صحيفة التغيير السودانية:
2025-06-23@23:08:25 GMT

أوضاع شعب في كنف الحرب

تاريخ النشر: 5th, November 2023 GMT

أوضاع شعب في كنف الحرب

خالد فضل

تاريخنا هو تاريخ للحروب الوطنية المستمرة , من جملة سنوات الإستقلال التي تدنو من السبعين لم تهدأ أبواق الحروب وطبولها ورصاصها وأوجاعها ومآسيها وانعكاساتها إلا لهدنة قصيرة مدتها عشر سنوات فقط , خلال ما عرف بإتفاقية أديس أبابا 1972_1983م والتي أنهت حربا وطنية مسرحها المديريات الجنوبية سابقا , تلك الحرب كانت قد انلعت شرارتها الأولى قبيل إعلان إستقلال البلاد ؛ يناير1956م بنحو 4أشهر .

بعد ذلك لم تتوقف الحروب تماما و في جميع أرجاء البلاد حتى اليوم , والمسألة ليست عصية على الحصر ويعيش في كنفها ملايين السودانيين/ات وعاش عمرهم كله من توفاهم الله ولم يهنأوا بسلام مستدام من حلفا لكاودا ومن بورتسودان إلى الجنينة .

يمكن ببساطة توصيف أوضاع السودانيين منذ العام 1956م وحتى تاريخ اليوم الذي نقرأ فيه هذه الكلمة بأنها أوضاع شعب عاش ماضيه ويعيش حاضره في أتون حروبات داخلية مستمرة , تتعدد تواريخ الإندلاع , وتتأخر مواقيت الإطفاء , تتوزع الجغرافيا وتتمدد الرقعة الأرضية التي يشغلها الصراع والنزاع المسلح والحرب , الأسباب تبدو متشابهة حد التطابق , الدفوعات التي تقدمها التنظيمات السياسية المسلحة التي تنخرط في الحروب , كأنها نسخة (فوتو كوبي) هذه من تلك , الطرف الدائم الحضور في مواجهة هذه التحركات المسلحة من جانب مجموعات وجهات سودانية عديدة هو الجيش السوداني , الذي تمرّن سنوات الإستقلال كلها على حروبات الداخل السوداني , ترقى ضباط ونالوا أرفع النياشين لبسالتهم في هذه الحروبات , قضى من قضى بمئات الآلاف عددا ممن امتهنوا الجندية , مقتولين بأيدي سودانية مثل من قتلوا من أسف . لقد ظلت الدولة الوطنية من يوم الإستقلال توجه عنفها وقمعها وميزانياتها وحشودها وإعلامها وخطابها الدعائي وبرامجها السياسية تجاه القضية الدائرية ( الحروب الداخلية) , لمرّة واحدة توجهت البنادق لجماعات مسلحة خارجية (إثيوبية) ؛ حدث ذلك إبان الفترة الإنتقالية القصيرة التي رأس فيها د. عبدالله حمدوك مجلس الوزراء 2019_2021م , وحدث تهديد وتجريك للجيش دون الخوض في مواجهة إبان فترة رئاسة محمدأحمد المحجوب لمجلس الوزراء منتخبا في ستينات القرن المنصرم لفترة قصيرة جدا , وكانت الوجهة المنذرة هي الجيش المصري ,غير ذلك وعلى طول مكوث الجيش في السلطة والحكم , كانت حروبه كلها ضد (المتمردين) السودانيين المستدامين , حتى أنّ صفة متمرد لم تعد تحمل أي دلالات ,لقد بهتت من كثرة ما تمّ لوكها ومضمضمة الشفاه بها !!

في كل فترة نردد عبارة باتت هي الأخرى باهتة , (تمر بلادنا بمرحلة حرجة ) ومترادفاتها , مفترق طرق , تهديد وجودي , حافة الهاوية , مرحلة خطيرة , غير مسبوقة … إلخ , وفي كل مرّة (تنترم) الجُرّة , أصبحت (مشرتمة) من تعدد الترمات , ودولتنا لم نصل بعد إلى توصيفها , أ هي دولة البعض أم الجميع ؟ أ هي دولة البراء وإقامة الدين وقيادة الناس إلى الجنّة أم نعيم (ورا القبر) , أ هي دولة حميدتي الديمقراطية ؟ نحتاج صراحة إلى إعمال العقل الجاف جفافا لا يدع للعاطفة مجال ¸لأن العواطف هي التي ساقتنا كل هذه العقود , نقع في هاوية يقال إنّ الإسلام هو المخرج , نغوص في الوحل أكثر فيقال بل الإشتراكية والتأميم هي المصل الشافي , بل الليبرالية , بل وبل وبل , والتفاوض خير من (البل) !

