تتناول هذه الأكتوبة -تناولاً جزئياً بطبيعة الحال- جانباً من جوانب النزاع الدائر بين الكيان الصهيونى المسمى «إسرائيل» والعرب؛ لا سيما أهل فلسطين. وهذا الجانب نادراً ما يحظى بالتنظير والتقعيد اللازمين وصولاً إلى اعتباره جهداً منظماً مأمولاً، وذلك على الرغم من أنه الجانب الأرجى وصولاً إلى الجمهور؛ ذلك بأن محتوى الأخبار والوسائط الإعلامية على اختلافها هى الأقدر على اجتياز الحدود ونطاقات البث ومحيط النزاع الفعلى.

ذلكم الجانب المقصود هو الجانب اللغوى، أى الخطاب الإعلامى فى زمن الحرب، وكذلك فى حال السلم.

ظهرت «حروب اللغة» فى عالمنا منذ أمد طويل، ومن أحد تجلياتها ما سُمى «حرب اللغات» (أو «ملحمة هسافوت» بالعبرية) فى عام ١٩١٣، وهى عبارة عن جدل حمى وطيسه فى فلسطين إبان تسلُّط الإدارة العثمانية عليها، أما موضوع الجدل فقد كان لغة التعليم فى المدارس اليهودية المستحدثة فيها (أى قبل قيام إسرائيل بعقود فى ١٩48)، وما اقترنت به تلك المساعى من حدث جلل تمثل فى إحياء موات اللغة العبرية. ففى عام ١٩١٣، كانت وكالة المساعدات الألمانية اليهودية (Hilfsverein der deutschen Juden) تدير مدارس للمهاجرين اليهود فى فلسطين منذ عام ١٩٠٥. وسعت الوكالة يومئذ إلى استخدام الألمانية بوصفها لغة التدريس والتعليم فى مدرستها الثانوية الفنية الأولى فى حيفا (أى مدرسة «تخنيكم» (Technikum))؛ فتسبب ذلك فى فورة وتنازع بين مناصرى استخدام الألمانية والحالمين بإحياء العبرية بوصفها اللغة التى ينبغى للشعب اليهودى النطق بها فى ما يراه «أرض الوطن»!

ليس سلاح اللغة بأدنى مما سواه تنكيلاً وإثخاناً متى وُظِّف لتلك الغاية؛ وهذا هو عين ما دعا أحد أشهر علماء ألسنية القانون على مستوى العالم، بيتر تيرزما، إلى إصدار كتاب كامل ضمّنه مباحث أكاديمية شتى بعنوان «جرائم اللغة» (Language Crimes) منذ إصداره الأول فى ١٩٩٣. تناول الكتاب (إساءة) استغلال ما يعرفه أهل الألسنية باسم «الأفعال الكلامية» فى مواقف تنطوى على الإغواء أو التآمر أو التشهير أو الحنث باليمين أو التهديد أو عرض الرشوة وما إلى ذلك من جرائم منبتها لغوى. غير أن هذا النموذج الأكاديمى يقتضى تطويراً بما يناسب دواعى المواجهة بين الكيان الصهيونى والعرب، وإن شئت فقل «العرب المخلصين للقضية» وكل حر صاحب ضمير فى عالم اليوم. ثمة «شقاق» لغوى لا تخطئه العين بين الاستخدامات اللغوية بين طرفى النزاع منذ بداياته، فما المطلوب إلا قائمة لسرد شواهد لفظية وعبارية على فجوات يتعذر رأبها بين الاختيارات اللغوية لطرفى النزاع بكل ما لها من دوافع سياسية ودينية وفكرية وتاريخية. وللقارئ الكريم أن يستدعى ما شاء من بواعث تفسيرية للأمثلة الآتى بيانها إثباتاً لبعض شواهد الشقاق المشار إليه. فمثلاً: منذ احتلال الصهاينة مدينة القدس فى ١٩٦٧ ظلت إدارة باحات المسجد الأقصى تحت هيمنة الاحتلال، والمثال هنا تحديداً عن الجدار القديم فى مدينة القدس القديمة الذى يشكل جزءاً من البناء المقام حول تل، أى «حائط البراق». وسبب التسمية فى العربية معروف، فى ما يسمى المكان نفسه «حائط المبكى» على ألسنة الصهاينة وفى الإعلام العالمى، وهذا الشقاق اللغوى محل تنافر وإصرار وتنازع بين طرفى الادعاء: الاحتلال وأصحاب الأرض.

