أبرياء تحت الأنقاض.. «عيد الطفولة» في غزة بين 5 آلاف طفل شهيد و1800 مفقود
تاريخ النشر: 20th, November 2023 GMT
في مثل هذا اليوم، 20 نوفمبر من كُل عام، تحتفل دول العالم باليوم العالمي للطفل، ولكن هذا العام يأتي الاحتفال مختلفا بالتزامن مع سقوط أطفال غزة ما بين شهيد وجريح بسبب قصف الاحتلال الإسرائيلي لمنازلهم، فقوات الاحتلال تستخدم القوة المفرطة، وقنابلها تتساقط على المنازل والأحياء السكنية، محولة حياة الأطفال إلى كابوس مستمر.
والاحتفال باليوم العالمي للطفل يعود إلى سنة 1954، حين أطلقت الأمم المتحدة «يوم الطفل» كحدث دولي رسمي، ودعت كل الدول إلى إنشاء يوم عالمي للطفل، دون تحديد يوم مُحدد، بهدف تحسين رفاهية الأطفال، وبعدها بـ5 سنوات؛ أصبح الاحتفال باليوم العالمي للطفل مُرتبطًا باعتماد الجمعية العامة للأمم المتحدة لـ«إعلان حقوق الطفل» في 20 نوفمبر 1959.. وهو نفس اليوم أيضًا الذي اعتمدت فيه الجمعية العامة للأمم المتحدة «اتفاقية حقوق الطفل» سنة 1989.
ورغم أنه ما زالت بعض الدول تحتفل باليوم العالمي للطفل في أيام مُختلفة، حسب تراثها وإرثها الحضاري، مثل دول الصين وروسيا والتشيك والبرتغال التي تحتفل بعيد الطفولة في 1 يونيو، أو أمريكا التي تحتفل به في يوم الأحد الثاني من شهر يونيو كُل عام، إلا أن كثيرًا من الدول تحتفل باليوم العالمي للطفل، في 20 نوفمبر من كُل عام مُنذ سنة 1990، لأنه تاريخ اعتماد الأمم المتحدة لإعلان واتفاقية حقوق الطفل.
والهدف من إطلاق الأمم المتحدة يومًا عالميًا للطفل، ودعوة الدول للاحتفال به، هو تشجيع الأخوة والتفاهم في جميع أنحاء العالم بين الأطفال، ودعوة المراهقين إلى التفكير في مكانهم في العالم، والنظر في القضايا التي تهمهم، وكيف يمكن للمجتمع معالجتها.
أطفال مصر
وفي مصر، يتم الاحتفال بعيد الطفولة في مثل هذا اليوم، وبحسب الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، فعدد الأطفال المصريين (أقل من 18 سنة) بلغ 41.5 مليون طفل (21.4 مليون ذكر بنسبة 51.6%، 20 مليون أنثى بنسبة 48.4%)، وبلغ إجمالي عدد الأطفال في الريف 25.3 مليون طفل، فيما بلغ إجمالي عدد الأطفال في الحضر 16.2 مليون طفل، وذلك بحسب تقديرات السكان في منتصف 2022.
والدستور المصري، تضمن مادة خاصة بالطفل، وهي المادة (80) التي نصت على أن «يُعد طفلًا كل من لم يبلغ الـ18 من عمره، ولكل طفل الحق في اسم وأوراق ثبوتية، وتطعيم إجباري مجاني، ورعاية صحية وأسرية أو بديلة، وتغذية أساسية، ومأوى آمن، وتربية دينية، وتنمية وجدانية ومعرفية.. وتلتزم الدولة برعاية الطفل وحمايته من جميع أشكال العنف والإساءة وسوء المعاملة والاستغلال الجنسي والتجاري».
كما نص الدستور في المادة 80، على أن «لكل طفل الحق في التعليم المبكر في مركز للطفولة حتى السادسة من عمره، ويحظر تشغيل الطفل قبل تجاوزه سن إتمام التعليم الأساسي، كما يحظر تشغيله في الأعمال التي تعرضه للخطر، ولا يجوز مساءلة الطفل جنائيا أو احتجازه إلا وفقا للقانون وللمدة المحددة فيه، وتوفر له المساعدة القانونية، ويكون احتجازه في أماكن مناسبة ومنفصلة عن أماكن احتجاز البالغين».
