ظهر بين الناس خطاب ظاهره الحرص على الشريعة وباطنه عدم الغوص في أحكامها، وعدم النظر لما يفعله العدو بمقدساتنا والأطفال والنساء في الأراضي المحتلة.
ما يطرحه هذا الخطاب، يتعلق بمدنية الأسرى، وهل شرعا يحق للمقاومين أسر مدنيين، أو سحبهم والإمساك بهم بهذا الشكل؟ سؤال يطرحه بعضهم بحسن نية، وقد وقع تحت تأثير دعاية المحتل، أو الصهاينة العرب، فقد كان التطبيع يجري في بلادنا سياسيا -ومنذ سنوات قليلة- ظهر نوع جديد من التطبيع، أطلق عليه اسم "التطبيع الفقهي"، وبغض النظر عن هذا اللون من التطبيع والتشكيك، فإن تناول المسألة يصبح واجبا يقوم به أهل البحث الفقهي، من باب تجلية الحقيقة للناس.
السؤال الغلط في الاتجاه الغلطوهو سؤال غلط، في اتجاه غلط تماما، فهنا السؤال الصحيح يوجه للمعتدي، وهل ما يقوم به المعتدي عدوان أم لا؟ وما الموقف من اعتقال وأسر النساء والأطفال، واختطافهم من منازلهم، أو من الشوارع، وما الموقف من الاعتداء من الشرطة الإسرائيلية على النساء المصليات في الأقصى، وضربهن في الشوارع، وإسقاطهن على الأرض في شكل مهين، ولم يقترفن ذنبا سوى الذهاب إلى دار العبادة، هذه الأسئلة التي ينبغي أن توجه وتطرح.
أما بخصوص ما يطرح من قضية مدنية الأسرى، والتعامل معهم في الظروف الراهنة، فلا بد من عدة أسئلة توضح المسألة، والإجابة عنها لازمة ومهمة، السؤال الأول: هل الحرب بين الفلسطينيين واليهود في فلسطين لأنهم يهود، أتباع ديانة سماوية، أم لعلة الاعتداء والاحتلال؟ والسؤال الثاني: هل من قدم لأرض فلسطين المحتلة، وأصبح من مستوطنيها، هل يعد مدنيا، أم هو محتل عسكري، وإن اختلف توصيفه؟
هناك من يشارك بالعمل العسكري، وهناك من يشارك بالعمل التقني، كلهم في النهاية لهم حكم المحتل، والمحتل لا حكم له إلا الإخراج من هذه الأرض، بعد خروجه يصبح صاحب حق في الحفاظ عليه بكل السبل، وما دام محتلا، فله كل أحكام المحتل
رد عدوان لا محاربة أديانإن السؤال الأول، وهو المهم في المسألة هنا: أن الحرب الدائرة بين أهل فلسطين المحتلة، بكل ألوانها وفئاتها، ضد المحتل الصهيوني، ليست لأنهم يتبعون ديانة معينة، أو لأنهم يهود، فلم تكن أسباب الحرب في الإسلام يوما لعلة الدين، فليس من هدف الإسلام محو الأديان الأخرى، بل جاء مكملا ومتمما لها، وترك لهم حرية التعبد، فقال تعالى: {وَلَوْلَا دَفْعُ ٱللَّهِ ٱلنَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍۢ لَّهُدِّمَتْ صَوَٰمِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَٰتٌ وَمَسَٰجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا ٱسْمُ ٱللَّهِ كَثِيرًا ۗ وَلَيَنصُرَنَّ ٱللَّهُ مَن يَنصُرُهُۥٓ ۗ إِنَّ ٱللَّهَ لَقَوِىٌّ عَزِيزٌ} (الحج: 40)، فمن أهداف الجهاد في الإسلام تأمين حرية الناس في العبادة.
بل إن الحرب في الإسلام، كل الحروب، سببها ودافعها: الاعتداء، فقال تعالى: {وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين} (البقرة: 190)، وإلا فما القول في قتال المؤمنين الفئة الباغية، وذلك حين يتقاتل المسلمون مع بعضهم بعضا، فئة مظلومة، وفئة باغية، فقال تعالى: {وَإِن طَآئِفَتَانِ مِنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ ٱقۡتَتَلُواْ فَأَصۡلِحُواْ بَيۡنَهُمَاۖ فَإِنۢ بَغَتۡ إِحۡدَىٰهُمَا عَلَى ٱلۡأُخۡرَىٰ فَقَٰتِلُواْ ٱلَّتِي تَبۡغِي حَتَّىٰ تَفِيٓءَ إِلَىٰٓ أَمۡرِ ٱللَّهِۚ فَإِن فَآءَتۡ فَأَصۡلِحُواْ بَيۡنَهُمَا بِٱلۡعَدۡلِ وَأَقۡسِطُوٓاْۖ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلۡمُقۡسِطِينَ} (الحجرات: 9)، فكيف إذن يجيز الإسلام قتال مؤمنين؟ السبب: لأنهم معتدون.
