صحيفة التغيير السودانية:
2025-05-25@19:06:38 GMT

أكبر حروبات الثورة المضادة

تاريخ النشر: 30th, October 2023 GMT

أكبر حروبات الثورة المضادة

وائل محجوب

• إذا كان انقلاب ٢٥ اكتوبر الذي نفذته قيادات الجيش والدعم السريع هو انقلاب للثورة المضادة، فإن هذه الحرب التي أكملت شهرها السابع، هي أكبر حروبات قوى الثورة المضادة وخرابها، في سعيها لبسط هيمنتها الكاملة على السلطة، وكانت نتيجتها المباشرة الآلاف من القتلى والجرحى والمصابين، والملايين من المشردين داخل وخارج البلاد، وخرابا فاق حجمه ١٠٠ مليار دولار، دمر البلاد وخرب منشآتها العامة والخاصة، وحطم اقتصادها، ومزق نسيجها الاجتماعي، ويسعى لهدم أسس التعايش السلمي لمكوناتها.


• من ينظر للقوى المشاركة في هذه الحرب، وطبيعة حلفاء كل طرف من طرفيها عسكريا، يدرك بوضوح لا لبس فيه، مقدار السوء الذي تنطوي عليه هذه الحرب، بما لا يصح معه وصفها بحرب للكرامة، ولا معركة للديمقراطية، فهي قد أطلقت روح الشر الكامنة في مجموعات الانقاذ العسكرية ومليشياتها المختلفة، وقادت البلاد لسلسلة من جرائم الحرب والجرائم ضد الانسانية، التي هي بضاعة للإنقاذ وعهدها، وسبة تطارد قادتها الكبار، وتابعيهم من بقاياها في اللجنة الأمنية.
• من المهم تفكيك القوى الضالعة في هذه الحرب، فهي لم تعد مجرد حرب بين طرفين، انما هي صراع بين قوى مختلفة، انتجها نظام الإنقاذ في إطار حروبه وتكتيكاته السياسية، ورعتها من بعده، قيادة اللجنة الأمنية، في سعيها لإضعاف الحكومتين الانتقاليتين، ومساعيها للهيمنة والاستيلاء على السلطة، ومحاصرة القوى المدنية.
• هذه الحرب تشمل القوى التالية؛
– القوات المسلحة؛ وتتحالف معها التنظيمات المسلحة لحزب المؤتمر الوطني والحركة الاسلامية وحلفائها، مثل كتيبة البراء بن مالك “أحد أذرع الأمن الطلابي المسلحة”، وكتائب الجهاديين السلفيين، ومجموعات الدفاع الشعبي التي تم إعادة تجميعها، وهيئة عمليات جهاز المخابرات التي تم إعادة عناصرها للخدمة، عقب اندلاع الحرب، ومجموعات الأمن الشعبي.
– قوات الدعم السريع؛ والتحقت بها قوات المك أدم شوتال، وهي فصيل منقسم من الحركة الشعبية قطاع النيل الأزرق، وقوات درع البطانة بقياد عبد الباقي كيكل، وهي قوات تم تأسيسها ودعمها بواسطة الجيش، وفق ما تردد، ولكنها انحازت للدعم السريع بعد بدء الحرب، وقوات تمازج بقيادة احمد أدم “قجة”، وهي من ضمن القوات التي تم الزج بها في اتفاق سلام جوبا، وكانت من قبل تقاتل بجانب الجيش، بجانب قوات من شمال كردفان، وقوات مجلس الصحوة وهي قوات عسكرية منشقة عن الشيخ موسى هلال القائد السابق لقوات حرس الحدود المتهمة بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الانسانية بدارفور.
• لقد بعثت الحرب بغالبية المليشيات التي نشأت وترعرعت في عهد الانقاذ لساحة المعركة، مصطحبة معها الخلل الذي لازم تكوينها لافتقارها لقواعد الضبط والربط العسكري، ومسلكها الخارج عن القانون، ولابد أن يفضي أي جهد لإنهاء الحرب لانهاء وجود هذه المجموعات، وإنهاء عهد الفوضى العسكرية الذي صنعته ورعته الانقاذ طويلا.
