بوبطين وصراعه الفكري
تاريخ النشر: 24th, October 2023 GMT
د. يوسف الشريف **
instagram: dryalsharif
هي مناسبةٌ أكثر من قيّمة أن تسنَح لي الفرصة للكتابة في صَحيفَة الرؤية العمانية العَريقَة ذات الطابع المُتَعَدِد والمُعتَدِل، ورُبَمَا يَكُون أول لقاء لي مَعَكُم في فترة لا تُحمّد عُقباها في خِضَم زخمٍ سِياسي واسعٍ في منطقة الشرق الأوسط وأحداث غزة حفظها الله وساكنيها وقاطنيها من كل شرٍ وسوء.
لذلك وجَدتُ نفسي وأنا البعيد عن الشأن السياسي "بمزاجي"، أن أُدَغدِغَ مشاعر الفكر وأُناقِشَه فيما يجب أن يُطرَح على القُراء الكِرام في هذا الوقت تحديدًا، وما وجدتُ أنسب من أن أُناقِشَ صراع الفكر الذي ينتاب الكثيرين كما هو ينتابني، وهو أين أنا من كل هذه الأحداث؟
نَحنُ نعيش آلام الآخرين، ونُطالِعَ نجاحات الغير، نتألم لهؤلاء الأُوَل، ولكن ما هو أثر التالين علينا، وأقصُد هنا "الناجحين"؟ لماذا تؤثر الآلام على نفسيتنا وعقولنا وردود أفعالنا؟! نعيش المشكلة حقًا وكأنها فوق رؤوسنا، هل ذلك بداعي التآخي كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ؛ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى".
أم إن ذلك مجرد عاطفة؟ وما أثر هذه العاطفة على ردود الأفعال الدولية؟ أم إن هذا الفعل مرده على حكوماتنا وقياداتنا التي تعي حقًا حجم المسؤولية المُلقاة على عاتِقُها وتَبِعاتِها؟
نرى أحيانًا كثيرةً مُظاهرات هنا وهناك، تكسير لمحلاتٍ ودعوات للمقاطعة، وننسى للأسف أن هذه الشركات التي تُكَسّر أو تُقاطَع، ما هي إلا ملكًا لأحد مواطني بلدنا، هذا الشخص الذي رأى في يومٍ من الأيام تهافُتنا على هذا المُنتَج أو ذاك، واستيراده من بلده الأم أو حتى السفر إليه للتمتع به هناك، فقرر هذا المواطن الطَمُوح أن يَصرِف من ماله الخاص ليجلب هذا المُنتَج أو هاتيك العلامة التُجارية "الفرنشايز"، ليوفر علينا عناء السفر إليه أو جلبه، وليُحَقِق أرباحًا بعمله هذا، فما وجدنا أنفُسنا إلا إنه عند كل صراعٍ عربي أو إسلامي، نُقَرِر المُقَاطَعَة، ولكن مُقاطَعَة ماذا تحديدًا؟ أُجيبَكُم باستغرابي بأن مُقاطعاتِنا دائمًا مع الطعام والشراب، فأغرب ما أستغرب له أن شعوبنا تظل "أبوبطين"، يعني لا تفكر في أن تُقاطِع شيئًا إلا مُقاطعتِها للطعام؛ سواء المقاهي العالمية المشهورة، أو الوجبات السريعة ذات السُعرات العالية والتي عودوا أولادهم عليها، وخيرًا يفعلون حقيقةً من وجهة نظري، ليس لأن يُعاقِبوا هذه الشركات العالمية، ولكن ليَكُف أولادِنا عن هذه المأكولات والمشروبات التي طالما تغنى الأطباء بضررها ولا حياة لمن تُنادي، وغدًا سنقف صفوفًا طويلةً بعدما تقف الحرب، وتعود حليمة لعادتها القديمة، وهذا ديدن النَّاس، وليس بالأمر المُستجّد.
وسؤالي هنا أين نحن من مُقاطَعة سياراتهم مثلًا؟
فكر معي قليلًا سترى نفسك أنك لن تستطيع أن تُقاطِع هذه السلع الرئيسة، إما لأنك اقتنيتها بالفعل، وبالتالي لا تُريد أن تخسّر قيمتها، أو لأنها ذات جودة أعلى من مثيلاتها مقارنةً بالمنتجات الأخرى، أو لأنها باتت يديك وذراعيك التي تعمل بها وتتحرك من خلالها، كوسائل التواصل الاجتماعي المعروفة مَرجِعُها لمن، لماذا لا نُقاطِع تطبيق خرائط جوجل الذي بات يوصلنا من بيوتنا إلى أي بقعة في العالم، ما رأيكم في ذلك؟
صراعٌ عميقٌ في ذهن المواطن العربي، كيف يُحَقِق المُعادَلة؟ وأنا هنا أتكلم عن الأشخاص العدول، لا هؤلاء الذين مع الخيل يا شقرا، المقلّدين أو الذين يُفّكِرون بربع عقلٍ، واسمحوا لي أن أُشّخِص هذه الحالة، لأن الكاتب يجب أن يكون كالطبيب أو الأخصائي النفسي لمجتمعه، يُحّلِل ويَحِل المُشكِلة، لا أن يُفاقِمُها بالتَصفيق لها ولأصحابِها خشية ردود أفعال الجماهير.
