جريدة الرؤية العمانية:
2025-12-09@11:24:00 GMT

بوبطين وصراعه الفكري

تاريخ النشر: 24th, October 2023 GMT

بوبطين وصراعه الفكري

 

د. يوسف الشريف **

instagram: dryalsharif

 

هي مناسبةٌ أكثر من قيّمة أن تسنَح لي الفرصة للكتابة في صَحيفَة الرؤية العمانية العَريقَة ذات الطابع المُتَعَدِد والمُعتَدِل، ورُبَمَا يَكُون أول لقاء لي مَعَكُم في فترة لا تُحمّد عُقباها في خِضَم زخمٍ سِياسي واسعٍ في منطقة الشرق الأوسط وأحداث غزة حفظها الله وساكنيها وقاطنيها من كل شرٍ وسوء.

لذلك وجَدتُ نفسي وأنا البعيد عن الشأن السياسي "بمزاجي"، أن أُدَغدِغَ مشاعر الفكر وأُناقِشَه فيما يجب أن يُطرَح على القُراء الكِرام في هذا الوقت تحديدًا، وما وجدتُ أنسب من أن أُناقِشَ صراع الفكر الذي ينتاب الكثيرين كما هو ينتابني، وهو أين أنا من كل هذه الأحداث؟

نَحنُ نعيش آلام الآخرين، ونُطالِعَ نجاحات الغير، نتألم لهؤلاء الأُوَل، ولكن ما هو أثر التالين علينا، وأقصُد هنا "الناجحين"؟ لماذا تؤثر الآلام على نفسيتنا وعقولنا وردود أفعالنا؟! نعيش المشكلة حقًا وكأنها فوق رؤوسنا، هل ذلك بداعي التآخي كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ؛ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى".

أم إن ذلك مجرد عاطفة؟ وما أثر هذه العاطفة على ردود الأفعال الدولية؟ أم إن هذا الفعل مرده على حكوماتنا وقياداتنا التي تعي حقًا حجم المسؤولية المُلقاة على عاتِقُها وتَبِعاتِها؟

نرى أحيانًا كثيرةً مُظاهرات هنا وهناك، تكسير لمحلاتٍ ودعوات للمقاطعة، وننسى للأسف أن هذه الشركات التي تُكَسّر أو تُقاطَع، ما هي إلا ملكًا لأحد مواطني بلدنا، هذا الشخص الذي رأى في يومٍ من الأيام تهافُتنا على هذا المُنتَج أو ذاك، واستيراده من بلده الأم أو حتى السفر إليه للتمتع به هناك، فقرر هذا المواطن الطَمُوح أن يَصرِف من ماله الخاص ليجلب هذا المُنتَج أو هاتيك العلامة التُجارية "الفرنشايز"، ليوفر علينا عناء السفر إليه أو جلبه، وليُحَقِق أرباحًا بعمله هذا، فما وجدنا أنفُسنا إلا إنه عند كل صراعٍ عربي أو إسلامي، نُقَرِر المُقَاطَعَة، ولكن مُقاطَعَة ماذا تحديدًا؟ أُجيبَكُم باستغرابي بأن مُقاطعاتِنا دائمًا مع الطعام والشراب، فأغرب ما أستغرب له أن شعوبنا تظل "أبوبطين"، يعني لا تفكر في أن تُقاطِع شيئًا إلا مُقاطعتِها للطعام؛ سواء المقاهي العالمية المشهورة، أو الوجبات السريعة ذات السُعرات العالية والتي عودوا أولادهم عليها، وخيرًا يفعلون حقيقةً من وجهة نظري، ليس لأن يُعاقِبوا هذه الشركات العالمية، ولكن ليَكُف أولادِنا عن هذه المأكولات والمشروبات التي طالما تغنى الأطباء بضررها ولا حياة لمن تُنادي، وغدًا سنقف صفوفًا طويلةً بعدما تقف الحرب، وتعود حليمة لعادتها القديمة، وهذا ديدن النَّاس، وليس بالأمر المُستجّد.

وسؤالي هنا أين نحن من مُقاطَعة سياراتهم مثلًا؟

فكر معي قليلًا سترى نفسك أنك لن تستطيع أن تُقاطِع هذه السلع الرئيسة، إما لأنك اقتنيتها بالفعل، وبالتالي لا تُريد أن تخسّر قيمتها، أو لأنها ذات جودة أعلى من مثيلاتها مقارنةً بالمنتجات الأخرى، أو لأنها باتت يديك وذراعيك التي تعمل بها وتتحرك من خلالها، كوسائل التواصل الاجتماعي المعروفة مَرجِعُها لمن، لماذا لا نُقاطِع تطبيق خرائط جوجل الذي بات يوصلنا من بيوتنا إلى أي بقعة في العالم، ما رأيكم في ذلك؟

صراعٌ عميقٌ في ذهن المواطن العربي، كيف يُحَقِق المُعادَلة؟ وأنا هنا أتكلم عن الأشخاص العدول، لا هؤلاء الذين مع الخيل يا شقرا، المقلّدين أو الذين يُفّكِرون بربع عقلٍ، واسمحوا لي أن أُشّخِص هذه الحالة، لأن الكاتب يجب أن يكون كالطبيب أو الأخصائي النفسي لمجتمعه، يُحّلِل ويَحِل المُشكِلة، لا أن يُفاقِمُها بالتَصفيق لها ولأصحابِها خشية ردود أفعال الجماهير.

