هل يستطيع سوناك تجاوز رفض المحكمة العليا ترحيل اللاجئين؟
تاريخ النشر: 19th, November 2023 GMT
لندن- تلقت الحكومة البريطانية ضربة موجعة لخطتها بشأن ترحيل طالبي اللجوء إلى رواندا، وذلك بعد حكم المحكمة العليا الذي قضى بعدم قانونية هذه الخطة، مما يعني إبطالها، وذلك بعد أشهر من الجدل الحقوقي والقانوني وإصرار الحكومة على إطلاق هذه الخطة مهما كلفها الثمن.
وبينما توقع البعض أن حكم المحكمة العليا قد يضع حدا لخطة ترحيل طالبي اللجوء إلى رواندا وبشكل نهائي على اعتبار أن قرارات المحكمة العليا لا تقبل النقض ولا الاستئناف لكن رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك فتح الباب من جديد أمام خيارات أخرى قد تجعل الحكومة تلتف على حكم المحكمة العليا للمضي قدما في ترحيل طالبي اللجوء.
ولا تخلو الخيارات التي تطرحها الحكومة البريطانية من خطورة في ضرب صورة البلاد الحقوقية والقانونية وإظهارها كدولة لا تحترم القانون والأحكام القضائية.
ماذا بعد حكم المحكمة؟
مباشرة بعد صدور حكم المحكمة العليا -الذي قال إن "خطة ترحيل طالبي اللجوء إلى رواندا غير قانونية بسبب وجود أخطار حقيقية على حياة طالبي اللجوء في حال ترحيلهم إلى بلاد أخرى مع عدم تقديم الحكومة الضمانات اللازمة لعدم ترحيل طالبي اللجوء من رواندا إلى بلاد أخرى"- جاء الرد من رئيس الوزراء أن أمامه خيارين، الأول هو توقيع اتفاقية جديدة مع رواندا تتعهد فيها بأنها لن ترحّل أي طالب لجوء إلى بلد ثالث.
أما الخيار الآخر فهو الأكثر إثارة للجدل من الناحيتين القانونية والسياسية، وهو إقرار قانون طوارئ ينص على أن "رواندا بلد آمن بموجب قانون يصوت عليه مجلس العموم الذي يتمتع فيه المحافظون بأغلبية ساحقة"، وبهذا سيكون على المحاكم البريطانية التعامل مع هذا القانون وعدم معارضة الترحيل مرة أخرى.
لكن ستكون هناك عقبة أمام هذا القانون، وهي محكمة حقوق الإنسان الأوروبية التي لديها صلاحية رفض القانون وإلغاء الترحيل من جديد، وهنا لوّح سوناك -دون أن يصرح- بإمكانية الانسحاب من المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان بأنه لن يسمح بمحكمة أجنبية بالتحكم في القرارات السيادية لبريطانيا.
وردا على خطة رئيس الوزراء لوضع قانون طوارئ لتمرير خطة الترحيل نحو رواندا، قال ستيف سميث المدير التنفيذي لمؤسسة "كير فور كاليه" -وهي المؤسسة التي رفعت الدعوى أمام المحكمة العليا لإسقاط خطة الترحيل- "إن هناك لقبا للقادة السياسيين الذي يتجاوزون سيادة القانون، وهو لقب دكتاتور".
وقال الحقوقي البريطاني في حديثه مع الجزيرة نت إن "ريشي سوناك من خلال خطته الجديدة لا يحترم سيادة المحكمة العليا في المملكة المتحدة، كل هذا باسم سياسة قاسية وغير أخلاقية، وغير قانونية من وجهة نظر القانون المحلي، وكذلك بالنسبة إلى المعاهدات الدولية التي تفتخر المملكة المتحدة بأنها طرف فيها".
واستغرب سميث ما يسميه إصرار رئيس الوزراء البريطاني على "الاستمرار في هذه الدوامة من خلال قانون طوارئ، لأن أي تشريع وحتى إن تم إقراره تحت بند الطوارئ فسيكون بالإمكان الطعن عليه في المحاكم المحلية بالمملكة المتحدة، وسوف نعود إلى النقطة نفسها".
واعتبر مدير مؤسسة "كير فور كاليه" أن الحل الوحيد هو "قبول رئيس الوزراء حكم المحكمة العليا، لأن هذا سيجعله يفكر في حل مشكلة الهجرة الحقيقية والبحث عن نظام يحمي الفارين من الاضطهاد والعبودية والتعذيب".