• إن أي محاولة لمعالجة سطحية لهذا الواقع، عبر ترتيبات أمنية تنبني على القوات المسلحة والدعم السريع، وتتجاهل وضعية كل هذه المليشيات وتبقي عليها وعلى أسلحتها وعتادها العسكري، ودون وضع خطوات عملية لإنهاء الأساس القانوني والمادي لوجودها، لن تفضي الإ لتأجيل للحرب، أو اغراق البلاد مستقبلا في مستنقع الفوضى، والإبقاء على عناصر الانقسام الاجتماعي الذي صنعته الحرب حاضرا ما بعدها.
• اول خطوات ذلك تبدأ بفتح الطريق أمام العدالة والمحاسبة على كل الجرائم التي وقعت خلال هذه الحرب، والإعتراف بخطأ منهج تأسيس ورعاية قوى مسلحة خارج القوات النظامية المخولة بحمل السلاح، والإستعداد لمعالجة الخلل البنيوي والهيكلي داخل القوات المسلحة، الذي سمح لقادتها برعاية هذه المليشيات، والصرف عليها من خزائن الدولة والسماح لها بخوض الحروب، وبأن تتحول لدولة داخل الدولة، بالحصانات والحماية من الملاحقات القانونية على أفعالها.
• لقد درج البعض على المطالبة بالحكم العسكري حتى بعد اندلاع الحرب، وهولاء ختم الله على عقولهم وأفهامهم، فهم يتجاهلون حقيقة ان ما تواجهه البلاد حاليا من كوارث، هي نتاج لتسلط العسكر واستيلائهم على السلطة، خدمة لمصالح حزب سياسي، ثار ضده الشعب والقى به لمزابل التاريخ، وقد مضى القادة من العسكر بانقلابهم العسكري في طريق معادي للشعب وإرادته، وكانت النتيجة المباشرة لأفعالهم المستهترة، والمخالفة لمهامهم الدستورية والقانونية، هي هذا الخراب الماثل الأن، وهو وحده كاف لإنهاء أي دور سياسي لهم وللمؤسسة العسكرية، ومحاسبتهم على كل الجرائم التي اقترفوها في حق البلاد وشعبها.
• إن الحرب الحقيقية ستبدأ بعد توقف الحرب وصمت المدافع، وهي ستبدأ حينما يكتشف الناس حجم الدمار والخراب، الذي خلفته هذه القوى المصطرعة ببلادهم وأهلها، ومقدار التفكك الذي أحدثته بالنسيج الاجتماعي والانقسام الجهوي والقبلي، الذي رعته القوى المساندة للمحتربين بخطابات الكراهية والعنصرية، وشيطنة المناهضين للحرب، والبيئة المعادية لكافة القوى السياسية والمدنية، التي سعت لخلقها بالتضليل الاعلامي وغسل العقول وتشويه المواقف، وهي بيئة تسعى من خلالها لفتح المجال للفوضى وقفل المجال أمام الثورة وأهدافها وشعاراتها، وقواها المختلفة، تكريسا للردة الشاملة التي يسعى لها من أشعلوا الحرب، والسبيل لمواجهة عقابيل الحرب يبدأ بإدراك مستبصر لما ينتظر الناس بعدها، والإستعداد المبكر بوحدة سودانية تهزم الحرب ودعاتها ومخططاتهم، وتسترد الوطن من عبثهم وحروبهم، وتقبر كامل عهد الانقاذ وتبعاته، مرة واحدة وللأبد.
• لقد قلنا من قبل ونكرر أنه لا سبيل لمواجهة كارثة الحرب وقواها المختلفة، والضغط لوقفها والاستعداد لمواجهة نتائجها، بالانقسام الذي سبقها للقوى المدنية والسياسية، وهي ستفرز واقعا شديد التعقيد، ويحتاج لرؤية موحدة وصف متماسك للتصدي للمخططات الجارية حاليا، ولواقع خروج قوى الإنقاذ عبرها للساحة، وهزم ما تسعى اليه، وتداعياتها الكارثية على المواطنين، ومعركتهم للبقاء واسترداد حياتهم التي حطمت الحرب أساسها، وحالة الفوضى التي ستعقبها، وهو واقع لن تستطيع أي قوى منفردة التصدي له ومواجهته، والسبيل المتاح هو حوار سوداني تأسيسي على أساس شعارات وأهداف الثورة، وموقف جماعي وموحد ضد الحرب واقطابها، وثابت تجاه قضية العدالة لا يحيد عنها، ولا يهادن فيها، فذلك هو السبيل الذي يحفظ البلاد من التفكك ويعيد تجميع أهلها من جديد.

