لجريدة عمان:
2025-07-31@16:41:51 GMT

فلسطين في الشعر العماني

تاريخ النشر: 15th, October 2023 GMT

فلسطين في الشعر العماني

استجابة لدعوةٍ من شاعر فلسطين الكبير الراحل محمود درويش ذهب الشاعر العماني سيف الرحبي إلى رام الله مع جمع كبير من شعراء العرب وشعراء العالم وتصادفت زيارتهم مع بداية انتفاضة الأقصى.

يقول سيف الرحبي ضمن ما قاله:

"مشهد الأولاد الذين يواجهون بصدور عارية واحدة من أعتى الآلات العسكرية في العالم وشعب مجرد من أي سلاح غير إرادته التي لا يمكن قهرها هذا المشهد اليومي في شتى المدن الفلسطينية يحمل دلالة أعمق على المستوى الذي وصل إليه انحدار إنسانية البشر"

"وكان الفندق الذي نزلنا فيه ليس بعيدا عن خط التماس بين رام الله ومستعمرة "بيت إيل" الضخمة التي تبدو بنيتها المعمارية المستفزة والعدوانية كأنما نزلت هكذا جاهزة بشوارعها وسكانها وأضوائها ومراحيضها من غير جذور ولا امتدادات ولا زمن هكذا كأنها كانت محمولة على متن قاذفة نووية عملاقة وقذفت دفعة واحدة في هذا المكان وكذا تتبدى كل المستوطنات التي تشكل أسوارًا محكمة حول المدن الفلسطينية العريقة كاتمة حتى الهواء عن أشجار هذه المدن وحياتها وعناصرها"

"لا نكاد نتحرك بين المدن الفلسطينية إلا ويأتينا التحذير وهواجس الخوف ليس من الجيش الذي يمارس الإذلال اليومي وإنما من المستوطنين وحواجزهم وعدوانيتهم الطليقة وتعطشهم لدماء الآخر وسحقه لقد طلعوا مثلما ولدت إسرائيل برمتها من رحم المثولوجيات اليهودية وخرافاتها".

"وهم رغم تفوقهم الساحق يعيشون في دائرة مغلقة من الرعب "هواجس المنبت الذي سرق أرض الغير وحياته وتاريخه وبنى على أنقاضها حياته الأخرى المرتجفة باستمرار وسط هذه الرمال العربية الإسلامية التي ستجرف في هياجها القادم كل شيء أمامها"

هذه فقرات صغيرة من مقالة مطولة كتبها سيف الرحبي ونشرها في مجلة نزوى عن زيارته الفلسطينية تلك، لم تغب قضية فلسطين ومأساتها الكبرى عن الشاعر العماني منذ البدايات الأولى للمؤامرات والدسائس التي استهدفت شعب فلسطين وأرضه وما كان لشاعر عمان أن يغيب وأن يسكت على الظلم في أي مكان من العالم يقع، فكيف إذا كان في أرض فلسطين مهد الرسالات السماوية وموطن المقدسات العزيزة وعلى رأسها المسجد الأقصى المبارك. وهي قبل وبعد ذلك موطن أشقائه عرب فلسطين الذين ينتمون له وينتمي لهم في الدم والنسب.

والشاعر العماني لسان قومه وأهله المشهود لهم بمناصرة الحق والعدل والوقوف مع الشقيق والصديق في محنته ومعاناته ولم تكن معاناة أهل فلسطين تشبه أية معاناة تعرض لها أناس من البشر في هذه الدنيا كلها فقد فاقت بشاعتها كل ما عرفته البشرية في تاريخها من أنواع الظلم والعدوان.

وقد شاركت مجموعة قليلة العدد من المتطوعين العمانيين مع الثمانية أو التسعة في حرب فلسطين عام ثمانية وأربعين ومنهم من استشهد في مواجهة الغزاة المغتصبين ودفن في تلك الرحاب الطاهرة ومنهم من عاد بعد أداء مهمته وكان دخول هؤلاء المتطوعين العمانيين إلى فلسطين من جانب مصر مع إخوانهم من المتطوعين المصريين وقد أخبرني بذلك واحد منهم وهو علي بن ناصر الحجري الذي صار لفترة غير طويلة رئيسا لتحرير جريدة الوطن خلفا لصاحبها ومؤسسها نصر بن محمد الطائي بعد وفاته المفاجئة في مايو1971م وذكر لي بعض أسماء زملائه الآخرين وهم من قبائل متعددة ومن مناطق عمانية مختلفة وللأسف لم أدون وقتها أسماء أولائك الشباب ومناطقهم فغابت عن ذاكرتي وقد كانوا حينها في زنجبار في أوليات شبابهم ومنها انطلقوا إلى مصر وعلي بن ناصر كان يجيد الإنجليزية وله اهتمام بقراءة الكتب ومتابعة الصحف مع إلمام بشيء من الثقافة العصرية بمقاييس ذلك الوقت وبعد انتهاء الحرب واصل هو ومن بقي من رفاقه حياتهم بزنجبار إلى أن داهمت زنجبار نكبتها الكارثية صبيحة احتفالها بعيد استقلالها في الأول من يناير 1964 مما أدّى إلى تشتت سكانها وطردهم من بيوتهم ومزارعهم ومحلات تجارتهم والاستيلاء على ممتلكاتهم وقتل الألوف منهم في مذابح جماعية شنيعة وخرج علي بن ناصر فيمن خرج ليجد نفسه في الكويت وهناك تيسر له الالتحاق بمجلة "الكويت" التي كان يرأس تحريرها حينذاك عبدالله الطائي ونشأت بين الرجلين صداقة دفعته لمرافقته إلى أبو ظبي عند انتقاله للعمل بها عام 1968ويوم اختطفت يد الموت على غير توقع روح نصر الطائي لم يرَ عبدالله الطائي من يسند إليه رئاسة تحرير الوطن أفضل من علي الحجري لثقته الكبيرة فيه فاستدعاه من أبو ظبي ليوكل إليه هذه المهمة ولكن خروج عبدالله الطائي من الوزارة وعودته إلى أبوظبي لم يمكن الحجري من البقاء في مسقط وعاد هو الآخر لمتابعة عمله في أبو ظبي.

وإذا فإن أهل عمان لم تكفهم مناصرتهم بقول الشعر فقط وإنما كانوا هناك حاضرين في المكان بأبدانهم وأرواحهم.

أما الشعر فلم يتأخر صوته وكان مشاركا في مسيرة الشعر العربي التي انطلقت غضبتها مجلجلة في كل مكان من ربوع الوطن العربي من غربه إلى شرقه ومن جنوبه إلى شماله.