ومن الأمثلة الأخرى الإصرار الصهيونى على التوسع فى بناء المستوطنات فى الأراضى المحتلة التى يرتجى لها أن تكون أرض الدولة الفلسطينية الوليدة فى الضفة الغربية وقطاع غزة (ظلت تلك المستوطنات فى غزة حتى ٢٠٠٥ إلى حين تنفيذ خطة «فك الارتباط»). هنا تحفظ كثير من اللسانيين العرب على استخدام كلمة «مستوطنات» لأن جذرها اللغوى العربى هو «وطن»، فكأننا نساعد الصهاينة على اتخاذ الأراضى الفلسطينية وطناً. فاقترحوا للكلمة بديلاً عربياً هو «مستعمرات»، لكن فئة أخرى نقمت هذا الاستخدام لأنه من الجذر اللغوى «عمَّر»، ومنه جاءت الأكذوبة الكبرى أن ما شهده العالم على مرور قرون كان «استعماراً»، أى طلباً للتعمير، لا للنهب والسرقة والقتل والتدمير وتأليب الشعوب والفئات والأفكار على بعضها بعضاً. وعلى ذلك، زاد جمهور الرافضين للمقترحين. فجاء مقترح ثالث هو تسمية تلك الكيانات المصطنعة «مغتصبات»، بجامع بشاعة الاغتصاب الذى يطال الأنثى والاغتصاب الذى يطال الأرض. ومع ذلك، فالغالب فى الخطاب الإعلامى العربى استخدام كلمة «مستوطنات».

القائمة تطول على تلك الشواهد، خصوصاً أن كثيراً من المناطق الداخلة فى نطاق فلسطين التاريخية قد عومل أهلها بالإبادة أو التشريد، وتاريخها بالطمس أو التلمدة (نسبة إلى التلمود)، مع استبدالها بكلمات ذات رمزيات صهيويهودية. ولا شك أن تلك التدابير الاحتلالية الإحلالية، والتدابير المستمسكة بالأرض فى مواجهتها، إنما تنم عن ذهنيات ذات تربّص ثقافى يراعى من الأمور دقيقها وجليلها، بما يعين على اتباع سردية تاريخية تنتظم كل مسالك الإحلال / المقاومة فى عقدها، بما فيها المسلك اللغوى. وعصرنا هذا أرجى وأجدى ما يكون فيه الانتشار اللغوى فى ظل الإلحاح البصرى السمعى على حواسّنا مجتمعة بفعل ثورة الوسائط والانفجار الإعلامى الذى لا يعرف حدوداً.

من المسلَّم به أننا نعيش عصر العولمة الطاغية فى كل شىء، وليست العولمة اللغوية ببعيد عن لسان أبسط الناس. والإلحاح بالأفكار والمسميات يزيد فى مساحة قبولها، أو على الأقل إلفها واعتيادها، ولذا أبدعت العامية المصرية: «الزن على الودان أمَرّ من السحر!»، ويدخل فى عداد ذلك الوصم الدائم للعرب وللمسلمين ولمرجعياتهم الفكرية فى وسائل الإعلام والخطاب العالمية، فصرنا نسمع على الدوام مصطلحات من قبيل «جهاديين» (وصماً لمفهوم الجهاد واجتزاءً له)، و«الإرهاب الإسلامى» لترسيخ هذا التلاصق بين مفهومين لا يلتقيان (الإرهاب والإسلام)، فضلاً عن وصم المسلمين بأنهم «جلادو نساء»، ووصم النبى الأكرم والعرب من ورائه بالشهوانية، وما إلى ذلك من أوجه الوصم التى من أحدثها سك مصطلح «الإرهاب الإسلامى السنى»! فى المقابل، تجد فكراً سقيماً مريضاً كالصهيونية يلقى كل تبجيل وتقدير وحماية على المستويات كافة، حتى تعالت الأصوات فى ظل هذا العدوان الغاشم على غزة باعتبار نقد السياسات الإسرائيلية أو المساس بالفكرة الصهيونية من قبيل «معاداة السامية» التى شرعت لحمايتها القوانين والتشريعات!