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: هذه الحرب

إقرأ أيضاً:

اقتصاد الظل في السودان: تحالفات الخفاء التي تموّل الحرب وتقمع ثورة التحول المدني

 

اقتصاد الظل في السودان: تحالفات الخفاء التي تموّل الحرب وتقمع ثورة التحول المدني

عمر سيد أحمد

[email protected]

مايو 2025

من اقتصاد الدولة إلى اقتصاد النهب

في السودان، لم يُولد اقتصاد الظل من فراغ، ولم ينشأ على هامش الدولة، بل تكوَّن داخل قلب السلطة، وتحوَّل إلى أداة محورية في يد منظومة مسلحة — تضم الجيش، وجهاز الأمن والمخابرات، والمليشيات — تحالفت لعقود مع منظومات الإسلام السياسي لتثبيت السيطرة على الدولة والمجتمع. ومع تفجّر الثورة، ثم اندلاع الحرب، تكشّف الوجه الحقيقي لهذا الاقتصاد: ليس فقط مصدرًا للثراء غير المشروع، بل وقودًا للحرب، ومنصة لتشويه الوعي، ودرعًا يحمي شبكات السلطة من الانهيار.

اقتصاد بلا دولة… بل ضد الدولة

اقتصاد الظل في السودان لم يعد مجرد أنشطة غير رسمية كما في التعريف التقليدي، بل أصبح منظومة مهيكلة تعمل خارج إطار الدولة، تموّل وتُهرّب وتُصدر وتُجيّش بلا أي رقابة أو مساءلة. يتجلّى هذا الاقتصاد في تهريب الذهب من مناطق النزاع عبر مسارات محمية بالسلاح وعبر الحدود في كلزالاتجاهات وعبر المنفذ المحمي بالنافذين ، وتجارة العملة التي تغذي السوق الموازي بعيدًا عن النظام المصرفي، إلى جانب شبكة من الأنشطة التجارية الخارجية التي تدار لصالح قلة مرتبطة بأجهزة أمنية وشركات استيراد الوقود لطفيلي النظام السابق محمية من السلطة ، وتحويلات مالية غير رسمية تُستخدم في تمويل اقتصاد الحرب.

تشير التقديرات إلى أن ما بين 50% إلى 80% من إنتاج الذهب في السودان يُهرّب خارج القنوات الرسمية. وتُقدّر خسائر السودان من تهريب الذهب خلال العقد الماضي بما لا يقل عن 23 مليار دولار في حدها الأدنى، وقد تصل إلى 36.8 مليار دولار . هذه الأرقام تُظهر حجم الكارثة الاقتصادية التي يمثّلها اقتصاد الظل، ومدى تحوّل الذهب من مورد وطني إلى مصدر تمويل خفي للحرب والنهب.

من العقوبات الاقتصادية إلى السيطرة: نشأة التحالف الخفي

خلال سنوات العقوبات الأميركية، نشأت شبكات بديلة لحركة المال والتجارة، قادها رجال أعمال ومؤسسات أمنية مرتبطة بالنظام. وبدل أن تواجه الدولة الأزمة ببناء بدائل وطنية، فُتحت السوق أمام فئة طفيلية نمت في الظل، وتحوّلت إلى ذراع اقتصادية للسلطة. وحتى بعد رفع العقوبات عام 2020، لم يُفكك هذا الهيكل، بل تعمّق. ومع انقلاب 25 أكتوبر، استعادت هذه الشبكات سيطرتها الكاملة على الأسواق والموارد، لتبدأ مرحلة جديدة: تحويل اقتصاد الظل إلى مصدر تمويل مباشر للحرب.