وقد التهبت مشاعر الشعراء العرب يومذاك وشعراء عمان من بينهم لتلك المأساة الأليمة التي نزلت بفلسطين وأهلها والتي ما تزال جراحاتها دامية تنزف حتى لحظتنا هذه.

وكان لسان حال الشاعر العماني حيال هذه القضية وحيال غيرها من قضايا العرب الأخرى بيت الشعر الذي قاله – أبو مسلم – شاعر عمان الكبير في موقف آخر مغاير:-

لو يكون الشعر نصراً لم أزل انظم الأنجم لا أرضى الدرر

وقد تنبأ الشاعر عبدالله الطائي مبكرا بانطلاقة العمل الفدائي وذلك في قصيدته "مهر فوز" التي كتبها عام 1954م بعد ست سنوات من نكبة فلسطين والتي تخيل فيها البطل وليد يجمع شباب المخيم من أجل الثورة على العدو تؤيده في ذلك حبيبته فوز التي اشترطت أن يكون مهرها هو أخذ الثار ورأت ضرورة تأجيل زواجهما حتى تقوم الثورة التي ستغير وضع اللاجئين وتقودهم من مخيمهم للعودة إلى ديارهم التي اغتصبها العدو وطردهم منها:-

هذا وليد يبيع العمر محتسباً لـ"القدس" مذ حلها شذاذ آفاق

وتمضي القصيدة في مشهد درامي يستشرف المستقبل المأمول والقصيدة أشبه بالمسرحية حتى من حيث تنوع قوافيها وأوزانها ولم يكن موضوع العمل الفدائي المنظم الذي انطلق فيما بعد قد ظهر في الساحة حتى ذلك الوقت ولهذا اعتبر عبدالله الطائي نفسه من أوائل المبشرين به.

وإذا كانت هذه القصيدة بشرت بالعمل الفدائي المنظم قبل ظهوره في ستينات القرن العشرين فإن الشعر العماني لا مس القضية الفلسطينية قبل هذا الوقت بزمن بعيد منذ عشرينيات ذلك القرن قبل الحرب العالمية الثانية غداة بروز ما سمي وقتها بالمسألة اليهودية وانطلاق الهجرات الصهيونية المكثفة من أوروبا إلى فلسطين وكان ذلك قبل نشوء إسرائيل بنحو عقدين من السنين حين أطلق الشاعر صالح بن علي الخلاسي الأزكوي صوته مندداً بهذه المؤامرة الخطيرة ومحذرا من عواقبها:-

فلسطين أحاط بها الأعادي

يمزق شملها ظلما وقهراً

ليطرد قومها منها جهاراً

فهل من محنة حلت بناس

لقد سلبوا مزارعهم وباتت

لصوص جمعوا من كل قطر

ليغتصبوا الديار ومن عليها

غدت إنجلترا تحمي حماهم

بجهر أوبكيد الخافيات

بعدوان الجيوش الظالمات

وتهدى لليهود من الشتات

كهذي في العصور المظلمات

بيوتهم تملك للبغاة

وجيء بهم لإجرام الغزاة

بسفك للدماء الطاهرات

وتهديهم لفعل المخزيات

ولعل طرد الناس من مزارعهم والاستيلاء على بيوتهم لم يكن قد حلّ بعد حينها ولكن إحساس الشاعر بأن تلك البواخر الأوروبية الضخمة التي تلقي بحمولاتها المكونة من ألوف الصهاينة في أرض فلسطين سوف يؤدي لذلك من غير شك وهو الذي حصل بالفعل في وقت لاحق. وهكذا نرى أن الشاعر العماني من بين الأوائل الذين أشاروا ونبهوا وأطلقوا نذر التحذير عند ظهور بوادر المشكلة وكان من بين الذين حرضوا على المقاومة وتوقّعوا اشتعالها قبل أن تبدأ كما كان صوته واضحا أثناء حرب فلسطين الأولى عام 1948م التي أسفرت عن هزيمة الجيوش العربية السبعة وانتصار إسرائيل واستيلائها على المزيد من أرض فلسطين.

ويعبّر هلال بن بدر البوسعيدي عن أسفه لتلك النكبة فور وقوعها ونكاد نسمع نداءاته الغاضبة متألماً:-

بني العروبة هل طاب المقام لكم

سمعت جعجعة منكم فهل طحنت

أثرتموها وقلتم سوف نجعلها

وسرتم وبنود النصر تقدمكم

قد انثنيتم وقد خارت عزائمكم

وكلما رمتم أمرا تثبطكم

أبعد ما انتثرت أشلاؤكم وجرت

تهادنون ولم تفلل مضاربكم

وفي فلسطين أشلاء على لهب

تلك الرحى أم غدت في كف مضطرب

مزدانة بجهود الفعل في دأب

فكان فعلكم أدعى إلى العجب

وعم جمعكم ضرب من الشغب

عن المضي به آراء ذي أرب

دماء أبطالكم في المأزق اللجب

يا للرجال لأمر غير مرتقب

ثم يواصل مخاطبا ملوك العرب وقادتهم يومئذ ملك الأردن وملك مصر وملك العراق وملك السعودية.

وينطلق استنكار العلامة الشيخ سالم بن حمود السيابي واستفظاعه للمصيبة الحامية التي حاقت بفلسطين والنكبة المريعة التي أحاطت بأهلها مرسلا نداءه لقادة العرب محرضا إياهم للمسارعة بنجدتها وإعانتها:

يا قادة العرب هل ترضون واقعكم

يا قادة العرب أين الغيرة انتقلت

لقد بكى القدس أقواما به سلفوا

يا غارة الله أين الأسد قد ربضت

ما بال أعلاج صهيون عليه مشت

وصوت "صهيون" صناج يعزينا

أين العزائم أضحى الدين مسكينا

وصاح من لي بهم نصرا لبارينا

والقدس يبكي ولا يرضى الصهايينا

كبرا وداسته إرغاما وتوهينا

وفي 1965م يكتب عبدالله الطائي مرة أخرى بعد تسع سنوات قصيدته "رسالة من يافا"

من ها هنا من أرض "يافا" أكتب

تمضي السنون ونحن بين مرابط

هذا ينوح على مرابعه التي

"عكا" تئن و"حولة" في خطبها

وإليكم ألقي الحديث وأسهب

جنب العدى ومشرد يتأهب

غصبت وذلك صامد متعذب

تشكو ونحن دموعنا تتصبب

رسالة يكتبها المواطن الفلسطيني في"عكا" و"يافا" و"الحولة" وأخواتهن من المدن والقرى المنكوبة بظلم العدو وقهره موجهة لابن وطنه المبعد في مخيمات المهجر ولشقيقه العربي أينما كان مؤكداً إصرار من بقي في الداخل على الصمود منتظرين قدوم إخوتهم وأشقائهم لطرد الغاصب واستعادة الأرض قصيدة تتحدث بلسان الفلسطيني المعذب القابض على الجمر المنتظر العون والمدد. ولعبدالله الطائي قصائد عديدة تواكب مسار القضية وتطوراتها.

