اتفقت صحيفة "لوموند" (Le Monde) ومجلة "لوبس" (L’Obs) الفرنسيتان على أن وقف دوامة العنف وتهدئة العلاقات بين الشرطة والشباب من أحياء الطبقة العاملة يتطلب تغييرات عميقة، تبدأ من الاعتراف أولا بما هو واضح من أن هناك عنصرية مؤسسية في الشرطة، وأخذ ذلك على محمل الجد، وجعل محاربة الشعور بالتهميش وبالإهمال من قبل أفقر السكان أولوية وطنية.

ورأت لوموند أن سلسلة الليالي المأساوية على إثر مقتل الشاب نائل، واندلاع الشغب والغضب بين الشباب في أحياء الطبقة العاملة، الذي يتحول إلى نهب وعنف  وتدمير، مما يثير منطقيا عدم الفهم والخوف والغضب، إلا أن العلوم الاجتماعية تجعل من الممكن شرح ظروف وفاة نائل والحريق الذي أحدثه في جميع أنحاء البلاد، كما تقول مجلة لوبس.

روشيه: اختيار الحكومة إنكار فرضية عنصرية الشرطة ورفضها هو الذي يجعل ما يحدث غير قابل للفهم والتفسير.

أسباب اقتصادية وسياسية

ولئن عزت لوموند الفوضى والعنف إلى قوى سياسية تريد استغلال الموقف، ونفت أن تكون فرنسا قد أصبحت -كما يروج اليمين المتطرف حسب رأيها- في قبضة الشغب العرقي أو حرب الحضارات، فإن عالم الاجتماع بول روشيه يقول لمجلة لوبس إن اختيار الحكومة إنكار فرضية عنصرية الشرطة ورفضها هو الذي يجعل ما يحدث غير قابل للفهم والتفسير.

وأرجعت لوموند أسباب ما يحدث إلى "سياسة المدينة" التي غيرت المشهد في العديد من المدن، لكنها لم تنجح في عكس الاتجاه نحو إبعاد أفقر السكان ولا في تزويد الأحياء "ذات الأولوية" بخدمات عامة تعادل باقي المدن، حتى ما يمنح لهذه المناطق من "موارد أقل بـ4 أضعاف مما يقدم لأي مكان آخر، بالنسبة لعدد السكان".

وخلصت الصحيفة إلى أنه لا يمكن اختزال الأزمة في بعد "الهوية" طبعا، ولكنها لا يمكن كذلك تفسير حريق الضواحي بنقص الميزانية وحده، وأشارت إلى قواعد وممارسات استخدام الأسلحة من قبل الشرطة أثناء عمليات التفتيش، ودعت إلى مراجعة قانون 2017 الذي فجّر عددا من حوادث إطلاق النار والوفيات على يد الشرطة، مؤكدة في الوقت نفسه أن انتشار السلوك غير الحضاري والاتجار بالمخدرات يجعل مهمة الشرطة أكثر إرهاقا وأكثر صعوبة.


عنصرية مؤسسية

ومن ناحيتها، رأت لوبس أن العمل العلمي أثبت منذ أكثر من 30 عاما وجود عنصرية متنامية بشكل خاص في مؤسسة الشرطة، حيث حددت دراسة في عام 2009 حجم الظاهرة، موضحة أنه "اعتمادا على مواقع المراقبة، كان احتمال توقيف السود أكثر بنحو 3.3 إلى 11.5 مرة من البيض"، وأن العرب "تعرضوا لمخاطر أكثر بنحو 1.8 إلى 14.8 ضعف ما تعرض له البيض من التوقيف من قبل الشرطة".

وأشارت المجلة إلى أن العنصرية المؤسسية لا تحتاج إلى أفراد عنصريين صريحين -كما يرى عالم الاجتماع ستيوارت هول- لأنها تنتشر من خلال الأعراف والسلوك العنصري في العمل اليومي للمؤسسة، ومن ثم يمكن أن يكون شرطي يحب الكباب ويقدر موسيقى الراب، أو حتى من أصول مهاجرة هو نفسه، وفي الوقت نفسه يعتبر أن عمل الشرطة العادي ينطوي على افتراض أن الشخص غير الأبيض يشتبه فيه أكثر من الرجل الأبيض، وهو افتراض يولد التوتر ويشجع على استخدام القوة.

وخلصت المجلة إلى أن الحريق الذي ينتشر في جميع أنحاء البلاد ليس سوى انعكاس لهذا التمييز المؤسسي مضافا إليه تخفيف شروط استخدام الشرطة للأسلحة في عام 2017، ورأت أن إخماده يمر حتما بأخذ العنصرية المؤسسية على محمل الجد.