بدوره، أكد المحامي المختص في شؤون الهجرة محمود حسن أنه بموجب قرار المحكمة العليا "يجب ألا يصدر أي قرار ترحيل في المرحلة الحالية، وأي قرار يصدر يعتبر تجاوزا لقرار المحكمة العليا البريطانية ولا يحمل أي صفة قانونية طالما أن مقترح قانون الطوارئ الجديد لم يصدر بعد ولم يتم التصديق عليه".
وتابع حسن في حديثه للجزيرة نت أنه "في حال صدور قرار الترحيل لاحقا بعد التصديق على مقترح القانون الجديد توجد العديد من المنظمات والجمعيات المحلية والدولية في بريطانيا التي تسعى بكل ما أوتيت من قوة إلى تقديم الدعم وتوكيل محامين مجانا لكل شخص يصدر قرار ترحيل بحقه".
وقدم الخبير في قانون الهجرة بعض النصائح المهمة لطالبي اللجوء منها "إن كان طالب اللجوء يعاني من وضع صحي فإن عليه أن يصرح بذلك في المقابلة الأولى له ويقدم توضيحا مفصلا، لأن ذلك يساعد على تجنب إصدار قرار الترحيل الذي قد يشكل عقبة لتأخير ملفه والحصول على حق اللجوء".
أما النقطة الأخرى -وهي الأهم من وجهة نظر المحامي- فهي أنه "إذا كان لديه أقارب -سواء من الدرجة الأولى أو الثانية، أو إذا كان هناك شخص في بريطانيا مرتبطا به ويخططان لتكوين عائلة أو الزواج- فإن عليه التصريح بذلك في أول مقابلة معه".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: ترحیل طالبی اللجوء حکم المحکمة العلیا رئیس الوزراء إلى رواندا
إقرأ أيضاً:
المحكمة العليا تقييد أوامر القضاة الفيدراليين بحق المواطنة بالولادة وتؤيد قرار ترامب.. ماذا يعني؟
في قرار اعتُبر انتصارا قضائيا كبيرا لإدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، أصدرت المحكمة العليا الأمريكية، الجمعة الماضية، حكماً يقيد صلاحيات القضاة الفيدراليين في تعليق الأوامر التنفيذية على مستوى البلاد، ما يعني أن قرارات الرئيس لن تُعلق تلقائياً بمجرد تقديم دعاوى قضائية، بل سيقتصر أثر تلك الدعاوى على الأطراف المعنيين بها فقط.
وجاء الحكم بأغلبية 6 قضاة مقابل 3، وفقاً للانقسام الحزبي داخل المحكمة العليا، حيث عين الجمهوريون 6 من أعضائها مقابل 3 عينهم الديمقراطيون.
وكتبت القاضية إيمي كوني باريت، التي عينها ترامب، نص القرار الذي وصفته بأنه يحد من "الرقابة المفرطة" على السلطة التنفيذية.
تقليص نطاق "الأوامر القضائية الوطنية"
ويمنح القرار الحكومة الفيدرالية القدرة على تنفيذ سياساتها بشكل فوري تقريباً، باستثناء الحالات التي يتقدم فيها الأفراد أو الهيئات بدعاوى قضائية خاصة.
وكانت "الأوامر القضائية الوطنية" تُستخدم سابقاً لإيقاف تنفيذ السياسات التنفيذية في أنحاء البلاد بالكامل إلى حين الفصل القانوني في القضية، وهو ما قُيد بموجب الحكم الجديد.
وبذلك، يُفسح القرار المجال أمام إدارة ترامب للمضي قدماً في سياستها لإنهاء "حق المواطنة بالولادة"، دون أن يتضمن حكماً بشأن دستوريتها.
ومن المقرر أن يدخل الأمر التنفيذي المتعلق بذلك حيز التنفيذ بعد 30 يوماً من صدور الحكم، في غياب أي عرقلة قانونية جديدة على مستوى الولايات.
نهاية "المواطنة التلقائية" في 28 ولاية؟
وبينما طعنت 22 ولاية ديمقراطية على الأمر التنفيذي لترامب، فإن الحكم الجديد يعني عملياً أن سياسة إنهاء منح الجنسية تلقائياً للأطفال المولودين لأشخاص غير مقيمين بشكل دائم قد تُطبق في 28 ولاية لم ترفع دعاوى ضدها.
ويهدد ذلك بتغيير جذري في طريقة منح الجنسية الأمريكية، ولو بشكل مؤقت.
كما أنه يقيد قدرة المحاكم الفيدرالية على وقف الأوامر التنفيذية للرئيس، وهو ما كانت تعتمد عليه منظمات حقوقية وهيئات حكومية في التصدي لسياسات مثيرة للجدل أطلقها ترامب سابقاً، مثل حظر السفر، وترحيل المهاجرين، وقضايا الحريات المدنية.