وفي السياق نفسه تتوالى قصائد شاعر عمان الأكبر الشيخ عبدالله الخليلي محرضة وناصحة ومتفاعلة مع موضوع فلسطين وما أصابها مؤكدة على ضرورة الاتحاد بين العرب ليستطيعوا إنقاذ فلسطين ونجدتها:-

يا ساسة العرب إلامَ وهنكم

وأنتم في عدة وعد

تختلفون الرأي فيما بينكم

والحال إخفاق ونقض وعهد

وخلفكم من يستغل خلفكم

في وثبة الذئب وسمع الخلد

هلم في صدق العزوم إنها

سلاح كل أمة وفرد

ثم يواصل مخاطبا الفدائي الذي يرى فيه بشائر الأمل بعد أن تراجع ما تمثله الجيوش الرسمية وقادتها:

أخي الفدائي إلى الأرض التي

كانت مهاد جدك المجد

أخي الفدائي إلى البيت الذي

خلفه أبوك قبل الطرد

مشى المسيح فوقه في زهد

أخي الفدائي إلى الترب الذي

أخي الفدائي إلى مدينة "القدس"

مناخ الرسل أهل الأيدي

أخي الفدائي إلى القدس إلى

مأذنة الأقصى بذاك المهد

يهيب بالفدائيين ويستصرخهم ويستثير نخوتهم مذكراً لهم بمقدساتهم وحقوقهم وأحوال قومهم فعليهم ينعقد الرجاء في خلاص الأمة وهم الضوء والمشعل الذي يفتح الباب لهزيمة العدو وطرده واستعادة الحق المسلوب وهو يرى في هذا العدو نقطة ارتكاز للمستعمر الغربي الذي أنشأه وحماه ووطد له أركانه ولولاه لم يكن باستطاعته أن يقوم وأن يفعل ما يفعل فهو بمثابة قاعدة له يثب منها متى ابتغى الوثوب ويحركها عندما يريد لخدمة أغراضه الاستعمارية:-

تعضده الأوساط من مستعمر

لأنها قد جعلته مركزا

تروض من أرض فلسطين به

كهمزة الوصل إلى الشرق له

بالمكر بالعدة بالتعدي

ونقطة للطامعين اللد

قاعدة على مطار "اللد"

والشرق نبع للغنا والرفد

وفي مقام آخر يقول الشيخ عبدالله الخليلي:-

لتحيي فلسطين آمالنا

نضحي لها بالدما دهرنا

ونبني العروش على أصلها

لدى الفرد والجمع من أهلها

سنبقى على قصدنا صامدين

فلا ذا يدين ولا ذا يلين

ونحيي لها نسلها المحسنا

لنضحى بها ذروة العالم

بحكم المساواة في عدلها

لمحكومها عزة الحاكم

ونلقى الحميم ونلقى المعين

إلى أن نجذ يد الغاشم

يشيد الشاعر بعزيمة أبناء فلسطين وشدة إرادتهم وقوة استمساكهم بأرضهم وصمودهم في وطنهم وإصرارهم على الثبات والصبر ومهما تعاظمت الخطوب وزاد البلاء واحتد بطش العدو وغلظته فهم بقوة الإرادة والتحدي لن يتراجعوا ولن يتركوا حقهم وسيظلون في اتحاد وتلاحم يواجهون عدوهم الغاصب ويحبطون تدابيره ومخططاته.

وقد اندمج الشعر العماني في قضية فلسطين وحمل أشجانها وتنفست مشاعره بآلامها ومنغصاتها واستمرت مناصرته لها والدفاع عنها ومتابعة أطوارها على توالي أجياله المتعاقبة وتعدد اتجاهاتها ومذاهبها وكان يفيض دوما بتصوير الواقع المؤلم والتحريض على مواجهة العدو والدعوة إلى دعم صمود الشعب الفلسطيني ومساندته بكل الصور الممكنة ولا يكاد يوجد شاعر عماني منذ أوائل القرن العشرين الميلادي الماضي حين بداية المؤامرة على فلسطين خلت أشعاره من ذكر فلسطين ومتاعبها وبعضهم أفرد لها قسما خاصا في ديوانه كما رأينا لدى الدكتور اليقظان بن طالب الهنائي الذي اشتمل ديوانه المسمى "محاولة" على فصل كامل عنوانه "قدسيات" ضم عدة قصائد خصصها كلها لفلسطين والقدس وفي قصيدته "القدس الجريحة" يقول:-

يا قدس أسبلت الدموع دواميا

صهيون أعطاك الوعود كواذبا

يا قدس ذرفت الدموع سواكبا

فغد سيأتي ثم يأتي بعده

والعرب ارهبها قنا الفتاك

مالي ووعد جاء عن أفاك

فاستبقي بعضا للغد المهلاك

جيل سيروي دمعه مثواك

هكذا بدت فلسطين في عين الدكتور اليقظان الهنائي مقهورة مأسورة بنساب دمع الحيرة والعناء منهطلا من أعماقها ولا من نصير أو مجيب يهب لتفريج كربتها ومساعدتها في كشف ملمتها ودفع الأذى عنها لتستعيد حيويتها ومجدها ومنارات حضارتها وفي قصيدة أخرى يخاطب الدكتور الهنائي الشهيد المضحي بروحه ودمه فداء لوطنه وقومه:-

ودعتنا فتبسم الأعداء

أنت الضمير الحي والأصداء

قد كان حظك في الصدور مودة

برصاصة المطاط واراك الثرى

تأسى البلاد شمالها وجنوبها

قد ودعت فيك الديار مجاهدا

ما بين "قانا" و"الخليل" ومسجد

ونسو بأنك في الصدور ضياء

في عالم تلهو به الجبناء

ونصيب غيرك في الحياة عناء

فعزاؤنا للأرض أنت فداء

الشم منها والسهول سواء

صلدا تكسر حوله الأرزاء

في "القدس" صوت الضارعين نداء

ومن شعرائنا من حرض ودعا للجهاد ومنهم من عاتب الزعماء العرب وأهاب بهم ومنهم من صاغ قصائد الرثاء للأرض وللشهداء الذين يتساقطون ولتمجيدهم وأكثر شعراء عمان بهرتهم حركة المقاومة فرأوا فيها السبيل الأنسب لصدع جدار العدو وخلخلة بنيانه القوي وكسر استعلائه وبغيه فهذا هلال السيابي يقول:-