المصدر: الجزيرة

إقرأ أيضاً:

الشرطة الفرنسية: تظاهر 250 ألف شخص ضد اليمين المتطرف

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

أعلنت الشرطة الفرنسية أن 250 ألف شخص شاركوا في المسيرات المناهضة لليمين المتطرف التي انطلقت اليوم السبت في كل فرنسا، من بينهم 75 ألفا في باريس، وذلك بدعوة من أحزاب اليسار وعدة نقابات عمالية ومنظمات حقوقية.

يأتي ذلك في الوقت الذي أحصى فيه الاتحاد العام للعمل (إحدى النقابات العمالية الكبرى) مشاركة نحو 640 ألفً شخص في فرنسا، من بينهم 250 ألف متظاهر في شوارع العاصمة.

وقد نظمت مسيرات حاشدة انطلقت من وسط العاصمة الفرنسية باريس، تزامنا مع تنظيم مظاهرات أخرى في عدة مدن فرنسية شارك فيها عشرات الالاف من الأشخاص للتعبير عن احتجاجهم ضد صعود اليمين المتطرف في البلاد بعد فوزه بالانتخابات الأوروبية الأحد الماضي.

وطالب المتظاهرون بمنع وصول تيار اليمين المتطرف، متمثلا في حزب "التجمع الوطني" إلى الحكم في فرنسا خاصة بعد الهزيمة التي لحقت بالتحالف الرئاسي أمام اليمين المتطرف بالانتخابات الأوروبية.

ومنذ إعلان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون حل الجمعية الوطنية عقب فوز حزب التجمع الوطني في الانتخابات الأوروبية الأحد الماضي، يتظاهر آلاف الأشخاص يوميا في باريس ومارسيليا وتولوز وبوردو للتعبير عن معارضتهم لصعود اليمين المتطرف الذي يتصدراستطلاعات الرأي لنوايا التصويت في الانتخابات التشريعية التي تنظم جولتها الأولى في 30 يونيو والثانية في 7 يوليو.

واحتشد عشرات الآلاف من المتظاهرين وسط العاصمة اليوم تحت راية "الجبهة الشعبية الجديدة" وهو التحالف الذي شكله أحزاب اليسار لخوض الانتخابات التشريعية القادمة وقطع الطريق على التجمع الوطني اليميني المتطرف. ورفع المتظاهرون أعلاما تابعة لأحزاب اليسار ولعدد من النقابات العمالية والمنظمات الحقوقية مرددين هتافات مناهضة للتجمع الوطني اليميني المتطرف.

وبحسب السلطات الفرنسية، تم تنظيم 150 مظاهرة ومسيرة في جميع أنحاء البلاد. ففي مارسيليا (جنوب فرنسا)، شارك 12 ألف شخص في مظاهرات ضد اليمين المتطرف، وفقا للشرطة الفرنسية.

تأتي هذه المظاهرات المناهضة لليمين المتطرف في جميع أنحاء فرنسا قبل أسبوعين من الانتخابات التشريعية المبكرة، بدعوة من أحزاب اليسار وعدد من منظمات لحقوق الانسان والنقابات العمالية من بينها الكونفدرالية العامة للعمل حيث دعت أمينتها العامة صوفي بينيه، إلى التعبئة والحشد لمنع وصول اليمين المتطرف إلى الحكم في البلاد. 

مقالات مشابهة

  • الغضب من ضعف والانقطاع المتكرر للأنترنيت يصل إلى البرلمان
  • الشرطة الفرنسية: تظاهر 250 ألف شخص ضد اليمين المتطرف
  • غليان سياسي بفرنسا.. اليسار يستنفر لقطع الطريق أمام اليمين المتطرف ولوبان تعد بمفاجآت
  • أفضل ما يقال في يوم عرفة
  • الولايات المتحدة تدرج جماعة إسكندنافية من النازيين الجدد على قائمة الإرهاب
  • لوموند: علامات تجارية أميركية تعاني من المقاطعة لدعمها "إسرائيل"
  • خير الدعاء دعاء يوم عرفة.. «الإفتاء» تكشف فضائله وأعظم ما يقال فيه
  • البلد العربي الوحيد…المركز السنمائي المغربي يخلق التميز بفرنسا بقيادة البوجدايني
  • شرطة لمكافحة العنصرية ضد لاعبي إنجلترا في يورو 2024
  • لوموند: علامات تجارية أميركية تعاني من المقاطعة لدعمها إسرائيل