اقتصاد الريع: الأساس البنيوي لاقتصاد الظل

من أبرز الأسباب البنيوية التي مهدت لتضخم اقتصاد الظل في السودان هي هيمنة اقتصاد الريع، الذي مثّل النمط الغالب منذ الاستقلال. فقد اعتمد السودان تاريخيًا على تصدير المواد الخام دون أي قيمة تصنيعية مضافة، بدءًا من القطن والحبوب الزيتية في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، مرورًا بالبترول في العقد الأول من الألفية، وانتهاءً بعصر الذهب بعد انفصال الجنوب عام 2011. هذا النمط الريعي جعل الاقتصاد السوداني مرتهنًا للأسواق الخارجية، ومفتقرًا لقاعدة إنتاجية وطنية مستقلة.

في ظل أنظمة شمولية وفساد مؤسسي، لم تُستثمر عائدات هذه الموارد في تنمية مستدامة، بل أعيد توزيعها عبر شبكات محسوبية وزبونية لصالح نخب الحكم والأجهزة الأمنية. وبدل أن يكون اقتصاد الريع رافعة للتنمية، تحوّل إلى بيئة حاضنة لاقتصاد الظل. والمفارقة أن هذا الاقتصاد لم ينشأ في الهوامش كما قد يُظن، بل نشأ وترعرع في المركز، داخل مؤسسات الدولة نفسها، وبتواطؤ من النخبة الحاكمة، التي استخدمته أداة للتمويل غير الرسمي، ولتثبيت سلطتها السياسية والعسكرية.وهكذا، اندمج الريع مع الفساد والعسكرة، وخلق منظومة اقتصادية موازية، لا تقوم على الإنتاج بل على النهب، ولا تخضع للقانون بل تتحصن خلفه..

تجارة السلاح والمخدرات: الوجه المحرّم لاقتصاد الظل

من أخطر أوجه اقتصاد الظل، تورّط المنظومة المسيطرة في تجارة السلاح والمخدرات. فقد انتشرت تقارير موثقة عبر وسائط الإعلام ومنصات التواصل خلال عهد الإنقاذ، حول “كونتينرات المخدرات” التي وصلت البلاد أو عبرت نحو دول الجوار، تحت حماية أو تواطؤ من جهات أمنية. هذه التجارة، وإن ظلت في الظل، شكّلت مصدر تمويل خفي مكمل للحرب، ومنصة لتجنيد المليشيات، ومجالًا لتبييض الأموال وتوسيع سيطرة مراكز النفوذ.

معركة الوعي المُموّلة: الإعلام كسلاح في الحرب ضد المدنية

لا يقتصر دور اقتصاد الظل على تمويل السلاح فقط، بل يُغذي معركة أخرى لا تقل خطورة: معركة السيطرة على الوعي. تُدار هذه الحملة الإعلامية من غرف خارج السودان، في عواصم مثل القاهرة، إسطنبول، دبي، والدوحة، بإشراف إعلاميين من بقايا نظام الإنقاذ وشبكات أمنية وإيديولوجية. وتنتج هذه الغرف محتوى ممولًا على وسائل التواصل الاجتماعي يبرر الحرب، ويشوّه قوى الثورة، ويُجيّش الرأي العام ضد التحول المدني، ويروّج لاستمرار الحرب التي شرّدت الملايين، وقتلت الآلاف، ودمّرت البلاد.

الهدف لا يقتصر على قمع الثورة المسلحة، بل يمتد إلى اغتيال فكرة الدولة المدنية ذاتها. تُصوَّر الديمقراطية كتهديد للاستقرار، وتُقدَّم السلطة العسكرية كخيار وحيد لضمان وحدة البلاد، في تجسيد صريح لعسكرة الدولة والمجتمع.