حطم القيد واستشاط الفدائي

مثل صرف القضاء يزحف للهول

حمل الروح في الأكف ولاقى

قصده "اللد" و"الخليل" و"يافا"

ظن "دايان" أنه دفن الشعب

فإذا بالمدفون يقتحم الهول

ومضى يضرب العدى بمضاء

ومن ذا يرد صرف القضاء

جحفل المعتدين خير لقاء

ومسرى محمد الوضاء

وواراه في صميم الثراء

عليه في ساعة بأساء

ونظرا لتجذر ارتباط الشيخ هلال السيابي بالقومية العربية وإيمانه القوي بها يتواتر توقد مشاعره الثائرة لتنسكب منه القصائد دفاقة تجاه العروبة في كل أقطارها في مصر واليمن والجزائر والمغرب والشام والعراق وفلسطين مشاركة في أفراحها وأحزانها وقد استحوذت فلسطين على الحيز الأكبر من أشعاره ولو جمعت قصائده المطولة الخاصة بفلسطين في شتى مآلاتها لربما احتاجت إلى مجلد:-

أخي يا ابن الجهاد فدتك نفسي

فإن النصر آت عن قريب

وطهر بقعة كرمت وجلت

أخي سطرت بالجلى فخارا

أيحكمها بنو صهيون قسرا

تقدم وانتثر فيهم شهابا

نكاد نراه يا ابن السيف قابا

وباتت منهم تشكو المصابا

ملأت به المعالم والرحابا

وهم من أبعد الدنيا مئابا

وفي معركة "غزة" التي زلزلت الكيان الصهيوني وأرعبت مستوطنيه الدخلاء ولفتت أنظار العالم نحو فلسطين بعد فترة نسيان طويلة وأثارت فرح أبناء الأمة العربية وأحيت فيهم آمال إمكانية الانتصار على العدو المدجج بأحدث أنواع الأسلحة فالعزيمة والإرادة أقوى من كل سلاح مهما تعاظم وشمخ والحق دوما هو المنتصر والمبدد للأكاذيب والتزييف وفي هذه المعركة الفاصلة التي أفزعت الصهاينة وأرعبتهم تنفجر قصيدة هلال السيابي مدوية مع زمجرة أصوات الصواريخ:-

أكبرت في عارضيك العز والشمما

فقمت أستنطق الفصحى لتمنحني

أناشد الشهب أن تدنو لأنظمها

فأنت علمتنا والعرب قاطبة

سبعون عاما ونحن اللاهثون أسى

يا أهلنا أي تطبيع ومسخرة

وما السلام سوى سم ومضيعة

تحية الله يا أبطال "غزة" ما

يا "غزة" العز يا سيفا يفيض دما

زهو البيان لأوفي القول والكلما

عقدا لجيدك أو استنزل القمما

أن الحياة لمن نحو الردى اقتحما

لعل منك وميضا يكشف الظلما

والقدس تحت لهيب منهم احتدما

للحق أو هو وهم عند من وهما

كمثلكم أبدا للمجد من زعما

على شتى الصور وبمختلف مدارس الكتابة وتياراتها من القصيدة التقليدية العمودية إلى نثر الحداثة وشعر التفعيلة قدم شاعر عمان أحاسيسه وفيضان روحه والتهاب وجدانه تجاه ما أصاب فلسطين وإنسانها ومقدساتها من الظلم الفاجع والشقاء الفادح والإرهاب القاتل المستفز الذي تجاوز الحد وفاق التصور أمام هذا العالم العصري الذي تتدفق من خزائن بنوكه الأموال الوافرة ومن مصانعه أحدث ما أنتجته من الأسلحة المدمرة على غزاة فلسطين لمواصلة بغيهم وعدوانهم فهل يلام بعد ذلك هذا الشعب المظلوم إن تفلت من هدوئه وأطلق كل ما بوسعه لمقاومة أعدائه ولو بقطعة حجر صغيرة يقذفها أطفاله لترتد عليهم رصاصا قاتلا ينثرهم على صعيد الأرض مضرجين بدمائهم الطاهرة:-

ماذا الذي يبغون

من بائس غزاه محتلون

فاغتصبوا موطنه

وقتلوا أسرته

وهدموا مسكنه

وأحرقوا

قريته

وحكموا عليه أن يعيش في السجون

إن وجد الفرصة يوما

ما الذي يكون

يكون وحشا ضاريا

يكون عزرائيل إن

أراد أن يكون

وسوف تعلمون

هكذا اختتم سالم الكلباني قصيدة طويلة من عدة مقاطع يصف فيها المشهد الفلسطيني بكل فواجعه متسائلا إن كان لدى هذا الفلسطيني حيلة سوى المقاومة والاستشهاد بعد أن نال المذلة والهوان وبعد أن نكب وعذب وأحيط بالدمار من كل جانب إن السبيل الوحيد المتاح أمام هذا المنكوب هو الثورة والانفجار وبذل الروح والدم من أجل الخلاص من الظلم والإفلات من القهر سعيا لردع الخصم وتحطيم إرادته المستكبرة وفي قصيدة ثانية يقول الكلباني أيضاً:-

يا فلسطيني قد شرفتنا

وحدك الصامد في وجه المصاعب

وحدك الحق الذي آياته

وتوقدت جحيما صاعقا

مت كي تحيا بك الأمة في

أمل الأحرار في تحريرهم

بجهاد تعبت منه المتاعب

تتلقاها بعزم غير هائب

أدحضت باطلهم فارتد خائب

ملأ الدنيا على الباغي مصائب

شرف والموت للأحرار واجب

ورجاء النور في دحر الغياهب

إنه يحيي صمود أهل فلسطين وصبرهم وقوة عزيمتهم وتأكيد إصرارهم أمام عدوهم يواجهون عدوانه الغاشم بإدارة لا تعرف الخوف وبصلابة لا تقبل الاهتزاز سعياً إلى المستقبل الظافر وأملاً في إنهاء الجور ورجاء لنور التحرير الذي تضيئه دماء الأحرار المندفقة على تراب الآباء والأجداد.