سوتومايور: القرار مهزلة دستورية
وعارضت عضو المحكمة العليا٬ القاضية سونيا سوتومايور٬ القرار بشدة، واصفة إياه بـ"المهزلة لسيادة القانون"، وقالت إنه "دعوة مفتوحة لتجاوز الدستور"، منتقدة إغفال الحكم للبعد الدستوري المتمثل في التعديل الرابع عشر، الذي ينص على أن "جميع الأشخاص المولودين في الولايات المتحدة هم مواطنون أمريكيون".
وسبق أن أيدت المحكمة العليا هذا الحق عام 1989 عندما قضت بأن طفلاً وُلد في سان فرانسيسكو يعتبر مواطناً أمريكياً، رغم أن والديه كانا من رعايا الصين ولم يحصلا على إقامة دائمة.
ترامب: "فوز هائل"
في أول تعليق له، وصف ترامب القرار بأنه "نصر كبير للمحكمة العليا وللولايات المتحدة"، مؤكداً عزمه المضي قدماً في إصلاح "ثغرات المواطنة"، على حد وصفه.
وأضاف أن التعديل الرابع عشر للدستور صُمم خصيصاً لتكريس حق الجنسية لأبناء العبيد المحررين، وليس لجميع من يولدون على الأراضي الأمريكية من زوار أو مقيمين غير شرعيين.
في المقابل، انتقد المدعي العام لولاية ماريلاند، أنتوني براون، القرار، معتبراً أنه "سيُدخل العائلات في حالة من عدم اليقين القانوني"، متعهداً بمواصلة الطعن على سياسة ترامب، التي وصفها بأنها "غير أمريكية وغير قانونية".
منظمات حقوقية تتجه للقضاء مجدداً
بدورها، أعلنت منظمة "كاسا دي ماريلاند"، التي حصلت سابقاً على أوامر قضائية لوقف سياسات ترامب، رفع دعاوى جماعية جديدة لحماية الأمهات الحوامل وأطفال المهاجرين، معتبرة أن الحكم لا يضع حداً نهائياً للمعركة القانونية.
ووصفت صحيفة "نيويورك تايمز" القرار بأنه "تحول جذري في موازين القوى بين القضاء والبيت الأبيض"، قد يؤدي إلى تقليص قدرة المحاكم الفيدرالية على مراجعة قرارات تمسّ قضايا كبرى، مثل حقوق العمال، أو التمويل الخارجي، أو فصل الموظفين المدنيين.
وشددت الصحيفة على أن الحكم قد يُستخدم في المستقبل من قبل إدارات رئاسية لتمرير قرارات مثيرة للجدل دون رقابة فعالة، خاصة إذا كانت تملك أغلبية في المحكمة العليا.
أحكام أخرى في آخر أيام الدورة القضائية
وفي ختام دورتها القضائية قبل العطلة الصيفية، أصدرت المحكمة العليا أيضاً أحكاماً أخرى، أبرزها:
رفض طعن ضد قانون بولاية تكساس يقيد وصول القاصرين إلى المحتوى الإباحي على الإنترنت.
وتضمنت القرارات السماح لأولياء الأمور بسحب أبنائهم من حصص دراسية تتناول موضوعات تتعلق بالمثلية في مدارس ولاية ماريلاند، لأسباب دينية، غضافة إلى دعم توصيات فريق الرعاية الصحية العليا ضمن قانون الرعاية الميسرة، بخصوص إلزام شركات التأمين بتغطية بعض الخدمات الطبية الأساسية.
وبينما يفتح القرار الجديد المجال أمام إدارة ترامب للضغط على ملف الهجرة والمواطنة مجدداً، يبقى الصراع القانوني محتدماً في المحاكم الأدنى، في وقت يقترب فيه موعد الانتخابات، مما قد يجعل هذا الملف إحدى ساحات الاشتباك السياسي والقانوني الأشد سخونة في الولايات المتحدة خلال الشهور المقبلة.
ومنذ وصوله إلى البيت الأبيض مطلع عام 2017، خاض الرئيس الأمريكي سلسلة من المواجهات مع السلطة القضائية، لم تنتهِ بخروجه من الحكم، بل تصاعدت على وقع ملاحقات مدنية وجنائية، في واحدة من أكثر المعارك القانونية تعقيداً في التاريخ الأمريكي المعاصر.
ورغم محاولاته المتكررة لتحجيم دور القضاء وتقليص سلطاته، ظل ترامب في مرمى تحقيقات وقرارات قضائية شملت قضايا تتعلق بالهجرة والضرائب والانتخابات وأمن الدولة.