وللدولة مجهودات كبيرة في مجال حماية ورعاية حقوق الطفل، أبرزها؛ مبادرات لمناهضة العنف ضد الأطفال، ومبادرة «من حقي أعيش بدون إرهاب»، ومبادرة «قاصرات تحت التهديد»، ومبادرة «أنا ضد التنمر»، ومبادرة «بنتي نور عيني»، بالإضافة لعمل ندوات عن مناهضة الزواج المبكر، وتنفيذ ورش عمل لمناهضة الختان.
أطفال غزة
وفي وقت يجدد فيه العالم احتفالاته بعيد الطفولة، يظل الواقع المرير لـ«أطفال غزة» يسكن قلوبنا بظلمه وعجزه القهري، حيث يعيش هؤلاء الأطفال تحت مرمى نيران الاحتلال الإسرائيلي، لتتزايد معاناتهم يومًا بعد يوم.
تلك الأرواح البريئة تتعرض للمأساة، حيث يشكل الاحتلال الإسرائيلي تهديدًا حقيقيًا لحياتهم، فقوات الاحتلال تستخدم القوة المفرطة، وقنابلها تتساقط على المنازل والأحياء السكنية، محولة حياة الأطفال إلى كابوس مستمر.
وبحسب بيانات المكتب الحكومي في عزة حتى 17 نوفمبر الجاري، فإن عدد الأطفال الشهداء بلغ (5 آلاف طفل) من بين 12 ألف شهيد مُنذ العدوان الإسرائيلي على غزة في 7 أكتوبر، فيما تشير التقديرات إلى أكثر من 1800 طفل آخرين مفقودين تحت الأنقاض، وهو ما يجعل الحرب على غزة «مقبرة للأطفال».
من جهة أخرى، يعيش هؤلاء الأطفال في ظروف صعبة تفتقر إلى أبسط مقومات الحياة، حيث الحصار المفروض على غزة يحول دون وصول الإمدادات الطبية والمساعدات الإنسانية اللازمة، مما يجعل الحياة اليومية تحدًا غير معقول.
وتتزامن معاناة هؤلاء الأطفال مع الاحتفالات بعيد الطفولة، حيث يبدو الاحتفال برياح من المرارة، لتظل الألعاب والضحكات في غزة بعيدة عن مفردات حياتهم، فالقلوب ملؤها الخوف والهم، والأحلام تبتعد مع كل قصف جديد.
على الرغم من تلك الظروف القاسية، يستمر «أطفال غزة» في إظهار القوة والصمود، فتاريخهم يكتب بألوان المقاومة والتحدي.. إنهم يستحقون حياة أفضل.
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: عيد الطفولة يوم الطفل أطفال مصر اطفال غزة العدوان الإسرائيلي الاحتلال الإسرائيلي مقبرة للأطفال بالیوم العالمی للطفل بعید الطفولة حقوق الطفل أطفال غزة
إقرأ أيضاً:
أسرار صناعة أسطورة القاتل الصغير
«الدرك ويب» مصنع المجرمين الصغار «أزهرى»: المسئولية التربوية للأسرة تسبق أى حديث عن بلوغ أو عقوباتعالم تربوى: جرائم الأطفال تعكس تغيراً عميقاً فى طبيعة جيل تأثر بالمحتوى الرقمى العنيف
لم يعد مشهد الجرائم التى يرتكبها الأطفال فى مصر مجرد أحداث متفرقة يمكن تبريرها بالطيش أو اندفاع المراهقة، بل تحول إلى ظاهرة مقلقة تكشف تغيراً جذرياً فى سمات هذا الجيل، فأطفال اليوم رغم ملامح الطفولة التى تبدو على وجوههم باتوا يحملون داخلهم قدراً من العنف والجرأة والوعى السلوكى يفوق ما لدى كثير من البالغين، حتى أصبح المجتمع يواجه ما يشبه وحوشاً صغيرة قادرة على التخطيط والاعتداء، وليس مجرد قصر يخطئون دون إدراك.