أتمنى أن تكون قد وصلت الفكرة، وفي مقالي القادم سوف أُخبِركُم كيف لنا أن نعيش لحظات نجاح غيرنا ونستفيد منها.

** محامٍ وإعلامي

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

ذكرى رحيل يحيى حقي .. أيقونة الأدب العربي التي لا تغيب

تحل اليوم الثلاثاء ذكرى رحيل الأديب الكبير يحيى حقي، أحد أعمدة الإبداع العربي في القرن العشرين، وصاحب البصمة الأعمق في مسيرة القصة والرواية والمقال.. ويستعيد الوسط الثقافي في هذه المناسبة إرثا أدبيا ظل حاضرا في الوجدان الجمعي، لما اتسم به من صدق التعبير وعمق الرؤية وقدرته الفائقة على تصوير المجتمع المصري في تحولاته المختلفة.


ولد يحيى حقي في حي السيدة زينب بالقاهرة لأسرة ذات جذور تركية، وبدأ مسيرته التعليمية في الكتاب قبل أن ينتقل إلى عدد من المدارس حتى حصوله على البكالوريا عام 1921.. التحق بكلية الحقوق بجامعة فؤاد الأول، وتخرج عام 1925، ليبدأ رحلة مهنية شملت النيابة والمحاماة والإدارة المحلية، قبل أن يشق طريقه إلى السلك الدبلوماسي.


خدم حقي دبلوماسيا في جدة وإسطنبول وروما، ومع اندلاع الحرب العالمية الثانية عاد إلى القاهرة حيث تدرج في مناصب وزارة الخارجية حتى أصبح مديرا لمكتب وزير الخارجية عام 1949، كما عمل سكرتيرا أول في سفارتي مصر بباريس وأنقرة، ثم وزيرا مفوضا لمصر في ليبيا.


ومع زواجه من الفنانة التشكيلية الفرنسية جان ميري، اتخذ مساره تدريجيا نحو العمل الثقافي، فعمل بوزارة التجارة، ثم مستشارا بدار الكتب المصرية، قبل أن يتولى رئاسة تحرير مجلة "المجلة" التي شكلت في ذلك الوقت منصة رئيسية للحراك الفكري والأدبي.


ترك يحيي حقي إرثا أدبيا ثريا اتسم ببساطة الأسلوب وعمق الفكرة، مما وضعه في طليعة رواد القصة العربية الحديثة.. ومن أبرز أعماله رواية "قنديل أم هاشم" الصادرة عام 1944، والتي ترجمت إلى لغات عدة، إلى جانب أعماله الخالدة مثل "البوسطجي"، و"سارق الكحل"، و"أم العواجز"، و"فكرة وابتسامة"، و"صح النوم"، و"عنتر وجولييت"، و"يا ليل يا عين"، و"حقيبة في يد مسافر". وقد تحول عدد من هذه الأعمال إلى أفلام ومسلسلات رسخت حضوره في وجدان الجمهور، وفي مقدمتها "البوسطجي" و"قنديل أم هاشم".


حظى حقي خلال مسيرته الإبداعية بتكريمات وجوائز رفيعة، تعبيرا عن تقدير المؤسسات الثقافية والأكاديمية لعطائه المتميز، من أبرزها جائزة الدولة التقديرية في الآداب عام 1969، ووسام الفارس من الطبقة الأولى من الحكومة الفرنسية عام 1983، والدكتوراه الفخرية من جامعة المنيا في العام نفسه، قبل أن يتوج مسيرته بحصوله على جائزة الملك فيصل العالمية في الأدب العربي عام 1990، تقديرا لريادته وإسهامه في تطوير فن القصة.


رحل يحيى حقي عن عالمنا عام 1992، غير أن أعماله ما زالت تتردد أصداؤها في وجدان قرائه، شاهدة على عبقرية أدبية فريدة تجدد حضورها مع كل قراءة، ليظل اسمه واحدا من العلامات الخالدة في تاريخ الأدب العربي.

طباعة شارك ذكرى رحيل الأديب الكبير يحيي حقي أعمدة الإبداع العربي صاحب البصمة الأعمق في مسيرة القصة والرواية والمقال الوسط الثقافي عمق الرؤية تصوير المجتمع المصري

مقالات مشابهة

  • تدخين عدد أقل من السجائر غير كاف للحد من الأضرار التي يتسبب بها التدخين
  • ذكرى رحيل يحيى حقي .. أيقونة الأدب العربي التي لا تغيب
  • أبرز الأمراض التي تهدد مرضى القلب خلال فصل الشتاء
  • نتنياهو يتحدث عن العراق: استهدفنا الميليشيات التي تحركت ضدنا
  • أزرق المايا: لغز الصبغة التي أُعيد ابتكارها بعد قرنين من ضياعها
  • القوة التي تبني ولا تهدم.. من وحي تقرير "عُمان 2040"
  • الجزيرة ترصد جهود إزالة آثار الفيضانات التي ضربت سريلانكا
  • قصة الفتاة التي بكت وهي تعانق البابا لاوون في بيروت
  • بتأثر شديد..وزيرا الداخلية والصحة يتفقدان الطفلة التي توفيا والداها وهي نجت من الحادث
  • مسار الأحداث يناقش العقبات التي تواجه المرحلة الثانية من اتفاق غزة