وترتيباً على ما سلف، لا بد من توسعة ميدان المعركة إلى ميادين أخرى استجابةً لما يحدث، فلهذا آثاره النفسية واللغوية والإعلامية المفيدة. ومن أساليب ذلك الإحالة إلى علوم الألسنية وحسن توظيفها من باب «العين بالعين». الحاصل الآن أن عواصف النقد والصراخ والإدانة والتحسر على الفظائع المرتكبة فى حق المستضعفين هى الطاغية على العقول؛ فالعاطفة (الواجبة المفهومة تماماً) مسيطرة على عقولنا. ومن المنظور العلمى: العاطفة تزيد فى إفراز الأدرينالين فى الجسم تحفيزاً لردة الفعل الآلية الفطرية فى الجسم، فمن أراد الرد العملى الموجع فليهدأ وليفكر بعقل بارد كما يقال. لذا فأحد أهداف ما يحدث هو إغراق الجميع فى موقف رد الفعل الملتحف بالعاطفة، لا فى موقف الفعل المهتدى بالعقل. وخروجاً من ضيق العاطفة الكسيحة إلى رحاب العقل الفسيحة، إليكم ما يلى.

كلمة genocide تعنى «الإبادة الجماعية»، وهى اتهام لا تكف أطراف شتى عن الترامى به منذ عقود، لكنه نادراً ما أفضى إلى المساءلة. أما من المنظور اللغوى، فهذه الكلمة منحوتة (والنحت اللغوى معناه ابتكار كلمة جديدة أو تعبير جديد أو استخدام كلمة أو تعبير موجود بالفعل استخداماً جديداً فى غير ما وُضع له). وهدياً بذلك، نحت المحامى البولندى رافايل ليمكن كلمة genocide فى عام ١٩٤٤ فى كتابه «دور دول المحور فى أوروبا المحتلة»، أى إن الكلمة التى أصبحت «جريمة الجرائم فى القانون الدولى» هى «ابنة أمس» كما يقال، ونحتها مفهوم من المنظور اللغوى كما يلى: نصفها الأول genos كلمة يونانية تعنى «قبيلة» أو «عرقاً بشرياً»، وأما نصفها الثانى cide فهو لاحقة لاتينية تعنى «القتل». ولما كانت الأحوال القائمة تقتضى وصماً مقابلاً (بالحق، لا بالباطل)، فالمقترح الجديد هو كلمة Ziocide: أى الإبادة الصهيونية (بمعنى: الإبادة الجماعية التى يرتكبها صهاينة). فالشق الأول من الكلمة مأخوذ من مصطلح Zionism (الصهيونية)، والثانى هو عينه اللاحقة الحرفية اللاتينية المذكورة آنفاً.

ومن أوجه الاستجابة اللغوية الأخرى لما يحدث فى غزة سك مصطلح Zioheid (بمعنى: العنصرية الصهيونية). والشق الأول من الكلمة سبق توضيحه، أما الشق الثانى من كلمة apartheid (بمعنى: الفصل العنصرى، خصوصاً كما شهدته جنوب أفريقيا). فهذه الكلمة مؤلفة من apart (بمعنى: «الفصل / التفرقة»، من اللغة الهولندية) ومن heid (بمعنى المصدرية). ومن هنا نسك هذا المصطلح الجديد دلالة على ما يقترفه الصهاينة من تفرقة عنصرية بغيضة ضد الفلسطينيين.