تفكيك المنظومة: ليس إصلاحًا إداريًا بل صراع طويل

لا يمكن الحديث عن تفكيك اقتصاد الظل في السودان بوصفه مجرّد قرار إداري أو إجراء قانوني، خاصة في ظل حرب مفتوحة، وانهيار مؤسسات الدولة، وسيطرة المنظومة المسلحة على مفاصل الاقتصاد. فهذه المنظومة لا تُفكَّك من خلال الانتصار الحاسم، بل من لحظة تآكل السيطرة المطلقة، حين تبدأ الشروخ في البنية الأمنية والاقتصادية للنظام القائم.

ورغم عسكرة الحياة اليومية، لا ينبغي أن يؤدي ذلك إلى شلل في الفعل المدني أو استسلام لقوى الأمر الواقع. المطلوب هو العمل من داخل الحرب، لا على هامشها، لصياغة مشروع تحوّل واقعي وجذري. ويبدأ ذلك بخلق وعي جماهيري جديد، يفضح الترابط البنيوي بين السلاح والثروة، ويضع اقتصاد الظل في موضع المساءلة الشعبية والدولية.

يتطلب هذا المسار مراقبة دقيقة للسوق الموازي وتحليل آلياته، تمهيدًا لبلورة سياسات اقتصادية وتشريعات عادلة تعيد تنظيم السوق وتكسر احتكار شبكات التهريب. كما أن توثيق جرائم التهريب، وتجارة المخدرات، ونهب الذهب، لا بد أن يتحول إلى ملفات قانونية وإعلامية قابلة للمساءلة، لا مجرد روايات متداولة.

إلى جانب ذلك، يبرز دور الإعلام البديل والمجتمعي كجبهة مقاومة مستقلة، تتصدى لخطاب التضليل الذي يُنتج خارج البلاد، وتواجه الرواية الرسمية التي تبرر الحرب وتشيطن التحول المدني. هذه المواجهة الإعلامية ليست ترفًا، بل ضرورة لبناء رأي عام مقاوم ومتماسك.

وأخيرًا، فإن أي محاولة للتغيير لا تكتمل دون بناء شبكات وتحالفات مدنية، تطرح مشروعًا وطنيًا بديلًا يعيد تعريف الدولة، ويفكك الارتباط بين السلطة والثروة، وينقل الاقتصاد من يد المليشيات إلى يد المجتمع. هذا الطريق ليس خطة جاهزة، بل جبهة مفتوحة، تتطلب العمل اليومي، والمبادرة من داخل الشروخ التي فتحتها الحرب، لا انتظار نهايتها.

العمل وسط الحرب: لا وقت للانتظار

ورغم عسكرة الحياة واشتداد المعارك، لا ينبغي أن يكون الواقع ذريعة للتوقف عن الفعل أو الاستسلام للأمر الواقع. بل العكس هو الصحيح؛ المطلوب اليوم هو العمل من داخل الحرب، ومن بين شقوقها، لبناء بدايات جديدة تُمهّد لمسار تحوّل مدني حقيقي. فالتغيير في سياق مثل السودان لا يُنتظر حتى لحظة النصر، بل يُصنع من داخل المعركة، بخطوات واقعية ومدروسة، تستند إلى الفعل الجماهيري والإرادة الجمعية.

أدوات التغيير: من الوعي إلى التنظيم

هذا المسار يتطلب بناء أدوات جديدة، وخلق وعي جماهيري ناقد، يدرك أن المعركة ليست فقط عسكرية أو سياسية، بل أيضًا اقتصادية وثقافية. ويبدأ ذلك بكشف البنية الاقتصادية للمنظومة المسلحة، وفضح العلاقة البنيوية بين السلاح والثروة، بما يتيح خلق ضغط داخلي وخارجي على مراكز النفوذ. كما ينبغي رصد نشاط السوق الموازي وتحليل آلياته، لتجهيزه للمواجهة لاحقًا بسياسات اقتصادية وتشريعات عادلة تفكك احتكارات الظل وتستعيد الاقتصاد لحضن المجتمع.

