صدر حديثاً كتاب “تراتيل الغزاة: مقاربات في التاريخ السياسي المعاصر” عن دار العلم والإيمان والكتاب من ترجمة وعرض البروفيسور صديق جوهر الباحث والأكاديمي الكندي وخبير الترجمة في الأرشيف والمكتبة الوطنية. 

جاء إهداء الكتاب إلى مدينة “العين” واحة النخيل وأميرة المدائن وسيدة البوادي وعروس الصحراء المتلفعة بغيوم الشرق الإماراتي العتيق).

 

يتضمن الكتاب تلخيصاً لسلسلة من أهم أربع كتب نشرت في مطلع القرن الحادي والعشرين تتناول الأحداث والصراعات والمنازعات والحروب التي شكلت الخارطة الجيوسياسية للتاريخ   المعاصر حيث يشمل الجزء الأول المعنون “صراع الوحوش” عرضاً لكتاب “الحرب الكونية: الصراع المسلح في القرن العشرين وسقوط الغرب” من تأليف نيال فيرغسون الأستاذ بجامعة هارفرد الذي يرى أن الحرب العالمية الثانية كانت ذروة صراع ملحمي ظل قائماً لمدة خمسين عاماً تصارعت فيه امبراطوريات ودول عديدة. 

ويؤكد فيرغسون أن القرن العشرين كان أكثر القرون تقدماً وعلماً، ولكنه كان أشدها ضراوة وعنفاً وينتقد المؤلف تزييف التاريخ في المناهج الدراسية الأوروبية التي تزعم أن الحرب العالمية الثانية كانت أعظم إنجاز وأكبر انتصار للديمقراطيات الغربية على القوى الظلامية ويشير إلى أن الحرب العالمية الثانية كانت ذروة صراع ملحمي ظل قائماً لمدة خمسين عاماً تصارعت فيه امبراطوريات ودول عديدة. وفي الجزء الثاني “ألاعيب الكبار” .

كما يستعرض المترجم كتاب “الكذب من أجل الإمبراطورية” من تأليف ديفيد مودل الذي يناقش سياسات ثمانية من الرؤساء الأمريكيين هم هاري ترومان، دوايت أيزنهاور، ليندون جونسون، ريتشارد نيكسون، رونالد ريجان، جورج بوش الأب، بل كلينتون، وجورج بوش الابن. ويرى المؤلف أن هؤلاء الرؤساء ليسوا سوى مجموعة من الكذابين والأفاقين الذين سعوا إلى خداع الناس من أجل تحقيق حلم إقامة الإمبراطورية الأمريكية.

 ويرى المؤلف كذلك أن سياسة الكذب التي اتبعها هؤلاء الرؤساء قد تم نشرها من خلال حملات العلاقات العامة التي قامت بها المؤسسات الإعلامية الأمريكية، وقد دأب رؤساء أمريكا على الكذب من أجل تبرير الحروب وذر الرماد في العيون، وإيجاد مبررات للفظائع التي ارتكبوها عبر التاريخ، فقد أصدر ترومان الأوامر بإحراق مدن بأكملها بالصواريخ من أجل إظهار تفوقه العسكري أمام الروس على الجانب الآخر بالرغم من معارضة كبار القادة العسكريين لتلك السياسة. وقد كذب دوايت أيزنهاور على الناس عندما ادعى بأنه يخشى على البلاد من المؤسسة الصناعية العسكرية ومع ذلك فقد استخدم هذه المؤسسة لإنهاء الديمقراطية في جواتيمالا مستخدماً الأكاذيب والحيل القذرة والدعاية المضللة. 

وفي الجزء الثالث “نواح على أطلال التاريخ” يلخص المترجم ما ورد في كتاب “قرار السلام: بريطانيا ما بين الماضي والآتي” من تأليف كوريللي دوغلاس بارنت. ويرى المؤلف أن صناع السياسة البريطانية في القرن الثامن عشر كانوا رجالاً من ذوي العقول الراجحة والعزائم القوية، فقد كانوا يعتقدون أن القوة هي أساس الاستقلال القومي، كما رأوا أن التجارة لأغراض اقتصادية تعد مصدراً للقوة والنفوذ، واعتبروا الحرب وسيلة للظفر بالاستقلال والاستيلاء على الموارد التجارية والهيمنة على العالم. ورأى هؤلاء الساسة- حسب زعم المؤلف- أن الحرب شئٌ عادى وأنه من المألوف أن يتعارك الناس وأن الحروب لا مناص منها من أجل البقاء وتحقيق الرخاء والهيمنة.

 أما الجزء الرابع والذي حما عنوان “أفراح الأفاعي” فيناقش كتاب "ما بعد الوقاحة: المتاجرة بالعداء للسامية وتزييف التاريخ من تأليف المفكر اليهودي نورمان فنكلستاين أستاذ العلوم السياسية في الجامعات الأمريكية والمتخصص في قضايا الصراع العربي الإسرائيلي ودراسات الهولوكوست التي تتناول تاريخ محارق اليهود على يد النازي في أوروبا قبل وأثناء الحرب العالمية الثانية. 

في مقدمة الكتاب ذكر فنكلستاين ما يلي: الفارق بين الهولوكوست كحدث والهولوكوست كصناعة يماثل الفارق بين العداء الحقيقي للسامية واستغلال قضية العداء للسامية من أجل الدفاع عن إسرائيل وتبرير سياساتها العدوانية وتحقيق أهداف مغرضة يستفيد منها الصهاينة في أمريكا أو في أي مكان آخر. وهكذا تم استغلال مسألة العداء للسامية مثلما تم استغلال الهولوكوست من أجل التصدي لأعداء إسرائيل واعتبارهم خطراً على المصالح اليهودية العليا وتهديداً لأمن إسرائيل. ويجري في الوقت الحالي استغلال ممنهج لقضيتي العداء للسامية وما يسمى "الحرب على الإرهاب" بهدف التعدي على أسس القانون الدولي وخرق كل بنوده ومعاهداته وضرب عرض الحائط بكل القيم الأخلاقية ومبادئ حقوق الإنسان. 
 

المصدر: البوابة نيوز

كلمات دلالية: الحرب العالمیة الثانیة من تألیف أن الحرب من أجل

إقرأ أيضاً:

من نشوة القصف إلى فخ الاستنزاف.. كيف وقعت “إسرائيل” في فخ الحرب التي أرادتها؟

 

 

في كتاباته المتعددة، كثيرًا ما حذر نعوم تشومسكي من غواية “القوة” حين تُمارَس بمعزل عن العقلانية السياسية، ومن السرديات الإمبريالية التي تُخفي الحقائق خلف لغة “الردع” و”الدفاع عن الذات”، “إسرائيل”، التي أفاقت على نشوة ضربة خاطفة ضد إيران، سرعان ما بدأت تدفع ثمن إيمانها بأن بإمكانها فرض توازنات الشرق الأوسط عبر هجوم مباغت على دولة إقليمية بحجم إيران، لكن الواقع، كما هو الحال دائمًا في منطق القوة، معقد ومفتوح على انهيارات غير محسوبة.
الهروب من غزة نحو سماء طهران
في بداية الأمر، بدا الهجوم “الإسرائيلي” على المنشآت الإيرانية وكأنه ضربة ناجحة: اغتيالات نوعية، ضربات على البنية التحتية النووية والعسكرية، وتحقيق ما وصفته وسائل الإعلام العبرية بـ”إنجازات لا تُضاهى”، لكن خلف هذا الإطار الإعلامي، تكمن أزمة أعمق: “إسرائيل” تهرب من مأزق غزة إلى معركة أخطر وأعقد مع طهران. والضربات لم تكن فقط ضد المنشآت، بل كانت في جوهرها محاولة لإعادة ضبط معادلة الردع بعد سلسلة من الهزائم الرمزية والاستراتيجية، بدءًا من 7 أكتوبر، مرورًا بالحرب الطويلة والمفتوحة في غزة، وصولًا إلى الخوف من تصاعد جبهة الشمال مع حزب الله.
النشوة كقناع للإنكار
في التحليل النفسي للسلطة، تمثّل النشوة الجماعية لحظة إنكار جماعية. الإعلام العبري، وحتى بعض المعارضين، انخرطوا في التهليل للضربة، وكأنها تعويض جماعي عن الإهانة الوطنية في 7 أكتوبر. لكن فإن “الاحتفال بالقوة لا يُلغي الحاجة إلى مساءلتها”. ما جرى لم يكن انتصارًا بل انزلاق محسوب إلى منطقة الخطر. والفرق بين الحكمة والجنون، أن الأولى تفكر في اليوم التالي، بينما الثانية تتلذذ بلحظة التأثير الفوري.
الفشل في فهم إيران
منذ عقود، تسوّق “إسرائيل” أن إيران “نظام شيطاني” يمكن تفكيكه عبر ضربة ذكية واحدة. وهذا بالضبط ما يُحذّر منه تشومسكي عند الحديث عن “التسطيح الاستشراقي” للعقل الغربي تجاه خصومه، إيران ليست دولة عشوائية، إنها منظومة معقدة ببنية عسكرية وعقائدية واقتصادية متداخلة، وتملك أدوات الرد في الإقليم، وأهم من كل ذلك: ذاكرة حرب طويلة. التجربة الإيرانية مع العراق (1980–1988) لا تزال تلهم العقيدة العسكرية الإيرانية. والشيعة، كما كتب يوسي ميلمان، “يتقنون فن المعاناة”.
الرد الإيراني لم يتأخر فقط لأن القيادة مشوشة، بل لأنه كان يحتاج إلى تأنٍّ استراتيجي، وإلى قرار محسوب بعدم جعل الرد مجرد فعل عاطفي. وعندما أتى الرد، كان بمستوى يجعل النشوة “الإسرائيلية” تبدو استهزاء بالتاريخ والجغرافيا معًا.
أمريكا ليست هنا
من أخطر ما اكتشفته “إسرائيل” هذه المرة، أن الولايات المتحدة –ولو بقيادة ترامب الحليف المعلن– ليست بالضرورة على استعداد لخوض معركة واسعة لأجل “إسرائيل”. وزير الخارجية ماركو روبيو كان واضحًا في نأي واشنطن بنفسها عن الهجوم، وهو موقف يعكس تحولًا عميقًا في المزاج الأمريكي الذي بدأ يتبرم من كلفة التحالف مع “إسرائيل”، لا سيما مع اتساع المعارضة للحرب في غزة، والصدام مع القوى الدولية الأخرى (كالصين وروسيا) حول سياسات الهيمنة.
ترامب قد يهلل للهجوم، لكنه لا يريد أن يُجر إلى مستنقع حرب طويلة في لحظة انتخابية حرجة. وهذا ما يعرفه الإيرانيون جيدًا، لذا يُصعّدون بثقة محسوبة. أما “إسرائيل”، فقد فوجئت بأن “الغطاء الأمريكي” الذي طالما اعتُبر ضمانة للجنون الاستراتيجي، بات مثقوبًا هذه المرة.
الحرب على النظام أم على البرنامج النووي؟
بين خطاب نتنياهو الذي توعّد برؤية طائرات “إسرائيلية” فوق طهران، وتصريحات مسؤولي الجيش بأن الهدف هو تدمير البرنامج النووي، ثمة فجوة سردية خطيرة. إذا كانت “إسرائيل” تريد تغيير النظام، فإنها تكرر خطيئة الأمريكيين في العراق: وهم استبدال النظام دون رؤية للبديل. أما إذا كان الهدف فقط وقف التخصيب، فإن الهجوم لم ينجح في تدمير منشأة فوردو، ولم يوقف البرنامج، بل ربما سرّعه.
ومن هنا يأتي خطر الحرب الاستنزافية. فإيران، التي تعي أنها لن تُهزم في ضربة واحدة، قد تُطيل أمد المواجهة، وتجعل منها حربًا متعددة الجبهات والأدوات: صواريخ على تل أبيب، هجمات سيبرانية، اشتباكات في مضيق هرمز، وتصعيد عبر حزب الله والحوثيين والحشد الشعبي.
إسرائيل تواجه نفسها
بعد الهجوم، انهالت الانتقادات من الداخل، فجأة صار نتنياهو في مواجهة مجتمع يكتشف هشاشته: الدفاعات الجوية فشلت، والحكومة لم تهيّئ الناس، وبدأ القادة العسكريون يحذرون من حرب طويلة، فيما المعلقون يتحدثون عن “فخ نصبته إسرائيل لنفسها”. وكأن الحرب، التي أرادها نتنياهو لتكون مخرجًا من ورطة غزة، تحوّلت إلى ورطة أشد وأخطر.
في كل هذا، يبدو أن “إسرائيل” لم تُجرِ الحساب الأساسي الذي تحدث عنه تشومسكي مرارًا: حين تبني قراراتك على وهم التفوق التكنولوجي وتغفل عن التعقيد التاريخي والسياسي والثقافي لخصمك، فأنت تصنع كارثتك بنفسك.
من غزة إلى طهران: لا خطوط رجعة
إن الفكرة القائلة بأن “إسرائيل” يمكنها أن “تُعيد ضبط النظام الإقليمي” عبر القوة، هي في جوهرها استمرار لسردية استعمارية قديمة، وهي أن “الشرق لا يفهم إلا لغة القوة”. هذه السردية لا تزال تحكم العقل “الإسرائيلي”، الذي لم يتعلّم من تجاربه في لبنان ولا في غزة، وها هو الآن يكررها على نطاق أوسع وأخطر.
لكن الفارق أن طهران ليست غزة. والمقاومة هنا ليست فقط صواريخ، بل منظومة ممتدة جغرافيًا وعقائديًا. “إسرائيل” لا تواجه إيران وحدها، بل منظومة ممتدة من العراق إلى اليمن، ومن لبنان إلى سوريا. وهذا ما يجعل هذه المواجهة قابلة لأن تنفلت من السيطرة في أي لحظة.
في الحروب، لا تنتصر النشوة
كما قال ناحوم بارنيع: “الحروب تبدأ بالنشوة… ثم تستمر”. “إسرائيل” في هذه اللحظة ليست في موقع المُسيطر، بل المُرتبك. فالهجوم الذي أريد له أن يُعيد الهيبة، كشف العجز. والضربة التي أريد لها أن توقف المشروع النووي، قد تُسرّعه.
إن لم تُدرك “إسرائيل” هذا الواقع بسرعة، وتقبل بخيار سياسي عاقل، فإنها تقود نفسها إلى مواجهة قد تكون الأعنف في تاريخها. وحينها، سيكون الثمن ليس فقط إخفاقًا استراتيجيًا، بل تصدعً داخلي طويل الأمد، وسقوطًا نهائيًا لوهم “الجيش الذي لا يُقهر”.
“الحروب لا تُخاض لإرضاء الغرور، بل لحماية الناس… وإذا كانت النشوة هي المعيار، فالنتيجة دائمًا كارثة.”

كاتب صحفي فلسطيني

مقالات مشابهة

  • بعد ضبط مدير مطبعة.. الحبس والغرامة عقوبة التعدى على حقوق الملكية
  • بوتين: أشعر بالقلق من أن العالم يتجه نحو الحرب العالمية الثالثة
  • بوتين قلِقًا: العالم يتجه نحو الحرب العالمية الثالثة
  • السفير العُماني ورئيس اتحاد الناشرين الأردنيين يبحثان مشاركة السلطنة بمعرض عمان الدولي للكتاب
  • ما زال سميح القاسم يخاطب الغزاة الذين لا يقرؤون
  • رتيبة النتشة: إسرائيل لا تعلن حقيقة الأهداف التي يتم إصابتها
  • أبرز المنشآت التي ضربها أعنف هجوم إيراني منذ بدء الحرب
  • سلطان يشهد تخريج الدفعة الثانية من أكاديمية الشارقة للنقل البحري
  • من نشوة القصف إلى فخ الاستنزاف.. كيف وقعت “إسرائيل” في فخ الحرب التي أرادتها؟
  • لقجع: مونديال 2030 صديق للبيئة والمغرب أصبح فاعلا رئيسيا في كرة القدم العالمية