شعب في كل مرّة يتقلب بين أحضان الجنرالات , هذا كويس خالص وذاك في روحو تمام لكن بطانته , والآخر مولانا عدييل وحوارييه صحابة لكن لكن لكن , والأخير زاهد ويحقق حلم أبوهو , وبتاع الخلا دا شن نفرو شغال ذكاء اصطناعي , تكبر مدن وتتكرش العاصمة من أفواج النازحين والفارين من الحرب في الأقاليم , تكبر جبرونا وغصبونا وردمونا وجهجهونا , ويشكو وسط المدينة من الزحام وأطرافها من انعدام الأمان , والشعب يزداد انسحاقا , تتورم حسابات بنكية من الريع العام ومن العمولات والمضاربات والدولار وتنطح العمارات السحاب فيما الدم يسيل ركب في بعض أنحاء السودان الكبير !! هولاء شعب وأولئك برضهم شعب (السودان) لكن الإحساس مختلف .

الحرب الراهنة بين جنرالي الإنقلاب , نتيجة حتمية لطبيعة الدولة الغشمة , في تقديري عبور هذه الدولة لبناء دولة جديدة هو ما يحقق السلام والإستقرار والتنمية والرخاء ..إلخ , دعونا نعبر الحرب إلى ما بعدها , فهي نتيجة وليست سببا , كل الجروح بتروح إلا التي في الروح , وغدا إن شاء الله سيولد سودان السلام الحقيقي والمستدام , هذه هي خلاصة تاج الحروبات الكثيرة , لفقد ضربت المركز نفسه , لم تعد هناك الآن خرطوم !!

الوسومخالد فضل

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: خالد فضل

إقرأ أيضاً:

عنصر المفاجأة.. درس كبير للخليج

 

 

د. عبدالله باحجاج

عندما كنت أبحث وأُمعن التفكير في النجاح المطلق للساعات الأولى للعدوان الصهيوني على إيران، ومن ثم تفوُّق الصهاينة جوًا عبر استفرادهم بالأجواء الإيرانية دون أي مقاومة أرضية، تساءلتُ: كيف لو لم تُخترق إيران من الداخل وتُدمَّر معظم دفاعاتها الجوية، ويُغتال قادتها العسكريون والأمنيون البارزون، وكذلك علماؤها المعروفون في مجال الذرة؟ لأننا شهدنا بعد ذلك وحتى الآن نجاح الضربات الصاروخية والطائرات المُسيَّرة الإيرانية الموجعة على الكيان الغاصب التي تزلزل الوجود الديموغرافي المحتل، وتُبدد مستقبل عيشهم الآمن، فكيف لو لم تُشَلّ تلكم القدرات والإمكانيات الإيرانية في الساعات الأولى للعدوان؟ وهل كان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يتجرأ على ضرب منشآتها النووية، ويطلع للصحفيين معلنًا تدميرها كاملًا، حسب زعمه.

لم يعد التساؤل هنا كيف شُلَّت؟ فالإجابة قد أصبحت معروفة، وينبغي أن تشغل الآن كل دولة خليجية، وأي مرور لها، فلن ينُم عن وجود إيمان بالتخطيط المُسبق للأزمات، والاستفادة منها، وهي الآن- أي الأزمات- قد أصبحت من الوزن الوجودي، فلا تغتر دولنا الخليجية بعلاقاتها وشراكاتها مع الغرب وواشنطن خصوصًا، ولا بعضها بالكيان الصهيوني؛ فهي علاقات قائمة على عدم التوازن في القوة، وهناك أجندات صهيونية ستفرض على المنطقة بعد الحرب على إيران، ولن استبعد اختراقاتها الخليجية- البنيوية- مثلما فعلت ونجحت في إيران، ومن خلالها تمكنت من إحداث عنصر المفاجأة في عدوانها على طهران.