ثمة مثال آخر مبعثه هو التضليل الإعلامى الذى لا تكف عنه الآلة الصهيونية سواء أكانت تبث أو تكتب فى الكيان الصهيونى أم خارجه. وقد نظَّرَت علوم الاتصال (الإعلام) لمصطلحات تحليل الخطاب الإعلامى، حتى خرجت علينا بمصطلحات أحدها disinformation (بمعنى: التضليل الإعلامى، أى الكذب المحض فى المحتوى وفى العرض). ولأن الدعاية الصهيونية وداعميها جديرون بالوصم، فالمقترح وصمهم بمصطلح جديد هو Zio-information (بمعنى «التضليل الإعلامى الصهيونى»). أما ارتكان الصهاينة إلى الدعم الدولى اللا محدود سياسياً وعسكرياً واقتصادياً وإعلامياً فهو دليل على «الطفيلية الصهيونية»، أو Zioparasitism، فالطفيلية تعنى فى عالم الحشرات والحيوان أن الكائن الطفيلى لا يعيش بمفرده، بل يحتاج إلى كائن ليعيش عليه أو معه. فالصهيونية كائن طفيلى على داعميه، وحق لنا وعلينا سك هذا المصطلح تدليلاً على تلك الحالة.

المقترحات الأخرى كثيرة وممكنة، والغاية ها هنا هى الوصم المستحق لمن وصمونا بغير حق، وإحياء مسار الاشتباك اللغوى كى لا يموت فى ظل الطغيان الإعلامى وعولمة الإعلام التى لا تكف عن الإلحاح عن حواسّنا. نزعة الاستقلال وسمو النفس على الضيم والذل هى مجموع ما نحيا له وبه وعليه، واللغة محور كل شىء وأساس التعبير عنه؛ وعلينا تطويع العلوم لنفعنا ولضر عدونا، واللغة سلاح ماضٍ فى هذا الصدد، لا سيما إذا أعملناه فى وجه العدو باللغات التى يفهم، وبالأساليب التى منها ينفر، وللأهداف التى منها يضج... فتحية لمرصد الأزهر لمكافحة التطرف على هذا المنحى الجديد. لقد جاء ميلاد المرصد منذ عام ٢٠١٥ لعكس مسار التقليد واستشراف المستقبل بلغة العصر، فهو حرىّ بالتجديد فى كل موضع وكل قضية داخلة فى اختصاصه، والخطاب الإعلامى من تلك الاختصاصات، فهنيئاً للأزهر أن أقام المرصد شهاباً رَصَداً.

* مدرس ألسنية القانون، رئيس وحدة اللغة الإنجليزية بمرصد الأزهر لمكافحة التطرف

 

 

المصدر: الوطن

كلمات دلالية: الحرب السلام الكيان الصهيونى

إقرأ أيضاً:

يهودي تونسي يضع النقاط على الأحرف: الصهيونية تساوي معاداة السامية

اسمه "جيرار حداد" ومهنته طبيب، وعنوان كتابه الذي صدر مؤخرا باللغة الفرنسية "الصهيونية عنصرية واستعمارية". وجاء الكتاب ردا على ما يحدث في غزة، ووصف المرحلة الحالية بالحالكة، يصعب خلالها التفكير بحرية، متهما وسائل الاعلام الفرنسية بالانحياز، فإن شعرت بكونك صاحب رأي نقدي للسياسة الإسرائيلية ولست مدعوما من تل أبيب لا يمنحوك الفرصة للتعبير عن قناعاتك، ويتهمونك آليا بمعاداة السامية، ويقصونك من الفضاء العام بكل فاشية. لهذا طرح سؤالا وقرر الإجابة عنه بكل مسؤولية: كيف وصل الشعب اليهودي الذي عانى طيلة تاريخه الطويل من الاضطهاد إلى أن يتحول إلى شعب يضطهد شعبا آخر تربط بينهما علاقات أخوّة، حسب تعبيره؟

