الطبقة السياسية .. ملوك البوربون !!
تاريخ النشر: 24th, November 2023 GMT
منذ أسبوع، أكملت الحرب في السودان شهرها السابع، وخلال هذه المدة امتدت رقعتها المباشرة إلى خارج ولاية #الخرطوم لتشمل كل ولايات دارفور الخمس فضلاً عن ولايات كردفان الثلاث، واضطرت #القوات_المسلحة للإنسحاب من أغلب الحاميات في تلك الولايات، وخرج الحديث الذي كان يدور عن مخطط تقسيم السودان وفصل #دارفور، من نطاق التنظير إلى أرض الواقع، بل أصبح مطلباً لقطاع معتبر من عامة السودانيين من أبناء الوسط والشمال !!
يحدث هذا كله، وحال الطبقة السياسية كما لو أن الدولة لا تعيش حرباً تستهدف أصل وجودها، وأن زلزالاً سياسياً واجتماعياً ضرب البلاد وما تزال هزاته الإرتدادية تتوالى، وأن هناك الملايين تشردوا بين نازح ولاجئ، وأن الآلاف يموتون والمئات يستشهدون، وعشرات الآلاف يُصابون، وتترمل الآلاف من النساء ويصبح عشرات الآلاف من الأطفال يتامى، وتتفشى ثقافة القتل على الهوية والنهب والسلب والتغنيم، باسم الديمقراطية !!
قد يبدو هذا حكماً قاسياً، أو مُعمماً، لكني على كل حال لا أطلقه جزافاً، وشاهدي في هذا هو أنه حتى الآن لم تتجاوز القوى السياسية بمختلف توجهاتها، محطة الإتفاق الإطاري بكثير !!
مشكلة #الاتفاق_الإطاري الرئيسية هي أن مَن صمموه قصدوا أن يحتكروا القرار السياسي في السودان لصالح قوى سياسية بعينها يكون بيدها سلطة “الحل والعقد”، وأن تظل بقية القوى السياسية والإجتماعية إما معزولة ومُقصاة عمداً، أو مشاركة على قاعدة الرضا بما يجود به أهل الحل والعقد الذين بدأوا في هندسة الأوضاع في البلاد بما يضمن لهم حكمها حكماً مطلقاً دون إنتخابات، الأمر الذي كان سبباً مباشراً في إشعال حرب أبريل ٢٠٢٣م.
لقد كان من المفترض أن تدرك الطبقة السياسية خطورة الأوضاع التي آلت إليها البلاد في ضوء اندلاع الخرب، وتتناسى صراعاتها البينية وطموحاتها القديمة، وتوحد صفوفها لتقف في وجه الهجمة البربرية التي اجتاحت البلاد، حتى يزول الخطر الذي يتهدد الوطن، لكنها بدلاً من ذلك جعلت كل كتلة سياسية من نفسها “مركزية” تريد للآخرين أن يتجمعوا حولها هي، وكأننا يا بدر لا رحنا ولا جينا !!
الآن، وبعد مضي الأشهر السبعة، يؤسف المرء أن يقول إن الطبقة السياسية، مثلها مثل ملوك البوربون، لا يبدو أنها تعلمت شيئاً ذا بال، أو نسيت صراعاتها القديمة، فبدلاً من أن تستجمع التكتلات السياسية أطرافها وتتقارب لترسم ملامح المستقبل لما بعد الحرب نجدها تتشظى وتنقسم، وحين تحاول البحث عن الأسباب الحقيقية الكامنة وراء ذلك تكتشف أن داخل عقل كل فصيل سياسي “عقل شمولي” يعتقد أن فصيله هذا أحق بالملك من الآخرين الذين لم يؤتوا سعة من المال!!
لا شك عندي أن وعياً سياسياً واجتماعياً جديداً يتخلّق في رحم المجتمع السوداني مؤدّاه أن ما بعد الخامس عشر من أبريل لن يكون كما قبله، وما لم تعِ الطبقة السياسية ذلك بشكل جيد، وتبدأ في استخلاص العِبر من دروس التجربة المريرة التي عاشها السودانيون، وتُعدّل من أساليب تعاطيها مع الواقع، فإن ذهابها إلى متحف التأريخ سيكون مسألة وقت ليس إلاّ.. ألا هل بلغت .
العبيد أحمد مروح
المصدر: موقع النيلين
كلمات دلالية: الطبقة السیاسیة
إقرأ أيضاً:
برحيل الأستاذ عوض بابكر، تُطوى صفحة من صفحات الذاكرة السياسية السودانية
علمتني الصحافة أن لكل حقبة سياسية شخصياتٍ مركزيةً في معرفة المعلومات النوعية عن تلك الفترة، لا تجدها إلا عندهم.
ولا يتأتى لهم ذلك بسبب قربهم الفيزيائي فقط من صناع القرار ومراكز صناعة السياسات، بل لما يتمتعون به من قدرةٍ خاصة على اكتناز المعلومات، وتصنيفها، وتحليلها، واستخلاص خلاصاتها.
ومن بين هؤلاء، كان الرجل الهادئ الرصين الذي رحل اليوم بمدينة عطبرة، الأستاذ عوض بابكر، السكرتير الخاص للدكتور حسن الترابي لهما الرحمة والمغفرة.
كان عوض من القلة النادرة في الدائرة المقرّبة من الدكتور الترابي، ممن يعرفون ما لا يعرفه الآخرون، خاصة في الفترة من منتصف التسعينيات إلى مطلع الألفية الثالثة.
وقد طلبت منه مرارًا إجراء مقابلات لتوثيق تلك المرحلة المهمة من التاريخ السياسي السوداني، لكنه كان يعتذر بلطف، وبتواضع المعايشين الكبار.
قلت لبعض الأصدقاء في حديث عابر إن من أبرز أسباب دوران تاريخنا السياسي في حلقة مغلقة من التجارب المعادة والأخطاء المتكررة، هو غياب التوثيق؛ فلا نكتب مذكراتنا، ولا نسجل تجاربنا، ولا نستفيد من عبرها.
في المكتبة المصرية، تزدهر كتب المذكرات والسير الذاتية، ولذلك تُناقَش القضايا والمواقف التاريخية هناك اليوم بوعي وحيوية، وكأنها وقائع اللحظة.
برحيل الأستاذ عوض بابكر، تُطوى صفحة من صفحات الذاكرة السياسية السودانية، وتغيب معها معلومات ثمينة كانت ستضيء كثيرًا من الزوايا المعتمة في فهم تلك الحقبة.
نسأل الله أن يتغمده بواسع رحمته، ويسكنه فسيح جناته، ويحسن عزاء أسرته ومحبيه، وإنا لله وإنا إليه راجعون.
ضياء الدين بلال
إنضم لقناة النيلين على واتساب