عنصر المفاجأة قد تم تحقيقه من خلال حرب سريّة داخلية على إيران تم التحضير لها منذ عدة سنوات؛ لضمان تحقيق النصر النهائي منذ ساعات العدوان الأولى، أي في يوم واحد فقط، عبر شن هجوم واسع على ما سُمِّي "بنك أهداف إيرانية" تشمل حتى قيادتها السياسية العُليا، لكنه لم ينجح في تحقيق كل أهدافه في هذه الساعات، مما نعتبره فشلًا رغم نجاح الاختراقات الصهيونية للشأن الإيراني الداخلي، ورغم نجاح الساعات الأولى للعدوان في تحقيق مكاسب تحتية وفوقية عديدة؛ حيث لم تنجح في تدمير كامل القدرات النووية والباليستية وإضعاف إيران، فظلَّت طهران قوية، ولم يتوقعها قادة الصهاينة باعترافات المجرم بن غفير وزير ما يُسمى بالأمن القومي الإسرائيلي، بعد ما انفجر فيه الصهاينة غضبًا من قوة الرد الإيراني المؤلمة، قائلًا لهم إنهم لم يدركوا حجم قوة الصواريخ الباليستية الإيرانية، وهذا يُفسِّر لنا الحتمية الأمريكية لتدخلها العدواني، وظلت قوية حتى بعد تدخل الأمريكي في قصف المنشآت الإيرانية أمس، وإعلان ترامب تدميرها كاملًا.

هُنا نستوقف الوعي الخليجي السياسي بالقول إن وراء نجاح الساعات الأولى للعدوان الصهيوني "عنصر المفاجأة"، وهو يعني إحداث فعل غير متوقع، والتخطيط له لعدة سنوات. والفعل غير المتوقع هنا ليس في توقيت شن العدوان على طهران، فذلك قد سبقه تهديدات صريحة وجادة من الصهاينة والرئيس ترامب، وقبلها حدثت تحولات إقليمية لم تكن في صالح طهران، كالقضاء على قدرات حزب الله، وإسقاط نظام بشار الأسد، وإضعاف جماعة أنصار الله "الحوثي" في اليمن، وإنما كانت وراءه صناعة "عنصر المفاجأة" لهذا العدوان، وهي تكمُن في شن حرب سرية داخل إيران نجحت في تجنيد جواسيس، ويُقال حتى وزراء، وزرع مخبريها داخل العمق الإيراني، وإقامة معسكر للطائرات المُسيَّرة، واختراق كاميرات وهواتف وأجهزة محمولة.. إلخ، ومن ثم تحديد مجموعة بنوك من الأهداف لاستهدافها أثناء عدوان الساعات الأولى.

إنها حرب استخباراتية / سيبرانية صهيونية استُخدِمت فيها التقنية المُتقدمة، ونجحوا فيها بصورة مثالية لكنها ليست حاسمة، والمثالية تكمن هنا في بنية الاختراقات، التقليدية والسيبرانية، تمكنوا من خلالها تعطيل التكنولوجيا الإيرانية في طائراتها ودفاعاتها ومواقعها، ومن ثم شل أنظمة دفاعاتها الجوية، وإحداث خسائر جسيمة، بحيث لم يبق لطهران سوى الاعتماد على صواريخها بعيدة المدى والطائرات المُسيَّرة، واستبعاد الآن أي احتمالية بقدرة إيرانية نووية، ولو لا الصواريخ والطائرات المُسيَّرة الإيرانية، لكانت أهداف العدوان قد تحققت خلال يومين أو ثلاثة، وربما في ساعاتها الأولى.

الحرب السرية الداخلية ضد إيران لا يمكن للصهاينة وحدهم النجاح فيها، فمن المؤكد أن هناك تعاونًا أمريكيًا وإقليميًا عميقًا، وبالتالي، لا يُنسب نجاح الاختراق لجهاز الاستخبارات الصهيونية "الموساد" ولا نظيره العسكري "أمان"، وإنما لتواطؤ وتعاون مُتعدد الجنسيات، تم بسرية عالية رغم طول مدته الزمنية، فالقضاء على البرنامج النووي الإيراني رغبة صهيونية وإقليمية ودولية مُعلنة. وهذا التحالف الأمني يمكن أن يُستدام عبر تحوُّله الى تحالف عسكري وأمني، خاصة بعد عودة ما يسمى بـ"الشرق الأوسط الجديد" بتصور سلام عربي إسرائيلي. وهنا لا نستبعد الاختراقات المُسبقة واللاحقة للشأن الداخلي لكل دولة خليجية، ولا نستبعد أن يكون صناعة عنصر المفاجأة في بعضها قد تم أو في الطريق إليه؛ لأنه سيكون سهلًا؛ إذ لديهم الأموال والديموغرافيا- كمًا ونوعًا- في الخليج، وكذلك الوقت اللازم والمتلازم للاختراقات بعد فتح بعض العواصم الخليجية لهم؛ استثمارًا وإقامةً وهويةً.