اعتبر الكاتب في حوار له أن الطغمة الحاكمة في إسرائيل فقدت الشعور بالإنسانية، وأقر بأنه كان في يوم من الأيام صهيونيا، وقضى ثلاث سنوات من عمره في إسرائيل، تألم خلالها كثيرا، وعايش الانتفاضة الأولى، مؤكدا على أنه يملك معرفة جيدة بالمجتمع الإسرائيلي، الذي يعيش تحت وقع التوترات الشديدة والمستمرة، وأنه مشحون بالكراهية المتبادلة بين مكوناته. واكتشف هناك أن القول بأن الصهيونية هي العدالة والمحبة؛ كذبة كبيرة. وأشار في هذا السياق إلى يهود روسيا وأوكرانيا الذين تم اتهامهم بالوقوف وراء اغتيال القيصر، وبناء عليه تعرضوا لحملة شرسة، وتم خلال هذه المحنة التفكير في نقلهم إلى الأرجنتين.

الطغمة الحاكمة في إسرائيل فقدت الشعور بالإنسانية، وأقر بأنه كان في يوم من الأيام صهيونيا، وقضى ثلاث سنوات من عمره في إسرائيل، تألم خلالها كثيرا، وعايش الانتفاضة الأولى، مؤكدا على أنه يملك معرفة جيدة بالمجتمع الإسرائيلي، الذي يعيش تحت وقع التوترات الشديدة والمستمرة، وأنه مشحون بالكراهية المتبادلة بين مكوناته
يعتقد السيد جيرار بأن الفلسطينيين قبلوا بكل تلقائية استقبال عشرات الآلاف من اليهود بنيّة بناء مجتمع واحد يستفيد من الإمكانيات الهامة لدى الطرفين، لكن الحركة الصهيونية رفضت ذلك بوسائل متعددة ذكرها الكاتب في كتابه، وتم إجهاض المحاولات التي قام بها بعض اليهود لإقامة جسور مع الفلسطينيين الذين يعمرون البلاد ويديرون شؤونها منذ قرون. وهكذا تحولت الصهيونية إلى أيديولوجية عنصرية معادية للسامية، واعتبرها الوليد الشرعي للغرب الذي يعتقد بأنه المالك الوحيد للحضارة، ويحتقر الشرق وشعوبه ويعتبرهم "برابرة". وكان جميع المثقفين الغربيين متفقون على هذا الرأي بمن فيهم كارل ماركس نفسه، كما أن هؤلاء اليهود الروس والبولونيين بالذات كانوا بدورهم يحتقرون يهود الشرق، ويتعاملون معهم باحتقار.

لم يكتف جيرار بذلك، بل ضرب مثالا بأحد اليهود الألمان الذي اعتبر السابع من أكتوبر عملا ثائرا ضد سياسة الهيمنة التي تمارسها إسرائيل، فانقلب عليه الصهاينة الفرنسيون، وعملوا على عزله. لهذا اعتبر المؤلف أن الموقف الألماني مقدوح فيه، وبالنسبة للموقف الفرنسي حدّث ولا حرج. كما اعتبر الكتاب الذي ألفه هرتزل عن "الدولة اليهودية" كتابا سخيفا ومقلقا وبيروقراطيا، مؤكدا بالخصوص على أن جميع اقتراحاته لم يقع العمل بها. أمام بالنسبة للحركة الصهيونية العالمية، فاتهمها بالسلطوية المفرطة، حيث لم تعط للمنتسب حرية التفكير، وأجبرته على الخضوع والتنفيذ فقط.