هذا التحول لم يأتِ من فراغ، فالبيئة الرقمية أصبحت المؤثر الأول فى تشكيل عقلية الطفل، منصات الفيديو السريعة، الألعاب الدموية، المحتوى الجنسى، التحديات العنيفة، وصولاً إلى دهاليز الدرك ويب التى تفتح أبواباً مظلمة من السلوك الإجرامى يصنع وعياً مبكراً بالعنف ويدفع الطفل لتطبيع السلوك العدوانى دون خوف أو رادع.
فى المقابل، تراجع دور الأسرة بشكل واضح، فكثير من الآباء غابوا عن المتابعة، أو فقدوا القدرة على مجاراة ما يتعرض له أبناؤهم من محتوى إلكترونى متغير، فظهر جيل يربيه الهاتف أكثر مما تربيه الأسرة والمدرسة، بعد أن كانتا خط الدفاع التربوى الأول، فكما غابت الأسرة غابت المدرسة وانشغلت بالامتحانات والرسوم ومطالب الروتين الإدارى، واختفت الرقابة والانضباط، وأصبح المعلم نفسه عرضة للتهديد والاعتداء داخل الفصول.
ورغم تغير الأطفال، وتغير قدرتهم على الفهم والتخطيط، إلا أن القانون بقى كما هو، يتعامل مع الطفل بصفته «قاصراً» لا يدرك، رغم أن الوقائع تثبت أن أطفال اليوم يفكرون بوعى يسبق أعمارهم كثيراً.
هنا يأتى السؤال المحورى لماذا تغيرت سمات الأطفال بهذا الشكل؟ وهل ما زالت قوانين الأحداث الحالية صالحة للتعامل مع جرائم أطفال اليوم؟ أم أننا بحاجة إلى تشريعات جديدة تقيس الإدراك والنضج قبل العمر وتتوافق مع مبادئ الشريعة التى تحاسب كل بالغ عاقل؟
فارق كبير
وتوضح الدكتورة جيهان عبدالله، استشارى الصحة النفسية والعلاقات الأسرية، أن الفارق الكبير بين أجيال الماضى والجيل الحالى لا يرتبط بسن الطفل أو المراهق بيولوجياً، بل بسنه النفسى والثقافى، فالأطفال قديماً نشأوا داخل بيئات مغلقة نسبياً تحكمها قيم واضحة وحدود محترمة، وكانت مصادر التأثير محصورة فى التليفزيون والتجمعات العائلية التى تمنح الطفل دفئاً ورقابة طبيعية، رغم أن الأهل فى ذلك الوقت لم يكونوا يملكون قدراً كبيراً من التعليم، إلا أن الأسرة والمدرسة والمسجد والكنيسة كانوا منظومات تربوية متكاملة تشكل وعى الطفل وتضبط سلوكه، كما أن الأصدقاء كانوا غالباً من خلفيات متقاربة فى الأخلاق والقيم مما كان يجعل التنشئة أكثر استقراراً.
فى المقابل يعيش أطفال اليوم فى عالم منفتح بلا ضوابط يتشكل وعيهم من الإنترنت والسوشيال ميديا والألعاب العنيفة والتواصل مع أطراف مجهولة تعرضهم لأفكار وسلوكيات تتجاوز أعمارهم، فقد تغيرت المدخلات التى تدخل عقل الطفل تماماً، وهو ما أدى إلى تغيرات حادة فى الشخصية والسلوك.
وتشير الدكتورة جيهان إلى أن المدرسة لم تعد تؤدى دورها التربوى كما كانت، بل باتت تقدم محتوى متنوعاً وغير منضبط، بينما تقدم بعض المدارس الدولية معلومات قد تشوه الهوية أو التاريخ فى غياب رقابة حقيقية، وعندما يتلقى الطفل من الأسرة قيماً معينة ثم يجد المجتمع يقدم له نقيضها، فإنه يفقد الثقة فى المربى الأساسى ويعتبر أن المجتمع هو المصدر الأقوى.
وتشرح بأن غياب دور الأسرة يشكل أزمة حقيقية، فالكثير من الأهل أصبحوا منشغلين بضغوط الحياة الاقتصادية أو غارقين فى السوشيال ميديا حتى إن كانوا لا يعملون، ما أدى إلى تراجع دورهم الرقابى والتربوى.