في الوقت ذاته، يُعد توثيق جرائم التهريب، وتجارة المخدرات، ونهب الذهب، ضرورة لبناء ملفات قانونية وإعلامية يُمكن الرجوع إليها في لحظة المساءلة. وعلى الجانب الإعلامي، لا بد من دعم إعلام بديل، مستقل ومجتمعي، يواجه سرديات التضليل التي تُدار من غرف إعلامية في الخارج، ويقدم خطابًا مقاومًا ينبني على سردية الثورة، لا على خطاب الحرب.

وبالتوازي مع ذلك، يجب العمل على بناء تحالفات مدنية مرنة وواقعية، تطرح مشروعًا سياسيًا واقتصاديًا بديلاً، يعيد تعريف علاقة الدولة بالمجتمع والموارد، ويفكك ارتباط السلطة بالنهب والاحتكار.

جبهة مفتوحة: بداية لا نهاية

إن ما نواجهه اليوم ليس مجرد أزمة سياسية عابرة، بل لحظة تاريخية تتطلب إعادة صياغة المشروع الوطني من جذوره. وهذه ليست خطة جاهزة بقدر ما هي جبهة مفتوحة للتغيير التدريجي، تُصاغ من داخل لحظة الانهيار، لا من خارجها. فالتحدي الحقيقي لا يكمن في انتظار نهاية الحرب، بل في استثمار التصدعات التي خلقتها، وتحويلها إلى مسارات للمقاومة المدنية، وبدايات جديدة تُبنى فيها دولة ديمقراطية مدنية، عادلة ومنقذة، تعبّر عن طموحات الناس لا عن مصالح النخب المتغولة.

المصادر

1. Global Witness (2019). ‘The Ones Left Behind: Sudan’s Secret Gold Empire.’

2. International Crisis Group (2022). ‘The Militarization of Sudan’s Economy.’

3. Human Rights Watch (2020). ‘Entrenched Impunity: Gold Mining and the Darfur Conflict.’

4. United Nations Panel of Experts on the Sudan (2020–2023). Reports to the Security Council.

5. BBC Arabic & Al Jazeera Investigations (2021–2023). Coverage of Sudan’s illicit trade and media operations.

6. Radio Dabanga (2015–2023). Reports on drug trafficking and corruption during Al-Ingaz regime.

7. Sudan Tribune (2020). ‘Forex crisis and informal currency trading in Sudan.’

 

 

 

 

 

 

 

 

الوسوماقتصاد الظل السودان تحالفات الخفاء تمويل الحرب عمر سيد أحمد

مقالات مشابهة

  • الدفاع الروسية: إسقاط 110 مسيرات أوكرانية غربي البلاد الليلة الماضية
  • بيان من التنسيقية العامة لأبناء الرزيقات بالداخل والخارج
  • الجرام بـ 49 تريليون إسترليني.. أغلى «مادة» في الكون
  • تعيين د. كامل إدريس حلقة في المخطط لتصفية الثورة؟
  • روسيا وأوكرانيا تتبادلان 390 أسيرا في أكبر عملية تبادل في الحرب
  • روسيا وأوكرانيا تعلنان عن أكبر عملية تبادل أسرى منذ اندلاع الحرب
  • الحرب فرضت نفسها علي الواقع السوداني وكما ترون فقد تحولت البلاد الي حطام !!.. ما الذي قادنا الي هذا الوضع الكارثي ؟! الجهل هو السبب !!..
  • اقتصاد الظل في السودان: تحالفات الخفاء التي تموّل الحرب وتقمع ثورة التحول المدني
  • الأمم المتحدة تنشر قوات إضافية في أفريقيا الوسطى
  • عرض أمني وتعبوي حاشد في الشاهل بحجة يجدد التفويض لقائد الثورة نصرة لفلسطين