يعتقد المؤلف بأن الصهيونية هي أحد أبرز تيارات الحركة الصهيونية، وما تمزت به أنها الوحيدة التي مسكت السلطة وسحقت البقية لتنفرد بالقيادة. ويرى أن قوتها تكمن في قدرتها على الدعاية وفق هيكلية فريدة من نوعها في العالم، حيث جمعت بين التلمود والتاريخ الروماني والمحرقة وأشياء أخرى. واعتبر أن منظومة الكيبوتس تحمل في طياتها بعدا عنصريا، فهي رغم طابعها الاشتراكي والتعاوني تُقصي العرب بمن في ذلك اليهود من أصل عربي، اعتقد المؤلف بأن الصهيونية نجحت في خلق إنسان يهودي جديد، وذلك من خلال تغيير القيم اليهودية، فتحول حب الدراسة إلى حب المؤسسة العسكرية، وهو ما أوصلنا إلى هذه الحالة الجنونية في غزة ولبنان. وبما أني طبيب نفساني، أعتقد بأن هذه الحالة لها أسبابها، وهي ناتجة عن انفصال الصهيونية عن واقع اليهودية وهو ما جعل مسؤولا إسرائيليا يتساءل ذات مرة "ما الذي يجمعني بهؤلاء العرب"، ويقصد كل العرب بمن فيهم اليهود، ناسيا مكانة شخصية ابن ميمون الذي لعب دورا هاما في العهد الأندلسي.

صحيح أن اليهود حسب قوله لم يكونوا على أفضل حال في العالم الإسلامي، لكن الأكيد أنهم لم يتعرضوا للإبادة التي عُرفت في العهد البيزنطي، ثم انتقلت إلى المسيحية الكاثوليكية. أما في العالم الإسلامي فكان اليهود يخضعون لنظام الذمة الذي هو أقل درجة من المسلمين، لكن كانت لهم حقوقهم ومؤسساتهم، وتقع حمايتهم من قبل الدولة، ويمارسون عقائدهم، وهو ما لم يكن متوفرا في المجتمعات المسيحية، وذكر أن مؤرخا إسرائيليا اعتبر بأن الإسلام هو الذي أنقذ اليهودية من الانقراض. وقال جيرار إن الأتراك فعلوا خيرا عندما احتلوا القسطنطينية وقضوا على البيزنطيين الذين يؤمنون بضرورة استئصال اصحاب الديانات الأديان الأخرى وفي مقدمتهم اليهود.

اعتقد المؤلف بأن الصهيونية نجحت في خلق إنسان يهودي جديد، وذلك من خلال تغيير القيم اليهودية، فتحول حب الدراسة إلى حب المؤسسة العسكرية، وهو ما أوصلنا إلى هذه الحالة الجنونية في غزة ولبنان. وبما أني طبيب نفساني، أعتقد بأن هذه الحالة لها أسبابها، وهي ناتجة عن انفصال الصهيونية عن واقع اليهودية وعن الواقع المحلي والإقليمي. والغريب أنه في العالم الغربي لا أحد يسعى بجدية نحو وضع حد لهذا الجنون وإيقافه.

هذه قراءة أحد اليهود التونسيين المعادين للصهيونية، وهو ليس الوحيد.

مقالات مشابهة

  • الاستئناف تحدد مصير الإعلامى اللبنانى نيشان بعد حكم حبسه شهرا
  • جلسة «عصر الشهرة مقابل التأثير الفعلي» تؤكد ضرورة التسلح بالعلم والمعرفة ليكون الخطاب الإعلامي مؤثراً
  • محمد محمود يكتب: التصدعات بين الفيفا واليويفا.. تحركات إينفانتينو الـدبلوماسية وأولويات مثيرة للجدل
  • متحدث الأوقاف: مشروع طموح لحصر ممتلكات الوزارة بدقة و بأحدث الوسائل التكنولوجية
  • شيخ الأزهر: قضية فلسطين أولوية يجب ألّا تغيب عن الخطاب الإعلامي العربي
  • في ظروف غامضة.. العثور علي جثة عامل «متعفنة» في المنيا
  • إبراهيم شقلاوي يكتب: مياه حي الصفا تنتظر القرار
  • تآكل مجتمع الصهيونية “اللقيط” من الداخل.. أرقامٌ ومؤشرات
  • يهودي تونسي يضع النقاط على الأحرف: الصهيونية تساوي معاداة السامية
  • في اليوم العالمي الـ59 للإعلام... مناشدة لتطهير الخطاب الإعلامي