كما أن القسوة المفرطة فى التربية بدافع الخوف على الأبناء لا تقل ضرراً عن الدلال الزائد، بينما تمثل المقارنة بين الأطفال واحدة من أخطر الممارسات داخل الأسر لأنها تشوه صورة الذات وتزرع الغيرة والعدوانية.
وتحذر الدكتورة جيهان من أن الأطفال الذين يتعرضون للتحرش أو الاعتداء قد يكبرون وهم يحملون جروحاً نفسية عميقة إذا لم يتم علاجهم بشكل صحيح، فهؤلاء قد يجدون صعوبة فى بناء علاقات سليمة أو تأسيس حياة أسرية مستقرة ما لم تمح آثار الصدمة بعلاج نفسى متخصص.
وتلفت إلى أن اضطرابات المراهقة الناتجة عن التغيرات الهرمونية لا تلغى وعى الطفل ولا إدراكه، فالأمراض الذهانية فقط هى التى تعفى من المسئولية القانونية سواء كان الطفل أو البالغ مصاباً بها، أما الاضطرابات الشخصية أو السلوكية فهى لا تعنى غياب الوعى بل خللاً يحتاج إلى تدخل علاجى.
وتشدد على ضرورة رفع الوعى المجتمعى وتصحيح النظرة السلبية تجاه الطب النفسى لأن كثيراً من الأهالى يرفضون فكرة عرض أبنائهم على مختصين خوفاً من الوصمة الاجتماعية، ما يؤدى إلى تفاقم المشكلات.
وترى استشارى الصح النفسية أن غياب الردع الواضح يزيد من تفاقم الجريمة، فالمجتمع يسمع عن القتل والاعتداء، ولا يسمع عن العقاب، ما يفقد العقوبة قيمتها الرادعة، مؤكدة أننا بحاجة إلى إعادة الاعتبار للإرشاد التربوى داخل المدارس وإلى منظومة واضحة لمحاسبة المجرم حتى ترتدع الدائرة بأكملها.
تغير الأجيال
أكد الدكتور مصطفى كامل، استشارى التدريب الدولى والخبير التربوى، أن الجرائم التى يرتكبها بعض الأطفال مؤخراً تعكس تغيراً عميقاً فى طبيعة جيل كامل تأثر بشكل مباشر بالمحتوى الرقمى العنيف، خاصة الألعاب الإلكترونية والمنصات غير الخاضعة للرقابة، والتى أصبحت عاملاً رئيسياً فى تشكيل سلوك عدوانى يتجاوز قدراتهم العمرية.
وأوضح أن تعرض الطفل المتكرر لمشاهد القتل والتكسير والدم يشوش إدراكه ويفقده القدرة على التمييز بين الخيال والواقع، خصوصاً فى المراحل المبكرة التى يتشكل فيها الوعى، وهذه الفئة هى الأكثر قابلية للتقليد، ما يجعل السلوك العدوانى بالنسبة إليهم مألوفاً أو طبيعياً.
وأشار إلى أن الأسرة تتحمل الدور الأكبر فى حماية أبنائها، ليس بمنع المحتوى فقط، بل بالاقتراب من عالم الطفل وتعليمه كيفية تقييم ما يشاهده، مع استخدام أدوات الحماية الرقمية وبناء علاقة قائمة على الحوار والثقة.
وشدد على أهمية دور المدرسة فى مواجهة هذه التغيرات من خلال إدراج التربية الرقمية ضمن المناهج، وتوعية الطلاب بمعايير الأمان الإلكترونى، ووضع سياسات واضحة لاستخدام الهواتف داخل الفصول، إضافة إلى التدخل المبكر مع أى طفل تظهر عليه علامات اضطراب أو ميول لتقليد السلوك العنيف.
وحذر من أن التعرض المستمر للمحتوى العنيف قد يؤدى إلى اضطراب عاطفى لدى الطفل، ويجعله أكثر اندفاعاً فى ردود فعله، بل وقد يتحول الأمر إلى نوع من الإدمان الذى يفقد فيه القدرة على التحكم فى مشاعره، خاصة فى الألعاب التى تكافئ الطفل على تنفيذ مهام عدوانية فتشوه مفهوم الصواب والخطأ لديه.