ويقف الشاعر هلال العامري مع لقطة في التلفزيون تصور طفل انتفاضة الحجارة طريحا يغرق في شلال دمائه الزكية بعد أن أزهقت روحه صواريخ الظلم الباطشة:-

سجي الطفل

بين الندى والدماء

فوق لهيب السفوح

على قارعات المدى

والحزن أرجوحة

في مهب الحجارة

والوقت مقصلة الليل

خيل السحاب

رسول العبارة

والمد صمت الوثوب

بحد الشراع المغلف بالريح

بوصلة للدماء التي شكلت بحره

كونت شرعة للجنون

بحثا عن الضوء والفجر والاستنارة

صورة مفزعة لذلك الطفل الممزق المسجى في براءة الطفولة راحلا نحو الموت وهو لم يكد يدخل الحياة بعد في سبيل – ضوء الفجر والاستنارة – هذه الصورة عند هلال العامري تكررت في دواوينه وقصائده على أشكال مختلفة ممزوجة كلها بالحزن والألم والغضب وبالتفاؤل والأمل كذلك فأضواء الفجر لا بد أن تشرق من عمق كتلة الظلمات هذه.

أما سعيد الصقلاوي فيرى في دمع القدس الحار برد غمامة تنشر السلام وتنبت أضواء الفجر وتبشر بالغد الجميل المقبل: -

تلفتت "القدس" دمعا من النار

تفتش عن موكب الفجر كيما

وما القدس إلا سناء كلام الإله

سلام على القدس كحل العيون

يشوي الزمان ويزهو غماما

ينفض عن منكبيها الركاما

فهلا امتشقنا المراما

توزع في العالمين السلاما

وينظر حسن المطروشي للغد بعين التفاؤل مهما اشتدت المكابدة وضاق الأفق وامتدت جبال الظلم جاثمة على الصدور فالغد سيأتي بأفراحه وأنواره و وروده وأغانيه مبتهجا بعودة الراحلين إلى ديارهم التي شردوا منها:-

قادمون طيور أذان

كأن مسيحا يعود

قادمون كأغنية الرب

آهلة بالنبوءات هذي الحشود

نحو الينابيع

فالشهداء يفيقون في لحظات السجود

ليس في رحم الأرض

ما يتصدى لزيتونهم في التهيؤ

طار الذي طار

إن المساحات بيضاء بيضاء

كل السنابل منذورة للصعود

قادمون مع الغيب

هل أتاك حديث الجنود

ها هم الآن جيء بهم كالبغاث لفيفا

حاصرتهم ظلال التواريخ كي يرحلوا

وتتوهج نبضات قلب عمر المحروس وهو يوجه وجهه نحو "القدس" ودواخله يعصرها الألم مما أصاب المدينة المقدسة من المتاعب والجراحات البالغة الدامية مكررا أسئلته الحائرة الباحثة عن كيفية إزاحة محنة المدينة المقدسة والوصول إلى خلاصها من المصائب التي حلت بها:

لك الله جرحا ما شفته المراهم

توزعت فينا كل قلب بقدره

ولا طهرتنا فيك هذي السواجم

نزيفا عروبيا له نتقاسم

قلوب العرب كلها تنزف جراحاتها لهذا المشكل المروع الذي قست شدته وفاضت آلامه حتى كاد أن ينهزم الصبر ويتقهقر الجلد ويتزعزع الأمل لهذا الهول الصاعق المطبق:-

فيا "قدس" يا درب السموات دربنا

ضللنا إليك الدرب؟ بوصلة السرى

أيا قدس يا بيت النبيين ما الذي

إليك سؤال أرقته المغارم

لنسري إلى حيث الحمى والمحارم نسميك يا جرحا بنا يتعاظم؟

جراحات غائرة وظلمات متراكمة وتيار من الأحزان ينهمر بقوة وعنف مكتسحا كل ما أمامه من بصيص الرجاء في منفذ ولو صغير يقود نحو فتح ثغرة في السور المحكم ومع ذلك ومهما اشتدت المحن فإن النور لا بد من إشراقه ليبدد عتمات الظلام الحالكة مع سخرية وارية تنبعث من الأبيات منددة بالتذبذب العربي وغياب الجدية والإرادة الواحدة تجاه ما يجري:-

فلا تبتئس يا قدس ما زال دربنا

ولكن وجها منك يشرق نحونا

أتخزنك الباحات في غيظ صمتها؟

وتخرج من هذي المساحات شمسها

هنالك يا قدس الطهارات نهتدي

أجل إن للصبح المؤجل موعدا

طويل وما زلنا هنا نتخاصم

سيمحو خطايانا التي تتراكم

غدا يفرح الباحات نور مسالم

وتنصب من هذي السماء السلالم

إليك وتجلونا إليك المعالم

حقيقته وعد هنالك لازم

وتتراسل ومضات الشاعر مؤكدة أن الشمس سوف تشرق ذات يوم مزيلة كتل الظلام وماحية لها لتظهر القدس بجمالها وبهائها وجلال مآثرها وإن تخيل للناظر اليوم أن ذلك يشبه المستحيل فإن الصرخة المنير لا بد من قدومه وإن بعد المدى. وفي نص شعري آخر يرفع عمر المحروس صوته بالنداء:

اخلع نعليك لتمضي نحو "القدس"

ما بينك والقدس مسافة صدق واحدة

اخلع نعليك لترقى

والقدس يقين

تقطعها في غمضة عين

في وادي الأقداس إلى حطين

ولئن كانت هذه صيحة شاعر ظفار عمر المحروس المعبرة عن ضمير عمان وإنسانها العربي الأبي نحو فلسطين وقضيتها فإن أخاه شاعر صحار علي بن شنين الكحالي يطلق الصرخة ذاتها موجها خطابه إلى فلسطين العريقة المكتملة الحسن بلد الأباة المقاتلين المفتدين لأرضها بكل ما يملكون ويستطيعون معبراً عن غرامه الشديد وهواه العارم تجاه مدينة القدس الشريفة الواقعة في محنة الأسر والمعاناة مع أخواتها من مدن فلسطين الأخريات المنكوبات مبديا تفاؤله هو الآخر بعودة ذلك التراب الطاهر الذي باركه الله إلى أهله وأصحابه فهو تراب الأنبياء ولن يسمح الله بإضاعته وفي يوم آت سينهال الفرح مضاعفا على أبناء تلك الأرض السليبة ليستشعروا الهناء والراحة بعد سنوات الإذلال والقهر فسوف يتم طرد المغتصب وإزاحته والخلاص من جوره وبطشه وفي النهاية لا يصح إلا الصحيح وتبقى سنن الكون وأنظمته ثابتة كما هي حالها مع تعاقب الأزمنة لا يمكن لها أن تتغير مهما اشتدت وطأة قوة الظلم وعتوه:-

يا فلسطين المعالي والعلا

يا ترابا بارك الله له

يا ديارا أنجبت من قاتلوا

إن في "القدس" غراما وهوى

وكذا "يافا" و"عكا" برزت

و"الخليل" و"الجليل" أشرقت

يا بلادا حسنها قد كملا

بالنبوات التي لا تعتلى

خبث صهيون وما قد نسلا

حبه فينا ثوى مشتعلا

في الورى كانت بحق مثلا

شمسهما في "غزة" المجد علا

تلك أحاسيس علي بن شنين الكحالي النابضة بشدة انفعاله لمحنة ذلك القطر العربي العزيز وسقوطه في براثن العدو والكوارث التي ألمت بأهله وأثقلتهم وأحاطت بهم ولكنه مع ذلك يظل قابضا على تفاؤله بانتصار الحق واندحار الظلم وإن طال الوقت.