فهل هناك دولة خليجية لديها من التأكيدات المطلقة أو المطمئنة على عدم اختراق داخلها حتى الان- مع التباين- أو أنها ستكون منأى عنه مُستقبلًا؟ ففي الحرب السرية الداخلية على إيران تم إنفاق الملايين من الدولارات، وسنوات من الجهد، وُظِّفت فيها حتى أقمار صناعية تجارية واختراق الهواتف، وتجنيد عملاء سريون جُنِّدوا محليًا، وإقامة مستودعات سرية لتجميع الطائرات المُسيَّرة.. وهذا بأثمان باهظة، ومع كل ذلك، نُكرر لم يحققوا النجاح الكامل في ساعات عدوانهم الأولى، وهذا مرده لصيرورة القضاء والقدر التي تُعبِّر عن عِلم الله الشامل وإرادته في كل ما يقع في هذا الكون، فلا يمكن أن يقع أي شي إلّا بمشيئة الله جل في علاه، وحتى عدوان واشنطن على المنشآت النووية الإيرانية تدخل في هذا السياق، وستنتُج وقائع جديدة ستضرب دول العدوان وكل من يقف وراءه، فمن يعتقد أن المنطقة ستدخل في مرحلة الهدوء بعد القضاء على المنشآت الإيرانية هو وَاهِم، لأن المنطقة في طور حقبة جديدة من صناعة العنف، ما شكله وما مصادره يحتاج لمقال آخر.

وما يقع بين الصهاينة وإيران لا يمكن تفسيره إلا من منظور القضاء والقدر؛ فمشيئة الخالق قد حيَّدت الصواريخ والطائرات المُسيَّرة الإيرانية من نجاح الحرب السرية داخل إيران في زمن التواطؤ والمشاركة المتعددة الجنسيات لإبادة أهالي غزة وتجويعهم وانتهاك أعراضهم وتهجريهم الجماعي، فهذه الحرب جاءت- قدريًا- لتُكرِّر مشاهد رعب وتدمير غزة على الصهاينة مصداقًا للمقولة التالية "كما تُدين تُدان"، من هنا فقد استثنى القضاء والقدر الصواريخ والطائرات المُسيَّرة الإيرانية. وهذا التحليل الثيولوجي / الديني يجعلنا من خلاله أن نترقب الصيرورة القدرية على الدول التي تورطت في جرائم الإنسانية في غزة حسب أدوارها فيه، يقينا، لن يتركوا.

وينبغي أن تطرح كل دولة خليجية التساؤل التالي: هل هي بمنأى عن الاختراقات الوجودية الجديدة؟ فهناك بيئات الفقر والبطالة والأجور المتدنية وانتشار المخدرات بأنواعها.. تسهل الاختراقات الوجودية، ومن ثم ينبغي الاستفادة من تجربة الاختراقات الإيرانية الجديدة التي يراها خبراء الغرب الاستراتيجيون إنجازًا مذهلًا لم تشهده الحروب الحديثة، ومفهوم الاختراقات الآن يجمع بين التقليدية والحديثة ولدواعٍ وجودية لوجود أطماع جيوسياسية، وقريبًا ستدخل المنطقة في الثنائية المتعارضة "معي أو ضدي" من أجل تحقيق السلام / الاستسلام في الشرق الأوسط.

من هُنا.. ثمَّة دواعٍ عاجلة لتقوية الجبهات الداخلية لكل دولة، وتقييم مختلف خياراتها المالية والاقتصادية الجديدة، وتعزيز دورها الاجتماعي، بهاجس الحفاظ على منظومة الولاء والانتماء التي أسست استقرارها طوال العقود الماضية.

رابط مختصر

مقالات مشابهة

  • عميد الكفرة: عدد اللاجئين السودانيين أصبح 3 أضعاف سكان المنطقة
  • من هيروشيما إلى فودرو.. أسلحة فتاكة رجحت الكفة خلال الحروب
  • عطوان ..ستّة مُؤشّرات تؤكّد انتِصار إيران وخسارة إسرائيل
  • أولمرت: نتنياهو يجيد إشعال الحروب ولا يمتلك شجاعة إنهائها
  • عميد الكفرة: عدد النازحين السودانيين في ليبيا بلغ قرابة 160 ألف نازح
  • بابا الفاتكيان: يجب وضع حد لمأساة الحرب قبل أن تتحول لهاوية لايمكن ردمها
  • عنصر المفاجأة.. درس كبير للخليج
  • الحروب في المنطقة قبل إيران وبعدها
  • صمود: نفاق السلام وركل الشرعية الانتخابية
  • حرب الاستنزاف الإيراني الإسرائيلي!