وأشار إلى خطورة إطلاع الأطفال على محتوى الدارك ويب، لما يسببه من خوف وقلق وشعور بالتهديد قد يترك آثاراً نفسية طويلة المدى.
واختتم حديثه مؤكداً أن حماية الطفل من هذا الخطر مهمة مشتركة بين الأسرة والمدرسة والإعلام والدولة، مشددا على أن بناء وعى نقدى ومناعة نفسية لدى الأطفال هو السبيل الحقيقى لتحصينهم أمام هذا العالم الرقمى المنفلت.
غير مكلف
قال الشيخ على المطيعى، أحد علماء الأزهر الشريف، إن المسئولية الشرعية للإنسان تبدأ مع بلوغه، أما قبل ذلك، فالطفل غير مكلف ولا يقع عليه الإثم، مستشهداً بقول النبى صلى الله عليه وسلم: «رفع القلم عن ثلاث: النائم حتى يستيقظ وعن الصبى حتى يحتلم وعن المجنون حتى يعقل»، وأوضح أن الحساب قبل البلوغ يكون مسئولية ولى الأمر، الذى يجب عليه تعليم الطفل الأخلاق وشعائر الدين ليشب على السلوك القويم.
وأشار إلى أن البلوغ يحمل الإنسان مسئولية أفعاله كاملة، لكن فى المعاملات المالية اشترط الشرع تحقق الرشد، لقوله تعالى: «فإن آنستم منهم رشداً فادفعوا إليهم أموالهم» وبين أن الطفل قد يرتكب جريمة تستوجب حداً أو قصاصاً مثل القتل أو السرقة حتى قبل البلوغ، وفى هذه الحالة لا يقام عليه الحد الشرعى، وإنما يوقع عليه عقاب تأديبى يناسب سنه، ليكون ذلك ردعاً له وتربية تعينه على الاستقامة، أما إذا كان الطفل فى الرابعة عشرة أو الخامسة عشرة وبلغ بالفعل، فحينها يستحق العقوبة الشرعية الكاملة إن ارتكب جريمة كبرى كالقـتل أو الاغتصاب.
وأكد الشيخ المطيعى أن المسئولية التربوية للأسرة تسبق أى حديث عن بلوغ أو عقوبات، فالأسرة هى الجدار الأول لحماية الطفل وتربيته، وما نشهده اليوم من جرائم بشعة سببه فى المقام الأول غياب الرقابة الأسرية الرشيدة، وترك الأبناء فريسة للمحتوى المنفلت ووسائل التواصل الاجتماعى دون توجيه أو متابعة.
وأضاف أن الأهل يجب أن يحاسبوا على تقصيرهم حين يهملون أبناءهم حتى يصلوا إلى مرحلة الإجرام.
كما أشار إلى أن تغير الزمان والمكان يؤثر فى الاجتهاد الفقهى، مستدلاً بتغير مذهب الإمام الشافعى عندما قدم إلى مصر، لأن مقاصد الشريعة تقوم على مراعاة مصالح المجتمع. ومن هذا المنطلق يرى ضرورة مراجعة القوانين والتشريعات الحالية بعد تصاعد الجرائم الخطيرة، مطالباً بضرورة ضبط المحتوى الدرامى بعد أن تركت الدراما لفترات طويلة تصنع من البلطجة والانحراف صورة للبطولة.
وأوضح أن الأزهر يقوم بدور فاعل فى نشر الوعى من خلال إرسال قوافل دعوية إلى المدارس والأندية ومراكز الشباب لتقديم النصح والإرشاد، ولكنه شدد فى الوقت نفسه على أن البداية الحقيقية للإصلاح تبدأ داخل الأسرة، ثم يأتى دور المدرسة بعدها فى استكمال التربية والتوجيه.