والشعر العماني مليء بفلسطين ونكباتها وفجائعها وصراعاتها وبشهدائها وطموحاتها وآمالها وتطلعاتها واستشراف مستقبلها.

ومن الصعب الوقوف مع كل شاعر أو شاعرة واستعراض ما قيل فذلك ما لا تتسع له هذه المساحة وإنما هي نماذج تؤشر لمواقف هذا الشعر واحتضانه لهذه القضية المحورية التي هي قضية كل العرب ومعهم جميع المؤمنين برسالة الإسلام القائمة على دفع الظلم عن المظلومين والسعي لرفع راية الحق بسماوات البشرية كلها ليسود العدل والسلام ربوع الأرض في شتى جوانبها وفي مقدمتها أرض "القدس" و "الأقصى" مسرى نبي الإسلام ومناطق فلسطين الأخرى المليئة بالأماكن المقدسة لدى المسلمين ولدى الديانات السماوية كلها.

ومن ضمن ما شاركت به عمان في تبني قضية فلسطين عند أول ظهور ملامح التحرك البريطاني لمنحها للصهاينة أوائل ثلاثينات القرن العشرين الميلادي برقية بعث بها ما يقرب الخمسين من علماء عمان ووجهائها سنة 1937م إلى وزير المستعمرات في حكومة بريطانيا تحمل استنكارهم الشديد ورفضهم القاطع لقرار اللجنة الملكية البريطانية القاضي بتقسيم فلسطين بين أهلها وبين الصهاينة الذين مهدت بريطانيا لاقتلاعهم من أوطانهم في بقاع الأرض المختلفة دافعة إياهم للمطالبة بإنشاء وطن قومي لهم في أرض فلسطين.

وأكد أعيان عمان في برقيتهم معارضتهم في ذلك الزمن المبكر لهذا القرار الظالم غير السوي مثلهم في ذلك مثل أشقائهم من أبناء العروبة وقد وثقت ذلك الخبر جريدة "الشباب" المصرية في عددها المؤرخ يوم 15/9/1937م دون ذكر أي اسم من أسماء مرسلي البرقية للأسف ولكن الجريدة حملت في ذات العدد نبأ أفاد عن احتجاج عمانيين آخرين كانوا حينها يقيمون في منطقة من مناطق شرق إفريقيا غير زنجبار على قرار تقسيم فلسطين مطالبين بإلغائه ومثلهم في رفع احتجاجهم الشيخ خالد بن سعيد المعولي.

وجريدة "الشباب" جريدة سياسية اجتماعية مصرية أصدرها في القاهرة د. محمود عزمي وصدر عددها الأول في فبراير 1937م واستمرت لنحو سنتين ونصف حيث أغلقتها السلطات المصرية بضغط من الإنجليز المهيمنين على مصر وقتها في أبريل 1939م عند عددها المئة ولحسن الحظ أن أعداد هذه الجريدة المئة محفوظة بكاملها في مكتبة الجامعة الأردنية في عمان. وقد التمسنا لحظة إعداد هذه المقالة من صديقنا الشيخ فيصل بن سلطان بن سيف الحوسني نائب السفير العماني في الأردن أن يصور لنا العدد المحتوي خبر الاحتجاج العماني فتفضل مشكورا وله عظيم امتناننا فمدنا بصورة الصفحة المتضمنة لذلك وقد جاء الخبر ضمن تغطية الجريدة لحراك الغضب الذي عم الوطن العربي بأسره يومئذ.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: أرض فلسطین ومنهم من لهم فی علی بن بعد أن

إقرأ أيضاً:

اليونيسف تؤكد أهمية الدور العماني في دعم البرامج التنموية والإنسانية

العُمانية: تعد سلطنة عُمان من الدول الرائدة في مجال تنمية الطفولة المبكرة، سواء على مستوى السياسات أو الخدمات المقدمة، كما أنها من أوائل الدول التي صادقت على اتفاقية حقوق الطفل، وبادرت مبكراً إلى سنّ التشريعات اللازمة لحماية حقوق الأطفال.

وأكد مكتب منظمة الأمم المتحدة "اليونيسف" في سلطنة عُمان على أن إصدار قانون الطفل في عام 2014 دليلاً واضحاً على هذا الالتزام، بالإضافة إلى قانون التعليم المدرسي 2023 الذي أكد على حق الطفل في الالتحاق بالتعليم المبكر، وقانون الحماية الاجتماعية 2023 الذي قدّم منظومة متكاملة للمنافع والتأمينات الاجتماعية والتي اعتمدت أفضل الممارسات الدولية في تقديم المنافع بما فيها منفعة الطفولة ومنفعة الأشخاص ذوي الإعاقة والعمل على تطويرها لتعظيم العائد في تحقيق الحماية والاستثمار في تنمية الطفولة وترسيخ مبادئ العدالة.

وقالت سعادة سومايرا تشودري ممثلة مكتب منظمة الأمم المتحدة "اليونيسف" في سلطنة عُمان إنها تشهد تقدمًا مهمًا في مجال الحماية الاجتماعية، من خلال تعزيزها للسياسات الوطنية التي تهدف إلى دعم الأطفال والأسر، وضمان وصول الخدمات للفئات الأكثر احتياجًا، وشمل هذا التقدم تطوير نظم الحماية الاجتماعية وتحسين التنسيق بين القطاعات لضمان استجابة متكاملة لاحتياجات الفئات المستفيدة.

وكشفت أن المكتب يقوم بدور محوري في دعم الجهود التي تنفذها سلطنة عُمان، من خلال تقديم الدعم الفني والمشورة الاستراتيجية في تصميم السياسات والبرامج، وتعزيز القدرات الوطنية في جمع البيانات وتحليلها لاستخدامها في التخطيط القائم على الأدلة، كما يعمل بالشراكة مع الجهات الحكومية على تعزيز نظم حماية الطفل وضمان اندماجها ضمن منظومة الحماية الاجتماعية، بما يسهم في بناء نظام شامل ومستدام يُعنى برفاه كل طفل.