فليس رد العدوان في الإسلام أو القتال لعلة الاختلاف الديني، أو لأن من يحاربهم أتباع ديانة معينة، بل العلة الاعتداء والعدوان والاحتلال. وهذه أحكام راسخة ثابتة، لا تتبدل، وهي نصوص قرآنية ونبوية واضحة كل الوضوح، في أن العدوان سبب للقتال، أيا كانت ديانة المعتدي، ولو كان من أهل الإسلام، وهو هدف مشروع دينا وقانونا وطبعا.
هل الصهاينة مدنيون؟أما السؤال الثاني: هل ساكنو الكيان الصهيوني مدنيون؟ إذا اتفقنا أن أرض فلسطين محتلة، وذلك بحكم الشرع والقانون الدولي، وبحكم كل العقلاء، فكل من سكن هذه الأراضي ليس صاحب حق فيها، بل محتل، يشارك المحتل كل بشكل معين، فمن يشارك بالعمل العسكري، ومن يشارك بالعمل التقني، كلهم في النهاية لهم حكم المحتل، والمحتل لا حكم له إلا الإخراج من هذه الأرض، بعد خروجه يصبح صاحب حق في الحفاظ عليه بكل السبل، وما دام محتلا، فله كل أحكام المحتل.
ومن يدرس طبيعة المجتمع الصهيوني، يعلم أنه كله مجتمع عسكري، فكل أفراده تحت طلب الاحتياط للجيش، ولم يعد العسكري كما كان في تعريفه سابقا، وهو من يركب الدبابة أو الطائرة، وإلا فمن يهيئ له كل ذلك في بلد محتل؟ ولم تعد وزارات الدفاع والمهن العسكرية حكرا على العسكري بالمعنى التقليدي، بل إن كثيرا من الأعمال العسكرية تكون بطائرات بدون طيار، فهل الذي يحرك هذه الطائرات بزر أو بأجهزة يعد مدنيا، وإن كان خريج كلية مدنية، ويعمل عملا ظاهره مدني؟ في بلد محتل، كل من يعيش على أرضها هو محتل.
بل إن ممارسات العدو نفسه قبل هذه الأحداث وبعدها، شاهدة بأنه لا يرقب في مؤمن إلا ولا ذمة، فكم من حرب ضد أراضي فلسطينية، نرى القصف فيها يسقط على منازل مدنيين، ومساجد، ومدارس، بل ومستشفيات، وكم عدد المعوقين من الأطفال والنساء والمسنين؟ ومن ينظر في أخبار اليوم والأمس، والغد، سيجد الأخبار نفسها، والأفعال نفسها.
يعقوب الصهيوني يلخص الجوابوالحقيقة أن الصهاينة أنفسهم، يردون على كل من يدعي مدنيتهم، بالواقع الذي يحيونه، فهل من طبيعة المدني أن يغتصب بيوت أصحاب الأرض؟ وقد انتشر مشهد (يعقوب) ذلك المواطن الصهيوني، الذي سرق بيت أحد الفلسطينيين، ولما طارده صاحب البيت بالكاميرات لتصويره، والتشنيع به جراء سرقته، كانت الإجابة الواضحة من يعقوب، حين قال: لو لم أسرقه أنا سيسرقه غيري، فما الفرق؟ إنه لخص فلسفة الاحتلال بكل أفراده، سواء كانوا عسكريين أو مدنيين ظاهريا، بأنها منهجية يعيش بها الجميع، من وجد ما يستولي عليه، فالخلاف هنا من الأسبق لسرقته والسطو عليه، والاعتداء عليه بشرا كان أم حجرا.
إن الذين يثيرون مثل هذه الأسئلة، أو الاعتراضات، من طرف واحد، في اتجاه واحد، يذكروننا بما أثاره بعض الناس أيام النبي صلى الله عليه وسلم، من أنه قاتل في الأشهر الحرم، وقد كان قتاله دفاعا عن النفس والمال والدين، فقال تعالى ذاكرا شبهتهم والرد عليها {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} (البقرة: 217)، فإن الاعتراض على القتال في الشهر الحرام، أبشع منه وأشد إخراج الناس من بيوتها، وطردهم منها، واحتلال بيوتهم بغير حق.
aj-logoaj-logoaj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معناأعلن معنارابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinerssالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: فی الإسلام فقال تعالى
إقرأ أيضاً:
على الباغي تدور الدوائر
لطالما تألمنا من مشاهد الدماء والموت في قطاع غزة، ولطالما احترقت أفئدتنا من بُكاء الثكالى والأيتام، لطالما أسماعنا لم تكن تقوى لجراحات تلك الأصوات، تلونت الصخور بدمائهم، أطفالٌ ينامون في المهد ويصحون على أكفانهم، وأمهاتٌ أنظارهن للسماء تترقب قدوم طائرات موتهن، وآباءٌ يهرعون بأجسادِ أولادهم المدميةُ بحثاً عن مُغيث لهم في مستشفياتٍ مدمرة مكلومة بالجرحى، احترقت الأرض تحتهم من صمودهم، وتفطرت السماء من دُعائهم، حتى أتى وعد الله الحق “إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ”.