البلوغ والعقل
يرى الدكتور أحمد الطباخ، كاتب وباحث أزهرى، أن تحديد سن المسئولية الجنائية فى الشريعة الإسلامية يقوم على معيارين واضحين هما البلوغ والعقل، ولجأ الفقهاء إلى وضع سن تقديرى للبلوغ عند تعذر معرفة العلامات الطبيعية، فتعددت الآراء بين خمسة عشر عاماً وثمانية عشر أو تسعة عشر عاماً، كما فرق البعض بين الذكور والإناث لكون الفتاة تبلغ عادة قبل الفتى، ويعمل بهذا التقدير خصوصاً فى الجرائم التى تستوجب الحدود والقصاص كالقتل، أما ما دون ذلك من الجرائم فيخضع لعقوبات تعزيرية تتناسب مع سن الحدث وقدرته.
ويؤكد الطباخ أن معيار المسئولية فى الإسلام ثابت لا يتغير بتغير الزمن لأن الأساس هو البلوغ والعقل، بينما تبقى العقوبات التعزيرية مرنة يحددها ولى الأمر بما يحقق الردع والإصلاح دون إضرار بالطفل، فهدف الشريعة هو ضبط السلوك وحماية المجتمع لا الانتقام.
ويشير إلى أن معالجة جرائم الأطفال لا تقف عند العقاب فقط، بل تحتاج إلى رؤية تربوية شاملة تشمل الأسرة والمدرسة والإعلام والدولة لأن الطفل نتاج بيئته، ويجب ضبط المحتوى الرقمى الذى يتعرض له، وتقديم قدوة إيجابية، مؤكداً أن التعليم الحقيقى بكتابه ومعلمه ومدرسته هو الأساس فى إعادة بناء الوعى وتقويم السلوك.
تغير مرعب من جانبها قالت الدكتورة إلهام المهدى المحامية، لم يعد عالم الطفولة كما عرفناه، ذلك الفضاء الملىء بالبراءة والضحك والأمان، بل تحول فى السنوات الأخيرة إلى ساحة يتصدرها العنف والقتل والاعتداء، فى مشهد صادم يثير الذهول والخوف معاً.
والقضايا التى شهدها الشارع المصرى لم تعد حوادث فردية، بل سلسلة من الوقائع الدامية التى تكشف تغييراً مرعباً فى السلوكيات العمرية للأطفال والمراهقين.
ومن قضية الطفلة زينة ذات الخمس سنوات التى اعتدى عليها طفلان فى السادسة عشرة والسابعة عشرة، إلى مأساة أيسل التى اغتصبت وقتلت على يد طفل لم يبلغ الخامسة عشرة، وصولاً إلى جريمة الإسماعيلية حيث قتل الطفل محمد على يد زميله البالغ ثلاثة عشر عاماً. وتتكرر المشاهد فى حضانات ومدارس شهدت استدراج أطفال والاعتداء عليهم، بل وصلت الاعتداءات إلى مدرسين داخل الفصول، فى انهيار كامل لمنظومة الانضباط والقيم داخل المؤسسات التى يفترض أن تكون أكثر الأماكن أماناً.
وأكدت أن هذه الوقائع تفرض تحركاً عاجلاً وشاملاً، يبدأ من الدولة وأجهزتها الأمنية والقضائية لضمان محاسبة رادعة وسريعة، مروراً بالإعلام ودوره الغائب فى التوعية، وصولاً إلى المدارس التى يجب أن تخضع لرقابة صارمة، مع دعم العاملين فيها باختبارات نفسية وسلوكية.
كما يتحمل الأزهر والكنيسة مسئولية كبرى فى إعادة بناء الوعى الأخلاقى والروحى داخل الأسرة والمجتمع.
وأضافت: لابد من إعادة النظر فى قانون الطفل الذى أصبح غير قادر على مواكبة الواقع، فالأطفال لم يعودوا كما كانوا، ومستوى إدراك كثير منهم يمكنهم من ارتكاب جرائم بشعة.
وتابعت: «ليس منطقياً أن يحاسب قاتل فى الرابعة عشرة بعقوبات طفل ارتكب خطأ عابراً».
وأضافت: لا يمكن تجاهل تأثير التكنولوجيا، من الدارك ويب إلى المحتويات العنيفة على تيك توك ويوتيوب، فى ظل انهيار دور الأسرة وغياب الرقابة، ما يصنع جيلاً مشوه الوعى يسهل انزلاقه إلى العنف والجرائم.