وأضافت سعادتها أن التعاون بين سلطنة عُمان ومكتب "اليونيسف" يرتكز على شراكة استراتيجية طويلة الأمد بدأت منذ عام 1971، وتهدف إلى تعزيز حقوق الطفل في مختلف المجالات، بما في ذلك التعليم، والصحة، والحماية، والتغذية، والنماء في مرحلة الطفولة المبكرة. ويعمل الجانبان بشكل وثيق على تطوير السياسات والبرامج الوطنية التي تضمن لكل طفل في سلطنة عُمان التمتع بحقوقه بشكل متكامل وعادل، بما يتماشى مع الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل ورؤية "عُمان 2040".

وأوضحت سعادتها أن التعاون بين الجانبين يتمثل في برنامج قطري مشترك يتم التنسيق بشأنه مع الجهات المعنيّة بشؤون الطفل في سلطنة عُمان، ويُعاد إعداد هذا البرنامج كل خمس سنوات مع إعداد خطط سنوية للتنفيذ، حيث يجري خلاله النقاش حول الأولويات والبرامج الوطنية التي تُدرج ضمن إطار دعم اليونيسف لجهود الحكومة في مجال تعزيز رفاه الأطفال.

وأشارت سعادتها إلى اهتمام سلطنة عُمان المتزايد بتنمية الطفولة المبكرة، وهو ما يُترجم من خلال إدماج هذا الملف ضمن أولويات الخطط الوطنية، وزيادة الاستثمار في برامج الرعاية والتعليم في مرحلة الطفولة المبكرة، لافتةً إلى أن التركيز على السنوات الأولى من حياة الطفل يعكس الفهم العميق لسلطنة عُمان حول أهمية هذه المرحلة في تشكيل قدرات الطفل ومهاراته المستقبلية.

وأفادت أن سلطنة عُمان حققت مراكز متقدمة في مؤشرات تنمية الطفولة والتحصين الشامل للأطفال والالتحاق بالتعليم الذي يشمل جميع الأطفال دون استثناء، وتواصل إظهار التزامها من خلال تبني حلول مبتكرة لتعزيز دور الأسرة والطفل، مثل تشريع قانون العمل والسياسات الصديقة للأسرة التي تمنح الوالدين وقتاً كافياً لرعاية الطفل في مراحله الأولى، مؤكدةً أن هذه الجهود تضعها في موقع ريادي على خارطة العالم في مجال رعاية الطفولة وحمايتها.

وذكرت المسؤولة الدولية أن سلطنة عُمان تنفذ حزمة متكاملة من البرامج التي تهدف إلى تنمية قدرات الأطفال والناشئة، سواء في مجالات التعليم، أو الصحة، أو المشاركة المجتمعية واليوم، نلاحظ نقلة نوعية في تبني مقاربات شاملة تراعي احتياجات الأطفال من مختلف الفئات، بما في ذلك الأطفال ذوي الإعاقة، والأطفال المعرضين للخطر، مشيرةً إلى أن "اليونيسف" تدعم هذه التوجهات وتعمل على تعظيم أثرها من خلال التعاون الفني وبناء القدرات.

وأردفت سعادتها أن من التعاون الوثيق مع وزارة التنمية الاجتماعية والجهات المعنيّة الأخرى كوزارة الصحة ووزارة التربية والتعليم، تكاتفت الجهود من أجل تحليل وفهم مسار تنمية الطفل وحمايته من جميع أشكال الإساءة أو الخطر، وأن هذا التعاون المؤسسي يُجسد العمل المشترك على تحديث دليل حماية الطفل وإعداد دراسة عن إنشاء مراكز متكاملة للطفولة المبكرة؛ بهدف تعزيز آليات التنسيق والتكامل بين الجهات المعنيّة، بما يضمن تحسين متابعة حالات الأطفال، وتحقيق اتساق واستمرارية في الإجراءات والمتابعة بجودة عالية بين جميع الأطراف ذات العلاقة.

ولفتت إلى أن القوانين الوطنية مثل قانون الطفل ودليل حماية الطفل تُعد من الإنجازات المحورية التي تضع سلطنة عُمان في مصاف الدول الساعية لحماية حقوق الطفل، ومن منظور دولي، فإن هذه التشريعات تعكس التزاماً حقيقياً من سلطنة عُمان بمواءمة قوانينها مع الاتفاقيات والمعايير الدولية، التي تسهم في تعزيز بيئة قانونية توفر الحماية والإنصاف للأطفال.

وتابعت سعادتها قائلة إن لسلطنة عُمان دور مهم ومحوري في دعم البرامج التنموية والإنسانية المتعلقة بالطفولة، سواء على الصعيد الوطني أو من خلال مشاركتها في الجهود الإقليمية والدولية، وأن اليونيسف تؤمن أن سلطنة عُمان قادرة على أن تكون صوتاً مؤثراً للأطفال في المنطقة، من خلال دعم المبادرات التي تعزز الصحة، والتعليم، وحماية الأطفال، خاصة في سياقات الأزمات الإنسانية.

وقالت سعادتها إن سلطنة عُمان محط أنظار العالم بفضل مواقفها النبيلة وتوازنها في دعم قضايا الطفولة والإنسانية وتُعد سياستها السلميّة والحيادية عاملاً أساسياً في جعلها شريكاً موثوقاً وصديقاً للجميع، خصوصاً في ظل الأزمات الإنسانية المتكررة التي تمر بها منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وفي هذا الإطار، قدّمت دعماً سخياً لأطفال غزة من خلال التبرع بمبلغ 385 ألف ريال عُماني (مليون دولار) لصالح الأطفال في القطاع، وذلك في إطار دعمها المتواصل للأعمال الإنسانية والإغاثية التي تنفذها "اليونيسف" حول العالم.

وأضافت سعادتها أن أبرز المبادرات لتطوير برامج التعليم ما قبل المدرسي تمثلت في دعم تطوير البيئة المدرسية الصديقة للطفل، وتمكين المعلمين من استخدام أساليب تعليمية شاملة من خلال تعزيز إطار مهارات المستقبل، كما تضمّن العمل مع وزارة الصحة على بناء قدرات الكوادر العاملة في تقديم خدمات رعاية الطفولة المبكرة، إضافة إلى دعم برامج التغذية، مثل الرضاعة الطبيعية والصحة النفسية، فيما تضمّن التعاون مع وزارة التنمية الاجتماعية ووزارة التربية والتعليم، إجراء دراسة شاملة تستعرض عدداً من المسارات المحتملة لتفعيل قانون التعليم، والذي ينص على أن التعليم ما قبل المدرسي هو حق أساسي لكل طفل، وفي هذا الإطار ومن هذا المنطلق، تعمل اليونيسف على تحليل الاستراتيجيات المختلفة وتحديد المسارات المناسبة لضمان البدء بتقديم خدمات التعليم المبكر للأطفال في سلطنة عُمان. بالإضافة إلى إعداد دراسة لتعزيز تنمية الطفولة المبكرة من خلال إنشاء مراكز تقدم خدمات تعليمية وصحية للأطفال في هذه المرحلة العمرية.