أتى غضب الله القادم من الجمهورية الإسلامية إيران عبر صواريخ لا تنتمي لطائفة ولا مذهب بل تمثل قوة الأمة في وجه عدوها المركزي الذي انتهك المقدسات وقتل الأبرياء واستباح الأرض والعِرض من قبل كيان فَقَدَ اليوم ما يحافظ على بقائه، وأرى العالم أنه في نهاية المطاف يخضع لقوانين الموت وأن مزمار المناعة الذي ظلوا ينفخون فيه طيلة 76 عام كُسرت جوزته، ولوحة الجيش الذي لا يقهر تلطخت بالذل والهوان، وشعب الله المختار تعثر في أول منحدر.
من لا يثق بالله وبنصره وبتأييده لا يمكن أن يصدق مايراه من مشاهد الدمار والخراب الذي طال المدن الإسرائيلية في العمق الفلسطيني المحتل جراء الضربات الإيرانية المباركة، إنها معركة مصير تحددها الجمهورية الإسلامية وتخوضها نيابة عن معظم الدول العربية والإسلامية التي تدّعي الإسلام والعروبة ولأن الله كره انبعاثهم وجهادهم؛ ثبطهم وأراد لهم بأن يكونوا مع الخوالف في هذه المعركة المصيرية.
جميعنا من يؤمن بهذا الوعد الإلهي المحتوم بزوال هذا الكيان شفي صدره من هذه الضربات الحيدرية، وسَرَه مناظر الحرائق والدمار، أصوات العالقين في الملاجئ، والفارين من زمجرة صواريخ البأس والثأر، جميعنا كنا ننتظر هذا اليوم وبفارغ الصبر لنرى هذا النصر الإلهي المرسوم في سماء فلسطين المحتلة لأكثر من 70عام، من منا كان يشكك في هذا الأمر إلا من كان لا يثق بوعد الله المبين.
وأعظم نصر هو أصوات أهالي غزة التي يعتليها الفرح والاستبشار رغم جراحهم وأوجاعهم عند رؤية الشهب الإيرانية وهي تمر من فوقهم لتسقط وبالاً ونكالاً فوق رؤوس الصهاينة المحتلين، مكبرين ومهللين بهذه البشائر العظيمة التي ختم الله صبرهم وصمودهم بأن يروا هذا اليوم العظيم الذي يذوق فيه العدو جلّ ما ذاقوه.
تدمير وحرائق، رعب وخوف وهلع، هروب ومناجاة واستكانات، أصوات إنذارات الموت التي لم تهدأ، مرور الدفاعات المدنية من إطفاء وإسعافات وطواقم لتنجد المصابين والعالقين في الملاجئ لم تتوقف ولم تنام أو تسترح، ذهول من ما رأوا بعد هذه السنوات التي كانوا يظنوا أنهم في مأمن من هذا الوعد القادم، ظنوا بأنهم باتفاقهم مع الدول المجاورة وإبرام صفقات التطبيع والسلام معهم سيأمنوا من غضب الإسلام الحقيقي والدين المحمدي العلوي، لم يكونوا يدركوا بأن بأس الله إذا أتى سيأتي من أقصى المسافات بعداً، وعلى أيدي طالما رفعت مع يد الإمام علي عليه السلام ووالت آل بيته الأطهار، بأسٌ قادم من أحفاد حيدر وقالع باب خيبر، بأسٌ ممتشق نصره من غمد ذو الفقار، ورافع راية الولاء بأن لا إله إلا الله وحده في هذا الكون.
مازالت المواجهة مستمرة، ومازال العدو الصهيوني في مأزق لم يكن ليتوقعه أو يصل إليه في ذات يوم، ومازالت الجمهورية الإيرانية لم تهدأ من ثأرها ولم تغمد سيفها بعد، وما يزال الشيبة العلوي آية الله السيد علي الخامنئي يتوعد الكيان بأقسى الأيام التي هي بانتظاره، مازالت الصواريخ في أهبّةِ الانطلاق، ومازالت القوة مستقواه من قوة الأحد الصمد، إنها معادلة السماء يهبها الله لمن أراد، ويمسكها الله لمن هم أهلاً لهذه الهبة ممن فدوا الإسلام والمسلمين بأرواحهم ودمائهم هم لا سواهم محور المقاومة.
و”إِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ”