لقاء بين بوشكيان وابو فاعور.. وبحث في صناعة حاصبيا وراشيا
تاريخ النشر: 9th, November 2023 GMT
التقى وزير الصناعة في حكومة تصريف الأعمال جورج بوشكيان، النائب وائل أبو فاعور وبحثا في الأوضاع السياسية والصناعية لا سيما في راشيا والبقاع الغربي.
كما بحثا كيفية تطوير الوسائل لدعم أبناء المناطق الريفية وتثبيتهم في أماكنهم، وسبل تعزيز الإنماء المتوازن.
المصدر: لبنان ٢٤
إقرأ أيضاً:
صناعة الجهل في الأردن…من يغلق العقول ويفتح الأزمات؟
صراحة نيوز-
مركز حزب عزم للدراسات الاستراتيجية
في كل أمةٍ لحظةٌ صامتة أخطر من أي حربٍ تُخاض بالسلاح، لحظةُ القبولبالجهل كقدرٍ جماعي. حين يُطفأ النور في العقول لا نحتاج إلى قوى خارجية لتهديدنا، فالعقول المطفأة تكفي لتصنع تهديداً لنفسها. من هنا يبدأ الخطر،لا من عدوٍ خارجي، بل من عقلٍ داخليٍّ تآكلت فيه القدرة على السؤال.
اليوم، حيث الذي تتسارع فيه المعرفة كما تتسارع الموجات الضوئية، يقف العالم العربي، أمام ظاهرة مقلقة وخطيرة، وهي صناعة التجهيل. حيث تبدو المفارقة أكثر فداحة حين تُصنع عمدًا، وحين تتحول إلى سياسة غير معلنة تتغلغل في تفاصيل التعليم، والإعلام، والخطاب العام.
فالجهل لم يعد مجرد غياب للمعرفة، بل بات منظومة متكاملة تحافظ على السكون، وتمنع الأسئلة، وتعيد إنتاج التبعية الفكرية والاجتماعية.
في منطقة الشرق الأوسط، تُستخدم سياسة التجهيل كأداة سياسية ناعمة لإبقاء الشعوب في دائرة الحاجة، والتبعية، والعجز عن التفكير النقدي. فحين يغيب الوعي، يسهل تمرير القرارات، وتُختزل الوطنية في الشعارات، ويُخضع المواطن لثقافة الخوف بدلاً من ثقافة السؤال.
في الأردن، كما في كثير من الدول العربية، لم تعد أزمة الجهل ناتجة عن ضعف الموارد أو قلة الكفاءات، بل عن غياب المشروع الثقافي الوطني القادر على توجيه التعليم نحو بناء الإنسان لا مجرد إعداد الموظف. فحين تُختزل المدرسة في امتحان، والجامعة في شهادة، والمعرفة في وظيفة، يصبح الجهل حالة مؤسساتية تُغلفها الشعارات.
لقد أفرزت هذه المنظومة ما يمكن تسميته بـسياسة التجهيل المقنّع، التي تُفرغ التعليم من محتواه النقدي، وتُشجع على النقل بدل الإبداع، وتحاصر العقل بين الولاء والخوف. وبدل أن تكون الجامعات فضاءً للحوار والتنوير، تحوّلت في كثير من الأحيان إلى ساحة للصراعات المختلفة، حيث تُدار الخلافات بعقلية الغلبة لا بعقلية الفكرة. ومن هنا، تبرز العلاقة الخطيرة بين سياسة التجهيل والعنف الجامعي، ويغيب الوعي، وتتراجع القيم الجامعة، وتتفكك الروابط الاجتماعية لحساب الانتماءات الضيقة التي تُضعف الدولة والمجتمع معًا.
إنها ليست صدفة ولا نتيجة تراجع عابر، بل نتاج سياسات ممنهجة، وتواطؤ صامت، وتراكم طويل من الإهمال والتهميش، حتى أصبحت المعرفة رفاهية، والجهل سلطة غير معلنة.
في بداية القرن الحادي والعشرين، قال الفيلسوف الفرنسي جاك دريدا “حين تُختزل المعرفة بالشهادات الورقية، يتحول التعليم إلى وسيلة للسيطرة لا للتحرير“. وهذا بالضبط ما نعيشه اليوم، حيث تحوّل التعليم من وسيلة للنهوض الاجتماعي إلى أداة لإعادة إنتاج التبعية والامتثال، لا التفكير الحر والإبداع.
في الأردن، تتكاثر الشواهد على أن الجهل لم يعد مجرد حالة اجتماعية، بلأصبح منظومة إنتاجٍ ناعمة تتخفى خلف الشعارات التربوية والدينية والإعلامية. نُعلّم أبناءنا القراءة من دون أن نُعلّمهم التفكير، ونُشيد بالمبدعين ثم نحاصرهمبالصمت، ونرفع شعار الإصلاح ونحن نخشى أول خطوة فيه. الى ان اتسعت دائرة التجهيل حتى صارت بنية شبه مؤسسية. هكذا تُصنع الأمم التي تعرفكل شيء إلا ذاتها، وتتكلم كثيرًا ولا تُصغي إلى عقلها.
فمن مناهج جامدة لا تواكب العصر، إلى جامعات تكرّر ذات الفكر والطرق، إلى ضعف في التفكير النقدي، وغياب ثقافة البحث العلمي، وتراجع في مكانة المعلم والجامعة معًا، حتى وصلنا إلى ما يشبه الحلقة المغلقة، تعليم بلا فكر، وطلاب بلا أفق، ووطن يدفع الثمن من مستقبله.
الجهل هنا لا يعني غياب القراءة والكتابة، بل غياب القدرة على التمييز، على التفكير المستقل، على طرح الأسئلة الجريئة التي تبني الأمم، وكما قال الفيلسوف الإيطالي أنطونيو غرامشي “الجهل السياسي أخطر من الأمية، لأنه يُنتج مواطنًا قابلاً للتلاعب“.
إنّ وقف صناعة الجهل يتطلب الاعتراف أولًا بأنها قائمة فعلًا، وأنها تجد في بعض المؤسسات التعليمية والإعلامية والدينية أدواتها المباشرة وغير المباشرة. فالمناهج المكرّرة التي تقتل روح الإبداع، والخطاب الإعلامي الذي يكتفي بالسطحيات، واللغة السياسية التي تزرع الخوف بدل الأمل، جميعها مكونات لصناعة الجهل الحديثة.
ولعل الخطر الأكبر يكمن في تطبيع الجهل، أي جعله مقبولًا أو حتى مرغوبًا، حين تُكافأ اللامبالاة ويُهمَّش التفكير النقدي، وحين يصبح الطالب الذي يسأل مزعجًا، والمثقف الذي يختلف مهددًا، والمعلم الذي يبدع محاصرًا بالقيود البيروقراطية، فإننا نكون أمام منظومة تُعيد إنتاج ذاتها دون أن تشعر بالخطر الذي تخلقه.
إن من يقف وراء سياسة التجهيل هم أولئك الذين يرون في الجهل ضمانًا لاستمرار نفوذهم. فالمجتمعات الواعية تُحاسب، والمثقفة تُطالب، والمستنيرة تُغيّر. ولذلك، يتم أحيانًا إضعاف التعليم العام والجامعي، وإغراق المؤسسات بالقرارات غير المدروسة، وإشغال الأكاديميين في التفاصيل بدل الأفكار.
فالجهل ليس مجرد خلل في النظام، بل نتيجة لإرادة خفية تبقي المواطن في مستوى وعي محدد، لا يهدد بنية المصالح القائمة.
إن من يتحمل المسؤولية عن هذا المشهد ليس شخصًا بعينه، بل حكومات، ومجالس التربية والتعليم العالي وهيئة الاعتماد ومجالس الأمناء ورؤساء الجامعات المتعاقبة جميعها. حيث جميعهم، أصبحوا، في حالات كثيرة، جزءًا من المشكلة لا من الحل. فتحولت الجامعات إلى ساحات للمحاصصة، وتوزيع للمواقع، لا لإنتاج الفكر والمعرفة. أما هيئة الاعتماد، التي يفترض أن تكون حارس الجودة، فقد انشغلت أحيانًا بالأرقام والنماذج الورقية أكثر من جوهر ضبط جودة المخرج الأكاديمي، وقد يكون السبب الى وجود خطاء في القانون الذي منح رئيس الهيئة حق وجودة عضو في مجلس التعليم، فأصبح بذلك جزء من التشريع، بدلاً من يكون الجهة الرقابية بالكامل، وبذلك تحولت رقابة ضبط الجودة، مع الوقت إلى حاجز بيروقراطي يمنع التميز بدلاً من أن يصونه.
كل الحكومات المتعاقبة، والمجالس المختلفة، تناغمت، حتى وصلت الى ان شكلت منظومة كاملة تداخلت فيها المصالح السياسية مع المصالح الأكاديمية والبيروقراطية.
وفي غياب الرؤية الوطنية الحقيقية، التي أدت الى تُعيَّن بعض القيادات الأكاديمية، التي لا تمتلك الكفاءة أو الجرأة الفكرية، بينما يُبعد أصحاب الفكر والرؤية، ويُقصى من يجرؤ على النقد أو التجديد. فاستقرت قيادات سياسية وأكاديمية غير كفؤة في مواقعها، تدير ولا تقود، تُنفّذ ولا تُفكّر، لتتوسع فجوة التراجع وتُخنق الجامعات والمؤسسات من الداخل.
النتيجة، شهادات بلا مهارات، وضعف في المخرجات، وانتشار العنف الجامعي كأحد تجليات الانهيار القيمي، وتراجع في التصنيفات، كلها تعكس صورة مأساوية عما وصل إليه التعليم من فراغ قيمي وفكري.
الكثير منا يسأل، لماذا فشلنا؟ فشلنا لأننا لم نفهم أن التعليم ليس مشروعًا وزاريًا، بل مشروع وطني حضاري طويل الأمد. كل استراتيجية تُولد منفصلة عن رؤية شمولية، تُدفن بعد تغيير وزير أو حكومة. المناهج تُكتب بعقل إداري لا بفكر تربوي، ومشاريع الإصلاح تُقاس بالموازنات لا بالأثر. حتى البحث العلمي، الذي يفترض أن يكون عقل الأمة، أصبح في كثير من الحالات وسيلة للترقي لا للإبداع، فانتشرت ظاهرة شراء البحوث او استلالها، وغابت النزاهة الاكاديمية، والرسائل الجامعية تُكتب لتملأ الرفوف لا لتبني الوطن.
لقد نجحت دول مثل سنغافورة وفنلندا وكوريا الجنوبية حين جعلت التعليم مشروعًا وطنيًا يقوده أفضل العقول، لا السياسيون ولا البيروقراطيون، فحولت مدارسها وجامعاتها إلى مصانع للفكر، لا مكاتب لإصدار الشهادات.
ومن هنا، فان حزب عزم، يؤكد على ما جاء في توجيهات جلالة الملك عبد اللهالثاني حين قال “لا يمكن للأردن أن يحقق رؤيته المستقبلية من دون تعليم نوعي يواكب التطورات العالمية“. فالتعليم بالنسبة للملك ليس قطاعًا إداريًا، بل معركة وعي لبناء الإنسان الأردني القادر على قيادة المستقبل.
إنّ الخروج من دائرة صناعة الجهل في الأردن لا يتحقق بالشعارات، بل ببدء مشروع وطني شامل لـصناعة التنوير، يضع التعليم والمعرفة في قلب السياسات العامة لا على هامشها. فالأردن الذي قدّم للعالم عقولًا لامعة في الطب والهندسة والعلوم، لا يجوز أن يُترك التعليم رهينة للتراجع الممنهج، وتسيسه، وهيمنة اللامبالاة على روح الجيل الجديد. فالتنوير ليس ترفًا فكريًا، بل هو أمن وطني طويل المدى.
ومن هنا فان حزب عزم، يرى ان وقف صناعة الجهل يتطلب أولًا الاعتراف بوجودها، وثانيًا تفكيك البنية التي تغذيها، ونحتاج إلى إعادة بناء مفهوم التعليم من الجذر، ليصبح مشروع دولة لا مشروع حكومة، وُمنح الجامعات استقلالها الحقيقي، وأن يُعاد النظر في آليات تعيين رؤسائها ومجالس أمنائها على أساس الكفاءة لا الولاء، ويجب ُفتح نوافذ الحرية الأكاديمية، لأن العقل لا يُبدع تحت القيد، ولا ينتج وهو خائف.
حين ننتقل من تبرير الجهل إلى مساءلته، ومن الخوف من الوعي إلى الاستثمار فيه، يمكن للأردن أن يتحول من بلد يستهلك المعرفة إلى بلد يُنتجها، ومن مجتمع يواجه الأزمات بالانفعال إلى مجتمع يصوغ الحلول بالعقل. هكذا فقط ننتقل من صناعة الجهل إلى التنوير.
كما يرى الحزب، إنّ صناعة التنوير لا تكتمل إلا إذا اصبحت مشروعًا وطنيًا وثقافيًا يستعيد العقل من براثن الخرافة والكسل الفكري. فالتنوير لا يعني مجرد حشو العقول بالمعلومات، بل بناء وعي نقدي قادر على التساؤل، والمراجعة، والتمييز بين الحقيقة والدعاية، وبين المصلحة العامة والنزعة الفردية أو الفئوية. إنّ المجتمعات التي نجحت في تجاوز أزماتها التعليمية لم تفعل ذلك بقرارات فوقية، بل عبر تحالف بين المدرسة والإعلام والجامعة والمثقف، لصوغ بيئة جديدة تُقدّر المعرفة وتمنحها قيمة اجتماعية واقتصادية.
في المقابل، لا يمكن صناعة التنوير في فراغ سياسي أو ثقافي، بل تحتاج إلى إرادة دولة ترى في الإنسان رأس المال الحقيقي، وتؤمن أن حرية التفكير لا تهدد الأمن، بل تحميه. من هنا تبدأ معركة الوعي، وبإعلام يُنير لا يُضلّل، وبخطاب ديني وعام يعيد للإنسان كرامته بوصفه غاية التنمية لا وسيلتها. وهكذا فقط يمكن للأمم أن تتحول من إنتاج الجهل إلى تصدير النور، ومن ثقافة التبرير إلى ثقافة السؤال.
ان صناعة التنوير تبدأ من المدرسة والجامعة والإعلام والمسجد والمنبر الثقافي، وتقوم على ترسيخ قيم التفكير، والانفتاح، والمسؤولية. فالمجتمع الذي يتصالح مع المعرفة، لا يخشى السؤال، ولا يهاب الاختلاف، ولا يُقصي المختلف. وهنا يأتي دور الدولة في جعل الجامعة منارة للعقل الحر لا ملاذًا للولاءات الضيقة. كما يجب أن يُعاد الاعتبار للمعلم والمثقف بوصفهما ركيزتين في المشروع، لا ضحيتين في معركة التهميش والبيروقراطية.
ان حزب عزم، يطرح رؤية واضحة للخروج من هذه الدوامة، تقوم على تحرير التعليم من البيروقراطية، وربطه بالتنمية الوطنية، وتطوير المناهج لتخدم التفكير النقدي لا الحفظ، وتمكين الجامعات من اختيار قياداتها على أساس الكفاءة والإنجاز، وتعزيز البحث العلمي التطبيقي الموجه لحل مشاكل المجتمع، وبناء شراكات بين التعليم وسوق العمل لتقليل البطالة بين الخريجين، وإعادة الاعتبار للمعلم والأكاديمي كقوة وطنية في بناء الإنسان، ويجب إشراك المجتمع المدني والأحزاب والمفكرين في صياغة رؤية وطنية للتعليم لا تتغير بتغير الحكومات.
لقد آن الأوان أن نكسر دائرة التجهيل، وأن نعيد الاعتبار للعقل الأردني.فالشعوب لا تنهض بالصدفة، بل حين تختار أن تتعلم لتتحرر، لا لتتأقلم. اننا بأمس الحاجة الى ثورة فكرية هادئة ولكن عميقة وشاملة، تبدأ من الصفوف الدراسية وتنتهي في غرف القرار، مروراً بالقيادات أكاديميين، التي تمتلك الجرأة لا المكاتب، وإلى مؤسسات تحمي الفكر لا تحاصره.
فإذا أدركنا ان الجهل صناعة، فيجب ان ندرك بان الوعي مقاومة، وإذا كان البعض يبني الجهل كجدار، فعلينا أن نحوله إلى جسر نحو نهضة وطنية، يكون عنوانها ” نهضة الأردن الشمولية بالعلم والعمل لا بالشعارات“ وهو الفكر الذي يتبناه حزب عزم بالكامل.