وأفادت سعادتها أن مكتب "اليونيسف" في سلطنة عُمان ينفذ مجموعة من البرامج التي تهدف إلى بناء وتعزيز قدرات الكوادر في الصفوف الأولية، ودعم العاملين في المجال الاجتماعي الذي يشمل تقديم الدعم الفني المستمر للشركاء في وزارتي الصحة والتربية والتعليم لضمان جودة واستدامة التدخلات، مؤكدةً أن هناك التزاماً متنامياً نحو تحسين جودة خدمات التأهيل والرعاية المقدمة للأطفال من ذوي الإعاقات وبالجهود الواضحة لتطوير البنية الأساسية والخدمات وتوفير الكوادر المؤهلة، لافتة إلى ضرورة تعزيز الدمج المجتمعي والتعليمي، وتطوير أدوات الكشف المبكر والتدخل في مراحل الطفولة الأولى.

وأوضحت سعادتها أن مكتب "اليونيسف" يقوم بدور محوري في دعم الحكومة العُمانية لتطوير نظام وطني مُوحد لحماية الطفل يقوم على الوقاية، والرصد، والتدخل المبكر، كما يعمل على تعزيز التوعية المجتمعية، وبناء قدرات العاملين في الصفوف الأمامية، وتطوير الأدلة والإجراءات الموحدة للتعامل مع حالات العنف والإساءة والإهمال، حيث أطلق المكتب برنامجاً لتدريب المُدربين في مجال التربية الإيجابية؛ بهدف تعزيز وعي أولياء الأمور ومقدمي الرعاية حول عدد من المحاور الأساسية، من بينها حماية الطفل، والتغذية السليمة والتفاعلية، وتحفيز التعلم المبكر، وتعزيز الدمج المجتمعي للأطفال.

وفيما يتعلق بنشر الوعي لجميع فئات المجتمع، بيّنت أن بالتعاون مع شركائها من الجهات المعنيّة ومؤسسات المجتمع المحلي واللجنة الوطنية لشؤون الأسرة، تم إطلاق حملة توعوية وطنية تحت شعار "أطفالنا أمانة" حظيت بتفاعل واسع وتقبل كبير من المجتمع، ويتم تفعيلها بشكل مستمر لتذكير أفراد المجتمع بأهمية تنمية الطفولة المبكرة، وتسليط الضوء على المراحل الأولى من حياة الطفل لما لها من أثر مباشر على مستقبل الطفل والنشء.

وذكرت سعادتها أن مكتب "اليونيسف" عمل على تصميم وتنفيذ حملات تواصل وتغيير سلوك تركز على دور الأسرة والمجتمع في حماية ودعم الطفل، خاصة في القضايا الناشئة مثل التنمر الإلكتروني، والصحة النفسية، والعنف بهدف إشراك الأطفال واليافعين أنفسهم في التعبير عن احتياجاتهم وتمكينهم ليكونوا جزءاً من الحل، كما أطلق بالتعاون مع شركائه من الجهات الحكومية، استراتيجية وطنية للتواصل الاستراتيجي من أجل التغيير السلوكي المجتمعي، وهي مبنيّة على أدلة علميّة تتناول الممارسات والعادات والمستوى المعرفي المتعلق بتنمية الطفولة المبكرة وأهميتها، وتبحث سبل معالجة التحديات المجتمعية التي قد تعيق هذا النمو، لا سيما تلك التي لا تشملها السياسات أو الخدمات المباشرة، بل ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالوعي والمعرفة المجتمعية، بالإضافة إلى تنفيذ حملات توعوية استراتيجية وموجهة تستهدف الفئات الرئيسة من المجتمع؛ بهدف رفع المؤشرات الاجتماعية المؤثرة على تنمية الطفولة المبكرة، مثل تعزيز الرضاعة الطبيعية والتغذية السليمة، بما يسهم في خلق بيئة داعمة لنمو الطفل وتطوره الشامل.

واختتمت سعادة ممثلة مكتب منظمة الأمم المتحدة "اليونيسف" في سلطنة عُمان بالتأكيد على تطوير برامج تعزز من المهارات الحياتية والاجتماعية للأطفال واليافعين مثل مهارات التواصل، وحل المشكلات، والعمل الجماعي، وذلك بالتعاون مع الجهات المعنيّة للإسهام في تعزيز شعورهم بالانتماء والاندماج، إلى جانب دعم المبادرات التي تتيح لهم مساحات آمنة للمشاركة والتعبير، لربطها بالسياسات الوطنية لضمان استدامتها.

مقالات مشابهة

  • ملتقى الصداقة العماني الصيني يناقش توسيع آفاق التعاون المشترك
  • “إلى أين؟”.. عرض ليبي يُجسّد القلق الوجودي ضمن مهرجان المونودراما العربي في جرش 39 اللجنة الإعلامية لمهرجان جرش بحضور ممثل عن السفارة الليبية في عمان، وجمع غفير من عشاق المسرح، وضمن فعاليات الدورة الثالثة من مهرجان المونودراما المسرحي، قدّمت ا
  • القائم بأعمال سفارة جمهورية أذربيجان بدمشق لـ سانا: القمة التي جمعت السيدين الرئيسين أحمد الشرع وإلهام علييف في العاصمة باكو في الـ 12 من تموز الجاري خلال الزيارة الرسمية للرئيس الشرع إلى أذربيجان، أثمرت عن هذا الحدث التاريخي الذي سيسهم في تعزيز التعاون ا
  • المقصورات... إلياذات الشعر العماني
  • مروان بن تركي يفتتح "ملتقى الصداقة العماني الصيني 2025".. غدا
  • الاقتصاد العماني وسياسات التنويع والابتكار
  • "اليونيسف" تؤكد أهمية الدور العماني في دعم البرامج التنموية والإنسانية
  • محافظة مسقط تحتفي بختام المرحلة الثانية من مسابقة الأندية للإبداع الثقافي
  • اليونيسف تؤكد أهمية الدور العماني في دعم البرامج التنموية والإنسانية
  • جدول أعمال ملتقى الصداقة والتعاون العماني الصيني - الدورة الثالثة