أتمنى أن تكون قد وصلت الفكرة، وفي مقالي القادم سوف أُخبِركُم كيف لنا أن نعيش لحظات نجاح غيرنا ونستفيد منها.
** محامٍ وإعلامي
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
فردوس محمد.. حكاية "أم السينما المصرية" التي أخفت ابنتها عن الجميع!
في ذكرى ميلادها، تطل علينا سيرة واحدة من أعظم ممثلات جيلها وأكثرهن تأثيراً في وجدان الجمهور العربي، إنها الفنانة القديرة فردوس محمد، لم تكن مجرد ممثلة تجيد أداء دور الأم، بل كانت أيقونة للحنان والدفء على الشاشة، خلفها قصة حياة مليئة بالألم والنجاح، والقرارات الصعبة التي اتخذتها في صمت.
نروي لكم حكاية امرأة صنعت تاريخاً فنياً لا يُنسى، رغم جراحها الخفية التي لم يعرفها الكثيرون.
ولدت فردوس محمد يوم 13 يوليو عام 1906 في حي المغربلين الشعبي بالقاهرة. فقدت والديها وهي في سن صغيرة، لتنتقل إلى كنف الشيخ علي يوسف، مؤسس جريدة "المؤيد"، الذي تبناها ورباها.
التحقت بمدرسة إنجليزية في حي الحلمية، حيث تعلمت مبادئ القراءة والكتابة والتدبير المنزلي، ما منحها ثقافة متوازنة لم تكن متاحة للكثير من الفتيات في ذلك الزمن.
الطريق إلى المسرح ثم السينمابدأت مشوارها الفني في أواخر العشرينات، عندما التحقت بفرقة أولاد عكاشة وشاركت في أولى مسرحياتها "إحسان بك" ثم توالت مشاركاتها مع فرق مسرحية مرموقة منها فرقة رمسيس لفاطمة رشدي، وفرقة إسماعيل ياسين، ما منحها خبرة كبيرة في الأداء المسرحي.
في عام 1935، خطت أولى خطواتها نحو السينما من خلال فيلم "دموع الحب" للمخرج محمد كريم، وشيئاً فشيئاً أصبحت من أبرز الوجوه على الشاشة، خصوصاً في تجسيد دور الأم، حتى لُقبت بـ"أم السينما المصرية" بعد أن قدمت هذا الدور في أكثر من 100 فيلم من أصل نحو 130 عملاً فنياً.
تزوجت فردوس محمد مرتين. الزواج الأول كان تقليديًا وانتهى سريعًا بالطلاق أما الزواج الثاني فكان من الفنان محمد إدريس، وكان في البداية زواجاً شكليًا فقط، حتى تتمكن من السفر مع فرقتها الفنية إلى فلسطين، نظراً لعدم السماح بسفر النساء بدون محرم لكن بمرور الوقت، تحول الزواج الصوري إلى زواج فعلي دام 15 عامًا، قبل أن تفقد زوجها برحيله.
أمومة حزينة وقصة ابنتها السريةرغم كونها أشهر من جسّد دور الأم، فإن حياتها الخاصة مع الأمومة كانت مأساوية. فقدت ثلاثة من أطفالها بعد الولادة، ما سبب لها ألماً عميقاً جعلها تخفي حملها الرابع خوفاً من الحسد.
وعندما أنجبت ابنتها الوحيدة، لم تخبر أحداً عنها، وادعت أنها تبنتها ولم تكشف الحقيقة إلا يوم زفاف الابنة، حين أعلنت أمام الجميع أنها والدتها، وكانت المفاجأة أن المصور السينمائي الشهير محسن نصر هو العريس.
في الثلاثينات من عمرها بدأت معاناتها مع مرض السرطان، لكنها أخفت آلامها كعادتها، ساندتها الفنانة فاتن حمامة، التي تولت مسؤولية علاجها وسفرها للخارج في آخر أيامها لكنها فارقت الحياة يوم 30 يناير عام 1961 عن عمر ناهز 54 عامًا، بعد أن تركت إرثاً فنياً ضخماً لا يزال حياً في ذاكرة المشاهد العربي.
أعمال خالدة وذاكرة لا تُنسىمن أبرز أفلامها: "غزل البنات"، "سيدة القطار"، "شباب امرأة"، "صراع في الميناء"، "رد قلبي"، "حكاية حب"، "أين عمري"، وغيرها من الأعمال التي جسّدت فيها مشاعر الأمومة والاحتواء ببساطة وصدق جعلها نموذجاً استثنائياً.